إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الروائية ( رجاء عادل أبو غزالة ) والقاصة والصحفية الأردنية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الروائية ( رجاء عادل أبو غزالة ) والقاصة والصحفية الأردنية

    رجاء أبو غزالة
    ولدت رجاء عادل أبو غزالة في بيروت سنة 1942، وتلّقت فيها تعليمها الابتدائي، وحصلتْ على شهادة البكالوريا اللبنانية سنة 1961 من مدرسة للراهبات أتقنت خلالها اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية. ظهرت ميولها الفنيّة والأدبية مبكّرة، لكنّها آثرت التوجّه نحو دراسة الفن التشكيلي، وبدأت تشارك في رسم الكاريكاتير في جريدة الحوادث اللبنانية، وهي لم تتعدّ السادسة عشرة من عمرها، ونشرت بعض المقالات المبكّرة في المجلاّت اللبنانية. عندما بلغت العشرين من عمرها تزوّجت، وارتحلت للإقامة في مدينة جدّة بالمملكة العربيّة السعودية حتى سنة 1980؛ إذ عادت إلى عمان واستقرّت فيها حتّى وفاتها سنة 1995.

    درست رجاء - بالمراسلة - فنّ القصة القصيرة وحصلت على دبلوم من "بنيت كوليج" في شفيلد بإنجلترا، وانتسبت إلى دورات متعدّدة في المعهد البريطاني بجدّة في مجال الاقتصاد. شاركت في معرض فني سنة 1970 أقامته الجاليات الأجنبيّة في جدّة. بعد عودتها إلى عمّان تقدّمت لامتحان الثانوية العامّة الأردنية وحصلت على التوجيهية سنة 1981، وانتسبت إلى الجامعة الأردنية، وحصلت على درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي سنة 1985، وسجّلت في برنامج الدراسات العليا في الجامعة نفسها إلا أنّها لم تتمكّن من إنهاء المتطلّبات لأسباب صحية.
    أصبحت - بعد إقامتها في عمّان- عضواً في رابطة الفنّانين التشكيليين، واختيرت عضواً في الهيئة الإداريّة، وساهمت في المعارض التشكيلية الجماعية، وانتسبت إلى رابطة الكتّاب الأردنيّين. وكانت عضواً في لجنة المرأة برابطة الكتّاب، وانتخبت عضواً في الهيئة الإداريّة فيها، وشاركت في الندوات، والأمسيات التي تقيمها الرابطة في العاصمة وخارجها. كما شاركت بتمثيل الرابطة في الندوات والمؤتمرات التي عقدت في كل من بيروت والمغرب العربي.
    كتبت الشعر والقصّة القصيرة، والمقالة الصحفيّة، والرواية، وشاركت في المعارض الفنية التشكيلية. بدأت تكتب مقالاً أسبوعياً في صحيفة (صوت الشعب) اعتباراً من سنة 1980م، ثم انتقلت إلى زاوية (أوراق) في صحيفة (الرأي) الأردنية. وظلّت تمارس كتابة المقالة الأسبوعية حتّى وفاتها.
    نشرت مجموعة مختارة من القصص النسائي العربي، في مجموعة قصصية صدرت عن دار الكرمل بعمّان سنة 1988.


    ويبدو أن تجربتها مع اللون والخطوط ثمّ في الشعر والقصّة القصيرة خدمتها في روايتها القصيرة التي كتبتها، ولم تر النور في حياتها، وهذه الرواية هي المجال الأرحب لكلّ هذه الفنون، وتقع في 270 صفحة من القطع المتوسط، وتحتوي على ثلاثة فصول تتنقل فيها البطلة بين بيروت وجدّة وفي ألمانيا وفرنسا، وتقدّم فيها رأيها في قضية المرأة. توفيت على أثر إصابتها بمرض عضال في حزيران سنة 1995.

    مؤلفاتها
    • الشعر:
    1. معك أستطيع اغتيال الزمن، دار الشعب، عمّان، 1978.
    2. الهروب الدائري، دار الشعب، عمّان، 1980.
    • القصّة:
    1. الأبواب المغلقة، دار الباحث، بيروت، 1982.
    2. المطاردة، دار الشروق، عمّان، 1988.
    3. كرم بلا سياج، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت، 1992.
    4. القضيّة، وزارة الثقافة، عمّان، 1994.
    5. زهرة الكريز، دار الكرمل، عمان، 1994.
    • الرواية:
    1. امرأة خارج الحصار، منشورات رابطة الكتّاب، عمّان، 1995.
    2. الترجمات:
    3. اليانصيب، مختارات من القصص النسائي العربي، دار الكرمل، عمّان، 1987.
    • من مراجع ترجمتها:
    1. رضوان (عبد الله)، بالاشتراك مع محمد المشايــخ، منشــورات أمانة عمان الكبرى، 1999.


