Announcement

Collapse
No announcement yet.

كتاب ( أسد الأردن حياة الملك حسين في الحرب والسلام ) - آفي شلايم

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • كتاب ( أسد الأردن حياة الملك حسين في الحرب والسلام ) - آفي شلايم

    (أســـــد الأردن)..لماذا يكتب الآخرون روايتنا؟



    عمّان - أحمد الطراونة

    من منّا يستطيع الحكم على صدقيّة ما قدمه اليهودي «آفي شلايم» في كتابه «أسد الأردن، حياة الملك حسين في الحرب والسلام».
    يصاب القارئ بالذهول من حجم المعلومات التي ترد بين دفتي هذا الكتاب، إضافة إلى ما امتلكه الكاتب من فنّية عالية استطاع من خلالها تقديم أهم وأعظم السير السياسية في الشرق الأوسط خلال القرن الماضي.
    السيرة الغيرية لجلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله، كتبها أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اوكسفورد، اليهودي، الذي ولد في العراق وترعرع في إسرائيل، وصاحب مقولة «بالدم والنار سقطت يهودا، وبالدم والنار ستقوم يهودا»، صدرت بنسختها العربية وطبعتها الأولى عن مركز الكتب الأردني، 2011 وترجمها سليمان عوض العباس، قدم من خلالها مركز الكتب فرصة نادرة للقارئ العربي للإطلاع على مشاهد مثيرة من تاريخ الدولة الأردنية الحديثة.
    من خلالها يرحل «آفي شلايم» بخطى واثقة داساً السم في الدسم أحيانا، مضيئا الجوانب التي يرغب، مخفتاً الإضاءة عند الجوانب التي يرغب في إضعافها أكثر الأحيان مستخدما كافة فنون القص في تقديم شخصية تنمو بسرعة مذهلة، جارا القارئ معه إلى أتون اللحظات والتفاصيل التي يرغب في توقف القارئ عندها ليأخذ استراحة عند مشهد منفر في أغلب الأحيان وآخر جالبا للتعاطف.
    وهنا نتساءل، لماذا يكتب الآخرون روايتنا؟ ولماذا نقصّر نحن في إنتاج المعرفة اللازمة، للراهن والمستقبل، ونهتز ونفزع (على نظام الفزعة) حينها عندما يتحدث أحدهم بمعلومة غير دقيقة عن الأردن، حكومة أو شعب أو نظام؟ ونحن لم نكلّف أنفسنا كتابة ما يمكن كتابته من تاريخنا. خاصة وان الأردن كان لاعبا محوريا في الصراعات العربية الإسرائيلية كافة وهو ما تم تجاهله، ولم يتم العمل عليه لا كتابة ولا توثيقا ولا إعادة إنتاجه دراميا، في حين تتسم الكتابة عن إسرائيل وغيرها بالكثافة والاتساع. وهنا نعود مرة أخرى لنؤكد غياب الجرأة في تناول قضايانا الإشكالية والمهمة، وغياب القدرة على توفير مستلزمات البحث المادية والمعنوية وخاصة توفير الوثائق وتقديمها من الجهات ذات العلاقة في ظل غياب المؤسسية والسوية العالية في الكتابة التاريخية أو كتابة السير، وتقصير النخب الفكرية والسياسية التي تواصلت مع النظام في الأردن عن تقديم روايات حقيقية خاصة في مفاصل ومنعطفات التاريخ الأردني الأمر الذي انعكس على المؤسسات المعنية بتوثيق ما جرى كأرشيف للدولة يكون في متناول اليد.
    يطول الحديث في تفاصيل هذا الوجع المزمن، لكننا وفي حالة كتاب «أسد الأردن» لا يمكننا إلا أن نصدق ما دس لنا في داخل الحقائق المذهلة التي يرويها «آفي شلايم» ويقدمها بأسلوب مشوّق كي نقبل ما فيها عن طيب خاطر.
    تقتصر هذه السيرة على الجوانب السياسية حيث ينأى شلايم عن الاقتراب من الجوانب النفسية أو الشخصية لصاحب السيرة ويستدعي منها عند الحاجة ما يؤكد موقفا أو يرفضه، حيث يؤكد شلايم في تقديمه لفصول الكتاب انه «يبحث في الصراع العربي - الإسرائيلي، وفي الكثير من المحاولات ذاتها لفضه بالطرق السلمية، لكن هذه المرّة ليس من منظور إسرائيلي بل من منظور أردني، ولنكن أكثر تحديدا، من منظر وصانع القرار الرئيس في الأردن: الحسين بن طلال، ويسبر الكتاب غور أربع دوائر أساسية في السياسة الخارجية للملك الحسين، هي: إسرائيل، والفلسطينيون، والعالم العربي، والدول العظمى. وقد كوّرس اهتمام خاص بالتوتر الدائم في السياسة الخارجية للحسين رحمه الله بين الالتزام بالمشاعر القومية العربية وبين الرغبة في التوصل إلى تسوية مؤقتة مع إسرائيل.»
