إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بلقاء مع فتحي الهداوي الممثل التونسي يقول ( التعاون الابداعي الثقافي من آخر مشاغل العرب )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بلقاء مع فتحي الهداوي الممثل التونسي يقول ( التعاون الابداعي الثقافي من آخر مشاغل العرب )



    الممثل التونسي فتحي الهداوي: التعاون الابداعي الثقافي من آخر مشاغل العرب

    فتحي الهداوي في احد ادواره



    العرب أونلاين- عبد المجيد دقنيش

    رغم أنه مقل في أعماله وظهوره في وسائل الأعلام إلا أن الفنان والممثل التونسي المتميز فتحي الهداوي استطاع بحرفيته الكبيرة التي اكتسبها عبر السنين وحساسيته العالية وثقافته المتعددة المنابع أن ينحت لنفسه مسيرة متميزة جعلت كبار المخرجين والمنتجين العرب يلهثون وراءه للتعاقد معه...

    بدايته كانت في الفن الرابع حيث قدم عدة أعمال مسرحية لافتة مع جماعة المسرح الجديد فتعامل مع الفاضل الجعايبي في "العوادة" و"عرب" وقدم مع الحبيب شبيل "موال" و"دولاب"، كما أخذه عشقه للمسرح ورحلة البحث عن الذات إلى عدة بلدان متوسطية مثل فرنسا وإيطاليا وبلجيكيا وكانت له عدة تجارب مسرحية تعامل فيها مع كبار المخرجين المسرحيين هناك.

    أما في الفن السابع فقد تنوعت تجربته السينمائية بين المحلي والعربي والعالمي فظهر في عدة أفلام روائية قصيرة وطويلة مهمة على غرار "صفائح من ذهب" للنوري بوزيد و"عصفور السطح" لفريد بوغدير و"شيشخان" للفاضل الجعايبي ومحمود بن محمود و"عرب" للفاضل الجزيري والفاضل الجعايبي و"باب الجنة" لمختار العجيمي و"7 شارع الحبيب بورقيبة" لإبراهيم اللطيف و"الكأس" لمحمد دمق و"الهروب" لفتحي الدغري و"معبد الصمت" مع عبد الله المحسن و"الملوك الثلاثة" مع "آلان موسلي" و"مراقبة شخصية" مع "بيتر كسوفيتس" وعدة أفلام مع المخرج الايطالي "فرانكو روسي" مثل "انتظار" و"طفل ينادي المسيح" و"العجائبي".

    ولا ننسى طبعا أعماله التلفزيونية الكثيرة والبارزة التي عرفت به لدى الجمهور التونسي والعربي ونذكر منها "الأيام كيف الريح" و"قمرة سيدي محروس" لصلاح الدين الصيد و"الحصاد" و"العاصفة" لعبد القادر الجربي و"غادة" لمحمد الحاج سليمان و"صيد الريم" لعلي منصور و"تاج من شوك" لشوقي الماجري و"الحجاج" لمحمد عزيزية و"المرابطون" لناجي طعمة و"هولاكو" و"أبوزيد الهلالي" لباسل الخطيب.

    هادئ الطباع، متيقض الذاكرة سريع البديهة، متدفق الإحساس دقيق الإجابة، مناور في بعض الأحيان مناوئ في أخرى... هكذا لاح لي الفنان فتحي الهداوي حين جلست إليه لإجراء هذا اللقاء الذي خضنا فيه في عدة قضايا فنية ومفاهيم فكرية فلسفية وطبعا في تغيرات المشهد السياسي والثقافي على اثر الثورة العظيمة التي شهدتها تونس، غير أن أجمل ما في هذا الحوار هو أنه ابتدأ بكثير من الجدية والجدل والتوتر والابتسامة أيضا، وانتهى بعلاقة صداقة قوية بتواطىء من القدر والطفل البرئ في كلينا... فتعالوا نكتشف كل ذلك في الورقات التالية.

    *كيف تفاعلت وتقبلت ثورة الشعب التونسي ضد الظلم والطغيان كمواطن وفنان ومثقف تونسي؟ وهل أنت متفائل بمستقبل هذه الثورة؟
    -هي ثورة كبيرة وعظيمة بكل ما في هذه الكلمة من معاني. هي ثورة رموزها عجيبة وغريبة وقوية... ثورة حقيقة حاملة لزخم درامي وملحمي كبيرين لذلك من واجبنا أن نحميها ونحميها من كل شائبة يمكن أن تشوبها حتى ننطلق نحو تونس جديدة.
    هذه الثورة فرصة إلاهية لتونس من شباب كنا نعتقد أنه مغلوب على أمره وخنوع وليست له ميولات سياسية... هي فرصة تاريخية لا تتكرر دائما ونحن نعيش لحظات تاريخية رائعة هذه الأيام لا بد أن نستثمرها لكي ننطلق نحو مستقبل أفضل ونبني تونس جديدة تحكمها القوانين وتسودها الحرية والكرامة والاحترام... ولذلك هي لها نكهة خاصة.
    وفي الواقع إذا أردنا أن ندقق في تاريخ تونس العريق سنجد أن هذه الثورة ليست غريبة علينا ولها جذور ضاربة في القدم... فقرطاج التي ثارت على روما تمثل إحدى هذه المرجعيات الكبرى وهي انتفاضة العزة والكرامة والأنفة والدفاع عن الوطن... ولها نكهة تحررية في سبيل حياة أفضل. فنحن لا ننسى ثورة خليفة الزناتي على بني هلال التي مثلث تحد واضح للظلم والطغيان... وكل هذا التحدي والرفض لصيق بالذات التونسية.

