إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ديوان ترجمان الأشواق - الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ديوان ترجمان الأشواق - الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي

    الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي











    تأليفه لديوان «ترجمان الأشواق»


    أما عن ظهور الحكمة وهي تنبثق من عز الليل، وكما يقول هنري كوربان: «وحين نتأمل الحدث المركزي لهذا الاستهلال، نفاجأ بدءاً بـ "تشكيلة المكان": فالوقت ليل، والمؤلف يطوف بالكعبة. لقد حضرت المؤلف وهو يمشي على الرمل بعض الأبيات التي أنشدها. لم يشعر إلا بتجلِّ كائن لم يفطن له فيما قبل، سوف تمكّننا الحكاية من أن نتعرّف فيه على الصورة العينية المحاطة بهالة سماوية. فتحدّثَت إليه بلهجة تنمّ عن مصدرها الإلهي وبتأنيب قاس يكشف عن سر الديانة الحِكَميّة للحب.
    غير أننا نربح من ذلك سبيل فك حروف مجمل قصيدته باعتبارها احتفاء بلقاءاته مع الحكمة الصوفية، وباعتبارها سيرته الذاتية الباطنية، على إيقاع قلقه ومسراته.

    يقول الشاعر: "كنت أطوف ذات ليلة بالبيت فطاب وقتي وهزّني حال كنت أعرفه فخرجت من البلاط من أجل الناس وطفت على الرمل، فحضرتني أبيات أنشدتها أسمع بها نفسي ومن يليني لو كان هناك أحد، وهي قوله:
    ليت شعري هل دروا ..|.. أي قـلب ملـكوا
    وفؤادي لـو درى ..|.. أي شـعب سـلكوا
    أتـراهم سـلموا ..|.. أم تراهم هلـكـوا
    حار أرباب الهوى ..|.. في الهوى وارتبكوا

    فلم أشعر إلا بضربة بين كتفي بكف ألين من الخز، فالتفت فإذا بجارية من بنات الروم لم أر أحسن وجهاً ولا أعذب منطقاً ولا أرق حاشية ولا ألطف معنى ولا أدق إشارة ولا أظرف محاورة منها، قد فاقت أهل زمانها ظرفاً وأدباً وجمالاً ومعرفة».
    يقول هنري كوربان: «إن المرأة التي يمنحها الشاعر وظيفة ملاكية، لأنها بالنسبة له التمظهر المرئي للحكمة الخالدة، تمتلك من حيث هي كذلك وجوداً بالتجلي. ومستنتِجاً أنها تنتمي لبلاد الروم، أي إلى المسيحية الإغريقية والبيزنطية. والحقيقة أن هذه التداعيات الذهنية لها نتائج بعيدة المدى على حكمة مؤلفنا. بيد أن النقطة الأولية التي تهمنا هنا هي أن الصورة المتجلاة قد تم التعرف عليها باعتبارها صورة الحكمة أو الحكمة الإلهية، وبهذه المرجعية والمرتبة سوف تخبر محبوبها».
    يتابع هنري كوربان: «وإذن فإن الكائن الذي يحمل في طبيعته وظيفة الجمال المتجلي تلك هو الذي سيقدم الصورة الأكمل للألوهية. ومن هذا الحدس ستنبع فكرة الأنوثي الخلاق، لا كموضوع فقط وإنما باعتباره صورة مثالية للعبادة التفاعلية للعاشق. فتوافق الروحاني والمحسوس كما يتحقق في تلك الصورة سيقود إلى مفارقات رائعة، ومن ثم تنبع صورة مريم باعتبارها نموذج المتصوف، الذي يحدد ملامح "الحكمة العيسوية" التي لا تزال تختفي تحت رموز وإشارات "ترجمان الأشواق"، ذلك أنها هي التي تملك في الواقع سر الربوبية».


