إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تغييباً مزمناً للعقل تشكو الجزائر منه كما صرح عمار يزلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تغييباً مزمناً للعقل تشكو الجزائر منه كما صرح عمار يزلي

    حذّر من عواقب الذهنية الثأرية على ثورات العرب
    عمار يزلي: "الجزائر تشكو تغييباً مزمناً للعقل !"

    كامل الشيرازي





    الجزائر: يعزو الأكاديمي والمبدع الجزائري الفذ د/عمار يزلي، ما يقع في بلاده إلى تغييب العقل لمصلحة "شهوانية سياسية وإدارية وأمنية"، ما أدى إلى ابتعاد المثقفين والمفكرين المستقلين.

    وفي حديث خاص بـ"إيلاف"، يقدّر الأديب والمسرحي الجزائري الساخر أنّ المثقفين العرب الذين "هرموا" تحت رحمة أنظمة الاستبداد، سيكونون خزانًا معرفيًا للشباب الثائر، لكنّ قفزة هؤلاء ستكون مرهونة بما قد يحدث من سيرورة ثقافية.
    ويحذّر المتخصص في علم الاجتماع الثقافي والناقد السوسيولوجي من عواقب ما يسميها "الذهنية الثأرية" على زخم الثورات العربية.
    • حدثونا عن الأدب الساخر في الجزائر بحكم إسهاماتكم اللافتة فيه، وأين يتموقع حاليًا هذا الضرب الفني في البلد الذي أنجب أحمد رضا حوحو وقوافل من فرسان الكلمة؟
    - السخرية في الأدب، مقاومة! شكل من أشكال المقاومة "الصامتة". نجد ذلك حاضرًا كثيرًا في أدب دول "تحت القمع والديكتاتوريات" (أميركا اللاتينية مثلا!).

    في الجزائر، السخرية في الأدب والمسرح والشعر الشعبي والعامي كانت ولا تزال شكلاً قويًا من المقاومة الثقافية للاحتلال (وقد أفردت لذلك رسالة دكتوراه دولة في علم الاجتماع). بعد الاستقلال، لاحظنا أن السخرية كانت قليلة اعتبارًا من أنّ الثورة أزاحت السخرية، لأنّ الأخيرة "مقاومة صامتة" وإذا ما تفجر الوضع، فلا "صوت يعلو فوق صوت المعركة"!.
    والإخوة المصريون عندما قالوا عنا بعد الاستقلال أننا "شعب لا يضحك"، إنما كان ذلك مرحليًا، فسرعان ما دخلت النكتة السياسية والاجتماعية، وتم توظيف ذلك في الأدب وفي الشعر والرواية والمسرح بحثًا عن التنفيس.
    رضا حوحو وغيره كان يمثل ذلك الاتجاه المقاوماتي، فأمام "المفارقة" و"قلة الحيلة" وقوة الضغط، لا يمكن للأديب والفنان إلا أن "يضحك من الهم" (فشر البلية ما يضحكّ !"). السخرية في الأدب تعجّ بها الروايات والشعر في عهد الاحتلال (لقد درست نماذج منها "نجمة "لكاتب ياسين" ومحمد ديب في ثلاثيته، و"محمد ولد الشيخ" في "مريم بين النخيل" ..وغيرها).
    ووجدت أن الكتلة النصية للأسلوب الساخر تفوق 45 % أحيانًا النص الإجمالي، هذا بدون أن يكون هؤلاء الأدباء "أدباء ساخرين" كما كان "برنارد شو" في بريطانيا أو الشاعر "مارك توين" في أميركا أو "ياروسلاف هاشك" في تشيكوسلافاكيا سابقا، والمازني في مصر!.
    نعم عندنا أدباء فكاهة، ومنهم المرحوم الشاعر الجزائري الكبير "الأخضر السائحي"، لكن ليس عندنا أدباء ساخرون منفردون، لعل ذلك مرتبط بالجيل.. جيل الثورة، الذي أسس أدبًا "ثوريًا" جادًا، كان قد أعلن عنه الراحل مفدي زكريا (هو الآخر له قصائد في غاية السخرية) في آخر قصيدة كتبها على منوال "السف أصدق إنباء من الكتب" لأبي تمام.
    • من موقعكم ككاتب ومتخصص في النقد السوسيولوجي، ماذا يمكن أن تقولونه بشأن الواقع الثقافي لجزائر 2011؟
    - واقع ثقافي هش، ارتبط ذلك بمكونات نشوء الدولة الوطنية التي تعسكرت أثناء الثورة وما بعدها أكثر، تحول فيها الفعل الثقافي إلى مقطورة تجرها قاطرة "الثورة" بعد الاستقلال!، تحول المثقف والمفكر والأنتلجانسيا التي أنتجتها الحقبة الاستعمارية وما بعدها إلى نخبة تابعة للجهاز!، مثقفون إداريون موظفون مثلهم مثل الأئمة والعلماء.

