تويت
ضهور الشوير بلدة متجذرة في تاريخ جبل لبنان
بعد غياب نصف قرن.. "اليوم القروي" يعيد ثقافة القرية إلى لبنان
بيروت - فاديا عازار
في معظم المهرجانات الصيفية التي تشهدها بلدات لبنان وقراه يتكرر "اليوم القروي" في محاولة لاستعادة ثقافة القرية اللبنانية وطرق عيشها، والتي غاب معظمها بسبب التحولات المتلاحقة التي شهدها المجتمع اللبناني على مدار نصف قرن.
هذا النوع من الأنشطة يهدف إلى التأكيد على الهوية الثقافية ومعاينة الاختلاف الذي فرضه التقدم الزمني بين ما هو حديث وما هو تقليدي.
اتخذ "اليوم القروي" طابعا مميزا هذا العام في بلدة ضهور الشوير المتنية الجبلية، أو "عروسة المتن" كما يسميها محبوها، وكان جزءا من مهرجانها التاسع والأربعين الذي يعرف باسم "مهرجان المغتربين" ، من خلال القيام بمجموعة من الأنشطة الحرفية التي سلك بعضها طريقه نحو الاندثار ، بمشاركة عدد من الحرفيين اللبنانيين.
قامت مجموعة من نساء البلدة بتحضير أصناف من المأكولات لم تعد تدخل في أطباق الطعام التي يتناولها الجيل الحالي، وتم تقديمها للمشاركين مجانا ، كما شاهد الحاضرون كيفية صناعة الصابون والسلال والحلي والزجاج وحياكة "الكروشيه" ، وغيرها من الحرف.
بدأت ضهور الشوير مهرجاناتها الصيفية هذا العام في الثالث من تموز/يوليو الماضي ، وتستمر حتى الحادي والعشرين من شهر آب/أغسطس الجاري.
وإضافة إلى "اليوم القروي"، شهدت هذه المهرجانات العديد من الحفلات الموسيقية واحتفالا للجيش اللبناني وعرضا عسكريا لفرقة "مغاوير" وحفلا للأطفال ودورات رياضية وأمسيات شعرية ، إلى جانب يوم الأرقام القياسية.
تقول ندى صوايا ، الناشطة في مهرجانات ضهور الشوير ، لوكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ": "التحضير لـ/اليوم القروي/ يتم بالتعاون بين لجنة تعينها بلدية ضهور الشوير وعدد من فعاليات البلدة ، ويتم الاتصال بالمشاركين في النشاطات المتعددة في الحرف وتحضير المأكولات ، كما يتم تأمين أكلاف هذا النشاط".
وأضافت: "تتنوع نشاطات اليوم القروي في ضهور الشوير بين حرفة صناعة الموزاييك بالطريقة التقليدية ، وحرفة نفخ الزجاج ، وحياكة السلال ، وصناعة العرق ، والأشغال اليدوية ، وصناعة الحلي ، وتحضير المأكولات التقليدية ، بمشاركة سيدات من البلدة وحرفيين من كل لبنان ، يمارسون حرفهم أمام الحاضرين المشاركين في المهرجان".
ورأت صوايا أن "أهمية هذا /اليوم القروي/ ، الذي بدأ منذ حوالي 15 عاما في ضهور الشوير ،تكمن في أنه يتحول إلى محطة للقاء المغتربين بأهلهم ، ولم شمل المتشوقين لاستعادة ذكريات من طفولة ترعرعت في ربوع الوطن".
وفي هذا العام، شهدت مهرجانات ضهور الشوير انتخاب ملكة جمال المغتربين اللبنانيين في فندق القاصوف الشهير، الذي شهد انتخاب أول ملكة جمال في لبنان ، والذي عرفه معظم المصطافون العرب في فترة ما قبل الحرب الأهلية، لاسيما المصريين والعراقيين.
يقول الدكتور نبيل غصن ، رئيس بلدية ضهور الشوير السابق ، لـ"د.ب.أ": "أقامت ضهور الشوير أول مهرجان لها عام 1962 قبل إجراء الانتخابات البلدية في لبنان ، وكان اسمه /مهرجان المغتربين/ الذي يتكرر منذ ذلك التاريخ في تقليد سعت فعاليات البلدة وبلديتها للمحافظة عليه ، لما له من أهمية تتخطى نطاق البلدة لتصل إلى كل لبنان".
وأوضح أن "هذا المهرجان، ومن ضمنه "اليوم القروي"، كان موجها تحديدا للمغتربين وكان في بدايته أول نشاط على مستوى لبنان تتم فيه رعاية المغتربين اللبنانيين ، ومن هنا تكمن أهميته".
وتابع: "الهدف من المهرجان كان خلق نوع من التواصل مع المغتربين اللبنانيين وإعادة ربطهم ببلدهم الأم ، على المستوى المادي والمعنوي ، والإفادة من إمكانياتهم المختلفة في الخارج اقتصاديا ، وحتى سياسيا ، لأن بعضهم تبوأ مناصب عالية في البلدان التي استضافتهم".