    *والآن ماذا بعد الثورة؟ وما هي التحديات المطروحة على المجتمع بأسره وعلى المثقفين خاصة في ظل هذه التحولات الجذرية؟
    -الآن ينتظرنا عمل كبير واجتهاد في كل القطاعات ومن كل فئات الشعب والمجتمع... بل أقول أننا بدأنا العمل والتحدي كي نذهب بعيدا بهذه الثورة.
    والتحدي ليس حكرا على المثقفين فقط - رغم أهمية دورهم وخطورته- وإنما على الأكاديميين والمحامين والقضاة والمفكرين والعمال والنقابيين لأننا ببساطة أمام ثورة كبيرة وحقيقية ولسنا أمام عملية إصلاح اجتماعي.
    الآن بدأنا العمل كي نحقق كل الأفكار والمبادئ التي ضحى من أجلها شباب تونس الشرفاء، وعلينا أن نشد أزرنا ونتعاون ونتكاتف ونلتحم بمطالب الجماهير وأنا متأكد أننا سننجح ونذهب بهذه الثورة بعيدا لأننا نملك كل الإمكانيات الفكرية والسياسية واللوجستية والمعرفية لتحقيق أهدافنا... وأنا متفائل بمستقبل تونس كلها وليس بمستقبل المثقفين فقط... فلنواصل العمل والاجتهاد مع بعضنا إلى ما فيه خير هذه البلاد.

    *لو عدنا الأن الى كواليس فيلم "مملكة النمل"- making off-الذي تعده وتخرجه فهل هذا يندرج في اطار التنويع أم هي تجربة جديدة في مسيرة فتحي الهداوي؟
    - نظرا للعلاقة الأخوية التي تجمعني بشوقي الماجري ارتأينا أن أنجز فيلماً عن كواليس مسلسل "هدوء نسبي" بالاشتراك مع قناة نسمة في الانتاج، وقد كانت تجربة جميلة أعطتنا مادة غزيرة, ثم كانت التجربة الثانية مع كواليس فيلم "مملكة النمل"، وهي محطة مهمة بإعتبار أن هذا الفيلم هو الشريط السنمائي الطويل الأول للمخرج والمنتج وفي هذا شيءٌ من المؤازرة لصديقين عزيزين شوقي الماجري و نجيب عياد.

    * وجد فيلم "مملكة النمل" عدة صعوبات قبل أن يظهر الى النور فهل يعود ذلك حسب اعتقادك لتطرقه الى موضوع حساس متعلق بالقضية الفلسطينية؟ وهل أصبح التفكير في انتاج عملا فنيا عن الجرح الفلسطيني في أيامنا هذه تهمة سافرة وتحديا كبيرا؟
    - حسب رأيي كل فيلم لابد أن يجد صعوبات في الانتاج والتنفيذ والانجاز،وانتاج فيلم يتطلب امكانيات مادية, والبحث عن التمويل يلزمه الكثير من الوقت والصبر والاصرار, وفي بعض الأحيان يطول الوقت أكثر مما نتوقع. فالعملية تبدأ بكتابة السيناريو ثم تقديمه الى لجان تجتمع مرة أو مرتين في السنة, وربما تحصل على هذا التمويل وربما لا, لذلك يجب على المنتج أن يقدم مشروعه لأكثر من لجنة في أكثر من بلد حتى يتسنى لعمله أن يرى النور وفي أحسن الحالات يحصل على نسبة 50 أو 60 بالمئة من الكلفة الحقيقية, وقد يصل البحث عن هذا التمويل إلى سنوات عديدة, أنظر إلى تجربة المخرج محمود بن محمود فبين فيلميه "عبور" و"شيشخان" أكثر من خمسة عشر سنة, أما المخرج الناصر القطاري فبين فيلميه الأول "السفراء" والثاني انقضت أكثر من عشرين سنة, والأمثلة عديدة...وعموماً فإن المخرج يضطر الى إنجاز فيلمه بإمكانيات ضعيفة بعد تراكم الإحباطات وطول الإنتظار، وهذا ما حصل لفيلم "مملكة النمل" هذا الإنتاج التونسي السوري المصري المشترك إذ وصلت فترة الإنتظار إلى ما يزيد عن العشر سنوات قضاها المنتج نجيب عياد في الاتصال والتنسيق والتشاور والبحث عن التمويل ...

    * ولكن بعيدا عن هذه الظروف،هل لموضوع الفيلم المتعلق بالجرح الفلسطيني علاقة بهذا التأخير؟
    -لا أعتقد ذلك لأن قضية فلسطين هي قضية كل الأطراف المذكورة والمشاركة في الانتاج من تونس وسوريا ومصر... في رأيي أن "التابو" يتعلق بالسينما وليس بالموضوع فلو أن "مملكة النمل" كان مسلسلاً تلفزيونياً فان التمويلات ستدفق بسرعة وسينجز كل شيء خلال سنة. لأن الدراما التلفزيونية تجارة رابحة بينما تتطلب السينما خلق مسالك التوزيع. وعموماً فإن مصادر التمويل معتادة على الدراما التلفزية وليس لها باع وخبرة في الانتاج والتوزيع السينمائيين... .
    ومن هنا فان أي فيلم كان سوف يتعرض الى صعوبات وعذابات من قبل المشرفين عليه حتى يخرج الى النور ومن ثم يدافع عن نفسه قدر الامكان فاذا كان الفيلم مميزاً فإنه يحصل على توزيع جيد في الداخل والخارج وأما اذا كان فيلما متواضعا فإنه يبقى رهين بعض المهرجانات والمناسبات والمجاملات.