    ويؤسس شلايم لسيرة «أسد الأردن» بلمحات مهمة عن التراث الهاشمي تؤسس لما يرغب في التوصل إليه، مشيرا إلى أنه لم يتوافر لديه أي دليل يستوحي منه انجذاب الحسين بن علي لأفكار القومية العربية قبل الحرب، وانه يرى فيها - القومية العربية - ابتداعا غير مرغوب فيه ولا يتماشى مع مبادئ الإسلام. وان الثورة العربية الكبرى ليس لها علاقة بالقومية العربية كما يقول بعض المؤرخين، وان العرب من القبائل البدوية التي انضوت تحت لواء الثورة ليس في ذهنهم أي مبادئ أو أهداف وإنما سحرتهم قوة الذهب والمال الذي وعدهم به قادة الثورة.
    وهو إذ يسعى إلى تعظيم مكانة الملك عبدالله الأول (مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية) وطموحه العالي ينفي وجود أي تراث حقيقي ومهم في شرق الأردن كما يقول: « كانت عمّان عاصمة هذه الإمارة المتخلفة، وأكبر مدنها، التي كانت مكانا كئيبا مغبّراً لا يقوى حتى على التباهي بماضٍ عريق». ليعود ويقدم صورة أخرى عن الملك : « ولهذا تآمر البريطانيون مع عبدالله في إجهاض ولادة دولة فلسطينية»، كاشفا النقاب عن الاتصالات السرية بين الوكالة اليهودية والملك، ليعود ويؤكد أن عبدالله - الملك عبدالله الأول- لم يكن الوحيد الساعي إلى أجندة عائلية، بل أن جميع المشاركين العرب في حرب 1948 كانوا مدفوعين بمصالح وطنية ضيقة بينما تظاهروا بالعمل من أجل قضية مشتركة، وأن النزاع العربي الداخلي هي القصة التي لا تروى عن الحرب من اجل فلسطين.
    ويؤسس شلايم للجانب النفسي عند الملك الحسين من خلال إيراد القضية التي أثرت على العديد من قراراته فيما بعد وأصبحت ذات تأثير حاسم في صقل شخصيته وهي اغتيال معلمه، أو جده الملك المؤسس عبدالله الأول، ثم إيراده للعديد من الروايات التي نسجت حول مواقف الملك طلال رحمه الله من اليهود والقومية العربية إلى جانب الروايات التي نسجت عن مرضه وعدم قدرته على الاستمرار في إدارة البلاد، لتبدأ مهمة صناعة الملك الجديد - طيب الله ثراه - موثقا كما يقول من خلال مراجعه التي لم ألمس منها أي مرجع عربي أو أردني إلا المقابلات الشخصية، التدخل البريطاني الصارخ في تأكيد استمرارية العرش الهاشمي على المملكة الأردنية الهاشمية التي استقلت استقلالا غير ناجز عن بريطانيا في عام 1946 كما يقول، إضافة إلى العديد من الشخصيات الفاعلة في السياسة الأردنية وعلى رأسهم جلالة الملكة زين الشرف والدة الحسين طيب الله ثراه.
    ويتحدث شلايم عن التجاذبات السياسية التي نشأت في بداية حكم جلالته والمؤامرات التي حيكت لإقصائه عن الحكم وكيف تجاوز الحسين بصلابة غير معهودة كل ما حيك ضده لينجو بالأردن من أتون معارك وأحلاف قد يخسر وجوده لو دخلها، وخاصة في خمسينيات القرن الماضي.
    ويفرد المؤلف بابا عن فشل الأردن الدخول في حلف بغداد وهو الحلف الذي ناهضه عبدالناصر منذ الإعلان عنه لتبدأ عملية الاصطفاف على هذه الخلفية لتكن روسيا من جهة وبريطانيا وأمريكيا من جهة كمحاور لهذا الاصطفاف، ويترك المؤلف مشاهد مهمة من الصراعات الداخلية والخارجية ليظهر من خلالها أن الشعب الأردني كان مناهضا للحلف وان هذا الشعب كان يكره اليهود وانه إذا ما اندلعت الحرب لن يقف مكتوف اليد حتى لو كانت قيادته بريطانية فهو سبق وان تمرد عليها.
