إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأديب إبراهيم نصرالله رواياته ملحمة معاصرة للشعب الفلسطيني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأديب إبراهيم نصرالله رواياته ملحمة معاصرة للشعب الفلسطيني

    قراءة بانورامية في أعمال إبراهيم نصرالله الروائية والشعرية

    أنشودة الريح والبشر والتراب





    صورة 1 من 1

    أحمد علي البحيري
    أكثر مما يعرف عن الكاتب الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصرالله أنه صاحب (كتابة مختلفة) وصاحب مشروع روائي ملحمي كبير أسماه “الملهاة الفلسطينية” وأطلقه العام 1985، ويتكون هذا المنجز الإبداعي من سلسلة روايات متصلة، في سعي منه لرسم صورة داخلية للحقبة الإنسانية والتاريخية ما قبل نكبة عام 1948 وبعدها، ونجح نصرالله، خلال سنوات من العمل الحثيث والمرير على انجاز ستَ روايات من هذا المشروع وهي: “زمن الخيول البيضاء” و”طيور الحذر” و”طفل الممحاة” و”زيتون الشوارع” و”أعراس آمنة” و”تحت شمس الضحى”، وجميعها ترصد حكاية الإنسان الفلسطيني ما قبل النكبة وحتى أواسط التسعينات من القرن الماضي.
    كما أن رواياته اللاحقة ومنها: “شرفة الهذيان” و”حارس المدينة الضائعة” و”الأمواج البرية” و”براري الحمَى”، و”شرفة رجل الثلج”، و”عو” كذلك ديوانه الشهير “مرايا الملائكة” يتحاور من خلالها جميعا مع “الحالة الفلسطينية” المتأرجحة على حافتي الموت والحياة.
    كما أن له جملة من الإصدارات في النقد السينمائي والأدبي من أهمها كتاب بعنوان “هزائم المنتصرين” ويرصد من خلاله السينما بين حرية الإبداع ومنطق السوق والتجارة. وقد ترجمت بعض أعماله إلى الانجليزية والايطالية والفرنسية، ونشرت مختارات من قصائده بالروسية والبولندية والتركية والاسبانية والألمانية.




    ملحمة فلسطينية باختصار شديد يمكن القول إن ريادة نصرالله في هذا الميدان، جعلت من رواياته ملحمة معاصرة للشعب الفلسطيني، عبر مجهود شخصي مضن، وموهبة متقدة حققت له تجاوزا لمكانته ككاتب على مستوى محلَي، إلى كاتب فاعل في الساحتين العربية والعالمية، فقد صنف النقاد العرب روايته “براري الحمَى” على أنها رواية حديثة، في حين صنفها النقد الغربي كرواية ما بعد حداثية، وقد احتفى الوسط الثقافي الأوروبي بروايته “مجرد 2 فقط” التي ترجمت إلى أكثر من لغة وبخاصة ترجمتها باللغة الانجليزية تحت عنوان “داخل الليل”، وهو العنوان الذي اعتمدته الترجمة الإيطالية لهذه الرواية التي تم تحويلها مؤخرا إلى عمل مسرحي لمصلحة أحد المسارح الإيطالية. وهي رواية مركبة تتحدث عن القضية الفلسطينية بطريقة السينما، وفيها مستويات كثيرة: أربعة أزمنة وأربعة أمكنة متقاطعة وأربع مراحل عمرية، كما أن أبطالها الخمسة وعشرون بلا أسماء، لكن الرواية حققت نجاحا لافتا في إيطاليا، على الرغم من أنها ترصد لواقع القضية الفلسطينية ما بين أعوام 1948 و1996، أي ما بعد “أوسلو”، مما يشي ضمنا إلى حيوية القضية وشعبها في أذهان الأوروبيين وفي العالم.