    *هذا السؤال يجرنا الى سؤال مهم يتعلق بالتحديات الكبيرة التي تطرح اليوم على المبدعين والمثقفين الحقييين من أجل تحريك الرماد وتضميد الجرح العربي ومناصرة قضايانا خاصة في هذا الظرف الخطير الذي تمر به الأمة العربية؟
    -أنا معك في مسألة تحريك الركود والرماد و"التضميد"... لكن دعني ألفت انتباهك إلى أن كل المواضيع جديرة بالاهتمام .... وأن المشكلة الأساسية هي في التعبير الفني أي "الفورم" أو الشكل ...والفصل بين الشكل والمضمون هو فصل منهجي أكاديمي من أجل الدراسة والتحليل والنقد وليس من أجل الممارسة. فالتحدي الحقيقي ليس في أختلاق مضامين شعاراتية رنانة بل في تكامل عناصر العملية الإبداعية برمتها والأخذ بناصية التعبير الفني.

    *ولكن في المقابل هناك من يعتبر أن هذا البعد السياسي والايديولوجي في الأعمال الفنية والابداعية عموما يشكل نقيصة كبرى ويسقطها في الحماسة والصراخ المبالغ فيه ويفقدها جانبها الفني الجمالي فهل أنت مع هذا الرأي؟
    -أعتقد أن موضوع الايديولوجيا موضوع منته من زمان وهو موضة السبعينات وأنا ضد هذه الايديولوجيا التي يغلب عليها المباشراتية الركيكة وفي رأيي أنها وصلت الى نهايتها اليوم،وقد وجدت عدة مدارس في هذا الصدد جربت عديد الأنماط الايديولوجية فيها الغث وفيها السمين،وفيها المسؤول فكريا وفيها غير المسؤول ولكن اليوم عصر الايديولوجيات قد انتهى والمقياس الوحيد للنجاح هو الجمال والابداع ووجهة نظر الفنان الذي ليس مهمته الانتماء أو الحديث باسم أي حزب سياسي وانما مهمته الأساسية هي الابداع. وأعتقد أن أراجون مات بغصة لأنه انتمى بصفة واضحة الى مشروع الحزب الاشتراكي الفرنسي وهو أعلى من الايديولوجيا لأن الفنان هو الذي يستلهم ويستقطب ويستوعب كل الايديولوجيات الموجودة ليتحدث عن التجربة الانسانية التي تتجاوز الايديولوجيات الضيقة، لكل ذلك فالايديولوجيا المباشرة دائما تشكل عائقا كبيرا ونقطة ضعف العمل الفني والابداعي وفي النهاية يمكن أن يفقدها بعدها الجمالي.

    *هل يعني هذا مثلا أن مسرح سعد الله ونوس الذي انبنى في أغلبه على الايديولوجيا، هو مسرح بال وغير قابل للتطبيق والتمثيل اليوم ومضى زمنه؟
    -لقد بنى "برتولد بريشت" تجربته المسرحية المثيرة والمهمة على الإيدلوجيا بالمعنى المباشر "لا نختلف على أن كل عمل فني يحتوي على إيديولوجيh" وفي حالة "بريشت" فإن الإيديولوجيا كانت مفعمة بالمباشرتية والتعليمية والتقريرية والشَرطية من أجل التغريب وكسرالإيهام وتبيان الإنتماء الفكري والسياسي والإيديولوجي, وقد استهوت هذه المدرسة المسرحية العديد من المسرحيين إلا أنه سرعان ما انقلب هؤلاء على هذه التقليعة وعادوا إلى الأصل أي إلى "أرسطو" والإيهام والتماهي,"فسفوكل" هو "سوفوكل" و"شكسبير" هو "شكسبير" وهما لا ينتمان للايديولوجيا بالمعنى المباشر الفج للكلمة وانما ينتميان الى وجهة نظر انسانية ذاتية من خلال حياواتهم ومسيراتهم وتجاربهم كفنانين.
    أما "معضلتي" مع الكتاب العرب فهي لا تندرج ضمن هذه الإشكالية فحسب بل إنني لا أؤمن أنه ثمة الكثير من الكتاب المسرحيين العرب المميزين والسبب في رأيي أنهم لا يعرفون كنه الكتابة للمسرح وماهيتها, والمعضلة الأساسية أنهم يعتقدون أن النص المسرحي مكتمل بحد ذاته ولا يعلمون الى أي مدى يجب أن يكون النص المسرحي "مثقوباً" لا يكتمل الا باالعملية الإخراجية، وهذا ما يجعلني أنظر بكثير من الريبة الى النصوص المسرحية العربية التي قرأت منها الكثير ولم يعجبني جلها, فقد تجد نصوصاً فيها بعض الشطحات الفكرية أو اللغوية الجميلة أو بعض الشخصيات التي تفاجئك قليلا, ولكن بنية النص ككل تبقى هشة وغير مكتملة وبالتالي غير قابلة للعرض.... .
    وتجدر الاشارة الى أن المحاولات التونسية في الكتابة المسرحية هي محاولات جادة ومتقدمة مثل تجربة "الحبيب بولعراس" و "عزالدين المدني" اللذان قدما أعمالا رائدة مع "علي بن عياد" وكذلك "الحبيب شبيل" مع فرقة المغرب العربي والمسرح المثلث فيما بعد, وتجربة المسرح الجديد مع "الفاضلين" و"جليلة" و"المسروقي" و"ادريس", ومسرح فو مع "المنصف الصائم" و"رجاء بن عمار", والتياترو مع "توفيق الجبالي"... وعموماً فإن محاولات الكتابة المسرحية في تونس أكثر ثراءاً وجسارة وهذا متأتِ من أن الحركة المسرحية ككل في تونس أكثر مجازفة و انفتاحاً... وبالنتيجة: يصعب وجود نص مكتمل ضمن حركة مسرحية متخلفة... هذه ببساطة وجهة نظري.

