إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خمسون عاماً على اختراع أول طائرة عربية.د. محمد الأحمد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خمسون عاماً على اختراع أول طائرة عربية.د. محمد الأحمد

    خمسون عاماً على اختراع أول طائرة عربية
    (عبد الله أحمد)(ابو علي)فعلها منذ 1958م
    المؤلف: الدكتور محمد الأحمد

    [ATTACH]58[/ATTACH]

    عندما تعيش الأمم زمن انتصار ما فان التألق في مختلف جوانب الحياة لا يكون مستغرباً بل يثبت التاريخ أن الانتصار في السياسة أو الحياة ككل تلحقه انتصارات في الفن و الأدب و حتى في الطب و الهندسة و فروع العلم المتنوعة.
    لقد صنع العرب وحدتهم الأولى المعاصرة بين سورية و مصر و كان الانتصار المعنوي كبيراً وواعداً و بدأت ورشة العمل الشعبية تعمل لا تستأذن إلا فرحها بالوحدة و رغبتها في أن تبقى دولة الوحدة و يلحق بها بقية العرب . في هذه الحقبة زار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مدن سورية المختلفة فتلقاه شعب سورية بقلبه و كانت جذوة الوحدة متقدة فلقد كان السوريون هم السباقون إليها .
    في حمص توقف عبد الناصر و خطب من على شرفة السراي (السرايا) قائلاً: (إن الشباب العربي هو الذي سيصنع مستقبل الأمة) . و بين الجمهور الذي كان حاضراً كان هناك شاب في الثامنة عشر من العمر يقف مستنداً على دراجته الهوائية يستمع بكل جوارحه للرئيس الذي كان صوته يملأ الأفئدة .
    ركب الشاب دراجته بعد انتهاء الخطاب عائداً إلى حارته و هو يفكر بكلام الرئيس الذي تطابق مع حلم قديم كان يراوده بصنع طائرة ! و لم لا و هو الذي كان مداوماً على كتب المركز الثقافي العربي و لقد قرأ كل تجارب الطيران البشرية منذ عباس بن فرناس حتى الأخوين رايت اللذين كانا يعملان في مهنة تصليح الدرجات الهوائية و صنعها و قاما بتصنيع الدراجة الهوائية الطائرة في القرن التاسع عشر ثم افلحا بعدها بإضافة المحرك و صنع الطائرة الأولى فكانت اللحظة التي غيرت وجه العالم بعد ان تمكنا من الطيران لمدة دقيقة و نصف فقط .
    كان على عبدالله الأحمد و هو الذي كان طالباً يدرس في المساء و يعمل في النهار أن يثقف نفسه كثيراً في مسألة هندسة جسم الطائرة و كما كان يقول لنا : لم أترك مرجعاً علمياً معروفاً إلا و قرأته من أجل فهم العلاقة النظرية بين أجزاء الطائرة مع أني كنت وقتها أدرك بالفطرة طبيعة هذه العلاقات فيزيائياً و ضرورتها لتأمين التوازن و قيام كل منها بدوره في عملية الإقلاع و الهبوط و التحليق و الدوران ...الخ، لقد كانت الطائرة بالأصل في ذهني.
    يذكر الكثيرون ممن لازالوا على قيد الحياة – أطال الله عمرهم – أن (أبوعلي) بدأ في صيف العام 1958م باستجرار القطع المعدنية الضرورية من ألواح التوتياء و المفصلات و الجنزير و الدواسات فلقد كانت المرحلة الأولى صنع الطائرة (البسكليت) بالضبط على طريقة الإخوة رايت و لقد كان له ما أراد .
    يقول الحج غازي أبو الخير رئيس غرفة صناعة حمص و نائب رئيس اتحاد غرف الصناعة في سورية ذهبنا كلنا من مدرسة القادسية لمشاهدة الطائرة بعد أن أصدر الأستاذ رفيق أتاسي مدير المدرسة توجيهاته بالسماح لنا بذلك فحديث الطائرة كان يسود حتى أثناء الدروس و كان فضولنا دون حدود (بدنا نشوف طيارة أبو علي ) !
