إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الظروف التي أدت إلى نشوء العلوم العربية - بقلم : الدكتور محمود الحمزة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الظروف التي أدت إلى نشوء العلوم العربية - بقلم : الدكتور محمود الحمزة

    الظروف التي أدت إلى نشوء العلوم العربية:" إسهامات العلماء العرب والمسلمين في تقدم الحضارة الإنسانية "


    " إسهامات العلماء العرب والمسلمين في تقدم الحضارة الإنسانية " بقلم : الدكتور محمود الحمزة


    تعد الترجمة في أحد أبعادها شكلاً من أشكال الحوار الفكري بالكلمة، لذلك يمكن القول إنّ المترجمين يساهمون في إرساء أسس عملية الحوار الثقافي والفكري بين الحضارات المختلفة.
    وقد كانت الترجمة وما تزال الوسيلة الأهم لتحقيق التواصل بين الشعوب وتعريف بعضها بالبعض الآخر. فمذ عرف الإنسان الأبجدية محققاً بذلك قفزة نوعية في مضمار التطور، ومذ بدأ يكتب معارفه ويدون تاريخه وأفكاره، كانت الترجمة الرديف المباشر لذلك التطور بنقلها معارف هذا الشعب إلى ذاك وتقديم أفكار هذه الأمة وإبداعاتها إلى تلك، خالقة بذلك التراكم الكمي الذي يصنع التغيير النوعي، جاعلة من البشر سلسلة متصلة الحلقات رابطتها اللغة وقوام تلك اللغة الترجمة.‏ فلولا الترجمة لم يعرف العرب فلسفة الإغريق ولا آداب فارس والهند، وبالمقابل لولا الترجمة لم تعرف أوروبا، وهي في عصر الظلمة، منجزات العرب في الطب والكيمياء والهندسة والرياضيات ولا عرفت ابن رشد وابن الهيثم... إلخ. ولولا الترجمة في العصر الحديث لما عرفنا الأدب الروسي مجسداً في تولستوي ودوستويفسكي ولا عرفنا روائع شكسبير أو تشارلز دكينز أو هوغو أو موليير. ولما عرف العالم روائع الأدب العربي مثل "ألف ليلة وليلة" والشعر العربي والقرآن الكريم وغيره.


    لقد انطلقت الحضارة العربية والإسلامية في إنجازاتها العلمية العظيمة في القرون 7-10 م من ترجمة العلوم القديمة من هندية وفارسية ويونانية من اللغات السريانية والفارسية والسنسكريتية واليونانية إلى العربية وذلك بشكل منظم ومخطط له على مستوى الدولة. كما أن النهضة الأوروبية قامت على أكتاف العلوم العربية واليونانية المنقولة للعربية بترجمتها إلى اللغة اللاتينية في القرن الثاني عشر للميلاد.
    ولكن حركة الترجمة والنقل كانت ضعيفة في العصر الأموي . ثم بلغت ذروتها في العصر العباسي وخاصة في عهد الخليفة هارون الرشيد ، وعند ولديه الأمين والمأمون .ومن أشهر المترجمين نذكر حنين بن اسحق (860 م ) وابنه اسحق أما بيت الحكمة التي أسسها الخليفة المأمون فكان أول مدرسة صحيحة للترجمة في العالم العربي سن 832 م وقد ورثت مدارس علمية كبرى مثل مدرسة الإسكندرية ومدرسة نصيبين في تركيا ومدرسة إنطاكية شمال سوريا ( تركيا ) ومدرسة الرها شمال العراق ومدرسة جنديسابور في إيران ومدرسة قنسرين في شمال سوريا ومدرسة حران شمال سوريا وكان ثابت بن قرّة وابنه سنان بن ثابت قد اشتهروا فيها وقد كان معظم هؤلاء المترجمين الأوائل من السّريان السوريين واليهود إلا أن العلوم التي نقلوها كتبت بالعربية ونقلت إلى العالم كله. بعد أن استفاد منها العرب وأضافوا عليها إبداعهم الخاص وفيما بعد في القرن 10 أصبح المترجمون من العرب والمسلمين. فقد ترجم العرب مئات الكتب من اللغات الفارسية و الهندية والسّريانية والعبرية واليونانية ومن أهمها: 1-كتاب " الأصول " لإقليدس نقله الحجاج بن مطر وبعده اسحق بن حنين. 2- كتاب السند هند " سدهانتا " لمؤلفه براهما غوبتا ويسميه الهنود الخلود. 