    لقد كان لتهميش العمل الخارجي خلال الثورة لمصلحة العمل الداخلي، دور سلبي في تكسير المسار الثقافي الاجتماعي للجزائر ما بعد الاستقلال!، اغتيل "عبان رمضان" واغتيلت المئات من الطلبة بعد 19 أيار/مايو 56 خوفًا من تأثير "الحمر" على الثورة.
    الثقافة فعل وسيرورة، وليس إنتاجًا ميكانيكيًا، الفعل هذا مرتبط بالحريات، لأن الحريات تعطي سقفًا أعلى للإبداع والإنتاج بعيدًا عن التوجيه والأدلجة التي تقتل العمل الثقافي.

    إننا نشهد اليوم تحولاً ولو ثقيلاً بفعل تغييب الحريات، لكن هذا ليس بدرجة التهميش نفسها التي كنا عليها سابقًا، مع ذلك لا يزال الفعل الثقافي بعيدًا عن المساهمة في التطور والتحول الاجتماعي! (اتحاد الكتاب مات.. الجمعيات الفكرية والثقافية محصورة بين الملتقيات الجامعية المتخصصة، والمهرجانات عادت لتطغى على الواجهة!).
    تبعًا لخوضكم المعمّق في علم الاجتماع الثقافي، وإشرافكم على قسم علوم الإعلام والاتصال في جامعة وهران، كيف تنظرون إلى ما يُثار حول احتباسات العقل والثقافة في الجزائر؟
    - يرتبط ذلك بما تحدثنا عنها سابقا! تغييب العقل لمصلحة التبعية الإدارية السياسية! لقد شاهدنا هذه الظاهرة في الجزائر مع الحقبة الثالثة أثناء العهد التركي في الجزائر، أي تلك المرحلة التي تسمى "عهد الآغوات" أو عهد "الانكشارية"!.

    يحدث عندنا منذ نحو 20 سنة، شيئا يشبه ذلك، لا صوت يعلو فوق صوت الحاكم السياسي والأمني والإداري، غيب العقل لمصلحة الشهوانية السياسية والإدارية والأمنية ولمصلحة المصالح الآنية، غيب مفهوم الدولة مثلاً لمصلحة :سلطة" وقتية.
    لم نعد نفكر بما قد تكون عليه الجزائر بعد 50 سنة أو حتى 30 سنة أو 10 سنوات! صرنا نفكر فقط في "العهدة" وما قد يليها. وهذا ما جعل العقل الفكري ينحصر لمصلحة "عقل مصلحي" نفعي مرحلي. أدى هذا بالتالي إلى دخول المثقف (ليس الكل) مجال السياسة والارتزاق، فيما غيب المثقفون والمفكرون المستقلون عن الساحة، وأبعدوا وهمشوا، لأنهم لم يرغبوا في أن يتحولوا إلى دمى وكتاب دواوين في الوزارات والهيئات العمومية والسياسية. هذه هي مشكلتنا!.
    • ما مدى صحة الحكم القائل إنّ الاقتباس والتكرار قتلا الإبداع المسرحي في الجزائر؟ وماذا عن النقد وسط كل هذا؟
    - كل ذلك مرتبط بالمناخ السياسي الذي لم يكن وما زال، لا يسمح بتجاوز سقف محدد من حرية الإبداع، هناك تكبيل تاريخي لمسار الإبداع، إبداع موجه.. مسيّس وأحيانا "إبداع" فارغ. تهريج لا طائل من ورائه، هذا في المسرح خاصة، وهذا بعدما طغى خلال سبعينيات وستينيات القرن الماضي على العمل المسرحي الطابع "الثوري" "الوطني" "الملتزم" (الموجّه)، وقد تكلف بهذا الأمر اليسار الجزائري الذي سيطر على التلفزيون (الهاشمي شريف كان مديرًا للتليفزيون الرسمي، وهو عضو في الحزب الشيوعي السري!). الشيء نفسه في مؤسسات الكتاب والمسارح والسينما والفن، لم يكن بالإمكان (وحتى اليوم أحيانا) أن تخترق هذه الحصانة اليسارية في المؤسسات الثقافية.