    وما يهمنا في هذا الأمر أن أعمال نصرالله ما زالت تشغل بال النقاد، ونظرا لجودتها وشخصياتها المؤثرة وشموليتها وما تحمله من رسائل نبيلة، فإنها لا تدخل دائرة النسيان كما يحدث للعديد من المبدعين وأعمالهم. وأنها مؤثرة إنسانيا وفنيا وتطرح الرؤى الفلسطينية من منظور أدبي إبداعي وليس من منظور الخطاب السياسي. وكان الراحل الناقد بكر عباس قد ترجم رواية “مجرد 2 فقط” إلى الانجليزية، وقدمت منشورات الجامعة الأمريكية الرواية على أنها رواية عن الحياة والحب والموت وحياة المخيم الفلسطيني والقمع، وهي رحلة داخلية لشخصين يرويان عبر ثرثرات متواصلة ذكرياتهما الممزقة والطريفة في آن وسط أجواء القلق والتوتر والرعب المحيطة بالجميع، في إطار فني يركز على الصورة وشغب الطفولة والجرأة الفائقة في الحديث عن أدق تفاصيل الحياة اليومية والمصائر الغربية لشرائح عديدة من أبناء الشعب الفلسطيني.
    ولد إبراهيم نصرالله في العاصمة الأردنية عمَان عام 1954، لأبوين فلسطينيين اقتلعا من أرضهما عام 1948، عاش طفولته وشبابه في احد المخيمات المخصصة للاجئين الفلسطينيين. نال سبع جوائز من بينها: جائزة سلطان العويس الأدبية عام 1997 مناصفة مع الشاعر المصري احمد عبد المعطي حجازي، وجائزة الشاعر الأردني عرار عام 1991، وجائزة الروائي الأردني تيسير سبول عام 1994. لكن عام 2009، كان عام حظَه وإنجازه الكبير بوصول روايته “زمن الخيول البيضاء” التي كتبها تزامنا مع الذكرى الستين لاحتلال فلسطين إلى اللائحة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، ليتوج بذلك مشروعه الروائي الكبير (الملهاة الفلسطينية) الذي يتأمل من خلاله 125 عاما من تاريخ الشعب الفلسطيني المنكوب برؤية نقدية عميقة ومستويات فنية راقية، انطلاقا من تلك الحقيقة الراسخة التي عمل عليها دائما، والتي تقول بأن إيماننا بالقضايا الكبيرة يحتَم علينا إيجاد مستويات فنية عالية القيمة للتعبير عنها.
    رواية الأجيال
    رواية “زمن الخيول البيضاء” وكما يقول نصرالله في حوار معه: “أنجزت العمل على جمع الشهادات الشفوية الطويلة بشكل خاص بين عامي 1985 و1986، حيث قدَم عدد من الشهود الذين اقتلعوا من وطنهم وعاشوا في المنافي شهاداتهم الحية عن تفاصيل حياتهم في فلسطين، ومن المحزن أن هؤلاء جميعا قد رحلوا عن عالمنا قبل أن تتحقق أمنياتهم الكبرى بالعودة إلى وطنهم”. تبدأ الرواية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وصولا لعام النكبة، محاورة المفاصل الكبرى لهذه الفترة الزمنية الصاخبة بأحداث بالغة التنوع والصراعات المريرة بين الفلاحين من جهة وزعامات الريف والمدينة والأتراك والانجليز والمهاجرين اليهود وبعض القيادات من جهة أخرى، وكما يحدث دائما في أعمال نصرالله تلتقي هذه الراوية مع عناصر سمعية وبصرية وشهادات أشخاص وأغان وأشعار وإطار مونتاج سينمائي يركز على الحدث الاسترجاعي (الفلاش باك)، وفي خضم ذلك نشهد تفاصيل الحياة الشعبية الفلسطينية اليومية في القرى والمدن لتحتل المشهد الإنساني الرَحب والحافل بحكايات البطولة، في حين تضيء ميثيولوجيا الخيال أعمق زوايا أرواح الشخصيات والقيم الرفيعة لمجتمع منتفض، حيوي في طقوسه وحكاياته ومواسمه وأغانيه وأشعاره وتجلَياته، باختصار شديد: إنها الرواية التي يجد فيها الإنسان نفسه بطريقة ورؤية متفردة.
