سارة تيسدال وأغاني الحب
عمر سليمان
ليس العنوان اقتباساً من اسم أهم كتب الشاعرة الأمريكية سارة تيسدال فحسب،وإنما من كل ماكتبته وأنجزته في حياتها التي لم تستمر سوى ثمانية وأربعين عاماً.على أنني أثناء بحثي عما كُتب عن الشاعرة في العربية،وسؤالي المثقفين والمترجمين عنها،لم أجد من يعرفها،كما لم أجد سوى مقطوعة قصيرة مترجمة لها،ولم يرد ذكر لسيرتها في العربية إلا بسطرين كانا عبارة عن خبر لذكرى وفاتها في موقع إحدى القنوات الفضائية.
نشأت سارة تيسدال في الولايات المتحدة،في مدينة سانت لويس،وقد بدأت هذه النشأة في الثامن من أغسطس عام 1844،وهي ثمرة جون وارن تيسدال الذي كان رجل أعمال بارز وماري إليزابيث ويلارد التي كانت سيدة اجتماعية معروفة،وكانت سارة الأصغر بين أخوتها الثلاثة جورج وجون وماري التي كانت الأقرب إليها،وقد سميت سارة على اسم جدتها.
أول كلمة نطقت بها سارة بشكل صحيح هي كلمة (pretty)وتعني (جميلة)،وقد نشأت في بيت دافئ مليء بالحب والحنان،كانت طفلة جميلة ومدللة عُوملت من قبل أهلها كأميرة،فلم تكن تقوم بما يقوم به الآخرون من الأعمال اليومية،لا ترتب فراشها أو تجلي الصحون أو تهتم بالعمل المنزلي،أما بنيتها فكانت ضعيفة جداً،وقد وصفت نفسها فيما بعد بـ(زهرة تكدح في العالم).
كانت تقضي أغلب وقتها في التأمل،وتحتفي بكل ما هو جميل،وعُلمت من قبل أبويها حتى بلغت التاسعة حيث انتسبت إلى مدرسةٍ لتعليم البنات.
عُرفت منذ حداثتها بقراءتها النهمة،وبميلها إلى الهدوء والطبيعة،وبالرومانسية وتوقد العاطفة،وفي الوقت ذاته بحديثها عن الموت والإكثار من ذكره،وحين أصبحت في الخامسة عشرة كتبت قصيدتها الأولى(مرآة كثيرة القصب).
بقيت سارة في سانت لويس حتى بلغت العشرين،حيث تنقلت بين الولايات المتحدة وأوروبا.
تزوجت عام 1914 من رجل يدعى(إيرنست) والذي لم تكن على وفاق دائم معه،حتى انفصلا عام 1929،لتعيش بقية حياتها للشعر،وقد أصيبت بالتهاب رئة مزمن أضعف جسمها لدرجة كبيرة،فاعتزلت العالم،وبقيت بصحبة ممرضتها التي اعتنت بها.
زواجها الفاشل ومرضها انعكسا على أشعارها المليئة بالقوة والمعاناة والحزن،والتعبير عن مدى ألمها لكونها لم تحصل على الرجل المثالي الذي تحلم به.
ارتبطت سارة لمدة سبع سنوات بعلاقة مثلية مع (مارغريت كونلن)،التي كتبت عنها: (هناك هدوءٌ في قلب الحب،وقد ثقبتُ الألم ليبقى السلام).
وهذا يجعلها إحدى خليفات شاعرة الحب والجمال(سافو)المشهورة بشعر السحاق،والتي لم تضاهها شاعرةٌ منذ القرن السادس قبل الميلاد حتى اليوم،ولكن ما أدهشني هو أنني أثناء ترجمتي لشعر سارة وجدته مليئاً بشعر الحب الذي يحدث بين الرجل والمرأة،بل إنها ذكرت أسماء العديد من الرجال الذي أحبتهم،فهل كانت سحاقية؟،سوى أن كتابها(هيلين من طروادة وقصائد أخرى)يشي بعلاقتها المثلية وإن لم تصرح بها،فقد كانت لغتها مليئة بكبرياء المرأة تجاه الرجل،وشعورها أن رجلاً لا يستحقها،بل عبرت فيه عن استهزاءها بالعلاقة معه،وربما يُردُّ هذا إلى فشل علاقتها الزوجية،ولعل الأخير بسبب مثليتها،والعكس أيضاً،كما أنه لم يكن لها تجارب كثيرة مع الرجال،وجميع الرجال الذين كتبت عنهم كانوا عبارةً عن حلم لم يتحقق.
وسواء كانت سارة تيسدال سحاقية أو لا،فإن شعرها الساحر كان غنائياً بامتياز،وذاتياً،مبتعداً عن الرمزية والغموض،على الرغم من أنها عاشت في فترة انتشار الرمزية التي وضعها بودلير في منتصف القرن التاسع عشر،ثم امتدت إلى أمريكا،وقامت بما قام به الكثير من الشاعرات والشعراء المجايلين لها،وهو العزلة والابتعاد عن الأحداث التي كانت تضج بعصرها،وعن الحياة الصاخبة،ولعل مرضها وزواجها الفاشل كانا سببين رئيسين لهذه العزلة.
ما يميز سارة تيسدال بحق هو الطرافة والسخرية والدهشة التي تتقنها بشكل بارع في نصوصها،منذ إصدارها الأول(سوناتات إلى دوس) عام 1907،ثم إصدارها لكتاب(هيلين من طروادة وقصائد أخرى)عام 1911، ،وحتى حصول كتابها(أغاني الحب)( Love Songs )على جائزة بوليتزير للشعر( (Pulitzer Prizeعام 1918،ثم كتاب(اللهب والظل)عام 1920،ومجموعاتها الأخرى: (ظلام القمر)،(نجوم إلى الليل)،(الأنهار إلى البحر)،وآخر ما كتبت(نصر غريب).
لم تعش سارة تجربة التجاهل في حياتها كما عاشت سافو تجربتها المرة بسبب الحروب والمشكلات السياسية الذين كانت بمنأى عنهما،شأن سارة تيسدال أيضاً.
أكثر شعرها كان عبارة عن مقطوعات قصيرة،والطويلة منها لم تُنشر إلا في (هيلين من طروادة وقصائد أخرى)،ونشعر في كل ما كتبته بصوتها الخاص البعيد عن أي انتماء شعري سوى نفسها،وعواطفها الذاتية بعفوية وإتقانٍ عليين،إنها شاعرة ذات موهبة كبيرة،وشخصية رائعة،وهذا واضح في شعرها.
كان آخر إنجاز قامت به سارة تيسدال هو انتحارها في التاسع من يناير عام 1933،في مدينة نيويورك.
(منقول)
تعليق