    *ما هو جديد الفنان فتحي الهداوي وهل هناك بعض المشاريع التي تشتغل عليها الأن؟
    -هنالك العديد من الاقتراحات من تونس ومن بعض الدول العربية ومن أوروبا أيضا، وأنا بصدد قراءة سيناريوهات تلفزيونية وسينمائية وهذا بصفتي ممثل... أما كمنتج فإنني أشتغل على عدة مشاريع يغلب عليها حالياً الوثائقي. هنالك أيضا مشروع مسرحي متوسطي كبير أنا بصدد التحضير له مع جهات فرنسية وهو يتناول العلاقة بين الشمال والجنوب والشرق والغرب.

    * هل نستطيع أن نقول إن هجرتك الى الشرق كانت بوعيك عن ضيق الافق في الدراما التونسية وبحثا عن فرص أفضل لتحقيق ذاتك الفنية؟ وهل أنت راض عما حققته الى حد الان؟
    - سئلت هذا السؤال عديد المرات وكانت اجابتي واحدة وهو أنني لم أهاجر, وسبب وجودي في سوريا هو سبب عائلي لوجستي بسيط, وعلى كل فأنا لم أنقطع يوماً عن تونس وبنفس الوقت لم أكن أيضا متواجدا دائما ببلدي، أنا فقط دائم السفر.. و من أهم مزايا مهنة الأداء أن الممثل له امكانية ممارسة عمله في أماكن عدة بحسب ضرورات التصوير فهو محظوظ لأنه يمكن له أن يصور في الأردن وفي تونس وفي المغرب وفي فرنسا وفي ايطاليا في جزر القمر...فالممثل مهاجر بالطبع.. وعموما أنا راض عما قدمته الى حد الأن ولست حزينا على فرص ضاعت مني... وأجمل الأدوار مالم أمثلها بعد... .

    * هل يعني هذا أنك مازلت تتعامل مع الفن بروح الهواية؟
    -لا، هو طبع في أكثر منه تعامل بروح الهواية، فأنا لا أحب الظهور الكثير ولا أحب أن أزعج المشاهد بكثرة ظهوري خاصة في التلفزيون لأن المسألة تختلف في السينما والمسرح.أنا لا أفهم ممثل لديه رغبة جامحة ومرضية في الظهور الدائم في الأعمال ووسائل الأعلام...يجب أن يعرف الممثل كيف يكون عزيزا "عز نفسك تصيبها" و"زر غبا تزدد جبا" والأمثلة كثيرة.أنا أعتبر نفسي محظوظا لأنني أملك امكانية الاختيار وأتفهم الممثلين الذين لديهم مشكلة في قلة المقترحات المقدمة اليهم.

    *كيف تنظر الى هجرة الفنانات التونسيات وبحثهن عن فرص اخرى للتألق مثل هند صبري ودرة زروق وسناء كسوس وفريال قراجة؟ هل هو شر لابد منه؟
    -رغم أنني لا يمكن أن أضع كل الممثلات في نفس الدرجة، الا أن المشكلة الأساسية لهجرتهن هو البحث عن النجومية ولكن بعد هذه الهجرة ماذا سيصبحن؟ وحتى وإن سلمنا جزافاً بأنهن صرن نجمات متألقات، متأنقات، يظهرن على الصفحات الأولى للجرائد والمجلات، وعلى مختلف الشاشات "العربيات"... فكيف سيصبحن في أحسن الحالات؟ هل سيصرن "ميرل ستريب" أو "فانيسا ردكريف" أو "جين فوندا" أو "أنا مانياني" أو "جودي فوستر" أو "بنلوبي كروز" أو "جليلة بكار" أو "زهيرة" و"رجاء" بن عمار" أو "حفصية حرزي"...؟ فإذا كان مشروعهن في ذات ألق اللواتي ذكرنا، فيا حبذا... .

    *هل يعني هذا أنك سترفض أي دور يعرض عليك باللهجة المصرية مثلاً؟
    -لقد قدمت لي عدة أقتراحات ولكنني اعتذرت، أنا لست ضد أن أمثل بأي لهجة أو لغة غير لهجتي ولغتي، هذا بالمطلق لأن طبيعة مهنة الممثل هي التحول والتحول يتطلب مجهوداً مضنياً، لذلك يجب على الدور أن يكون جديرا بهذا الضنى، وفي ما اقترح علي من مشاريع بلهجات ولغات أخرى لم يستوقفني شيءٌ يستحق هذا المجهود إلا بعض الأعمال بلغات "فرنسية, إيطالية, إنكليزية" أما اللهجات فليس بعد.