    ديوان ابن عربي


    أما هذه الملامح من «الحكمة العيسوية» فنراها تتألق في قصيدته «ما رحلوا يومَ بانوا» في ديوانه «ترجمان الأشواق» حيث يقول:ما رحلوا يومَ بانوا البُزَّلَ العِيسا ..|.. إلا وقد حملوا فيها الطواويسَا
    من كلِّ فاتكةِ الألحـاظِ مالِكَـةٍ ..|.. تخالُها فوق عرشِ الدُّرِّ بلقيسا
    إذا تمشَّت على صرحِ الزجاجِ ترى ..|.. شمساً على فلَكٍ في حِجرِ إدريسا
    تحيي، إذا قتلَت باللحظ، منطِقَها ..|.. كأنها عندما تُحيي به عيسى
    توراتُها لَوحُ ساقيها سناً، وأنا ..|.. أتلو وأدرسُها كأنني موسـى
    أُسقُفةٌ من بناتِ الرومِ عاطِلةٌ ..|.. ترى عليها من الأنوارِ ناموسا
    وحشيةٌ ما بها أُنسٌ قد اتَّخذَت ..|.. في بيتِ خلوتِها للذكرِ ناووسا
    قد أعجزت كلَّ علاّمٍ بمِلّتنـا ..|.. وداوُديّـاً، وحِبراً ثم قسـّيسـا
    إن أومأت تطلب الإنجيلَ تحسبُها ..|.. أقسّةً، أو بطاريقاً شـماميسـا
    ناديتُ، إذ رَحلت للبين ناقتَها: ..|.. يا حادي العيسِ لا تحدو بها العيسا
    عَبّيتُ أجيادَ صبري يوم بينهمُ ..|.. على الطريق كراديسـاً كراديسـا
    سألتُ إذ بلغَت نفسي تراقيها ..|.. ذاك الجمالُ وذاك اللطف تنفيسـا
    فأسلمَت، ووقانا الله شِـرَّتها ..|.. وزحزح الملك المنصور إبليسـا

    الشرح:
    البيت الأول:
    فيها بمعنى عليها، والبُزَّل: الإبل المسنّة، ورحلوها: جعلوا رحالها عليها، والطواويس: كناية عن أحبته شبههم بهن لحسنهن.
    المقصد: البُزّل: يريد الأعمال الباطنة والظاهرة فإنها التي ترفع الكلم الطيب إلى المستوى الأعلى كما قال تعالى: {والعمل الصالح يرفعه} والطواويس المحمولة فيها أرواحها. فإنه لا يكون مقبولاً، ولا صالحاً ولا حسناً إلا حتى يكون له روح من نية عاملة، أو همته وشبهها بالطيور لأنها روحانية، وكنى أيضاً بالطواويس لتنوع اختلافاتها في الحسن والجمال.

    البيت الثاني:
    الفتك: القتل في خلوة، مالكة: حاكمة، تخالها: تحسبها، العرش: السرير، بلقيس: المذكورة في القرآن في قصة سليمان عليه السلام.
    المقصد: يقول: من كل حكمة إلهية، حصلت للعبد في خلوته، فقتلته عن مشاهدة ذاته، وحكمت عليه، فإذا رأيتها حسبتها فوق سرير الدر يشير إلى ما تجلس لجبريل، والنبي عليهما السلام، في بعض إسراءاته في رفرف الدر والياقوت عند سماء الدنيا، فغشى على جبريل وحده لعلمه بمن تجلى عليه في ذلك الرفرف الدر وسماه بلقيساً لتولده بين العمل والعلم فالعمل كثيف، والعلم لطيف كما كانت بلقيس متولدة بين الجن والأنس، فإن أمها من الأنس وأباها من الجن ولو كان أبوها من الأنس، وأمها من الجن لكانت ولادتها عندهم، وكانت تغلب عليها الروحانية، ولهذا ظهرت بلقيس عندنا.

    البيت الثالث:
    المقصد: ذكر صرح الزجاج لما شبهها ببلقيس وشبه الصرح بالفلك وكنى بإدريس عن مقام الرفعة، والعلو، وكونها في حجره: أي في حكمة من جهة تصريفه إياها، حيث يريد كما قال: «لا تعطوا الحكمة غير أهلها» فلولا الحكم عليها ما صاح التحكم فيها بخلاف المتكلم بغلبة الحال عليه فيكون في حكم الوارد. فينبه في هذا البيت على تمكنه ميراثاً نبوياً فإن الأنبياء، يملكون الأحوال، وأكثر الأولياء تملكهم الأحوال وقرن الشمس، وإدريس لأنها سماؤه، وشبهها بالشمس دون القمر، تفريقاً بمقام هذه الحكمة من غيرها فكأنه يقول: قوة سلطان هذه الحكمة إذا وردت على قلب صاحب التجريد أثمرت فيه أحوالاً حساناً ومعارف مختلفة، وإذا وردت على قلب متعشق بما حصل فيه من المعارف أحرقتها، وأذهبتها، وذكر المشى دون السعي وغيره لنخوتها وعجبها وانتقالها في حالات هذا القلب من حال إلى حال بضرب من التمكن.

