إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

في سورية بعد غياب طويل يا أبا الجود من رواية ( أبو الجود ) د. محمد عبدالله الأحمد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في سورية بعد غياب طويل يا أبا الجود من رواية ( أبو الجود ) د. محمد عبدالله الأحمد

    من رواية ( أبو الجود ) د. محمد عبدالله الأحمد
    في سورية بعد غياب طويل يا أبا الجود:

    نظر الشرطي إلى كفاح وقال:
    - اسمك كفاح محمد
    - نعم
    - أنتظر لحظة
    دخل الشرطي إلى غرفة صغيرة وعاد بعد عدة دقائق حاملاً ورقة بيضاء وبدأ يقرأ محتوياتها بعينيه ثم عاد كفاح قائلاً
    - عندك مراجعة
    - مراجعة إيش
    - مراجعة أمنية!
    - أمنية؟؟! باستغراب
    - سأعطيك ورقة المراجعة وعليك خلال ثلاثة أيام أن تراجع أمن الدولة وبدون موافقة أمن الدولة لا يمكنك المغادرة... . !!
    ثم كتب الشرطي ورقة المراجعة وأعطاها لكفاح ( الصامت) قائلاً:
    - ثلاثة أيام... . هه!! ... . ... . ... . ... . ... . ... . ... . ... . ... . .
    بتفهم ما وبعض الاستغراب مرت دقائق تفكير على صاحبنا ثم بدأ
    ينظرإلى داخل غرفة الشرطي يحاول ملاحظة كل شيء فكل شيء في بلده الذي غادره منذ مدة طويلة يهمه ولديه قيمة ما في قلبه، أراد أن يعاين الأشياء قبل البشر، لذلك استوقفه تيلفزيون ( السيرونيكس) القديم والمدفأة النفطية في غرفة الشرطي إضافة لإبريق الشاي والكؤوس الصغيرة الثلاث الممتلئة بالشاي، لقد كان يعلم كفاح أنه ليس هناك أطيب من شاي الحرّاس والعمّال لأنهم يضعون في كأس شايهم عصارة خبرتهم الطويلة في صنع الشاي ويحاولون تحويل هذه المتعة والكيف الوحيد المتوفر.

    خلال فترة مناوبتهم إلى متعة فريدة وهي تصبح بالفعل كذلك بسحرٍ ما لا يتقنه إلا العسكر وخصوصاً عسكرنا نحن... . !!
    جرّب كفاح مراراً أن يحاول في الغربة صنع كأسٍ من شاي العسكر والحراس ولكنه فشل إذ لا بد من وجود الأشياء الأخرى ( ربما) حتى تقبل الشاي أن تعطي طيبها كله والأشياء الأخرى هي أسرة العسكر وخوذهم وخيمتهم أوغرفتهم وقليل من الأمتعة المحصورة في حقائب الكتف وعدة لحلاقة الذقن ولابد أن تكون شفرات الحلاقة من نوع (التمساح) ولابد لابد من قنينة الكولونيا التي يشتريها العسكري من دكان الحلاق الذي يتفنن في خلطة الكولونيا الخاصة والفريدة برائحتها إلا إذا نسي ولم ينظف بقايا البيرة جيداً من القنينة المتطاولة التي يشتهر بها معمل بيرة الشرق في دمشق... .
    هكذا فقط يكون الشاي طيباً وذا رغوة وخمير ويتبقى فقط أن ترتشفه ببطء وبلذة
    - شششفف
    ثم تخرج سيكارة ( حمرا) وتنظر خارج خيمتك حيث تستطيع فقط عند إشعال سيكارة ( الحمرا) أن ترى كل العالم من باب خيمتك!! نعم... نعم صدقوني فالعسكري السوري وحده يرى ( كل العالم) من باب خيمته المفتوح على نصفه فقط إذا توفر له على كأس الشاي وسيكارة الحمرا...
    كل هذا خطر في بال كفاح وهو ينظر في غرفة الشرطي عندما كان ينتظره ليدقق في الأرشيف باحثاً عن حرف الكاف عن اسم ( كفاح محمد)
    لم تكن هذه فقط أول مشاهداته فلقد اتفقنا إذن على أن أول ما استقبل به هو دعوة لمراجعة مخابرات أمن الدولة وشرطي حريص يوصيه أن لا يتأخر عن الأيام الثلاثة ومشهد المدفأة ( الصوبيا) وإبريق الشاي ونضيف لكل المشهد، تيلفزيون ( السيرونيكس) وهو تجميع سوري وكان التيلفزيون في غرفة الشرطي بالأسود والأبيض وكانت الصورة تتقلب باستمرار ومع ذلك فلم يقدم أحد من زملاء الشرطي على مسأعدتها في الاستقرار وعدم التقلب، ربما كان السبب لأن القناة الأولى وهي الوحيدة ممكنة المشاهدة في هذه المنطقة الحدودية، كانت تعرض للمرة المئة تمثيلية معروفة ولأن الشرطة كانوا يحفظونها عن ظهر قلب فلم يقدم أحد على ضرب سقف التيلفزيون بقبضته حتى تتسمر الصورة في مكانها ويصبح بالإمكان المشاهدة بشكل طبيعي... .

