إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

د. أحمد نعمة ( كتاب العين.. ) من الإبداع إلى السرقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • د. أحمد نعمة ( كتاب العين.. ) من الإبداع إلى السرقة

    4-7-2011 12:46:28

    كتاب العين.. من الإبداع إلى السرقة


    د. أحمد نعمة*
    لا أدري أيّ شيطان رجيم، أو ملاك رحيم، ساق خطواتي إلى إحدى مكتبات لندن، وإنما أنا حائر بين الشيطان الرجيم والملاك الرحيم لأنِّي تألمت غاية الألم وأنا أرى السرقة الأدبية ما زالت متواصلة لدى فريق كبير من الكتبَة ومنهم أساتذة جامعات يُفترض بهم النزاهة والعلمية والموضوعية، ولكن كيف تتحقق النزاهة والعلمية والموضوعية في مجتمعات قائمة على الاختلاس والنهب وانتهاك حقوق الإنسان؟ فهل يمكن لهكذا مجتمعات أن تؤمن بقوانين حفظ الملكية الفكرية؟ لا أظن، أو قل: لا أعتقد، لأنه إذا كان ربّ البيت بالدفّ ناقرا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص.
    وقد تسأل عن سبب هذا الكلام، فإليك الجواب..
    رأيت في المكتبة كتابا يحمل عنوان "كتاب العين للخليل الفراهيدي" منظم على الألف باء بعد التنظيم الأصواتي القديم. كتب على غلافه أنه من تأليف، "الدكتور عبد الحميد هنداوي الأستاذ في كلية الآداب جامعة القاهرة".
    ولَمّا كنت أعلم أنّ أول من نظم الكتاب على الألف باء وأصدره في ستة أجزاء في مسقط سنة 1994 هو أستاذي الدكتور هادي حسن حمودي، فقد أحببت المقارنة بين العملين، فإذا بعمل الدكتور "انتبه رجاء" الدكتور هنداوي، "وانتبه مرة أخرى" الأستاذ في كلية الآداب جامعة القاهرة، هو نفسه عمل أستاذي الدكتور هادي حسن حمودي. وإذا كان الدكتور هادي قد أصدر كتابه في سنة 1994 في مسقط، فإن الهنداوي أصدره في سنة 2002 أي بعد ثمانية أعوام من تلك الطبعة.
    وتحايلا على قوانين حفظ الملكية الفكرية، واستغفالا للقارئ العربي، فإن "الدكتور الأستاذ!" هنداوي تلاعب ببعض فقرات مقدمة الدكتور هادي للكتاب، كما أضاف "أعنِي الدكتور هنداوي" بضعة هوامش اقتبسها أو قل نقلها من طبعة الدكتورين المرحومين إبراهيم السامرائي ومهدي المخزومي اللذين أصدراه على ترتيبه الأصواتي القديم.
    ترى.. لماذا هذه الظاهرة؟ علما أني أشرت فيما نشرته في صحيفة العرب الغراء وموقع العرب أون لاين في المقابلة التي أجريتها مع أستاذي الجليل الدكتور هادي، إلى أن بعض كتبه تعرض للسرقة، مثل كتاب "الأمالي النحوية لابن الحاجب" وكتاب "المثلث" لابن مالك. ولم أكن أعلم ولا المؤلف يعلم بأن كتابه "العين" قد تعرض للسطو عليه أيضا.
    وقد هدانِي التفكير إلى أنّ الكتب التي صرف الأستاذ العلامة هادي حمودي عمره لإحيائها وتحقيقها أو تأليفها تمثل عيون التراث العربي إضافة إلى أمور جوهرية تخص حاضر الثقافة العربية في تجلياتها السياسية والاجتماعية مما كتبه عن سلطنة خاصة. أيصح أن يكون هذا هو سبب هذا السطو وذاك وذلك؟
    وللبرهان على ما أقول فإنّ كتاب العين هو أول معجم عربي يضم الألفاظ العربية ومعانيها ألفه الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري في القرن الثاني للهجرة إذ توفي الخليل الجليل في سنة 175 للهجرة.
    وقد وقف الدكتور هادي بكل حزم أما تيار التشكيك بالعبقرية العربية التي مثّلها الخليل وأمثاله من العلماء الكبار، ونعى على الذين شككوا بتراث هذا العالم الجليل وأمثاله.
    والحق معه، فحين يزمع الكاتب الكلام على الخليل، لا بدّ أن يقف بكلّ إجلال أمام هذا الرائد الذي رسم للعلماء من بعده حدود عملهم العلمي، في اللغة، فقهاً وعلماً، وفي النحو تحليلا وتركيبا واكتشافا لقواعد الكلام، وفي العروض استجلاءً لموسيقى الشعر والقافية، على أخلاق سامية رفيعة، وإخلاص دؤوب يسعى وراء الحقيقة العلميّة التي أراد الخليل وضعها في خدمة الناس، ومن هنا كتب العين، ورسالة الحروف، وأرسى قواعد النحو، واكتشف موسيقى الشعر، وابتكر التنقيط ورسم الحركات مـمّا لا زلنا نستعمله اليوم من قواعد الكتابة.