    *بعد عرب مع الفاضل الجعايبي والفاضل الجزيري وعدة أعمال مسرحية لافتة انقطع الفنان فتحي الهداوي عن الفن الرابع والمسرح فهل هو نفور من هذا الفن الصعب الذي صار ينعت بالبالي في أيامنا هذه أم أن المرحلة الراهنة من مسيرتك تتطلب البحث عن الأعمال الدرامية السهلة التي لا تستنفذ الكثير من الوقت والطاقة؟
    -أنا لم أنقطع عن المسرح...لدي عدة محطات مسرحية أولها المسرح المدرسي مع أستاذي "حمادي المزي", ثم مسرح الهواية مع المرحوم "الحبيب شبيل" بالموازاة مع التحصيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية مع أساتذة كبار مثل السيدة الفاضلة "لبيبة الشريف" و العزيزة "حياة الغريسي" والأستاذ الأب "المنصف التريكي" و"جون بول أرفون" ومعلمي وأخي الأستاذ "محمد مؤمن" وغيرهم كثر... وكان هذا تحت إدارة رجلٍ فذ هو الأستاذ الكبير "علي بلعربي" الذي مكننا من القيام بدورات تدريبية كثيفة داخل تونس وخارجها تحت إشراف أساتذة كبار ذوي سيط عالمي مثل "آن أوبرسفلد", و "يان ماجلتون", و"فيليب أوتييه"..., ثم كانت تجربة المسرح الجديد التي ذكرتها في سؤالك، ثم قدمت بعد ذلك تجربتين مسرحيتين سنة 2000 و2003 الأولى في ايطاليا وعنوانها "القرآن" مع المخرج العالمي "محمد العربي شريف " لمسرح أرجنتينا والأخرى في فرنسا "أوديب" مع "سوتيغي كوياتيه" و"بيتر بروك" لمسرح البوف دينور...

    *ولكنك منذ فترة طويلة سبع سنوات تقريباً لم تقدم عملا مسرحيا على خلاف الأعمال الدرامية؟
    -أهمية المسرح لا تكمن فقط في تلك العلاقة السحرية المباشرة مع الجمهور وقت العرض بل إنها خصوصاً تكمن في تدريبات ماقبل العرض.
    فالممثل يقضي وقتا طويلاً في البحث المشوب بالضياع, وفي هذا غوصُ في الذات واستكشاف لمكامن الضعف والقوة في ممارسة مهنة التمثيل... إني أشبه هذا دوماً بالعودة إلى بطن الأم بعيداً عن الإصطناع و عن التخفي وراء الصنعة, فهذا التعري يفترض شجاعة كبيرة وثقة عمياءَ في الأخرين"فريق العرض المسرحي".
    لذلك فالفعل المسرحي بقدر ماهو شخصي وذاتي, هو جماعي, والعثور على الجماعة التي بإمكانها أن تقتسم معك وأن تقاسمك هو أمر ليس باليسير على أنه منشود دوماً..., و يبقى المشروع المسرحي في حد ذاته "النص, الإخراج...."الذي يجب أن يكون مغرياً، ولن أقبل الخوض في عمل مسرحي مالم يتوفر فيه بعض مماذكرت, ولعلمك فقد بدأت مرة بروفات على مسرحية في دبي ثم اعتذرت وتركت بالرغم من المغريات المالية لأنني أحسست أنها مجرد "صفقة مسرحية".

    *لماذا بقي التعاون العربي في مجال الدراما والثقافة عموما مجرد محاولات فردية متناثرة ولم يرتق الى المستوى المطلوب؟
    -وفي أي مجال تعاون العرب فارتقى تعاونهم الى المستوى المطلوب؟ لم يتعاون العرب في الاقتصاد الذي يعتبر الداء الكبير والمفصل الأساسي في النماء والتنمية، فكيف سيتعاونون في بقية المجالات وخاصة في المجال الابداعي الثقافي الذي يعتبر من آخر مشاغل العرب... ألا تعتقد أن سؤالك هذا غريبا نوعا ما... "قالها ضاحكا"...

    *ولكن ألا ترى أن هذا التعاون ضروري وحتمي في المرحلة الراهنة من أجل توحيد الجهود والتكاتف للدفاع عن الثقافة والحضارة العربية في ظل ما تتعرض له من هجمة شرسة من قبل الأخر؟
    -هذا لاشك فيه ولكن هذا الحديث يكاد يكون حديث مراهق... صناعة السينما والدراما هي صناعة وتجارة قبل أن تكون فناً وابداعاً.. وأنا شاهدٌ على العذاب الكبير الذي يكابده المنتج "نجيب عياد" حتى يحقق معادلة انتاجية عربية بين تونس ومصر وسوريا ليخرج لنا فيلم "مملكة النمل" إلى النور.

    *ماذا عن تجربة الاخراج الا تستهويك؟ وهل يمكن أن تعطينا هذه التجربة فكرة عما يجول في ذهن فتحي الهداوي من أفكار ورؤى؟
    -في الحقيقة كانت لدي بعض التجارب الإخراجية لأعمال وثائقية وأطرفها كان تجربة ثرية من خلال اخراجي لمسلسل للأطفال في 26 حلقة وهو مسلسل غريب لأن أبطاله أطفال وهو مزيج بين الدراما والرسوم المتحركة والوثائقي والتعليمي... .
    ورغم اعتقادي تنظرياً بأن أقرب شيء الى التمثيل هو الكتابة الدرامية، إلا أنه يمكن للإخراج أن يستهويك إذا ما كانت لديك وجهة نظر تريد أن تقولها بعد تجربة وتراكمات... وقد أعيد تجربة الإخراج في عمل أحبه أو سيناريو يستهويني و يستفزني.