    خرج كفاح من غرفة الشرطة ( الحدودية) متجهاً إلى الباص حيث كانت نظرات الركاب الآخرين ااتجاهه تحمل علامات الاستفهام فلقد كان كفاح هو الراكب الوحيد الذي استغرق فحص جواز سفره أطول وقت... .
    ( إنها الحدود مرة أخرى)
    عندما دارت عجلات الحافلة داخل الوطن أول أمتارها هبت في نفس كفاح موجة عشق وشوق لسورية... .
    كفاح كان من أولئك الذين لا يعرفون في أي مقام يضعون ( من يحبون) بالمقارنة مع ( من يحبون)، كان لا يعلم هل يحب سورية كأمه أم أمه كسورية... .
    جاشت عواطفه وهو يمر بالقرى والمدن التي لم يرها زمناً طويلاً، المشهد هو هو وكأنه لم يحدث شيئ في العالم الآخر، نفس الطريق الضيّقة التي تمر في التجمعات السكنية ونفس المشهد تماماً، أولاد لا يجدون مكأنا يلعبون به فيشتهون ألا تمر أية سيارة على الطريق الصالحة لكي تتحول لمكان للعب كرة قدم...
    مر الباص بكل هذا قاطعاً طريقه إلى حلب هناك حيث كان عليه أن يغير الباص إلى مدينته... .
    كان لقاء كريم والأهل حميمياً فيه فرح وألم فيه جوع للبكاء السري والعلني، ضم ولده بحرقة وكان الولد يعانق أباه بين المصدق وغير المصدق وكانت لغته العربية جميلة ساحرة ( شاب صغير بين يدي كفاح هو كنزه الحقيقي هكذا كان كريم)
    بقي في البيت يومين ثم ذهب إلى العنوان الذي كتبه الشرطي على الورقة للمراجعة الأمنية.
    دخل كفاح إلى مكتب صغير فيه رجلان أعطاه أحدهما مجموعة أوراق بيضاء قائلاً:
    - اكتب قصة حياتك!
    - قصة حياتي ؟
    - اي نعم بس مختصرة يعني وين درست ولوين سافرت وشوبتشتغل وأنتماءك السياسي يعني اكتب شي خمس صفحات.
    - نظر كفاح للرجل مبتسماً وأمسك القلم وشرع يكتب.
    كتب بحسب ما قاله الرجل أهم الأشياء وعندما سلم الأوراق أخذها الشرطي منه وترك الغرفة ومرت نصف ساعة وجد كفاح نفسه بعدها في مكتب شديد الأناقة.
    - أهلا دكتور اتفضل
    - شكرًا
    - سيكارة
    - ممكن
    - قهو ة
    - وسط
    طلب الرجل القهوة مشعلاً لنفسه سيكارة أيضاً وتابع القول:
    - نحن نعرف أغلب ما كتبت في شيء ما كتبته
    - أكيد فيه بس تفاصيل
    - شوف أنت لازم تتكرم أنت مناضل ونحن نعرف سبب سجنك في بلغاريا، كان يمكن لحياتك أن تكون أخرى!
    - لماذا المراجعة أمنية، هل أنا متهم بشيء ؟
    - آه عندك مشكلة تشرب قهوة عندنا ؟ اذهب وعش حياتك ولا تقلق من شيء
    - لا أبداً ما هيك أقصد
    - فهمت... . فهمت
    - أنا بفهم القضية الأمنية كويس وضروراتها بس كان ممكن أسلوب آخر معي
    - كيف ؟
    - أنتو بتعرفوا أني صرت ببلدي وقهوتي كمان طيبة بصراحة أمي خافت كتير والأهل... وأنا بعرف حالي منيح... . بس!
    هنا وقف الضابط مصافحاً مودعاً:
    - شرفت أهلا وسهلا فيك... . دايماً فيك تشرب قهوتي دكتور.
    - شكراً
    خرج كفاح من المبنى وهو مرتاح.
    ( الأمن كلمة تشبه سكر الشاي فلا زيادة ولا نقصان)

    مر كفاح على أبي الجود أيضاً فاكتشف هول المسافة التي صنعها الزمن بينهما وبعد نقاشات طويلة قرر السفر ثانية الهجرة مرة أخرى، العيشة معك فظيعة أبوالجود! ومع أنه لا يحب نصائح أبوالجود إلا أنه سمع منه هذه المرة في ضرورة السفر إلى الغرب عساه يجد هناك نجاحاً مادياً، كانت الهزيمة المادية تلاحقه وولده يكبر وكان عليه مسأعدة الأهل أيضاً.
يعمل...
X