إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفنان أدهم وانلي ... واقع يحاكي الخيال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنان أدهم وانلي ... واقع يحاكي الخيال

    أدهم وانلي .. واقع يحاكي الخيال
    " كريستي " تعرض له لوحة " المغني "
    لوحته " الترحيلة " تعبر عن التماهي مع أحوال الفقراء
    صلاح بيصار : أدهم يمزج عبقريته الفنية بدراما اللحظة
    تأثر بالأدب الشعبي وأجواء ألف ليلة وليلة
    المقاييس الأنثوية عنده أكثر حضورا وجرأة

    كتب - باسم توفيق:
    بين أحضان عروس المتوسط وسيدة سكندريات العالم ولد الأبداع كفطرة بيئية فالابداع في الأسكندرية يتدفق عبر نسيم البحر المحمل برائحة اليود والمحمل ايضا بزرات لانهائية من الابداع قد تجعل من اي شخص يستنشقه فنانا حتى ولو لمدة دقائق قد يقول فيها قصيدة صغيرة ثم يرحل وبالنسبة لمسيرة الحياة لم تكن حياة فنان الأسكندرية الكبير أدهم وانلي سوى قصيدة صغيرة مرت على شواطئ الأسكندرية فبعثرها نسيمها الحنون بين ثنايا تاريخ الفن .

    إذن من سحر خفي وعسل يداعب أجواء عزيزتنا الأسكندرية ولد وعاش أدهم وانلي وكان جزءا من سيمفونية سكندرية ألفها الاسكندر وعزف فيها كفافيس ولورانس داريل كما عزف فيها من قبل كاليماخوس وأبولونيوس لكن السولو الذي عزفه أدهم كان قصيرا نوعا ما ومع ذلك كان مليئا بالابداع والجمال .
    الأسكندرية التي أحتضنت في تاريخها القديم والحديث كل الأجناس والنحل والمشارب ايضا احتضنت اسرة أدهم وانلي وأخيه الفنان العظيم أيضا سيف وانلي .
    ففي 25 فبراير 1908 حيث كانت احدى النوات القوية تضرب شواطئ الأسكندرية وبالتحديد في قصر عرفان باشا في منطقة محرم بك الشهيرة جاءت ( الداية ) الشهيرة في هذا الوقت ( صالحة افندي ) وهي مولدة تركية شهيرة كانت تستعين بها اكبر العائلات في الأسكندرية لتقوم بتوليد نسائها حيث ولد على يديها أيضا ( محمد سيف الدين وانلي ) الشهير بسيف وانلي وهو الأخ الأكبر لأدهم وانلي وكانوا ذوي أصول عريقة حيث كان والدهم اسماعيل بك وانلي أحد أثرياء الأسكندرية ومثقفيها وهو من أصول كردية اما والدتهم ( عصمت هانم الداغستاني ) فكانت ايرانية كردية أيضا وليس غريبا على الأسكندرية ان تنمو فيه هذه الأسر ذات الأصول المختلفة حيث فر اليها العديد من الجنسيات والأعراق ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الكريتلية وهم مسلمو جزيرة كريت الذين فروا امام بطش اليونانيين نتيجة لتعسف الترك مع اليونانيين كذلك الأكراد الذين كانت لهم اصولا قديمة في الأسكندرية حيث اتى العديد منهم مع القائد الكردي الشهير ( صلاح الدين الأيوبي ) وحيث كانوا يتوافدون من سوريا ايضا وليس غريبا ان تنجب الأسكندرية من هذه الاعراق معظم فنانيها حيث كان الفنان الكبير حسين بيكار كريتلي والفنان عصمت داوستاشي كريتلي من البكتاشية ايضا.
    ولقد عاش ادهم وانلي في طفولته جوا حفز الفنان بداخله حيث كان كل شيء في منزله يوحي بالثراء والجمال والفن فبه حديقة غناء ومكتبة كبيرة تضم مراجع بالفرنسية عن حروب ( نابليون ) وأشعار ( لامارتين ) وكتب مزينة برسوم الفن الإيراني وعلى الجدران لوحات بالخط العربي والفارسي ولقد رفضت أسرتهما في البداية انتظامهما اي ادهم وسيف في الدراسة بالمدارس المصرية خوفًا عليهما من جنود الاحتلال الإنجليزي بالإسكندرية فبدآ دراستهما بالقصر على أيدي أساتذة في اللغة والموسيقى، كما لم ترحب الأسرة بميل الطفلين إلى الرسم حيث سيشغلهما عن الدروس فأصبح الرسم من الأعمال السرية عند الأخوين.
    ورغم ان والدهما في البداية قد عارض مسألة دراستهما واحترافهما للرسم الا ان الفن كان غالبا على شخصيتهما حيث اصبح الرسم متنفسا لأدهم ومساحة للتعبير عن الذات فلقد كان أدهم خجولا جدا ولا يستطيع ان يتواصل بشكل دائم في المجتمعات المفتوحة نوعا ما في هذا العصر على عكس اخوه الكبير سيف .
    وفي عام 1929 تلقت الأسرة خبرا سارا جدا غير مجرى حياة الأخوين وخاصة أدهم الذي كان يشعر أن الفن هو كل حياته حيث علمت الأسرة ان الفنان الأيطالي الكبير ( أوترينو بيكي ) سوف يأتي الى الأسكندرية وهو يعتزم ان يفتتح فيها أستوديو يستقبل فيه الطلبة من محبي دراسة الفن التشكيلي وأوترينو بيكي كان فنانا ايطاليا شهيرا في هذا الوقت وكان من مدينة ميلانو الشهيرة لكنه كان معارضا لسياسة موسوليني الفاشية فقرر الرحيل الى مصر وانتظم في مرسمه الأخوين بل كانا اول طالبين يبدآن في الدراسة على يديه وكان زميلهما الفنان الكبير ايضا أحمد فهمي لكن أدهم كان يلفت كثيرا نظر استاذه بيكي لأن بيكي كان يرى فيه بداية لخط تشكيلي جديد في مصر بالفعل يعتبر أدهم من دعامات الفن التشكيلي العربي في العصر الحديث ويقول الفنان التشكيلي الكبير صلاح بيصار ( أدهم وانلي ليس فنانا عاديا بل هو فنان سوبر يتمتع بقدرات عالية بالاضافة الى احساسه بجو كل ما يرسمه وأدهم ايضا يتمتع بحس درامي قوي فهو يمزج عبقريته الفنية بدراما اللحظة وقد يحمل اللوحة ايضا شجونا وهموما تبدوا للمتلقي وكأنها لقطة درامية شديدة التعبير).
    ويعتبر بالفعل أدهم وانلي فنانا شديد التميز سواء من ناحية الفكرة أو من الناحية التقنية ويبدوا ان أدهم وانلي قد أثر كثيرا في تاريخ الفن التشكيلي المصري ويتبدى ذلك في الأساليب التي تدرس في المدارس حيث تجد معظم اللوحات التي تزين المدارس في مصر لا تخرج عن كونها قصاصات من أفكار وأسلوب أدهم وانلي مما يجعلنا نقول أن مقاييس أدهم وانلي تم اعتمادها بشكل لا ارادي حتى تكون المقاييس التي تشكل أسلوب الرسم الشعبي .
    ويبدوا هذا بشكل واضح في لوحته الشهيرة الترحيلة والتي قد تجدها جديدة من ناحية موضوعها في هذا الوقت كذلك سوف تجدها من ناحية المقاييس والطرح الدرامي قد شكلت تيمة كررها المئات من فناني مصر والوطن العربي .