    وفي غياب وجود وجوه جديدة وإفلاس الخطاب الاشتراكي في الفن والأدب والمسرح، تحوّل كتاب النصوص من الإبداع إلى "النقل" ولا أقول "الاقتباس" أحيانًا سرقة كاملة، أسميها بجرأة نصوص مسروقة، حتى لا أقول عملية "تبييض نصوص"!.
    • بحكم تميزكم بكتابات مسرحية لافتة، ماهي الأسباب الكامنة وراء "خمول" النص المسرحي في الجزائر؟ هل الأمر مردود إلى عدم معايشة الكتاب المسرحيين في الجزائر لما هو حاصل من تطور وتراكم نصي وفكري، أم المسألة تنحصر في غياب التكوين؟
    - مسرحية "منامات الوهراني" التي أنتجها مسرح وهران الجهوي، كانت "فلتة"، وقد أقول إنها كانت "غلطة لا تغتفر للمسرح"، لأنه تجرأ وأخرج هذه المسرحية التي أخرجت بشكل مختلف تمامًا عن الريبرتوار المسرحي المحلي، مختلفة في التوجه والطرح.

    لقد وجدت صعوبة في تمريرها، ولولا دفع السيد "بوعبد الله" مدير المسرح آنذاك الذي كان في صراع مع النقابة "اليسارية" التي استولت بعد ذلك على الإدارة (مجموعة الراحل علولة الذي كان صديقا وأعتز بصداقته إلى درجة أنني كنت قد طلبت منه أن يعمل على إنتاج مسرحية على صورة "منامات الوهراني" بعدما قدمت له كتاب "منامات ابن محرز الوهراني" وقرأه وأعجب به، لكن الموت سبقه، مما جعلني أفكر في كتابة هذا النص!)، لولا هذا الأمر ما كانت لتمر هذه المسرحية التي اشتغلت عليها طويلاً مع الممثل القدير حيمور.

    المسألة مطروحة بحدة في المسرح، هناك "مجموعة" تتقاسم الإنتاج المسرحي لأسباب غير إيديولوجية أحيانا! أحيانًا بسبب بقاء المسرح في "بيت المسرح" أي لا مجال للوافدين الجدد إلى المسرح، عبارة عن مراعي خاصة للمسرحيين. هم يتهمون الكتاب خارج المسرح بعدم الكفاءة المسرحية، فهم في نظرهم غير متخصصين. فعلوا ذلك مع كثير من الأدباء في الجزائر، حتى مع الراحل الطاهر وطار! اقتبسوا له "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، لكن هل طلبوا منه يومًا أن يكتب لهم مسرحية؟..
    مع واسيني الأعرج، أمين الزاوي، أحمد منور، مع الكثير، فالمسألة إذن "زيتنا في بيتنا" أكثر منها حفاظًا على البيت الإيديولوجي، ثم لا ننسى الريع، الكاتب هو المخرج نفسه والممثل ليأخذ الواحد ثلاثة أجور، كان هذا أيضًا سببًا في تدهور المسرح والفن بشكل عام (المغني والشاعر والملحن الواحد!).
    • هل ما يسمّى بـ"التأليف الجماعي" ظاهرة صحية في الجزائر؟
    - من أغرب ما سمعته هذا الأمر، الإبداع عملية فكرية فردية، يستحيل أن تكون جماعية، وإلا تحولت إلى تركيب فني "مونتاج"، لقد جرب بعض أدباء السبعينيات ذاك، وضحكنا من التجربة. كتابة قصة مشتركة، الشيء نفسه في الرواية والشعر!، هل يمكن أن نبدع جماعيًا.. ممكن! لكن بطريقة فردية، أي أنه يمكن أن نبدع جماعيًا، لكن ليس في النص نفسه.