    لقد كان عام 1955 من أخطر الأعوام التي مرت على الدولة الأردنية، ويخرج منها الحسين بن طلال أقوى واصلب عودا باستناده إلى التيار الشعبي الجارف من المشاعر المعادية لبريطانيا والتي توجت بطرد كلوب، لتتحرر بذلك الدولة الأردنية نسبيا من الهيمنة البريطانية وتتقزم الفكرة التي ترى انه هو من يقف وراء العرش الهاشمي ويحميه، إضافة إلى تأكيد الشكوك لدى الملك بأن الإشاعات التي انطلقت حول كلوب كإعاقة الجيش العربي في فلسطين لتخسر الحرب هي صحيحة، وبطرد كلوب الذي ظهر كتحد واضح للإمبراطورية البريطانية تتعزز سمعة الحسين بن طلال كأسد للأردن، ويؤسس لعلاقة ثابتة مع شعبه، ويوجه ضربة قاصمة لمعارضيه وللأنظمة العربية التي كانت تدعم هذه المعارضة.
    ويشهد الأردن تحولا واضحا تجاه أميركيا البديل الحقيقي والسخي لبريطانيا مما يسبب مشكلة حقيقية للملك مع أتباع البريطانيين في الدولة الفتية وغير واضحة المستقبل، ليلتقف الحسين ببراعة مذهلة أسباب الخروج من عنق الزجاجة مرة أخرى، وينقلب على من يريدون الانقلاب عليه ويوجه ضربة قاصمة للشيوعيين ويؤكد سيادة الملكيين من جديد ويقدمهم الصف، ويجهز على الديمقراطية بالأحكام العرفية، وهي الديمقراطية التي كانت تبحث عن القضاء على الملكية في الأردن وتحويلها إلى جمهورية، ورغم أن الكاتب يؤكد أن سياسة الحسين بعد أزمات نيسان 1957 قد اتخذت خطين رئيسين هما: القمع في الداخل، وإعادة الانحياز في الخارج، إلا أن الدم لم يكن هو الخيار النهائي وإنما كان التسامح سيد المواقف، مما قدم ورقة أخرى تدعم هذا النظام في الاستقرار وتكون احد أهم ركائز استقراره لاحقا.
    يستمر شلايم في وضع أهم ملامح هذه السيرة مستندا في ذلك على الملفات الإسرائيلية الخاصة بالاجتماعات السرية مع الملك حسين رحمه الله، إضافة للعديد من المقابلات المكثفة مع أقرب مستشاري الملك الراحل أثناء تلك الفترة إضافة إلى مقابلة خاصة مع الملك الحسين رحمه الله في عام 1996، وهو يؤكد خلال ذلك أن هذا الرجل قد تعرض للخيانة بشكل أو بأخر من أصدقائه كافة بريطانيون وأمريكان وإسرائيليون وعرب.
    يقول شلايم إن حرب 1967 فتحت فصلا جديدا في حياة الحسين بن طلال ووضعته أمام أصعب اختبار لمقدرته على البقاء حتى حينه وكانت الخسائر التي تكبدها الأردن فادحة للغاية وكانت آفاق بقاء النظام ضئيلة بالمقابل والحكومة منذهلة وعاجزة والجيش مهزوم ومنهار المعنويات والآثار الاقتصادية عامل شل وتعطيل إضافة إلى أن نصر إسرائيل قد انقلب إلى حالة منفلة من الشعور بالانتصار.
    يتحدث شلايم عن معركة الكرامة التي أعادت الاعتبار للجيش العربي والثقة بالنفس لدى كل العرب بتحقيقهم أول نصر على إسرائيل بفتور واضح ليذهب مفصلا أحداث ما سماه بالحرب الأهلية أو أيلول 1970 بتفصيل أكثر مؤكداً أن الصعوبات عادت لتحاصر الحسين ولم تترك له فرصة الفرح بهذا النصر فقد كان الحسين يعمل جاهدا لمنع الفدائيين الفلسطينيين من استفزاز وإثارة إسرائيل، وكان عليه أيضا لجم الجيش الأردني من تصفية أي حسابات معهم. ووَضَع غرور الفدائيين الفلسطينيين وعدم انضباطهم الملك حسين رحمه الله في ورطة حقيقية. فإذا استخدم القوة ضدهم سيثير استياء الفلسطينيين والعالم العربي، وإذا فشل في اتخاذ خطوة ضدهم، فإنه سيفقد احترام الأردنيين وحتى احترام الجيش، الذي يعتبر ركيزة أساسية لنظامه.