    مشينا من مدرسة القادسية على طريق الشام إلى حارة عكرمة القديمة و هناك وقفنا أمام فناء المنزل لنرى النسر المعدني بالفعل يرقد في فناء الدار و كنا بين مصدق و غير مصدق حتى مرت بضعة الدقائق ليصبح شعورنا الأقوى هو الإعجاب و الفخر بابن مدرستنا و مدينتنا و بلدنا الشاب الذي أقدم بالفعل على تحقيق حلمه . و ينتهي الأستاذ غازي من حديثه ببعض استنتاجات سنبقيها لخاتمة مقالتنا هذه عن الطائرة لأنها في الحقيقة هي رسالة المقالة التي لم تكن إلا رسالة أبوعلي نفسه رحمه الله و رحم من لكم.
    في مرحلة لاحقة أقنع عبدالله والده علي الأحمد ببيع قطعة الأرض المجاورة للمنزل من أجل شراء محرك جنرال موتورز و لقد اقتنع الوالد بدوره لأنه رأى بالفعل عدد الناس و الشخصيات التي جاءت لمشاهدة الطائرة و الحوار مع المخترع أو الاخترعجي كما كان أهلنا الحماصنة يلقبون والدي و من هؤلاء الذين رؤوا الطائرة و زاروها كان اللواء محمد عمران و العم أبوفراس مصطفى طلاس الذي يتحدث عن الطائرة بفخر في المجالس و هو صديق أبو علي و رفيقه فيما بعد في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي تحت لواء القائد الخالد حافظ الأسد .
    اشترى عبدالله المحرك و نقله إلى حوش الدار و بدأت مرحلة جديدة تماماً في العمل تتطلب قدراً عالياً من المهارة و عشق التحدي و لقد كان وحده يقرأ و يفكر و يتحول مع مرور كل ساعة عمل إلى ميكانيك الطيران بفعل مدرسة التجربة و التحدي التي صنعت مستقبل البشرية .
    مرت عدة أشهر غنية بالعمل و الممارسة و اللقاءات مع الناس و كانت ملأى أيضاً بالمرارة مع الأسف !
    كان عبد الحميد السراج قد عين (وال) له على حمص يدعى عبده حكيم و كان الرجل على مايبدو من الذين لا يرون أبعد من أنوفهم و أنوفهم أصلاً قصيرة جداً فلم يستطع أن يرى في أبوعلي شخصاً مجتهداً و مخترعاً واعداً يجب تبنيه بل رأى فيه دعاية لحزب البعث لأن الناس تتوافد إلى بيته و تقول انظروا البعثي يصنع طائرة !
    وكان بينهما حوار أوصل عبدالله الشاب إلى الحجز بعد أن رفض شتم الحزب فتأكد بذلك شرطيه أن الرجل بعثي و لاريب و الحزب منحل و هذه جريمة لا تغتفر .
    كان على (أبوعبدالله) الرجل الطيب الذي ما وفر تعباً من أجل حلم ولده أن يذهب إلى عبده حكيم و الدموع في عينيه و هو يقول : والله ابني مجرد ميكانيكي لا علاقة له بالسياسة حتى يعود وولده معه و قد أسمعوه العبارة التالية :
    - هلق روح هي فركة أذن !
    و مع هذه الصورة المرة كانت هناك صورة جميلة و لكنها لم تكتمل ، فلقد أذاع صوت العرب من القاهرة عدة مرات نبأ قيام شاب عربي من الإقليم الشمالي باختراع طائرة خصوصاً بعد سعي محترم قام به النائب الاستاذ عبداللطيف اليونس و كانت اذاعة الخبر مدعاة فخر كبير و لكنها في الحقيقة (وهنا المأساة) كان بداية لقصة انتهت بإحباط شديد (نرجو العودة هنا لمذكرات الأستاذ الجليل عبداللطيف اليونس أطال الله عمره) فلقد أرسل الجيش ضابطاً طياراً مصرياً ليشاهد الطائرة و يكتب تقريره حول الأمر حيث كان طلب عبدالله الوحيد هو ورشة كبيرة مدعومة بالإمكانات الضرورية حتى لا يبقى أسيراً لامكانات متواضعة و لكي يتحول الحلم من حلم شخصي الى نواة عمل وطني .
    مرت عدة شهور بيروقراطية طويلة ليستدعى عبدالله إلى الشام ليجدهم قد عينوه موظفاً في قسم التنظيفات في شركة الطيران ! و كان رفضه لعرضهم و تمزيقه لورقة التعيين و ركوبه الحافله عائداً الى حمص ممتزجاً بطعم علقمي خاص يعرفه كل المبدعين الذين لم يجدوا من يقف الى جانب رسالتهم في تطوير المجتمع عبر الاستثمار في العقل .