    البيت الرابع:
    المقصد: نبه على مقام الفناء في المشاهدة بقوله: قتلت باللحظ، وكنى بالإحياء عند النطق لتمام التسوية لنفخ الروح، ووقع التشبيه بعيسى عليه السلام، دون التشبيه بقوله: {ونفخت فيه من روحي} أو بقوله: {أن نقول له كن}، وجهين: الوجه الواحد: الأدب، فإنا لا نرتفع إلى التشبيه بالحضرة الإلهية، إلا بعد أن لا نجد في الكون من يقع التشبيه به فيما قصده، والوجه الآخر، أن عيسى لما وجد من غير شهوة طبيعية، فإنه كان من باب التمثيل في صورة البشر، وكان غالباً عليه على الطبيعة بخلاف من نزل على هذه المرتبة، ولما كان الممثل به روحاً في الأصل، كانت في قوة عيسى إحياء الموتى ألا ترى السامري لمعرفته أن جبريل محدث الحياة حيث سلك، أخذ في أثره قبضة فرماها (في العجل) فخار وقام حياً.

    البيت الخامس:
    الساق هنا: جيء أي جاء به لما كنى عن بلقيس، والصرح، وكانت قد كشفت عن ساقيها، أي بينت أمرها، ومنه {يوم كشفت عن ساق} الأمر الذي يقوم عليه شأن الآخرة، ومنه {والتفت الساق بالساق} أي التفت أمور الدنيا بأمور الآخرة والتوراة: من ورى الزند، فهو راجع إلى النور، وينسب إلى التورية أن لها أربعة أوجه، فشبه ساقها بالتورية في الأربعة أوجه والنور، والأربعة هم الذين يحملون العرش الآن، وهي الكتب الأربعة، وستأتي الإشارة إليها في مناظرتها مع أصحاب الكتب الأربعة في هذه القصيدة.
    فكأنه يقول: إن أمر هذه الحكمة قام على النور، ولذا قال: سنا فإن النور الذي وقع عليه التشبيه: إنما وقع بأربعة: المشكاة، والمصباح، والزجاجة، والزيت المضاف إلى الزيتونة المنزهة عن الجهات الثابتة في خط الاعتدال، ولما كنى عن ساقيها بالتوراة، احتاج إلى ما يناسب ما وقع به التشبيه من التلاوة والدرس، وذكر من أنزلت عليه، وأتلو هنا: أتبع وأدرسها: أي أطأ أثرها فيتغير بصفتي كما يطأ أحدكم (أثر) غيره بوطئه إلى شكل ما وطئه به، فإن الدرس التغيير.

    البيت السادس:
    الأسقف: عظيم الروم، والعاطلة: الخالية من الحلى والناموس: الخير.
    المقصد: يقول: إن هذه الحكمة عيسوية المحتد ولهذا نسبها إلى الروم، وقوله: عاطلة (أي)، هي من عين التوحيد ليس عليها من زينة الأسماء الإلهية أثر فكأنه جعلها حكمة ذاتية لا أسمائية ولا صفاتية لكن يظهر عنها من الخير المحض، ما يكنى عنه بالأنوار، وهي السبحات المحرقة التي لو رفع سبحانه الحجب النورانية والظلمانية – لأحرقت سبحات وجهه فهذه السبحات (هي) التي كنى عنها بالأنوار التي في قوة هذه الحكمة العيسوية فهي الخير المحض إذ هي الذات المطلقة.

    البيت السابع:
    الناووس: قبر من رخام كانت ملوك الروم تدفن فيها.
    المقصد: يقول إن هذه الحكمة العيسوية لا يقع بها أنس، فإن مشاهدة الذات فناء ليس فيها لذة، كما قال السيادي ما التذ عاقل بمشاهدة قط لأن مشاهدة الحق فناء ليس فيها لذة، وجعلها وحشية: أي أنها تتنزه إلى مسكنها النفوس الشريفة، وهي لا تألف إليها لعدم المناسبة فلهذا جعلها وحشية، وقوله بيت خلوتها، يكنى بالبيت عن قلبه وخلوتها فيه نظرها إلى نفسها، فإن الحق يقول: ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ولما كان هذا القلب الذي وسع هذه الحكمة الذاتية العيسوية في مقام التجريد والتنزيه كان كالفلاة، وكانت فيه كالوحش فلهذا قال وحشية ثم ذكر مدفن ملوك الروم تذكرة لها أي تتذكر الموت الذي هو فراق الشمل من التألف بعالم الأمر، والخلق من أجل الفراق، فيذكرها ذلك القبر حالة الفراق فيزهدها في اتخاذ الألفة.

    البيت الثامن والتاسع:
    لما كانت هذه المسألة ذاتية، وكانت الكتب الأربعة لا تدل إلا على الأسماء الإلهية خاصة، لهذا لم يقاومها ما تحمله هذه الكتب من العلوم وكنى عنها بحامليها فكنى عن القرآن، بالعلام بملتنا وعن الزبور بالمنسوب إلى داود وعن التوراة بالحبر وعن الإنجيل بالقسيس.
    يقول: إن كان من هذه الروحانية، إشارة من كونها عيسوية إلى الإنجيل بطريق التأييد له فيما وضع له بحسب الخواطر لديها. كنا لديها بمنزلة هؤلاء المذكورين الذين هم حمال هذا الدين وساداته، والقائمون به خادمون بين يديها لما هي عليه من العزة والسلطان.