    وكان شهر حزيران 1970 من أسوأ الفترات التي واجهت الحكم الهاشمي في الأردن. فغالبية المراقبين الأجانب، بمن في ذلك دبلوماسيون أميركيون في عمّان، أعربوا عن اعتقادهم في أن سير الأحداث جاء في مصلحة منظمات حرب العصابات الفلسطينية، وأن إزالة الحكم الهاشمي باتت مسألة وقت فقط. حتى أن بعض أعضاء الأسرة المالكة بدأوا يتساءلون عن مدى الفترة الزمنية التي يستطيعون خلالها الصمود أمام هذا المد المتزايد.
    وجاء قرار الملك بتشكيل الحكومة العسكرية برئاسة الضابط محمود داوود من أصول فلسطينية، للتأكيد أن الحرب ليست أهلية بين الشرق أردنيون والغرب أردنيون ولكنها بين فصائل متطرفة وبين الجيش النظامي ليفوت الفرصة على المعسكر العربي الذي وقف ضده لدرجة أن سوريا تدخلت عسكرياً لصالح المنظمات، وأكد ذلك ما قاله عرفات في 15 أغسطس (آب) قررنا أن نجعل من الأردن مقبرة لكل المتآمرين، وستكون عمّان هانوي الثورة، لتنتهي الأحداث بتأكيد سيادة الجيش والحكومة الأردنية تماما على الأراضي الأردنية، ويخرج الحسين والأردن أكثر قوة وتماسكا ويعيد إنتاج علاقاته من جديد، ويكون أكثر حذرا وحسابا وهدوءا في حرب 1973 التي قادت إلى اتفاق ثنائي بين مصر وإسرائيل كخطوة أولى نحو سلام أعرج في الشرق الأوسط.
    وفي الطريق إلى الرباط يركز شلايم على أن الحسين اعتبر قمة الرباط هزيمة سياسية ودبلوماسية كبرى فقد أحس أن إسرائيل خذلته وان المعتدلين العرب تخلوا عنه وانه خدع من وزير الخارجية الأمريكية ولتكن قمة الرباط حدا فاصلا في علاقة الحسين المضطربة مع الفلسطينيين فلم يكن قادرا على الزعم بأنهم تحت لوائه، ويتعمق الشعور لدى الحسين باستثنائه التدريجي من حل القضية الفلسطينية، مما أضاف قناعة أخرى لدى الحسين أن التخلص من الهاشميين أصبح أكثر احتمالا وإمكانية وبعبارة أخرى أن تحل القضية على حساب الأردن.
    ويقرأ الكتاب أسرار العام 1977 الذي كان من أسوأ الأعوام في حياة الحسين وهو العام الذي توفت فيه المرحومة الملكة عليا، ثم يقدم تفاصيل اتفاقات كامب ديفد والاتصالات السرية والعميقة مع الأطراف كافة وكيف تم خداعه من قبل السادات وبداية العلاقة مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وصولا للعام 1978 والذي تزوج فيه الحسين من الملكة نور ( ليز الحلبي) ودخول العراق حربه الضروس مع إيران ووقوف الأردن لجانبه في هذه الحرب وصولا إلى قمة فأس في عام 1982 والتي دعمت فكرة المفاوضات مع إسرائيل ضمن إطار دولي، مرورا بالاتصالات السرية والعلنية مع المنظمة وإسرائيل وغيرها من دول صناعة القرار العربية والأوروبية وصلا إلى اندلاع الانتفاضة وفك الارتباط والذي أعلن الحسين بن طلال رحمه الله في مؤتمر صحفي انه لن يلعب مرة أخرى أبدا دور المفاوض نيابة عن الفلسطينيين، وفي عام 1989 وفي ظل اللامبالاة وانعدام الكفاءة في الحكومة الأردنية آنذاك تفاقم الوضع لاقتصادي الأمر الذي أدى إلى أحداث نيسان 1989 والتي كانت انطلاقة جديدة التقطها الملك الراحل لإعادة الاعتبار من جديد لحكم الهاشميين في الأردن وتكون فاتحة لمرحلة ديمقراطية جديدة وذلك عندما استوعب عمق الأزمة وأكد على أن ما كان غير قابل للاستمرار.