    هي حقبة مرتبطة بالإيديولوجية الاشتراكية (الجماعية، الجماعة، المجتمع، الجمعية، التعاونية إلخ). وقد حاولا لكن النتيجة كانت "فالسو"! الهروب السابق باتجاه "التأليف الجماعي" كان عنوانًا لما أشرنا إليه سابقاً "زيتنا في بيتنا"، المسرح "للأسرة المسرحية".. لا مجال للتعامل مع نصوص خارج البيت المسرحي، وهذه ما جناه جماعة آل المسرح على المسرح.
    • ماذا عن جديدكم في عالم الكتابة، وكيف تتوسمون راهن المسرح الجزائري وجماهيريته بعد كل الذي قيل عن زخمه الذي خفّ في العقد الأول من القرن الحالي؟
    - بعد "منامات الوهراني"، كتبت نصًا آخر بعنوان "ريحة لبلاد"، ثم نصًا ثالثًا بعنوان "أنا شكون هو" لكنهما لم يمثلا، النص الأخير اقتبسه المخرج زكريا لفيلم تلفزيوني، لم أكن راضيًا عنه، لأنه أدخل فيه كثيرًا من الفانتازيا، التي هشّمت النص، وشوشت عليه، باعتباره نصًا هو الهوية المبحوث عنها!، اتجهت بعدها إلى كتابة مجموعة سيناريوهات، البعض منها صُوّر والبعض في الطريق (مسلسلات وأفلام وثائقية).

    أعتقد أن المسرح لم يعد له غير جمهوره والعائلي القرابي،التوجه العام الآن ينحو نحو الإنتاج السمعي البصري. فجماهيريًا هو الأنجح للتوصيل، لكن في غياب تعددية تلفزيونية واستقلالية تامة عن التوجه العام للحكومة الحالية، لا يمكن للتلفزيون أن يتطور ولا أن ينتشر، ما أبقى على سقفه بهذا الانخفاض المريع. عليه أن يستقل وينفتح ويتعدد لكي يتمكن من استيعاب المد الثقافي والإبداعي الذي يشهد تململاً كبيرًا مع وجود مبدعين شباب، أدباء، وروائيين شعراء، وفنانين، بإمكانهم فعل أشياء كثيرة ورائعة.
    • كيف تقاربون كمثقف ثورات التغيير العربية؟
    - كان متوقعًا أن ينتفض الجيل الثاني من زمن الإحباط، 30 و40 سنة من حكم النظام الواحد نفسه، كان مؤشرًا على أن جيلاً جديدًا سيتولى نفسه بنفسه، مخاض طويل لكن التغيير بدا الآن واضحًا. لا مجال لتوقف هذه "الصهارة"، المثقفون العرب الذين "هرموا" تحت النظام "الهرم" نفسه سيكونون خزانًا معرفيًا للجيل الثاني الشاب.

    الشباب المثقفون الذين ولدوا وتشكلوا اجتماعياً في رحم هذه الأنظمة سيعرفون كيف يقفزون إلى الأمام. هذا مرتبط بشرط ما قد يحدث، الثورة هي سيرورة ثقافة، وليست "صيروة" نظام. وهذا ما أشرنا إليه في السؤال الأول، المثقف هو من ينبغي أن يشكّل وعي المستقبل باستمداد وعي التاريخ وفلسفة الحاضر.
    لقد أعجبني يومًا كلام قاله عزمي بشارة: الفكر والعقل والجيل الذي تخصص في تفجير الملاهي الليلية، لا يمكنه أن يبني، هذا صحيح تمامًا. فذهنية الهادم (العسكري) لا تتماشى مع ذهنية البناء، هذا منطق. لكل له وظيفته، ووظيفة المثقف أنه يبني ويفكر للحاضر والمستقبل باستلهام الماضي. والثقافة استمرارية.. سيرورة..تواصل وليس قطائع، هناك تراكم، وليس انكسارات موتورة.
    المثقف لا يقول ما يقوله العسكري والسياسي "البناء على أنقاض الماضي"، هذه عقلية تدميرية لا تشكل وعيًا مستقبليًا حتى ولو بنينا حضارة، هذه الذهنية الثأرية من الزمن والتاريخ هي أصل مآل الشعوب العربية.
    عمار يزلي في سطور
    • عمار يزلي، كاتب وصحافي ساخر، من مواليد 1955 في ولاية تلمسان الجزائر.
    • اشتغل في وظائف عدة قبل أن يتحول إلى البحث الجامعي.
    • اليوم هو مدرس في قسم علم الاجتماع في جامعة وهران برتبة "بروفيسور".
    • له العديد من الأعمال الأدبية والمسرحية والدراسات في علم الاجتماع الثقافي.
    • آخر عمل صدر له "ثورة النسا" في شكل دراسة أنثروبولوجية عن الأهازيج النسوية إبان ثورة التحرير الجزائرية في منطقة في تلمسان.
    • له أعمال عدة تحت الطبع منها "المقاومة بالسخرية تحت الاحتلال الفرنسي".
يعمل...
X