    رسالة من السيدة - م -

    كان اليوم ماطراً ورماديّاً في فيلا حاسبيني، عندما فتح الزوج رسالة زوجته الغائبة في جنوب لبنان، وراح يقرأ بصوتٍ عال تمازجه الرجفة والعصبية:
    - أشعر بدفء الأرض يتخللّني بالرغم من لذعة البرد، وسواء كنت هنا أو هناك معكم في الأردن، فالشعور بالدفء والانتشار والتوحّد هو هاجسي...
    همس الزوج بينه وبين نفسه:
    - مجنونة.. مجنونة.. لا أدري ما الذي أصابها!
    هتف طارق وهو يأكل ساندويتش "الهامبرغر" وعيناه تتابعان المسلسل الأجنبي:
    - لقد ملّت أميّ حياة الرفاهية وهي التي نشأت وترعرعت في أحياء بيروت الفقيرة·
    هتفت آمال بحزن:
    - أمّي مرهفة الحسّ إلى درجة بدأت جذور غربتها الفلسطينية واللبنانية تفعل فعلها في روحها.
    قال الأب وهو يصرّ على أسنانه:
    - أمّك بلغت سنّ اليأس، هذا هو المختصر المفيد.
    تململت آمال غير موافقة على ما قاله الأب، ثم هتفت سائلة:
    لماذا لا تقول بأنّها تشعر بفراغ رهيب بعد ما كبرنا، ولها الحقّ بأن تختار الحياة التي تريد؟
    - ماذا؟ أن تختار ما تريد؟ إنّ حالها أشبه بحال عائشة عندما أرادت الخروج إلى البصرة للاقتصاص من قتلة عثمان بن عفان، فأشعلت القتال من جديد بين مؤيّدٍ لها ومعارض لما تريد.
    - لكن يا أبي، كانت عائشة إنسانة عالمة، حرّة، جريئة وطموحة.
    - الإنسانة الحرّة مَنْ التزمت بيتها "وقد علمت أنّ عمود الدين لا يثبت بالنساء إن مال، ولا يرأب بهن إن انصدع".
    - يا أبي، هذا ما قالته ضرّة عائشة (أمّ سلمة) في رسالة وجّهت إليها على عجل، كي تثنيها عن عزمها للقتال.
    - "لن يفلح قوم تدّبر أمرهم امرأة".
    - وهل أفلح قوم تدبّر أمرهم الرجال؟ يا أبي.. يا أبي إنّ حال أمّتنا في تقهقر مستمر.. انظر إلى ما حدث لفلسطين ولبنان والعراق.. والباقي على الطريق!!
    طأطأ الأب رأسه بعدما راقب زجاج النافذة الماطر بلوثة الريح وبقايا أوراق الشجر، ثمّ عاد إلى القراءة:
    - ·· لا أكتم عنك فرحي العظيم حين وطئت قدماي أرض الجنوب العامرة بالخضرة والأحزان العميقة· فمدن محاصرة بالعدو مثلما المعصم محاصر بالسّوار، وتقف أشجار الكينا الباسقة على مشارف القرى ومزارع البحر مثل الجند...
    - لا حول ولا قّوة إلا بالله..
    - ·· الآن أستطيع الصراخ خارج زنزانة الانتظار..
    - المرأة جنّت.
    - ·· عادت الحياة إلى التدفّق في شراييني كمياه النهر الذي نعبره عدّة مرّات في اليوم عدت طفلة تعيش الوعي كلّه في جسمها السمين المترهّل.. الذي أصبح ضامراً ومتحفّزاً بالنضال..
    - هل سمعتما ما قالت "إنها دايرة على حلّ شعرها".
    لمعت عينا طارق بفعل انعكاس ضوء شاشة التلفزيون، ثم كبكب ورقة الساندويتش بكفّيه وقذفها في سلّة المهملات.
    - أقول لك يا أبي، لماذا لا تقرأ الرسالة دفعة واحدة دون تعليق.
    - ··· قد يدور في ذهنك أنّي هجرتك وأهملت طارق وآمال.. أنا لم أهجرك على الإطلاق. أنتم تعيشون معي هنا. أنا لم أهجر البيت، إنمّا هجرت التردّد، والخوف، والانتظار من أجل الوطن. هجرت السمنة والترهّل والانكسار.. من أجل الصحّة والقوّة.
    - إنسانة حالمة وغير واقعيّة.
    - ··· لا أدري إن كنت سأعود إليكم في يوم من الأيّام، ولكنّي متيقّنة من أّنكم ستفهون دوافعي للتحرّر.
    - بالطبع نفهم دوافعك.
    - أرجوك يا أبي كفّ عن التعليق.. دعنا نسمع وجهة نظرها.
    - ·· إنيّ أسجّل كلّ ما يحدث هنا·· أرصد نبض شريان المعارك اليوميّة بالكلمة والصورة، إنّي أمزج حبر الورق بموز المزارع المشنوق على قارعة البحر الأزرق، في صيدا وصور، حيث يلتقي النهر بالبحر، ويختلط الحبر بخضرة البساتين والمياه الشديدة الانفعال، ألهو مع الحب.
