Announcement

Collapse
No announcement yet.

للمرجعية الدينية هناك عشرة محاذير - إسماعيل حسني

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • للمرجعية الدينية هناك عشرة محاذير - إسماعيل حسني


    إسماعيل حسني

    عشرة محاذير للمرجعية الدينية


    بينما تعيش تسعة أعشار شعوب الأرض فى ظل مفهوم الدولة المدنية الحديثة، الذى أثبت قدرته، خلال القرون الثلاثة الماضية، على خلق الإنسان الحر وتنمية المجتمعات، وكان الأجدر بنا، ونحن نبنى دولتنا الجديدة، أن نختصر الطريق، ونقتفى آثار أقرب النماذج إلينا من الغرب أو الشرق، يصر نفر من أبناء الوطن على إضاعة المزيد من وقت شعبنا، من خلال جرنا إلى مغامرة أيديولوجية تجعل من الدين المرجعية العليا لدولتنا المدنية.
    ولكى نساعد المواطن المصرى البسيط الذى تبتز مشاعره الدينية بأسوأ صورة هذا الأيام على إدراك مخاطر هذه المغامرة، نضع بين يديه عشرة محاذير يجب أن تمنع أى دولة من اتخاذ الدين مرجعية لها، بل تجعل من اتخاذ الدين مرجعية خطرا على الأمن القومى، وهى فى حد ذاتها أسباب فشل كافة التجارب الدينية السابقة:
    أولاً: التناقض المعرفى الظاهر فى تعبير "دولة المدنية ذات مرجعية دينية"، حيث إن الدولة المدنية تقوم على اعتبار الأمة هى مصدر السلطات، بينما المرجعية الدينية تعنى أن الله هو مصدر السلطات، هذا الخلل المعرفى سيتبعه بكل تأكيد خلل هيكلى فى بنيان الدولة وآليات اتخاذ القرارات وصراع مستمر بين مؤسسات الدولة ومفسرى النصوص الدينية.
    ثانياً: لا يوجد نموذج واحد لدولة ذات مرجعية دينية أثبت نجاحه فى العصر الحديث، بل على العكس، كل هذه التجارب والمغامرات أثبتت فشلا ذريعاً وقادت دولا إلى الفشل والحروب الأهلية، كما رأينا فى باكستان والسودان والعراق والصومال وأفغانستان، ونكاد نضم للقائمة دولا كالسعودية وإيران، لولا أن الموارد البترولية الهائلة تطيل من عمر أنظمتها البالية، ولقد فشلت هذه التجارب ولم تفتح لها خزائن السماء، على الرغم من أنها منذ قيامها قد اجتذبت آلافا من مشايخ وعلماء الدين الذين باركوها، ودعوا لها، وشاركوا فى صياغة نظمها وقوانينها! فما الذى يجعل هؤلاء يتصورون نجاح هذه التجربة الفاشلة فى مصر؟ بينما فى المقابل نجد عشرات الأمثلة من النجاحات للدول المدنية الحقيقية فى أوروبا وأمريكا وأستراليا وكندا والصين وماليزيا وإندونيسيا وتركيا والهند وغيرها.
    ثالثا: حيث إن الإسلام قد حرر البشر من سيطرة الكهنوت فلم يعد فى الإسلام كهنوت يحدد لنا الدين الصحيح لكى نتخذه مرجعية مثل المسيحية أو اليهودية، وعلى هذا فقد أصبح لدينا أكثر من إسلام يصل الأمر بينهم فى جميع المسائل إلى حد التناقض والتكفير المتبادل، فلا يوجد ما يسمى إجماعا، لدينا إسلام الأزهر وإسلام الصوفية وإسلام الوهابية (السلفيون) وإسلام تنظيم القاعدة وغيرهم، وكلهم يدعى الوسطية واتباع الدين الحق، فأى منهم سيكون مصدرا للمرجعية؟
    رابعاً: إن جعل الدين مرجعية للمجتمع يفتح بابا لا يقتصر الدخول منه على العلماء الأخيار فقط، بل سيدخل منه أيضا كل من يرتدى عباءة الدين من فقهاء السلاطين والدجالون ومفسرو الأحلام والمعالجون بالقرآن وأصحاب الكرامات، وتغرق البلاد فى بحر الخرافة.
    خامساً: المرجعية الدينية ستسبغ نوعا من القداسة على الأحكام والقوانين، فيكون انتقادها أو محاولة تطويرها شاقا وعسيرا، لأنه سيتطلب نصاً يتفوق فى ثبوته وقطعية دلالته على النص الأول، وهنا يكون الجمود والركود والموت البطىء.
    سادساً: إن معارضة المرجعية الدينية تؤدى لاتهام المعارضين فى دينهم مما سيؤدى لإحجام الكثيرين عن المعارضة، فيسود الاستبداد.
    سابعاً: إن كل مسألة فى الدين فيها عدة أقوال تصل إلى سبعة عشر قول، وكل شيخ جماعة أو مذهب سيريد أن يرى رأيه محل اعتبار وإلا اضمحل المذهب، وانفض الناس عن شيخه، لهذا سنرى التناحر المذهبى يتصاعد وينذر بأوخم العواقب.
    ثامناً: المرجعية الدينية تستند إلى لغة قديمة فضفاضة، تختلف عن اللغة المدنية الحديثة ذات الاصطلاحات المحددة، وهذا سيوقعنا دائما فى محظور تعدد التفاسير والترجمات للفظ أو النص، مما سيعطل الأداء الحكومى، ويبطئ الفصل فى المنازعات.
    تاسعاً: هناك مدرستان فى الفقه، الأولى أيديولوجية سلفية تقدم النص على المصلحة، والثانية عقلانية حداثية تقدم المصلحة على النص، ولكل مدرسة مرجعيتها الشرعية، مما سيجعل البلاد دائما فى حالة دائمة من الغليان والتشكيك فى ما يصدر من قوانين، فلا ينعم الوطن بالاستقرار أو الهدوء اللازمين للبناء والتنمية.
    عاشراً: الخلط الدائم بين تطبيق مبادئ الشريعة المطلقة والثابتة وبين تطبيق أحكامها من عقوبات بدنية وجزية وغيرها (رغم أن الأحكام الواردة فى النصوص المقدسة ليست مطلقة أو ثابتة، بل متغيرة، وأوقف الصحابة العمل بكثير منها لتغير ظروف المجتمع أو انقضاء الحاجة إليها) من شأنه فتح باب المزايدة أمام المعارضة من داخل التيار الدينى نفسه قبل غيرهم، ويؤدى إلى فزع دائم فى أوساط المسلمين غير المسيسين والمسيحيين ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، فينعدم السلام الاجتماعى الضرورى لضمان مشاركة جميع المصريين فى التنمية.
    هذه هى أهم الموانع، فهل يكون الحل فى إقصاء الدين؟ بالطبع لا، فالدين كامن فى نفوس المصريين منذ آلاف السنين، ولكنه الدين الحق، الذى تقوم به الأسرة والمؤسسات الدينية والدعوية والطرق الصوفية لتهذيب النفوس وإعداد الفرد لتحمل مسئولية أسرته ومجتمعه على أساس مبادئ شريعتنا، أما أن تتحول المؤسسات الدعوية إلى سلطة حاكمة وتقوم بتطبيق الأحكام القديمة المتقادمة، فتلك هى الطامة الكبرى.. الدولة المدنية هى الحل.
    * باحث فى الإسلام السياسى
Working...
X