إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الروائي ( زياد قاسم السيد ) أديب وباحث أردني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الروائي ( زياد قاسم السيد ) أديب وباحث أردني

    زياد قاسم

    ولد زياد قاسم السيد في عمان عام 1945، حصل على بكالوريوس محاسبة من الجامعة الأردنية عام 1969، وعلى ماجستير محاسبة من جامعة برايتون عام 1983، عمل محاسباً في مجال التأمين والملاحة حتى عام 1978 ومدير عمليات في الملاحة البحرية حتى عام 1983 ومدرب محاسبة وتسويق مصرفي في معهد الإدارة الأردني حتى عام 1995، وهو متقاعد عن العمل من عام 1995. يكتب القصة القصيرة، وقام بتحويل عدد من رواياته الى دراما اذاعية.

    مؤلفاته:

    1.الشحن والتجارة الخارجية (في جزئين) (بحث علمي) عمان: مطبعة الشرق الأوسط، 1984.
    2.المدير العام (رواية) عمان: المطبعة الدولية، 1987.
    3.أبناء القلعة (رواية) عمان: مطبعة عاصم، 1990.
    4-9.الزوبعة (رواية) صدر منها عن أمانة عمان الكبرى، عمان (ستة أجزاء) خلال السنوات 1994-2003.
    10.العرين (رواية) أمانة عمان الكبرى، عمان، 1999.
    11.الخاسرون (رواية) أمانة عمان الكبرى، عمان، 1999.