    *اذا كنا نستطيع أن نتحدث عن مشروع فني واضح المعالم عند المخرج،فلماذا لا نستطيع الحديث عن هذا الجانب عند الممثل؟وما هي أسباب ذلك؟
    -حسب رأيي, الممثل أيضا لديه مشروع فني،وهناك مدارس فنية في التمثيل مثل المدرسة الأمريكية والمدرسة الفرنسية والمدرسة اليابانية....ولكن الممثل لا يمكن أن يكون مشروعه مفهوماً الا حينما يندرج في سياق وجهة نظر اخراجية تحمل توافقا وتناسقا تعبيرياً, لذلك نرى المخرجين الكبار يحبذون التعامل مع ممثل بعينه ويتقاسمون معه وجهة نظرهم وأفكارهم ورؤيتهم, والأفكار والعواطف في النهاية تتحرك من خلال الشخصيات أي الممثلين.

    *اذن برأيك ومن خلال تجربتك كيف يستطيع الممثل أن يوظف فكره ووعيه في مسيرته؟وهل ضروري يجب أن يكون لكل ممثل فكره ورؤيته الخاصة حتى ينجح أم يكفي أن يؤدي دوره باتقان وفي اطار ما يطلب منه؟
    -الثقافة والفكر والمعرفة الأكادمية ... لا تكفي لصناعة ممثل مميز, ربما تكون ضرورية لكن ليست كافية وفي المقابل هناك ممثلون محدودو المستوى الفكري وحتى التعليمي لكنهم مؤديين جيدين وصادقين ويمكن لهذا أن يكون كافي.

    *وفي هذا الاطار هل أنت مع الارتجال الفني والاضافة أم تؤمن بقدسية السيناريو وضرورة التقيد بالنص وتعليمات المخرج؟
    -بداية كلمة تعليمات هي كلمة ادراية أمنية ولا وجود لها في الفن، ففي المشرق العربي ورقة تعطى آخر كل يوم تصوير تسمى "أمرعمل" الشيء الذي كثيراً ما أضحكني...
    أما السيناريو فلا يمكن أن يكون مقدساً وأنا أتفهم هاجس القداسة عند بعض كتاب السيناريو. واذا صنفنا السيناريو كنوع فإنه هجين ولا ينتمي إلى أي نوع أدبي، وهذه الهجانة متأتية من أن هذا النص هدفه الأول هو الصورة فلا يُكتَب إلا ما سيُشاهَد وهو إذاً في حراك دائم وتغير مستمر يمكن الإضافة له والحذف منه, وبالتالي لا يمكن للنص الدرامي السينمائي أو التلفزيوني أن يكون نهائيا الا حينما يصور, وحتى بعد التصوير يمكن أن يحذف منه في المونتاج.

    *اذا كنا يمكن أن نتحدث عن ممثل بعينه مفضل واثير لدى مخرج ما،فهل يمكن أن نتحدث عن مخرج ما مفضل بالنسبة للممثل؟ أنت كيف تتعامل مع هذه المسالة؟
    - العلاقة بين المخرج والممثل هي علاقة سحرية مشحونة بالعواطف والتوتر والتشنج والإنسيابية...، فهناك مخرجين تدرك وانت تشتغل معهم أنك تصنع شيئا مهما ووضاءا، وهناك نوع من المخرجين في قطيعة مع الممثل لأنهم لا يعرفون ما الذي يجب أن يقولوه له... على كل, لكل مخرج ممثلين مفضلين, ولكل ممثل مخرجين مفضلين.

    *وأنت من هو مخرجك المفضل؟
    -كثر هم المخرجون الذين كانت لي تجربة جميلة معهم مثل "الحاج سليمان" و"شوقي الماجري" و"عبد الباري أبو الخير" و"باسل الخطيب" ... وفي أوروبا "فرانكو روسي" و"بيتر كاسوفيتس" ... وهناك من أحلم بالتعامل معهم...

    *لعلك تحلم مثلا بالتعامل مع جايمس كاميرون أو ستيفن سبيلبرغ؟
    -أنا أحب "فرانسيس فورد كوبولا"، لأنه أكثر مخرج يحب ويفهم الممثلين... وأنا أحس ان هذا المخرج يمكن أن تسلمه مقاليد روحك ونفسك ومهجتك وتتبعه بسعادة كبيرة وأنت تعلم مسبقا أنك بين أياد أمينة.

    *كيف تنظر الى دور التلفزيون كوسيلة للابهار أخذت مكانة بارزة في السنوات الأخيرة،في سرقة جمهور المسرح والسينما؟ وهل صحيح أن هذا الجهاز يلعب دورا سيئا في تسطيح الذوق العام؟
    -والله أنا ضد هذه الأحكام المطلقة لأنني أعتقد أن هناك تلفزيونات جديرة بالاهتمام.ولابد من الفهم أن التلفزيون هو عملية تجارية, علماً أنه ليس ثمة تلفزيون لا يعبرعن وجهة نظر ايديولوجية واضحة أو متخفية...
    هناك من تصور ان المسرح اندثر لما ظهرت السينما, ثم قالوا اندثرت السينما حين ظهر التلفزيون ثم قالوا انتهى المسرح والسينما بانتشار الفضائيات وتكاثرها... صحيح أن الفضائيات اخذت حيزاً كبيراً من اهتمام المشاهد في السنوات الأخيرة ولكن يظل المسرح مسرحا والسينما سينما، لا بل أقول ان هنالك عودة قوية للمسرح والسينما لأن التلفزيون في شكله الحالي سائر نحو الزوال بعد ظهور الوسائط الجديدة للبث "الإنترنت"... واليوم نستطيع مشاهدة كل شيء تقريباً على الهاتف الجوال, و معظم البيوت في الكثيرمن الدول الغربية تخلت عن شاشة التلفزيون معوضة إياها بالكومبيوتر.