    والرواية في الواقع هي رواية أجيال، ملحمية الأبعاد بكل المقاييس وتقع في 510 صفحة وثلاثة كتب: الأول وحمل عنوان الريح، والثاني التراب، والثالث البشر. وتنحدر في مضمونها من تلك السلالة العريقة التي يؤرخ لها في العربية بثلاثية نجيب محفوظ. ونصرالله يتتبع فيها تاريخ قرية فلسطينية واحدة (الهادية) وتركيزه على ثلاثة أجيال من أسرة واحدة في تلك القرية التي يجسد من خلال شخوصها مأساة شعب كامل عبر عصور الحكم العثماني والانتداب البريطاني، وصولا إلى اكتمال النكبة وما بعدها مستبطنا الحالة الفلسطينية التي تقع بين حدَي الفرح والحزن والضياع القاسي والشَتات، ويولد بطل هذه الرواية ليشغل الأجواء القروية به بحكايات شجاعته وشخصيته الفريدة، وذلك التعلَق الجنوني بمهرة بيضاء ظهرت ذات يوم في شوارع القرية واختفت، وحكايات بحثه المستمرة عنها وانتظار عودتها، ومع زوال الحكم التركي وبداية عهد الانتداب البريطاني على فلسطين تبدأ الهوية الإنسانية والوطنية لهذا البطل الملحمي بالتشكل، عاكسة طموحات وأحلام شعبه، في ترسيخ هويته الوطنية الكاملة على الأرض. في المتن الروائي لـ”زمن الخيول البيضاء” تسمع صهيل الخيل وجموحها، وتشمَ رائحة الدم والتراب والقهوة القروية والزيتون، والمواسم، ومواكب الحجيج، وحفلات الزواج وغيرها في صور شعرية غنية بالإسقاطات والرموز، وتشع من بينها ثنائيات كثيرة أو بما يعرف بفكرة (التقابل) في المسرح، فهنا (ثنائية الزمان) ما بين الماضي بكل أبعاده السياسية والاجتماعية، والحاضر بكل خفاياه وإشكالياته. و(ثنائية المكان) حيث يلتقي المكان الحقيقي للرواية (قرية الهادية) مع المكان المتخيل الذي تشكله لغة نصرالله الشفافة والشاعرية والصورة المشهدية والاقتصاد الفذَ في اللغة والمفردات، وحتى عناوين الاستهلالات التي حملت معان ودلالات ترتبط بقوة بالمضمون جاءت محمَلة بشاعرية، ومن هذه العناوين مثلا (رجال بعباءات مقصَبة، دم وخنجر، ثلث الحياة، أرض الأفراس البيضاء، وقالت الحمامة شيئا، خنجر ومخدَة بيضاء، ابتسامة الفراشة، نار صامتة) ليتجاوز المكان بذلك وظيفته الأولية، وليصنع منها بمهارة ودقة عالية المستوى وطنا يضيق على شعبه.
    وفي تقديري أن الثنائيات (الزمان والمكان، الموت والحياة، الحلم والواقع) التي بنى عليها نصرالله روايته، منحت الأحداث جاذبية خاصة وجماليات تقنية جعلت من السرد والنَص الروائي نموذجا من الحيوية النابضة وكأن الشخصيات تتحرك من فوق أسطح الورق، مما يعطي مساحة ذهنية للقارئ كي يشارك في احتفالية النصر المرتقب الذي أشاعه الكاتب من خلال (موتيفات) رمزية تشكل عادات وتقاليد الشعب الفلسطيني في القرى المنسية، سواء على مستوى استخدام الأمثال الشعبية، أو على مستوى الأشعار، والأجواء القروية حيث نسمع على الدوام أصوات الفلاحين والحرَاثين والرَعاة وما يحيط بذلك من مناخات تشعرك بقيمة الأرض وتمسك الإنسان بها في إطار رمزي، مؤكدا في الوقت ذاته انه لا توجد كتابة خارج الحياة.
    الناس والذاكرة
    لقد أراد الروائي من خلال هذه الرواية المهمة أن يرد على المقولة الصهيونية المتمثلة في أن: (فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا ارض). ويقول نصرالله في حوار معه: “إنها قصة حبَ، ولكن في إطار الصراع الكبير على أرض فلسطين في أزمنة متعاقبة وضمن قسمين مختلفين: الأول ويدور في ظلال الحكم التركي، والثاني في إطار معاصر، ولكل منهما إيقاعا ومذاقا مختلفا، لكنهما يجتمعان تحت مظلة سؤال واحد مؤرق هو: كيف ضاعت فلسطين؟”.