    البيت العاشر والحادي عشر:
    يقول هذه الروحانية الذاتية، لما أرادت الرحيل عن هذا القلب الشريف، لرجوعه من مقام لي وقت لا يسعني فيه غير ربي إلى النظر في مصالح ما كلف به من القيام بالعوالم بالنظر إلى الأسماء رحلت الهمة التي جادت عليها لهذا القلب فكنى عنها بالناقة، والملائكة المقربون المهيمنون هم حداة هذه الهمم، فأخذ يخاطب روحانياً بكتابة الحادي ألا يسير بها لما له به من التعشق والتعلق والإنسانية تأبى استدامة هذه الحالة. أراد بالطريق: المعراج الروحاني والكراديس: الجماعات واحدها كردوس، وقوله تنفيساً: يريد ما أراد النبي عليه السلام بقوله: إن نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن.

    البيت الثاني عشر والثالث عشر:
    يقول: (أريد) إذ ولابد من رحلتها فلايزال عالم الأنفاس يأتيني من جهتها مع الأحوال، وهو الذي أيضاً تشير به العرب في أشعارها بإهداء التحية والأخبار مع الرياح إذا هبت فيكنى عن هذا المقال (هنا) بالأنفاس.
    يقول: فأجابت وانقادت إلى سؤالي، ووقانا الله سطوتها، كما قال: أعوذ بك منك هذا مقامه وزحزح الملك ما يريد خاطر العلم والهداية،إبليسا خاطر الاتحاد. هنا فإن هذا المقام صعب قل من حصل فيه فسلم من القول بالاتحاد والحلول فإنه المشار إليه بقولى تعالى {كنت سمعه وبصره} الحديث.

    وكما ذكرنا في البداية حول ازدواجية الإلهام الشعري الصوفي متمثلاً تارة بشخص «النظام» ابنة الشيخ الأصفهاني التي أشار إليها هنري كوربان أنها مثلت لشيخنا ما مثلته بياتريس لدانتي في الكوميديا الإلهية أي تجسد الحكمة الخالدة في مظهرها الدنيوي الذي تألقت فيه بشخص خاص مثل «النظام» التي كان لقبها «عين الشمس» وتارة أخرى من خلال الجارية الرومية التي سألها عن اسمها فأجابته بأنها «قرة العين» ممثلة بذلك الحكمة العيسوية، وأستطيع أن أقتطف بضعة أبيات يتناول فيها «النظام» وهي تلك الأنثى، العذراء الهيفاء، الملقبة بـ «عين الشمس» وبهائها، ومما قال فيها في ديوانه «ترجمان الأشواق»:
    من أجل تقييده بصورة امرأةٍ ..|.. عند التجلي فقلت النقص من بصري
    ونسوة كنجوم في مطالعهـا ..|.. وأنت منهن «عين الشمـس» والقمر

    وفي قصيدة من ديوان «ترجمان الأشواق» بعنوان «أغيب فيُغني الشوق» يقول فيها:
    أغيب، فيُفني الشوقُ نفسي، فألتقي ..|.. فلا أشتفي، فالشوق غيباً ومحضَرا
    ويُحدِثُ لي لقيـاه مـا لـم أظنّه ..|.. فكان الشـفاء داءً من الوجد آخَرَا
    لأني أرى شـخصاً يزيد جمالُه ..|.. إذا مـا التقينـا نفرةً وتكبـّرا
    فلا بد من وجدٍ يكون مقارِناً ..|.. لما زادَ من حُسنٍ نظامـاً مُحرَّرا

    أما شرح هذه الأبيات كما ورد في ديوان «ذخائر الأعلاق» شرح «ترجمان الأشواق»:
    يقول: في الغيبة يهلكه الشوق وفي اللقاء يهلكه الاشتياق فلايزال معذباً فهو في آلام الغيبة يرجو الشفاء باللقاء فإذا التقى يزيد وجده، وذلك أن التجليات لا تتكرر وأنه ينتقل من عالٍ إلى أعلى فيكون الثاني أعلى من الأول عند الرائي فلابد أن يكون له فيه أثر يحدث عنده مزيد تعلق ومحبة به فيه ضاعف حبه فيتضاعف شوقه فيزيد ألمه. وذكر لفظة الشخص للخبر الوارد.


يعمل...
X