    *الدراما التونسية هل هي مجرد محاولات في اطار الهواية أم يمكن أن تأخذ حظها على المستوى العربي في يوم من الأيام؟هناك من يقول اننا متخلفون من حيث الكم ومحترفون على مستوى الكيف فما رأيك في هذه المسألة؟
    -الدراما التونسية هي مسؤولية الممولين التونسيين،وحتى نفهم الوضع أكثر لابد من الحديث عن استراتيجية, فهدف الدراما التلفزيونية هو انجاز أعمال تبث على عدة محطات ولا تبقى متقوقعة على نفسها أو مخبأة في الأرشيف... الامكانيات المادية الا نتاجية اليوم متأتية من الدولة, وليس هناك تدخل للقطاع الخاص في الانتاج, والدولة طبعا لا يمكن ان تكون شمسا تضئء على الكون كله...ونأمل في الجيل الجديد من رجال الاعمال أن يفهموا أن الفن تجارة رابحة وأن يباشروا إنتاج الاعمال الدرامية التونسية خاصة وأننا نملك قوانين متطورة ومشجعة على الاستثمار في الميديا و المجال الثقافي ككل... كما تزخر تونس بمدارس تعليم التلفزيون والسينما وبتقنيين جيدين لديهم تجربة كبيرة بحكم مشاركاتهم في أعمال أجنبية كثيرة صورت في تونس.. ومن هنا فالقوانين المشجعة والتكوين الأكاديمي والخبرات الفنية موجودة, وأعتقد أنه مع توفر الامكانيات الانتاجية تستطيع الأعمال الدرامية التونسية أن تفرض نفسها في السوق العربية على الأقل وأن تأخذ نصيبها في المشهد التلفزيوني ككل.

    *كيف تقيم أدوارك في الدراما التاريخية؟ وهل تعتبر أن هذه مرحلة وانقضت في مسيرتك أم يمكن أن تعيد التجربة؟
    -أكيد أنا أحب كثيرا التمثيل باللغة العربية لأن هذه اللغة فيها موسيقى جميلة،وعموما هي تجربة حلوة فيها أعمال متفاوتة فقد أديت أدوارا بمتعة كبيرة وهناك أدوار أقل متعة فنية...وأعتقد أن الاحساس ليس مربوطا باللغة العربية لأن النص الذي يقال هو نفسه..ويمكن أن يكون هذا النص بالعربية مع مخرج متواضع الامكانيات فيخرج عملا فاشلا ويمكن أن يكون النص باللهجة المحلية ولكن مع مخرج متميز فيخرج العمل ناجحا.

    *أين يرتاح الفنان فتحي الهداوي في التمثيل باللغة العربية أم باللهجة المحلية الدارجة؟
    "كيف..كيف"..كل واحدة لها مقتضياتها وسياقها وحتى اللغات الأجنبية لها جماليتها..هناك مثلا اللغة الانجليزية جميلة جدا عند النطق واللغة الايطالية والفرنسية وهذا مرتبطا أيضا بقيمة السيناريو وحرفية وموهبة كاتب السيناريو..ولكل سيناريو حقلة الدلالي ومتطلباته وعموما أنا أستمتع كثيرا بالتمثيل باللغة العربية لأنني أتذوقها وأعرف خفاياها.

    *هل صحيح أن الأعمال التاريخية الناطقة باللغة العربية ساهمت في مصالحة أجيال اليوم مع لغتهم العربية وهويتهم وذاكرتهم وتاريخهم؟
    -الى حد ما أعتقد أن هذا الكلام صحيح..لأن الجمهور كان في قطيعة مع اللغة العربية في فترة ما وهذه المسلسلات الناطقة باللغة العربية وباعتبارها تتناول تاريخ الأمة العربية هي فرصة جيدة للتعرف على جمالية اللغة العربية وهي نوع من القراءة البصرية للذين لا يقرأون وربما هذا يعطيه دافعا قويا للقراءة وتنتفي القطيعة التي كانت موجودة بين أجيال اليوم وذاكرتهم وتاريخم وهويتهم وهذا من أهم مزايا الدارما بصفة عامة لأنها تستطيع أن تربي الشعوب وتوعيها.

    *ما هو الدور الذي تحلم بالقيام به؟هل هناك شخصية تاريخية أو ابداعية تحلم بتجسيدها في مسيرتك؟
    -الحلم بالقيام بأدوار معينة موجود ولكن لا يمكن أن يكتمل الحلم الا حينما يكون المشروع مكتمل...يعني ممكن أن أحلم بالقيام بدور ما ولكنني أفشل في تجسيده...فلو سلمنا أنني أحلم بدور عطيل واذا قدمت عطيل في منظومة مسرحية متخلفة فانه طبعا لن ينجح،اذن الحلم بدور ما يجب أن تتوفر له وسائل النجاح، وما التوفيق الا من عند الله.

    *في أي الأشكال الفنية يرتاح الفنان فتحي الهداوي، في الدراما التلفزية أم في السينما أم في المسرح؟
    -هذا الأمر مرتبط بالمشروع الفني...وكل الأشكال الفنية قريبة الى قلبي...ويختلف الأمر أيضا من عمل الى أخر وحسب المخرج والمشروع ككل.