    وليس من شكّ في أن الخليل وصل الى البصرة من عُمان بعد أن اكتملت أدواته العلمية، واستقرّ على منهج في البحث والاستقصاء والابداع، بحيث صارت له المنزلة المشهودة منذ أوّل أيّامه في البصرة حيث جالسَ علماءها فأسَرَهم بحُسن خلقه ونُبل سجاياه وسعة علمه، ثمّ بادر الى عقد مجالس العلم المعروف آنذاك، مدارسة القرآن الكريم، وما يتصل به من روايةٍ للّغة، واستنباطٍ لقواعد التعبير، الذي عرف فيما بعد بالنحو، ومدارسة أشعار العرب واكتشاف إيقاعاتها وعروضها وأوزانها.
    العلم والزهد والتقى، هي الصفات التي عرفها الناس عن الخليل الجليل. حتّى حسنت مؤلفاته وخلدت كتاباته، التي منها كتاب العين، وكتاب النحو، وغيرها مـمّا أكّد الأستاذ الباحث هادي حمودي على صحّة نسبتها اليه، على الرغم مما أثاره بعضهم من تشكيك في صحّة تلك النسبة، انطلاقا من مقولات ضعيفة ورؤى متعصّبة ضيّقة الأفق.
    ويجدر بنا ملاحظة أن اكتمال الشخصيّة العلمية للخليل من قبل أن يطرأ على البصرة لا يعنِي أنه لم يأخذ عن شيوخ البصرة وعلمائها، وإنما يعنِي أنه جلس الى أولئك العلماء، كما يجلس عالم الى عالم، يستفيد كل منهما من الآخر.. فلم يكن أخذه للعلم أخذ تقليد ومتابعة، وإنما كان أخذ تجديد ومناقشة وحوار وإضافات ثَرَّة، وقد أُثِر عنه أنه كثيرا ما كان يقول: "كن على مدارسة ما في قلبك أحرص منك على حفظ كتابك".
    هذه الميزات النادرة هي التي جعلت منه عَلَما ورأس مدرسة كبرى من مدارس العلم، وأنزله النزيهون من علماء التراث مكانا عليّا في نفوسهم وفي توصيفاتهم، واتخذوا منه مثالا يحاولون الوصول الى شيء مما اتّسم به من صفات النبل.
    يصفه حمزة بن الحسن الأصفهانيّ بقوله: ".. وبعد، فان دولة الاسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم يكن لها عند علماء العرب اصول، من الخليل، وليس على ذلك برهان اوضح من علم العروض الذي لا عن حكيم أخذه، ولا على مثال تقدمه احتذاه، وانّما اخترعه من ممرّ له بالصفّارين، من وقع مطرقة على طست ليس فيهما حجّة ولا بيان يؤديان الى غير حليتهما، او يفيدان غير جوهرهما. فلو كانت أيامه قديمة، ورسومه بعيدة، لشكّ فيه بعض الأمم لصنعته ما لم يصنعه أحد منذ خلق اللّه الدنيا، من اختراعه العلم الذي قدمت ذكره، ومن امداد سيبويه من علم النحو بما صنّف منه كتابه الذي هو زينة لدولة الأسلام".
    ولتلميذه النضر بن شميل، الذي قيل أنّه أنكر تأليف الخليل لكتاب العين، أقوال دالّة على عظيم منزلة الخليل في نفسه، فهو القائل: "أقام الخليل في كوخ من أكواخ البصرة لا يقدر على فلسين، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال. ولقد كنّا نمثّل بين ابن عون والخليل بن أحمد أيهّما نقدّم في الزهد والعبادة، فلا ندري ايّهما نقدّم. فأكلت الدنيا بعلم الخليل بن أحمد وكتبه، وهو في كوخ لا يُشْعَرُ به".
    ويقول فيه سفيان بن عيينة: "من أحبّ أن ينظر الى رجل خلق من الذهب والمسك فلينظر الى الخليل بن أحمد".
    وأما أبو البركات الأنباري فيقول: "الخليل بن أحمد.. سيد أهل الأدب قاطبة في علمه وزهده، والغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو".
    بينما كان الخليل، رحمه اللّه، يقول: انّي لأغلق عليّ بابي فما يجاوزه همّي!!
    وإذا كانت المصادر لا تقدّم لنا نفعا كبيرا في فهم حياة الخليل، فإنّ الدكتور هادي بصبره ودأبه كشف عن الميادين الثلاثة التي شهر بها الخليل شهرة واسعة، وهي:

    * الميدان اللغوي، وله فيه كتاب العين، وكتاب الحروف، وهو غير الورقات الثلاث التي حُققت باعتبارها ذلك الكتاب، على ما تحدث عنه في كتابه "علماء عُمانيّون عبر التاريخ" الذي أصدرته وزارة الإعلام في مسقط سنة 2002. ولقد صار كتاب العين محورا لحركة علميّة واسعة امتدّت منذ عصر الخليل وإلى أيّامنا هذه. فلا نعرف معجما لغويّا لم ينطلق من مادّة العين، ولا نعرف معجميّا عربيّا إلاّ وقد زيّن كتابه بنقولٍ عن العَين، لأنّ الخليل ثقةٌ فيما رواه، وعبقريّ فيما حلّله وبيّنه من قضايا الألفاظ والمعاني، فكان الرائد الذي لا يَكذبُ أهله. ولا نغالي إذا قلنا أنّ المعجميين العرب اللاحقين كانوا عيالا على العَين، حتّى إنْ توسّعوا فيه، وأضافوا اليه. فمنه بدأوا ومن مادّته انطلقوا.
    * الميدان النحوي، ويتمثّل في "كتاب النحو" الذي على أساسه كتب سيبويه "الكتاب". على ما أثبته الدكتور هادي في كتابيه "الحروف والأدوات للخليل" و"آيات التنزيل".
    * الميدان العروضي، وهو الفنّ الذي ألّف فيه عشرات العلماء، وبقيت الريادة فيه للخليل.
    أما كتاب العين فقد تعرّض لقوارع من الادعّاءات، بدأت منذ أوّل ظهوره، واستمرّت تقوى وتضعف، تقوى حين تجد من يأخذه هواه لغير الحقّ فيستكثر على الخليل ذلك الانجاز العلمي الشامخ، وتضعف حين تجد الأمة أنّها في موقع القوّة والايمان بذاتها، وبانجازات أبنائها.
    انّ قصّة التشكيك في كتاب العين، ليست وليدة ما كتبه أحمد أمين في مصر والبستاني في بيروت، ولا هي من آثار تجنّي المستشرقين، بل بدأت منذ أن ظهر الكتاب في البصرة في أواسط القرن الثالث للهجرة، حين جاء ورّاق من خراسان ومعه نسخة سقيمة من كتاب العين، فأثار ثائرة العلماء الذين نظروا في تلك النسخة السقيمة، فأنكر بعضهم نسبة الكتاب للخليل، للأغاليط الواردة في الكتاب مِمّا لا يصحّ حملها على أقلّ طلاّب الخليل شأنا، فكيف يُمكن أن تُحمَل عليه؟! وهو إجلالٌ للخليل عن ذلك. غير أنّ آخرين اتّخذوا من هذا ذريعة للإساءة إليه.
    وقد سبق أن قام الدكتور هادي بمناقشة هذه القضيّة مناقشة مستفيضة فيما كتبه عن الخليل الجليل، وكذا في مقدّمته لكتاب العين، "هذا الذي سطا عليه مَن أعاد إصداره في سنة 2002" ولكتاب مختصر العين، وبذلك فإنّ حملات التشكيك قد آلتْ الى السقوط والاندثار، فالحقّ أبلجُ والباطلُ لَجْلَج.
    ولكن، هل يمكن أن تبرر أهمية الكتاب السطو عليه وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، سؤال لم أعرف جوابه بعد، وإن كنت أعرف أن الدكتور هادي بصدد اتخاذ الإجراءات القانونية بحق مَن سطا على كتابه.
    * باحث وأكاديمي لبناني – لندن

يعمل...
X