    في أزمة الخليج بقي الأردن محايدا رغم كل الإغراءات التي قدمت له، ليخرج الحسين والأردن من هذه الأزمة في عزلة تامة وبموقف مالي لا يحسد الأردن البلد الضعيف الموارد عليه، إضافة إلى الاتهامات التي وجهت للحسين رحمه الله آنذاك وكان على رأسها انه كان على علم بمخطط الغزو وانه قدم الدعم لهذه الخطة، رغم أن الأردن كان يقود خطة لإنهاء الصراع العربي عربيا ودون تدخل أجنبي، ورغم ذلك وباتخاذ الأردن الموقف المحايد يمسك الحسين رحمه الله بزمام الأمور داخل الأردن حيث وصلت شعبيته أوجها وذلك بسبب توافق مواقف الملك مع الشعب الذي كان منحازا إلى العراق في مواجهة الدعم الأمريكي والعربي للكويت. الأمر الذي دفع إسرائيل لأخذ تطمينات من الأردن بأنه لن يهاجم إسرائيل في تلك اللحظة التي وصل التأهب الشعبي فيها إلى أقصى حدوده، لكن الحسين رحمه الله كان يمتلك المفاتيح ويعرف متى يدخل ومتى يخرج من الأزمة، ويكون حفاظه على عرشه لافتا بشكل مميز خاصة بعد أن روجت وسائل الإعلام الأميركية أن «الحسين دمر تاريخه ولن يستطيع إصلاح ما دمر».
    دخل الأردن مرحلة جديدة من التفاوض لعودة أراضيه هذه المرة وبخط متواز مع منظمة التحرير ليتوج هذا الجهد والاتصالات السرية التي رصدها «آفي شلايم» بدقة من مصادره غير الأردنية باستثناء اللقاءات الشخصية بمعاهدة السلام والتي كانت مهمة للأردن لتأمين حدودها مع إسرائيل في ظل الضعف العربي والاعتماد على الذات وشعور الحسين بن طلال بواجبه تجاه الأجيال في الأردن خاصة بعد ما واجه من مؤامرات على الأردن وشعبه وبداية المرض الذي شعر انه لابد تارك هذا البلد وانه لابد أن يؤمن حدوده وان يقضي على فكرة الوطن البديل. تغيّر الموقف الأمريكي من الأردن بعد أقل من أربع سنوات ليرى في الأردن صمام أمان الشرق الأوسط واستقراره وانه حد كبار حلفاء أمريكيا من غير أعضاء الناتو وتشعر معه دول عربية محورية بالتهميش ويستعيد الحسين رحمه الله مكانة الأردن عالميا وإقليميا.
    شكل وصول بنيامين نتينياهو إلى السلطة في أيار 1996 انتكاسة في الفهم العام الذي ساد بعد معاهدة السلام حيث طفا إلى السطح مقولة الحق التاريخي للشعب الإسرائيلي بكل ارض إسرائيل وأنكر نتينياهو الحق الوطني في تقرير المصير للشعب الفلسطيني، لتتطور الأحداث بشكل دراماتيكي صدامي من جديد وتوضع معاهدة السلام على الرف.
    في رحلة الحسين مع المرض يقتفي «آفي شلايم» مسار الألم والحزن الذي ساره الحسين رحمه الله ليختم شلايم في تقديمه لتقرير للمخابرات الإسرائيلية صدر أوائل الثمانينات يقول أن العاهل الأردني الملك حسين، شخص انحصر على جسر تندلع فيه النيران من طرفيه، وتحته تمساح في النهر الجاري، فهو لا يستطيع التقدم إلى الأمام ولا التقهقر إلى الوراء ولا هو يستطيع القفز، انه رهينة الواقع الراهن، ويضيف شلايم أن هذا التقرير يؤكد بحق بوصفه البليغ على شدة القيود التي كبّلت الحسين رحمه الله طيلة حياته السياسية، لكن ما لم يذكره هذا التقرير تلك المميزات الشخصية للملك الحسين من جاذبية شعبية وشجاعة وعزم وتصميم ورؤية بعيدة وهي ما مكنته من التكيف مع تلك القيود والبقاء في وجه مصاعب جمّة.
    ما سبق يؤكد أن هذا البلد كان دائما في عين العاصفة وان للقادة الهاشميين دور مهم في ترسيخ جذوره والحفاظ عليه.
Working...
X