    * كيف تنظر أستاذ فتحي الى ظاهرة الدراما التركية والايرانية المدبلجة التي أصبحت تلقى رواجا كبيرا لدى المتفرج العربي؟ وهل يمكن أن نخشى على منزلة الدراما العربية لدى المتقبل في ظل هذه المنافسات الكثيرة التي تلقاها؟
    -هشاشة الدراما العربية بصفة عامة هي التي تركت المجال واسعا حتى يقع هذا الغزو من الدراما التركية والايرانية... وليس عيبا أن تغزونا هذه الأنواع من الدراما لأن الدراما الأمريكية مثلا غزت كل أوروبا...ولكن يجب أن نعترف أن الأتراك والايرانيين أحسن منا.. وكل هذا النجاح الذي نراه هو مجرد نتيجة لنجاحات في مجالات أخرى..وهنا يجب أن نتسائل لماذا غزتنا هذه الأنواع من الدراما؟ ونحلل هذه الظاهرة... وحينها سنعرف أننا نفتقر الى التكوين الجيد والحراك وهنالك الكثير من الكذب والبهتان في هؤلاء النجوم وهذه الأعمال التي نعتقد أنه لا قبلها ولا بعدها..اذن فمنظومة النجومية وهذه الهياكل الانتاجية الضخمة أتبثث افلاسها أمام مسلسلات متوسطة الحجم فنيا وهذا يعود لكون الأتراك والايرانيين يفهمون أصول المهنة واللعبة الفنية.. بأحسن تقطيع وأحسن اضاءة وأحسن كتابة وأحسن تمثيلا وأكثر صدقا وأحسن ديكورا رغم أن القصص التي يرونها هي قصص متشابهة ومجترة ولكنهم يفهمون اللعبة التلفزيونية أحسن منا..لذلك سنبقى نحن ندبلج ونتلقى الدروس يوميا وهذا ما يجب أن ينتبه اليه المنتجون ويحاولون الاستفادة منه وذلك بالانتاجات المشتركة بين العرب أنفسهم وبيننا وبين الأتراك والايرانيين ودون ذلك نبقى متقوقعين على أنفسنا ونعيش حالة من الانبهار بالذات وتضخم الأنا المبالغ فيه.

    *وأنت تتحدث عن ضرورة التعاون الفني من خلال الانتجات المشتركة،اليوم في هذا الزمن المعولم الذي ينعث بالصراع بين الحضارات والثقافات ويحكمه العنف والحروب، كيف يمكن حسب رأيك للفن والابداع والثقافة عموما أن تلعب دورا ايجابيا في نزع فتيل التوتر في الكون وتقريب وجهات النظر بين الشعوب والحث على الحوار بطريقة حضارية مع الآخر؟
    -هذا ممكن ولكن لا يجب أن نحلم كثيرا...الدراما والثقافة عموما يمكن أن تساعد على تغيير أشياء لأن الثورة الفرنسية مثلا لم تكن لتقوم لولا ما سبقها من تراكمات فكرية وفلسفية وابداعية...لا يجب أن نحلم كثيرا.. يجب على رجل الاقتصاد أن يقوم بعمله والطبيب يقوم بعمله ورجل السياسة يقوم بعمله والفنان والمبدع يجب أن يقوم بعمله وبذلك يجب أن تتضافر كل مجالات الحياة حتى نتحول من طور الى طور...لا يمكن أن نقول أنه لدينا جامعات متخلفة ودراما متطورة..هذا غير مقبول..الدراما المصرية تشبه جامعة عين شمس والدراما السورية تشبه جامعة دمشق.لا يمكن أن نتوقع انه يمكن أن يكون هناك تفاوتا في الأداء بين مختلف مجالات الحياة طبعا الا بعض المتفردين عالم كبير أو طبيب مهم أو ممثل كبير..هذه أشياء فردية استثنائية ولكن عموما اذا نهضت الأمة تنهض في كافة المجالات وهذا ما لم نصل اليه بعد فحركة الكتابة في البلدان العربية مجتمعة أقل من بلد مثل اسبنيا.

    *أنت الذي شاركت في عدة أعمال أجنبية وتتقن عدة لغات،كيف تقيم مشاركة الفنانين العرب في الأعمال الأجنبية العالمية؟ ولماذا لم ترتق هذه المشاركة الى المستوى المطلوب وبقيت أغلب المشاركات ثانوية وهامشية باستثناء طبعا الممثل عمر الشريف الذي كانت له مساهمات فعالة في السينما العالمية؟
    -ببساطة لأنه "كل يغني على ليلاه"، لذلك فلا يمكن لممثل أو مخرج عربي أن يأخذ حظه في السينما العالمية.. فلو نظرنا الى التقسيم في هوليود لوجدنا الأمريكيين من أصل ايطالي ومن أصل افريقي ومن أصل يهودي ومن أصل أسيوي ولكننا في كل هذا المزيج لا نجد العرب لماذا؟ لأنهم لم يفهمون الى حد هذه اللحظة أن هذه أولوية،لذلك حينما يكون هناك لوبي عربي ولديه حضور قوي ومسؤولية حضارية حينها نستطيع أن نصنع وننتج سينما عربية في هوليوود وأمريكا ونبرز وجهة نظرنا ويكون لنا نجوم عرب في التمثيل والاخراج.
    ومن هنا فلا يمكن أن يحلم الممثل العربي بدعوة في دور رئيسي من مخرج عالمي لأن هذا الممثل لا يمثل نجم شباك عالمي ولا يمكن المراهنة عليه في السينما العالمية.

يعمل...
X