    ومما يجعلنا نؤكد ان أدهم وانلي قد أثر في الأسلوب الشعبي في الفن التشكيلي هو شدة تأثره بالأجواء الشعبية في لوحاته حيث تأثر بالأدب الشعبي وتجد ذلك في لوحته الشهيرة الحصان المسحور التي تمثل تدجينا بين حكايات الف ليلة وليلة وبين القصص الشعبي كذلك في لوحته السندباد وبالنسبة لتأثره ايضا بالأجواء الشعبية على الرغم من أصوله العريقة فهو يبدو للمتلقي فنانا يطرح قضايا اشتراكية عالية القوة مثل السيرك والترحيلة كذلك في لوحته الرائعة ( القرداتي ) وفي لوحته الريجيسير .
    وكان الأسلوب اللوني لأدهم وانلي أسلوبا قويا ومعبرا حيث كانت ألوانه تتأرجح بين السخونة والخفة على حسب أجواء اللوحة الدرامية وكان أدهم يفتح مساحاته اللونية ليخلق براحا متعمدا في اللوحة ليوحي برحابة تجعل المتلقي يغرق في الخيال حيث كان الرسم بالنسبة له واقعا يحاكيه الخيال.
    ولقد ولع الأخوان وانلي بالموديل العاري وهو ولع كان خفيا وغير منظور في لوحاتهما المعروفة ويلاحظ المتأمل في لوحات المعرض جرأة أدهم وانلي بالتحديد في تعاملها مع هذا الموضوع حث تبرز الأجساد بحسية لافتة فيما تغيب هذه الحسية في لوحات سيف التي يتحول فيها الجسد إلي تكوينات ضوئية غير منظورة ويقول النقاد إن أعمال أدهم وانلي ذات طبيعة حسِّية لافتة وهي تتمحور حول عالمه ومحيطه، وهو ما يمثل امتداداً طبيعياً للمدرستين الانطباعية ومابعد الانطباعية، أو الانطباعية الجديدة. أما أعمال سيف وانلي فذات طبيعة تجريدية وهي تنبئ باتجاهات الفن المعاصر عالمياً.
    وتعرض حاليا دار كريستي الشهيرة مجموعة لوحات للبيع في مزاد خاص لأدهم وانلي منها لوحة المغني التي قد يصل سعرها لـ400000 دولار كما تعرض للبيع ايضا لوحة سيف وانلي رقصة الدبكة اللبنانية وقد يصل سعرها الى 300000 دولار.
    ولقد اشتهر أدهم وانلي عالميا حيث كانت له معارض كثيرة منها عام 1947 معرض أرت كلوب بروما، 1949 معرض اليونسكو في بيروت، 1949 ومعرض مصر فرنسا في باريس، 1950 معرض بينالي البندقية بإيطاليا، 1952 معرض بينالي البندقية بإيطاليا، 1955 معرض بينالي ساوباولو بالبرازيل، 1956 المعرض الاسيوي الإفريقي بالقاهرة، 1956 معرض الفن المصري في بكين، 1956 معرض بينالي البندقية بإيطاليا، 1957 معرض بينالي ساوباولو بالبرازيل، 1957 معرض مهرجان الشباب العالمي بموسكو في الاتحاد السوفيتي
    وله مقتنيات عديدة في الخارج منها مجموعة في مدرسة الباليه بباريس (رولان بيتيه) وأخرى عند الماركيز كريفاس.

    مات ادهم وانلي في 20 ديسمبر 1959 بعد صراع مع السرطان بعد ان منحته الدولة منحة تفرغ مدى الحياة وكرمته بما يليق بعبقريته كفنان.
يعمل...
X