    مذكرة داخلية
    زياد قاسم
    كنا نتقاوى عليه، فمن خلال ضعفه نجرب قوتنا. ومن خلال هزيمته تتنفس رجولتنا. ورغم أنه وأخته ليلى وحيدان أبويهما، فلا أذكر أحداً دافع عنهما يوماً. جعل ذلك من لطفي أكثر الأطفال ضعفاً في حيّنا. فإذا ما ذهب إلى بيته باكياً شاكياً، تأتي أمه تكيل الشتائم وتتهدد وتتوعد، فيؤنبنا أهلنا، ولا يعاقبوننا، فنعاقب لطفي..
    بعد موت أبيه احتجب لطفي في منزله، ولم يعد يلعب معنا أو يختلط بنا، فانتقمت منه أقاويلنا.
    كم أضفنا واختصرنا وعدّلنا في الهمسات التي كنا نسمعها في منازلنا. فأم لطفي امرأة لا تستحي. ترفع السواد قبل أن يبرد زوجها في القبر. تستقبل وترد الزيارات. صوت المذياع يسمعه الجيران: يا ريت قرآن، موسيقى أفرنجية يا ناس. الله يرحم ترابك يا أبا لطفي..
    ورغم اعتيادنا التدريجي على احتجابه، إلا أننا كنا نشعر بالحاجة إليه. كان مستضعفنا ولكل حي مستضعفيه. كم حاولنا إغراءه للعودة حتى يلعب معنا. ولم نكن ننجح، وإذا ما حادثنا، يحدثنا عن أفلام السينما التي يشاهدها، أو صالات البلياردو التي يرتادها. وفي كل يوم ثياب جديدة جميلة، وأصبح لطفي يقضي نهاره بعيداً عن الحي. لقد كبر لطفي..
    وكان الحي يراقب من خلالنا، التغيرات التي تجري في منزل أم لطفي.
    وسواء كانت تعنينا أم لا، فقد تأكدنا من توقف زيارات أهل الحي إلى منزل أم لطفي. حل محلهم زوار غرباء، تنقلهم سيارات غريبة. تنتقل بها أحياناً أم لطفي وأخت لطفي، ولا تنقل معها لطفي.
    ودفعتنا الهمسات حتى نسترق السمع أكثر. كنا نريد أن نفهم أحاسيسنا، فارتقت غرائزنا سور منزل أم لطفي: أخ لو تخليني..
    ووقع ذوونا في المخفر تعهداً بعدم مضايقة الجيران. كانت وثيقة سلام واستلام تقيد بها الصغار قبل الكبار، فقد انضم ريس المخفر إلى مواكب المتهافتين على زيارة أم لطفي.
    وقبل الجميع مقهورين،التغير في منزل أم لطفي.
    أما أنا يا سيدي فلم أقبل. فإذا احتجبت قوتي ورجولتي مع احتجاب لطفي، فقد بعثتها من جديد أخت لطفي. ليلى التي تعرفها واعرفها يا سيدي.
    كانت في مثل عمري ومثل صفي المدرسي. وشعرت بأني صرت كبيراً مثل لطفي...
    أحببتها مذ أوحت لي بأنها تحبني. فمن بين أقراني جميعهم، تبتسم ليلى، لي وحدي. ما ألذ أن تكون محبوباً.
    تبادلنا الرسائل ولم نتحادث. تلقفنا الورود ولم نتقابل، وكلما لمحتني ليلى متعبداً في الركن المقدس المطل على حديقتها، تمنحني نظرة وترمي لي بسمة وتشير وهي تتثائب أو تتمطى أو تلمس شعرها، ثم تسرع إلى داخل المنزل، واكتفت ذاتي..
    -كذب، كذب. حرام عليكم..
    -والأصلع اللي شفناه من على السور.؟.
    -عمها يا ناس، عمها.
    -مين اللي قال لك.؟.
    -لطفي..
    ما أصعب إصلاح الضرر بعدما يحصل. وهل هناك أشد ضرراً من رفاق السوء. وكرهت رفاقي، وتمنيت أن أعود صديقاً للطفي.
    لكن لطفي الذي صار كبيراً على أخي، أصبح كبيراً على البلد أيضاً. أكد لنا بنفسه بأنه مسافر إلى بلاد الإنجليز.
    -وليلى، راح تلحقك...؟.
    -تلحقني، يا سلام!!
    بكيت يا سيدي، واستجديت وهددت. فكيف تلتحق أخت لطفي بالجامعة، والتحق أنا بسلاح الجو. ألا يكفي أن لطفي مسافر في لندن. إني أخاف الطيران، ولن أصبح يوماً طياراً. مكاني الأرض وليس السماء. افهم يا أبي لهفتي. والتحقت بالجامعة.
    كم شعرت هناك بأني صغير، صغير جداً. ولن أصبح كبيراً مثل لطفي. فالحب الذي حمل به قلبي، تغذيه النظرة وتدفئه البسمة، مات مفجوعاً ولم تتألم أو تبال بموته ليلى. مات قبل أن يبكي أو يصرخ أو يضحك. مات جنيناً ولم يكتب له أن يحيا...
    نذ اليوم الأول، وأن الذي انتظرت وتهيأت وخططت وحلمت.. بحثت عن ليلى فلم أجد ليلى. وجدت أخت لطفي، كبيرة، مثل لطفي. ومن حولها طوابير تحادثهم وتبتسم لهم وتضحك معهم. أما أنا فلا تعرفني، ولا تريد أن تعرفني. آه لو صرت طياراً.
    وشأن أهالي الحي، قبلت مقهوراً التغير في عائلة لطفي.
    عجيبة مشاعري يا سيدي. إنها مثل مشاعر الأطفال، متغيرة مترددة متقلبة. وكرهت أخت لطفي. وثأرت منها مثلما كنت أثأر من لطفي: تعالوا إلى الحي واسألوا عن منزل أم لطفي..
    لكن ماذا تنفع الآهات يا سيدي إذا كان الملتاع غريب الدار والمعشر.
    وتنقلت ليلى في غابة العشق، عصفورة جذلى بين أوراق الشجر، لا تبالي باختناقي بين أوراق الدراسة والشهادة والسهر. شتّان بين الشوك في الصحراء والورد في الجنة.
    صرت تائهاً، والتائه لا يسعى للوصول، إنه يرجو الخلاص فحسب يا سيدي. وتخرجت في الجامعة.
    أشهر طويلة مثل سنين صباي، سرقت ما تبقى عندي من رجولة وقوة. ماذا لو تخرجت أخت لطفي وأنا ما أزال أبحث عن خلاصي: كله منك. مش أحسن لك لو صرت طياراً يا ابني..
    خبت في نفسي لهفة النجاة، واستيقظت مشاعر الغربة.
    أشهر طويلة كنذ ازداد صغراً معها خطوة خطوة، وأنا أطرق الأبواب وأقدم الأوراق واسأل عن الشواغر. هذا عالمي يا سيدي. كرتونة ومرفقات. كنت واهماً. كنت أظنها الفرصة لمن يريد أن يكبر. كيف أكبر والأوراق لا تكبر.؟.
    جارة طيبة يا سيدي. جميلة مثل أم لطفي. قالت، من يسأل المساعدة لا يصغر الناس للناس، والحاج أبو إسماعيل يتمنى خدمة...
    قلت لي حينها يا حاج، بأن الحظ يبتسم لي. الوظيفة تلائمني. كم أنا محظوظ.!! أخيراً تنقذ عالمي الورقي بسمة. آه لو تدري كم أكره الورق وأكره البسمة.
    مذ باشرت العمل، وهاجس يراودني ، الآن سأخلص من غربتي، وأكبر على لطفي وأخت لطفي: كلها كم شهر واستأجر لكم منزلاً فيمكان آخر. سنترك الحي لأم لطفي..
    وعاد لطفي متأبطاً شهادته الإنجليزية. شقراء، فاتنة طويلة، مثل لطفي. أهالي الحي لم يباركوا له تفاحة الجنة مثلما باركوا لي كرتونة البسمة. وشأن أخت لطفي لم يبال لطفي.. أو تدري، كان لطفي كبيراً مذ كان صغيراً، وأنا صغير مذ كنت أضرب لطفي.
    وصخب الليل والنهار في منزل أم لطفي.
    والحي لا يتغير، شأن رئيس المخفر الذي لا يتغير.
    ماذا تنفع البسمة يا سيدي إذا كان الحظ مجرد بسمة. آه لو تعرف ماذا تفعل البسمة.؟. لو تعرف ماذا قالت البسمة، عندما شاهدتك تطرق بابي أم لطفي، وتطرق بابك شقراء لطفي وأخت لطفي.؟.
    فلأجل ابتسامتك يا حاج، وابتسامة لطفي، ولأجل ابتسامة رئيستي الجديدة، ليلى، سأحاول أن أكبر مثل لطفي. سأحاول أن أحب شيئاً من لطفي: حرام عليكم. البنت يتيمة. جارتي وأنا أعرفها...
يعمل...
X