وكان تم خلال مهرجانات ضهور الشوير لهذا العام تشكيل أطول "شيش لحم" وأطول "حلقة دبكة" ، تم تسجيلهما في موسوعة "جينيس" العالمية للأرقام القياسية.
قالت غادة فغالي ، رئيسة جمعية "ممكن" الناشطة والمشاركة في "اليوم القروي"، لـ"د.ب.أ" إن "الهدف من مشاركة الجمعية في هذا النشاط هو تمكين المرأة الريفية".
وأشارت إلى أن مشاركة الجمعية "تتضمن العديد من النشاطات، بينها تحضير "الكعك" على الطريقة التقليدية، والتوعية البيئية، وصناعة الصابون على الطريقة التقليدية، وصناعة الحلي ، والأشغال اليدوية".
وأضافت: "هذا النوع من النشاط الذي تقوم به الجمعية في /اليوم القروي/ يساهم في المحافظة على التراث والمحافظة على الصحة ، ويساهم في تمكين المرأة الريفية ، التي تتحول إلى امرأة منتجة دون اضطرارها إلى مغادرة منزلها".
وتقول ابتسام عبد الخالق، العضو في جمعية "ممكن" والتي كانت تحيك "الكروشيه" على مرأى من المشاركين في "اليوم القروي": "نشارك في العديد من المعارض والمهرجانات ، حيث تؤمن الجمعية المواد الأولية للنساء الراغبات في العمل وتقوم بتسويق إنتاجهن مقابل جزء من الأرباح ، تعيد توظيفه لمساعدة عائلات محتاجة في كل المناطق ومن كل الطوائف".
وذكر نبيل أبو سمرة ، الذي كان مشاركا في "اليوم القروي" ، لوكالة الأنباء الألمانية: "هذا النشاط يحقق التلاقي بين الناس، وهو يتضمن العديد من النشاطات المفيدة والمسلية في آن واحد ، من بينها الثقافية والتراثية وغيرها".
أما نائلة صوايا ، الناشطة في "اليوم القروي" ، فقالت لـ"د.ب.أ": "تكمن أهمية /اليوم القروي/ في أنه يحقق استقطاب اللبنانين من كل المناطق".
وأضافت صوايا، التي كانت تقدم للمشاركين طبق "قمر الدين" التقليدي الذي أعدته بنفسها: "كان /اليوم القروي/ منذ أكثر من 15 عاما يستضيف العديد من الحرفيين الذين ما زالوا يمارسون حرفهم ويعتاشون منها ، وكانوا يبيعون منتجاتهم التي يصنعونها على مرأى من المشاركين ، وها هو اليوم يستعيد ذلك التاريخ على الرغم من انكفاء الحرف بشكل عام في لبنان".
يقول محمد خير بك، الذي كان مشاركا في "اليوم القروي"، لوكالة الأنباء الألمانية إن "هذا النشاط يتخذ الطابع الترفيهي، وقيمته تكمن في أنه يجمع الناس ويخلق نوع من التواصل فيما بينهم".
وأضاف: "برأيي ، نحن بحاجة إلى توجيه الجهود التي تبذل باتجاه نوع آخر من النشاطات يكون على مستوى التحديات التي تعصف بلبنان والمنطقة".
يتميز فصل الصيف في لبنان بالمهرجانات التي تضيء ليل قراه وبلداته ومدنه ، كما تفعل الشمس بنهاره ، وتتنقل هذه المهرجانات من شماله إلى جنوبه ، محملة بشتى أنواع النشاطات الثقافية والتراثية والفنية والترفيهية والرياضية ، ومبتدعة أفكارا جديدة في كل عام.
بعض هذه المهرجانات يتخذ صفة العالمية، ويشارك فيه فنانون من أوروبا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى فنانين عرب ولبنانيين.
أهم تلك المهرجانات مهرجانات مدينة الشمس بعلبك، ومهرجانات بيت الدين في منطقة الشوف "جبل لبنان"، ومهرجانات مدينة جبيل "جبل لبنان" حيث قلعة بيبلوس الفينيقية، ومهرجانات مدينة صور الجنوبية التي تقام في ملعب صور الروماني الشهير.
هكذا يبقى الصيف في لبنان متألقا رغم كل الظروف. وعلى الرغم من انخفاض عدد السياح العرب فيه هذا العام ، بسبب الأحداث التي تعصف بالعالم العربي ، استمرت هذه المهرجانات تضفي على الصيف اللبناني جمالا وزهوا.
بل إن اللبنانيين باتوا يشعرون بأن إقامة هذه المهرجانات ترمز إلى انخفاض منسوب الأزمات التي طالما عانى منها هذا البلد. "د ب أ"