3- كتاب المجسطي لبطليموس – الحجاج بن مطر. 4- كتاب المناظر لإقليدس – حنين بن اسحق. 5- كتاب قطوع المخروط لمنيلاوس – حنين بن اسحق. 6- كتاب قطوع المخروط والدوائر لأبولونيوس – حنين بن اسحق وثابت بن قرّة. أصبحت بغداد في عهد المأمون مركزاً عالمياً للثقافة والعلوم .وقد شجع الخليفة المأمون الترجمة والبحث العلمي من خلال دار الحكمة وخصص للمترجمين والباحثين مكافآت قيمة. يقول ابن خلدون " إن الإسلام مدين إلى هذا المعهد العلمي باليقظة الإسلامية الكبرى التي اهتزت لها أرجاؤه والتي يمكن تشبيهها باليقظة الأوروبية التي أعقبت العصور الوسطى ". "لقد كان الفكر العربي موسوعياً " كما قال تاتون .كانت علوم اليونان حية في بلاد الشام وضواحيها وشمالي سوريا بصورة خاصة حين أقبل عليها المسلمون فاتحين . وقد تميز العلماء العرب المسلمون في تلك الفترة : باستخدام العقل واعتماد مبدأ الشك في البحث عن الحقيقة. استخدام الملاحظة الحسية أساساً في التفكير العلمي. استخدام الآلات لضبط أخطاء الحواس. استخدام التجربة العلمية للتحقق من صحة المعلومات أو الفرضيات. الموضوعية والنزاهة في البحث . يقول ابن الهيثم في مقدمة كتابه "المناظر ": " ونجعل غرضنا في جميع ما نستقرئه و نتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى . ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء .. وليس ينال من الدنيا أجود ولا أشدّ قربة إلى الله من هذين الأمرين ".
    إن علاقة الدين بالعلم لم تكن في التراث الديني ولا في التراث العلمي أمراً عارضاً بل أن علماء الحضارة العربية الإسلامية اتجهوا نحو العلوم الدقيقة مثل الحساب والجبر وغيرها لحل مسائل في الفقه الشرعي وتوزيع الورثة والزكاة وتحديد وجهة القبلة مما أدى إلى ظهور علوم جديدة مثل الجبر عند الخوارزمي الذي كتب في مقدمة كتابه في الجبر والمقابلة عن أن هذا الكتاب ألفه لمساعدة الناس في حل مسائل توزيع الورثة والتي كانت تحتاج لطرق جديدة مثل عملية الجبر والمقابلة. وكذلك تحديد وجهة القبلة دفعت العلماء لتطوير علم الفلك. ولذلك ظهرت تسميات مثل علم الفرائض وحساب المعاملات. وقد تحدث بعض العلماء مثل ابن هيدور الفاسي في المغرب العربي "واعلم أن الحساب ركن من أركان الدين به تؤخذ القبلة وأوقات الصلاة وبه حساب الأعوام والشهور والأيام زجري الشمس في البروج وحركات الكواكب وحلول القمر في المنازل ومعرفة الساعات النهارية والليلية....فأكثر المسائل الفقهية يدخلها العدد وكفى بالحساب جلالة وشرفاً أنه صفة من صفات الكمال، إذ اتصف به الجليل جل جلاله بقوله "وكفى بنا حاسبين".
    وقد بحث العلماء العرب والمسلمين في الظواهر المختلفة في المجتمع والطبيعة ولم يمنعهم الدين من ذلك بل اعتبر الإسلام أن طلب العلم نوع من العبادة والعلماء ورثة الأنبياء وعالم خير من ألف عابد وغير ذلك من الشواهد. وقد اتصف العلم العربي بشكل عام بميزات عظيمة منها الشمولية والتنوع والتجريد والانفتاح على العلوم الأخرى والاعتراف بما قدمه السابقون أي الأمانة العلمية. ونورد قول الرازي حيث قال: "كدح السابقون فبنينا على ما حققوه وارتفعنا على اكتافهم وكدحنا وسيبني الآتون على ما حققناه وسيرتفعون على أكتافنا". وللمقارنة نذكر بقول اسحق نيوتن: "إن كنت رأيت البعيد فلأني قد وقفت على أكتاف عمالقة". ومثال الأخلاق العلمية للعلماء المسلمين نذكر قول ابو الريحان البيروني من كتابه "الآثار الباقية": " يجب تنزيه النفس عن العوارض المردئة لأكثر الخلق والأسباب المعيقة لصاحبها عن الحق وهي كالعادة المألوفة والتعصب والتظافر واتباع الهوى والتغالب بالرئاسة وأشباه ذلك". ويحذر من العصبية في العلم فيقول: "إن العصبية تعمي الأعين البواصر وتصم الآذان وتدعو إلى ارتكاب ما لا تسامح باعتقاده العقول".