    ويقول نصرالله انه انطلق في بناء روايته من قول عربي قديم: “لقد خلق الله الحصان من الريح والإنسان من التراب، والبيوت من البشر”، وبذلك يقسم روايته إلى ثلاثة أجزاء (الريح، التراب، البشر)، وهي بمجموعها شكَلت فضاء الرواية: عائلة فلسطينية متماسكة كتبت الخيول أقدار رجالها، مؤمنة بأن عمر الرجال الأبطال أطول من عمر الإمبراطوريات. وتلتقي في هذه الرواية الملحمية التي تقوم في بنائها على المشهدية والصورة الفنية، قيما تعكس الحب والوطنية الصافية، والبطولة والخيانة والصفاء والكراهية والقسوة والرحمة، في حين أن (الخيل المعقود في نواصيها الخير حتى يوم القيامة) تشكل بعدا رمزيا في تكوين سلوك الشخصيات وعلاقاتها الإنسانية والأحداث التي تضعنا وجها لوجه أمام تداعيات القضية الفلسطينية. يقول بطل الرواية: “الم تعرف أن سرقة الفرس مثل سرقة الروح”، ويقول أيضا: “أنا لا أقاتل كي انتصر، بل كي لا يضيع حقي، لم يحدث أبدا أن ظلت أمة منتصرة إلى الأبد، أنا أخاف شيئا واحدا، أن ننكسر إلى الأبد، لان الذي ينكسر إلى الأبد لا يمكن أن ينهض ثانية، قل لهم احرصوا على ألا تهزموا إلى الأبد”. وهنا يواجه البطل عالمه برغبة شديدة في الحياة وتحقيق الحلم البعيد، حلم رافض لكل التسويات، وشخصيات حيوية يكسبها نصرالله ملامح معاصرة، متسلحة بقيم وموروث شعبي يمكنها من مواجهة الواقع المتخلف والعالم الظالم. انه يكتب التاريخ بطريقة تتقاطع مع الواقع المفروض ويقول: “التاريخ في الأدب مثل قطعة السكر في كوب الشاي، تتذوقها ولا تراها، إذا رأيتها ذهبت الكتابة إلى الوثائقية”.
    سمّت “ الدَار العربية للعلوم ناشرون في بيروت، و”منشورات الاختلاف” في الجزائر، هذه الرواية بأنها (إلياذة الفلسطينيين)، واعتبر الدكتور احمد حرب الرواية على أنها الأكثر تماسكا وتكاملا في تأمل القضية الفلسطينية من نهايات القرن التاسع عشر إلى عام النكبة، دافعة بالرواية العربية إلى آفاق جديدة. وقال الدكتور فيصل درَاج عنها: “هي ذروة إبداعية بالغة الشفافية، وزمن كثيف أطرافه دول وإمبراطوريات ومشروعاته اكبر من بساطة ناس القرى”. ووصف الدكتور خالد الحروب الرواية بالرائعة العذبة الشجية، ستعيش في ذاكرة الأجيال كأحداثها وشخصياتها المؤثرة التي رسمت بمهارة شاعر وروائي كبير. وقال عنها الدكتور حاتم الصكر : “رواية ملحمية لتاريخ شعب وأرض وإنسان وأطروحة جمالية ضد قهر الشعوب واستعبادها واحتلالها واقتلاعها من أرضها”. وأكد الدكتور علي بن تميم أنها رواية فريدة وجميلة، ترصد وتشكل الهوية الفلسطينية عبر رحلة سردية مليئة بالتفاصيل والتقنيات المعاصرة. وفي قراءة صفحاتها الـ 510 والمعتمدة أيضا على الكثير من المذكرات والكتب وبخاصة ما كتبه كل من محمد حسنين هيكل وغسان كنفاني والموسوعة الفلسطينية والثورة العربية الكبرى في فلسطين (1936 ـ 1939) تجعل منها سيمفونية نثرية تحمل رسالة نبيلة نحو قيمة الوطن، وكبرياء الإنسان في بحثه عن العدل المستحيل في عالم تظلله المؤامرات على الطموحات والأحلام.