    هذه هي القصة الحقيقية لأول طائرة عربية في العامين 1958م – 1959م و في المسافة الفارقة بين احتضان الانكليز للأخوين رايت و ما حصل مع عبدالله تكمن قضية من أهم و أخطر القضايا التي تعني المجتمع و هي قضية الحاضن و التبني الكامل ليس فقط لفكرة الإنسان المخترع بل للمخترع نفسه لأن هؤلاء ممن تقع عقولهم على مسافة دقيقة من الغيم و هم وحدهم يقدرون على مطر الاختراع ليس مرة واحدة بل عشرات المرات . و في المسافة نفسها يذهب عبدالله الأحمد للعمل النقابي و السياسي في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي فيكتب سيرة عصامية خاصة و ليؤسس فيما بعد الاتحاد الدولي للمخترعين العرب و جمعية المخترعين السوريين و ليكتب رواية الاختراع العربية الأولى (عندما يتوهج الحلم) فيتنبأ بالموبايل و (التشات عبر الحاسوب الشخصي) و أشياء أخرى كثيرة راسماً حلمه و حلمنا عن الدولة العربية الواحدة .
    لقد طارت طائرة أبوعلي عندما أسس جمعية للمخترعين و اتحاداً دولياً برغم ما كان من أمر عدم احتضان الطائرة في الخمسينات و لقد كان على الدوام يذكر أمامنا حواره مع القائد الخالد حافظ الأسد و هو يقول له : ان الازمات لا تدعو لليأس بل تدفع الى الأمام لخلق مناخ قيادي يحتضن المبدعين و المخترعين و اكثر من يفهم هؤلاء شخص مثل عبدالله الاحمد من خلال المعاناة التي عاشها هو يستطيع فهم هؤلاء و احتضانهم و نقلهم من حالة الاحباط الى حالة التفاؤل و المزيد من الابداع .
    في هذه الأيام يمر نصف قرن كامل على العرب منذ أن قام شاب من حمص بصنع أول طائرة عربية و لو كتبنا في أية صحيفة الان خبراً يقول أن شاباً عربياً يصنع أول طائرة عربية
    لاعتقد الجميع أن الامر حصل البارحة لأنه لا طائرة عربية تطير في الجو حتى الآن ! لكن الكثير من العزم و الارادة توجد في نفوس الكثيرين من القادرين على هذا و غيره لأجل تقدمنا .
    في آخر القول من أن الخمسين عاماً مرت و نحن الان في الذكرى الخمسون لأول طائرة عربية و لكنا اعتقدنا أن هناك من سيكتشف أهمية الحدث وطنياً للتذكير بأننا صنعنا طائرة فنحن أبناء سورية كلنا أصحاب الحدث ، و من حقنا القول بصوت عال صنعنا الطائرة و صنعنا مسجل البكر قبل (شارب و آيوا) في نفس العام (الصناعي المرحوم عبدالحليم الرباط) و لدينا عدد عبقري من المخترعين الذين يريدون حاضنة وطنية حقيقية ! و علينا أن نحتضن المعاصرين و نتذكر من رحلوا من المخترعين لأن ما تركوه هم و ما يتركه الأدباء و الفنانون و غيرهم ستبقى قيمة وطنية معاصرة تذكرنا بقدراتنا الحقيقية ، و تحفزنا للعمل .
    ان الحاضنة التي نتحدث عنها و التي يجب أن ترعى المخترعين حاضنة موجودة الان و لكن بشكل خجول و ليس كما ينبغي و الا فكيف نقبل أن تكون ميزانية جمعية المخترعين خمسين ألف ليرة سورية فقط ! علينا جميعاً أن نرتقي بعملنا للمستوى الذي أراده و يريده منا القائد الدكتور بشار الأسد فهو يشبه قائد الاوركسترا الوطنية و علينا كل في موقعه اتقان العزف و مجاراة الطموح الذي نلمسه في الحكمة و الفعل الوطني التي يقوم بها سيادة الرئيس . و كل عام و أنتم بخير بمناسبة مرور خمسين سنة على قيام شاب عربي في مقتبل العمر بصنع الطائرة العربية الأولى و العقبى للطائرة الثانية التي لم نرها برغم كل هذا الوقت .

    د . محمد عبدالله الاحمد – محاضر في جامعة البعث
يعمل...
X