    وقد امتلك العلماء العرب منهجية علمية في بحوثهم. ويكفي أن نذكر ابن الهيثم البصري عالم الفلك والرياضي والفيزيائي والفيلسوف الذي ربط الحيرة التي وقع فيها العلماء المتقدمون عليه بطبيعة الواقع العلمي المدروس وهو موضوع علم المناظر فيقول: "وما أوسع العذر مع جميع ذلك في التباس الحق وأوضح الحجة في تعذر اليقين: فالحقائق غامضة والغايات خفية والشبهات كثيرة والأفهام كدرة والمقاييس مختلفة والمقدمات ملتقطة من الحواس والحواس التي هي العدد غير مأمونة الغلط. فطريق النظر معفى الأثر والباحث المجتهد غير معصوم من الزلل. فلذلك كثر الحيرة عند المباحث اللطيفة وتتشتت الآراء وتفترق الظنون وتختلف النتائج ويتعذر اليقين".
    وباختصار كان للعلم الرياضي مركز متميز في العقلانية الشرعية الإسلامية، حيث دعى فقهاء الإسلام إلى تعلم الحساب ووصفوه بالعلم الجليل والشريف وكتبوا مؤلفات سموها "فقه الحساب" واعتبروا الحساب يساعد المسلم ليس على حل مشاكله الحياتية والدينية وإنما يدرب العقل على إدراك الحقائق بطريق البرهان فتزداد معرفتهم لربهم.
    ومن يدرس حضارة الأندلس يرى بوضوح ازدهار العلوم والعلماء من مختلف الأديان والقوميات. فقد وفرت الدولة العربية الإسلامية مقومات لا مثيل لها في التاريخ للابداع العلمي لأتباع الديانات الأخرى من مسيحيين ويهود. وعندما انهارت الدولة الإسلامية في الأندلس وحكم الأسبان المسيحيون مورس اضطهاد فظيع للعلماء والمفكرين من العرب والمسلمين واليهود.
    ولا نريد أن ندخل في متاهات التطور التاريخي للفقه الإسلامي، فهذا خارج عن نطاق محاضرتنا، لأن هناك بعض الباحثين الأجانب مثل توبي هف الأمريكي صاحب كتاب "فجر العلم الحديث: الإسلام، الصين، الغرب" يرى أن من أهم أسباب تدهور العلم العربي: القيود التي وضعتها المؤسسة الدينية على حرية البحث العلمي ومحاربتها للفلسفة والعلوم الطبيعية وكذلك غياب المؤسسات العلمية المستقلة. والحقيقة أن المشكلة ليست في الدين وإنما في آراء بعض الفقهاء الذين أرادوا وقف الاجتهاد مما أثر على البحث العلمي في مجالات خارج الدين أيضاً والدليل هو التطور العلمي الهائل الذي توصل إليه العلماء العرب في الفترة من القرن الثامن حتى القرن الخامس عشر على الأقل. وقد تكون التقلبات السياسية والغزوات الخارجية مثل المغول وكذلك تشتت الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة مختلفة بالاضافة إلى عوامل داخلية تتعلق بالدرجة الأولى بالفئات الحاكمة ومزاجها. فهذا حاكم يدعم العلم ويكرم العلماء وآخر يأمر بحرق الكتب الفلسفية وكلهم محسوبون على النظام الإسلامي. واعتقد أننا نجد في العصر الحديث أمثلة عديدة حول المواقف المختلفة للدول الإسلامية من العلم وحرية الابداع والبحث العلمي. ويعتقد بعض الباحثين بأن غياب الحريات السياسية والفكرية والابداعية نتيجة طبيعية لغياب حرية البحث العلمي والتفكير العقلي. فإذا سمح للعالم بالتفكير الحر في قضايا المجتمع والإنسان والطبيعة فقد يفكر في تركيبة النظام الحاكم ليكشف مساوئه وبالتالي يقع في المحظور. ولذلك نجد في الدول النامية خطوط حمراء توضع بصرامة أمام المفكرين والباحثين. فهذا ممكن وذاك ممنوع بحيث يرتبط ذلك، للأسف، بمصالح الطبقة الحاكمة في أغلب الأحيان.
يعمل...
X