    المثقف والراهن
    يرى إبراهيم نصرالله أن الأدب العربي المعاصر لا يقترب كثيرا من الرَاهن، وحين يحدث شيء كبير يقوم نفر من الكتًاب بالحديث عنه، وقد تقوم السينما بنقله في أعمال سريعة، دون أن تعايش هذا الواقع أو تلامسه بقوَة، ولهذا، يقول: كتبت من وحي الانتفاضة الثانية “أعراس آمنة” و”تحت شمس الضحى”، وكان لا بد أن يمتلك الكاتب الجرأة للتعبير عن الحاضر الساخن، حتى يكون في إطار رسالته كمثقف يعي دوره في تشكيل أزمة الإنسان المعاصر. في هذا السياق اصدر نصرالله مؤخرا روايته “شرفة رجل الثلج”، عن ثلاثة دور نشر هي: الدار العربية للعلوم في بيروت، ومنشورات الاختلاف في الجزائر، ومكتبة كل شيء في فلسطين. وتأتي هذه الرواية ضمن مشروعه الثاني (الشرفات) الذي أطلقه العام 2005 برواية “شرفة الهذيان”، وهذا المشروع هو الوجه الثاني لمشروع الملهاة الفلسطينية. وتتشكل هذه الرواية من ثلاث روايات في كتاب واحد، تكمل الواحدة منها الأخرى وتنقدها، تتوغل في خفاياها، تنفيها حينا، وتكملها حينا آخر، كما تفتح باب الشك واسعا لتأمل ما مرً من أحداثها، ويذهب مضمون الرواية إلى تأمل اثر الأنظمة السياسية في حياة شعوبها وما فعلته في حياة كل فرد، كما تبرز في هذا العمل الروائي الذي وجد استحسانا نقديا طاقة تجريبية في جانب الشكل والمضمون واللغة واللحظات النادرة المشوَقة في حياة الأبطال والشخصيات وتنوع مستويات الحوار والحالات الإنسانية. ويقدم نصرالله في هذا المجال رؤية يعتبر الشكل فيها مضمونا بذاته، وهو يؤكد أن لا وجود للحقيقة الخالصة عبر هذا البناء الفني الذي يقدمه سعيا منه إلى تحقيق الحرية في بناء نص روائي يطمح بتجاوز الأشكال التقليدية، غائصا في عالم الإنسان العربي بجرأة وشجاعة وعمق على مستوى المفردات والتعبير والتصادم مع الخطوط الحمراء.
    شعرية المفارقة
    أصدر إبراهيم نصر الله خلال مسيرته عدة دواوين شعرية من بينها: الخيول على مشارف المدينة 1980، المطر في الَداخل 1982، الحوار الأخير قبل مقتل العصفور بدقائق 1984، نعمان يسترد لونه 1984، أناشيد الصباح 1984، الفتى النهر والجنرال 1987، عواصف القلب 1989، فضيحة الثعلب 1993، الأعمال الشعرية الكاملة، وهو مجلد يضم تسعة دواوين هي: شرفات الخريف وكتاب الموت والموتى وبسم الأم والابن ومرايا الملائكة وحجرة الناي.
    وفي تجربته الشعرية تنوع وثراء وبحث دائم عن اقتراحات وتساؤلات تغني القصيدة العربية المعاصرة، وبخاصة في مجال قصيدة النثر التي يكتبها برؤية خاصة لا تستعير رؤى مجانية أو تقارب لغة مستعارة عبر مادة شعرية متنوعة المرجعيات، موحدة الأسلوب. في مجموعته بعنوان “شرفات الخريف” يقول في إحدى قصائده: “أجل/ البيت قبر بنافذة وباب/ المنامة نصف كفن/ السرير نصف تابوت/ ووحدك/ تغيَرين المشهد”.
