إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يكتب الدكتور محمد حسن الخضري - رسالة إلى أشباه الأدباء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يكتب الدكتور محمد حسن الخضري - رسالة إلى أشباه الأدباء

    رسالة إلى أشباه الأدباء

    يكتبها د. محمد حسن الخضري


    هل جرب أحدنا أن شذ عن القاعدة وشاور من لا يعتد برأيه وليس من ذوي الخبرة والاختصاص؟ نادرا ما يحصل هذا، ولكنني أرى أن تجرب. فمثلا هل جربت ذات مرة عندما تعطلت بك السيارة أن أخذتها إلى نحوي فحل حتى يصلح ما بها من خلل ويمارس فيها علمه في الحركات من ضم وكسر لمفرداتها، عفوا أجزائها وربما ينتهي بها الحال إلى السكون ولن يقتنع صاحب السيارة بالحال إلا منصوبا عليه. وهل جرب شاعر وكتب قصيدة عصماء ومن ثم أخذها إلى حكم في كرة القدم عله يمنحها (كرتا) أحمر لشروعها في إحداث عرقلة داخل فكر المجتمع، وهذا أرحم بكثير من أن تنفرد القصيدة بالمستمع وتخترق طبلة الأذن فتسبب التهابا في المخ قد يؤدي إلى عاهة في الإحساس ومن ثم موت الذوق، لا سمح الله. هذه نصيحة - وليست من مجرب ولا طبيب في الأدب- للمبتدئين الذين يحلمون بأن يصبحوا أدباء مشهورين بين ليلة وضحاها وإن لم يكونوا على إلمام بالأدب ولا بالشعر وأوزانه، وهم لا يعرفون من اللغة إلا النصب في زمن ركن حماة العربية إلى السكون وعلامات الكسر مطبوعة على جباههم. خذ ورقة وقلما - وإن كنت لا تعرف الكتابة أو القراءة فلا عليك فالكمبيوتر يقوم بذلك- واكتب قصة ذهابك في مشوار صغير وما حدث لك عند وقوفك للإشارة ومرور متسول بك وشرائك قارورة ماء وعلبة مناديل وكيف انتهى بك الأمر إلى تعطل السيارة في شدة الحر وشهامة المارة عندما دفعوها للأمام واشتغلت بطريقة (النتش) ومن ثم أضف كلمتين من السباب والسخافة (هجاء) للشركة المصنعة. وزد بعض الآهات لذكر الأحبة، وبذلك تكون قد جمعت أغراض الشعر من هجاء ومدح وغزل ورثاء. وبعد أن تنتهي، ولا تكثر لأنها سوف تصبح معلقة ثامنة وتكون القاضية - كفانا الله خير شعرك قبل شره- أعد ترتيبها في أسطر بعضها ثلاث كلمات والبعض كلمتان وعلامة استفهام وثالث بضع نقاط يتبعها سطر فيه كلمة وعلامة تعجب وآخر كلمتان وعلى هذا المنوال حتى تصبغ بالحداثة -لأنك لو كنت تجيد الوزن والقافية لما احتجت إلى مثل هذه النصيحة- ولن يحتج عليك أحد لأنه شعر حداثي له ألف تفسير وتفسير والمعنى في بطن الشاعر. وإن لم تكن من أنصار الحداثة وليس لديك الوقت لسرد مصائبك - وهذا أمر جيد لأن كل إناء بما فيه ينضح- فهناك طريقة تيك أوي Take away أو التوصيل السريع وتعتمد على سرقة قصيدة من الأدب الأجنبي مترجمة ومن ثم غير في بعض ألفاظها وأعد ترتيبها واجعل أعاليها أسافلها، وإن كشفت وهذا لن يحدث لأنه لا أحد يقرأ سخافاتك، عفوا إبداعك. أضف إلى ذلك أن الغالبية لا تقرأ أدبا عربيا فكيف بالأجنبي. أقول إن كشفت فهذا توافق أفكار وإبداع مشترك. الطريقة الأخرى إن خفت من تأنيب الضمير من جراء السرقة فعليك بالشعر الشعبي ولكن اختر ألفاظا غير مفهومه وبعيدة عن الفصحى، ولا يشترط أن تفهمها فإذا ما نشرت فلن يحتج عليك أحد لأن من يجيدون الشعر الشعبي يعدون على أصابع اليدين والبقية ٩٩.٩٪ لن ينتقدوك لأنهم على شاكلتك (والذي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة) وبعد أن تفرغ قم بإرسالها إلى إحدى الصحف أو المجلات وما أكثرها تحت اسم مستعار حتى تكون أكثر إثارة للجدل، وأقترح عليك أسماء اختر منها الأنسب -كلها تناسبك- ساق الغراب، خفاش النهار، البوم الحزين. وأنا أضمن لك إنها سوف تنشر بالألوان داخل إطار وخلفية جميلة فيها ظلال وطيور وأنهار وعينا امرأة مبرقعة قد كساهما الكحل تجذب القارئ وتسر الناظرين. بعد أيام سوف تصبح أنت حديث المجتمع فتارة عبقري وتارة واقعي لأنك من نزل إلى مستوى الشارع وكتب عما يعانيه من مشكلات بسبب تراكم الصبية أمام السيارات عند الإشارات - أتمنى أن تستجيب البلدية لندائك فربما هذا التحضر الوحيد في تخلفك- وسوف يتهافت المطربون ممن على شاكلتك على غناء اليتيمة- عفوا القصيدة- وتترجم إلى عدة لغات، وبهذه الطريقة نقتص من الغرب بعد غزونا الثقافي، وهذا داء لن يتوصلوا إلى إنتاج مبيد له في مختبراتهم فهو يفوق الإيدز في خطره. وبعد أيام تحل ضيفا على إحدى القنوات الفضائية لتدلي برأيك في أزمة الشعر وهمومه التي أنت من أسبابها وعلى رأسها المشروخ الذي ينزف ويستغيث ولا مجيب. ومن ثم يطلب منك تقييم امرئ القيس والمتنبي وشوقي فلا تفوت الفرصة ونل منهم، انتقد أدبهم وشعرهم، الذي لا يفهمه أمثالك من الجهلاء وهذه طريقة سريعة وفتاكة للشهرة على حساب الآخرين. وبعد أن تبلغ المجد المزيف كن على حذر لأن الفاشلين- عفوا العظماء- دائما تكون نهايتهم القتل، وكم كنت أتمنى أن يكون القتل بدايتك أو البتر يا ساق الغراب، فبطن الأرض خير لأمثالك من ظهرها.
يعمل...
X