    قصائد هذه المجموعة التي تقع في ستة أبواب وثلاثة وعشرين مقطعا وعنوان كل قصيدة بكلمة واحدة تقع في خانة (قصيدة الصورة) أو (القصيدة القصيرة) القائمة على تكثيف المشهد، والإيقاع الدرامي، وعناصر الإنشاد التوقيعي، حيث نتلمس سريعا ذلك البوح الشاعري المتدفق لتشكيل ما يمكن تسميته بـ(المفارقة الضَدية) في تكوين الصورة التي يتفرد نصرالله في تشكيلها في إطار لغوي غني بالمفردات الصادمة التي تحيل التجربة الشعرية إلى أكثر من احتمال. أما قصيدته “مرايا ترابية” من ديوانه “حطب أخضر” فهي مغرقة في التأمل على صعيدي البناء اللغوي والبناء الدلالي. ويقول الدكتور الناقد زياد الزعبي في معرض تعليقه على القصيدة: “حين قرأت “مرايا ترابية” أول مرة، استرجعت تجربة عايشتها وسكنتني صورها زمنا طويلا وهي قراءات رباعيات الخيام التي جعلتني أعاين صور التحولات في الوجود الإنساني، كما تتجلى في التراب، على نحو ممعن في الإثارة والدَهشة والتشاؤم، لان تلك التحولات التي الحَ الخيام على رسمها في تحولاته، كانت تحضر أمام العين، وتثير الحواس والعقل، مستثيرة مشاعر من العجب والذهول، كان الخيام يركز بصره وفكره على صور تحول الوجود الإنساني وتجلياته، فهو يرى الإنسان ذاتا تتلاشى ثم تعود لتتجلى في صور جديدة تنبثق من “التراب” وتتجلى فيه، ويصبح التأمل في التراب، بالتالي تأملا في مرآة الوجود أو مراياه، ولعل هذا ما ربط عندي بين الخيام وصوره ومرايا إبراهيم نصرالله الترابية، فالخيام يرى تراب أجداده وفي صور عديدة بين أيدي الخزاف يصنع منها الجرار. من هنا تبدو أشكال من اللقاء التصويري القائم على التحولات المتجلية في مرايا التراب”. في مرايا ترابية لا نرى صورا مرآتية متراتبة، بقدر ما نستشعر صورا يشكلها الخيال الشعري الخلاَق المتأسس على فاعلية التأمل والرؤية معا:
    “قد يكون لنا في التراب ظلال/ هي الروح/ من سيطوف بنا حين ترحل عنَا/ ومن سيحجَ إلينا لنبقى/ مكان الزمان/ هذا/ وهنا/ قد يكون لهذي الظلال ظلال: همو/ نحن/ أنت/ وأنت/ أنا”.
    الحداثة التقليدية
    يقول نصرالله: إن الحداثة تحولت إلى تقليدية جديدة، مشيرا إلى أن “أي اتجاه أدبي يتحول مع الوقت إلى كلاسيكية جديدة حين يستقر، وهذا أمر جيد، لكن السيئ أن يتحول إلى تقليدية، أي إلى ثبات، وهذا ما يحدث في المراوحة الفارغة لآلاف النصوص التي تملأ الصحف كل يوم، والتي تدَعي الحداثة شكلا وهي مفرغة من كل شيء، من المشروع الإنساني والفني في آن واحد، وأعتقد أن النقد المزاجي غير التطبيقي الموضوعي ساهم في تفاقم هذه الظاهرة كثيرا بسبب تعاميه عن أفضل الحالات التي تنتج وعيا ثقافيا حقيقيا، وتبنَيه لكثير من حالات الخواء التي لا يتوقف تدفقها، بمعنى آخر أننا ومن أسف نفتقد للمعايير والمقاييس النقدية في مواكبة الإبداع الحقيقي، وحينما نفتقد المعايير تعمَ الفوضى. في ذات الوقت لا يمكننا أن نغفل دور بعض النقاد الجادين الذين ناصروا كل جديد ونخص منهم بالذات على مستوى الساحة الثقافية الأردنية الدكتور الناقد إحسان عباس الذي وقف مع حركة التجديد وناصرها بقوة، فقد كتب عن الشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي والشعر الحديث، كما كتب عن بدر شاكر الَسياب ونازك الملائكة وغيرهم. وما أعنيه أن النقد يقف أحيانا خارج وخلف التجديد الفعلي على مستوى المنهج والأدوات والمصطلح النقدي المعاصر ومدارس حوار التجارب، إذ يحتفي بما استقر ويكتفي بهذا. ما زال هناك نقاد يتحدثون عن اختلاط الأزمنة وتيار الوعي والسرد غير الأفقي باعتباره فتحا مبينا لهذا الكاتب أو ذاك، ولكن هذه التوصيفات قديمة وموجودة في سجل الكتابة منذ أكثر من مائة عام، أي أنها أصبحت كلاسيكية لفرط ما استقرت عليه من استاتيكية مملة.

  • #2
    رد: الأديب إبراهيم نصرالله رواياته ملحمة معاصرة للشعب الفلسطيني

    شكراً على هذا الموضوع الأكثر من رائع
    وعلى المعلومات الهامة عن الأديب إبراهيم نصرالله
    قوارير عطر وباقات ورد لكل حرف هنا
    دمتم ودام الابداع نهجكم الأجمل
    أضعف فأناديك ..
    فأزداد ضعفاً فأخفيك !!!

    تعليق

    يعمل...
    X