    - إنّها تلهو مع الحب!
    - ··· أعانق الدهشة يوميّاً، هذا يقع في الفخ كالحيوان الجريح، وذاك يجندل برصاص العدو وعيناه مفتوحتان على السماء، أكتشف نفسي مع الموت اليومي الذي يفجّرني رغبة بزهو الحياة، ولا أفكّر بقهوة الصباح بين ستائر الدانتيل البيضاء.
    - مجنونة، مجنونة.
    - ··· هل تدري يا عزيزي كم نضجت خلال هذا الوقت القصير، ووعيت الزمن الضائع، والخسارة القوميّة الفادحة التي ألحقها بنا الخوف، هذا الخوف الشديد عليك من الانفعال والإصابة بالجلطة، وهذا الخوف على الأولاد والمستقبل، والبيت، والحديقة·.
    - مجنونة.
    - لا تقل ذلك يا أبي، وقل بأنّها إنسانة مبدعة.
    - الإبداع بلاء للنساء... مالنا وللسياسة.
    هتف طارق بعد صمت طويل:
    - دعونا من سيرتها.. الثرثرة لن تعيدها إلينا.
    - لقد هزمتني بعد كلّ هذه السنوات.
    - لماذا تعتبر نضالها هزيمة؟
    - لقد أذلّتني، وأصبحت فضيحتي بجلاجل..
    - كفّ عن هذا الهراء..
    - من سيفهم دوافعها؟ ماذا سيقول الناس عّنا؟
    - قل لهم الحقيقة. قل بأنّها التحقت بالمقاومة.
    - لن يصدقني أحد، سيقولون بأنّها أحبّت رجلاً.
    - أبي كيف تجرؤ؟
    - ماذا فعلت لها حتّى تتصرّف هكذا؟ لقد أعطيتها كلّ شيء تريد: شبابي، ورصيدي، وحبّي· ماذا تريد أكثر من ذلك؟ ماذا تريد أكثر من البيت الجميل، والحديقة العامرة بالزهور، والسيّارة، والسفر، والخادمة، والمجوهرات؟
    - أبي لا داعي لكلّ هذا؟
    - ماذا أقول للناس؟ هربت من أجل الدفاع عن قضية؟ من يصدق ذلك؟
    - لو هربت مع رجل.. لعذرناك.
    - إنّهم يظنّون ذلك.
    - لا أحد يظنّ ذلك· طارق قل شيئاً.
    هز طارق كتفيه بعدم اهتمام وهو يتابع المسلسل.
    علّق الأب قائلاً:
    - أنت لا تعرفين الناس.
    - قل لهم بأنّها سافرت للعلاج.
    - وبعد..!
    - قل لهم بأنّ مرضها طال.. كفّ عن التأويل، واقرأ لنا الرسالة.
    - ·· أحبّ طارق وآمال، وأفكّر بهما ليل نهار· لقد كبروا ولم يعودوا بحاجة إليّ. ولو بقيت في انتظارهما لأشفقا عليّ. أعلم بأنّك تعتبر قراري هذا جنوناً، لكنّي مع ذلك أفضّل هذا الجنون على الموت البطيء...
    سأعلن على الأهل والأقارب والأصدقاء بأنّها جنّت.
    - أبي سأهجر البيت إن فعلت ذلك.
    طوى الأب الرسالة، ثم نهض واتّجه نحو النافذة.
    وقف يتأمّل عصفوراً تؤرجحه العاصفة وهو ينفض ريشه بتوتّر عجيب للتخلّص من المطر والبلل· التفت إلى طارق وأمره بخفض صوت التلفزيون كانت أغصان شجرة اللوز الجافة تضرب زجاج النافذة بعنف شديد وكأنّها أصابع امرأة تستأذن للدخول طمعاً بالدفء والجفاف. عقد الأب ما بين حاجبيه وكأنّه يرفض الدعوة، ثم قال لآمال مؤنباً:
    - أنت من ساير تحرّرها؛ كنتما تثرثران عن حريّة المرأة والوطن، كنت أسمعكما وأقول في نفسي ثرثرة نسوان.
    - أبي أعتقد أنّ أمّي قد أصبحت واعية بما فيه الكفاية حتّى تقرّر مصير حياتها.
    - أنت من حرّضها على العصيان·· اعترفي بذلك·· يا ليتني لم أرسلك إلى انجلترا مع أخيك!!
    - كنت تنتظر أن أرفع رأسك عالياً أمام أصدقائك قائلاً بأنّي خريّجة لندن.
    - كيف تجرئين؟
    - أبي، إنّك رجل منفتح الذهن، والرجل المنفتح الذهن لا يتراجع عن قراراته.
    - لهذا خانتني أمّك وهربت.
    - إنّها لا تعرف الخيانة.
    - وهل تعتقدين بأنّها ستحرّر الوطن بحماقاتها؟ هذه تصرّفات مراهقة، أنا نفسي لا أحسن ذلك.. هراء.
    نهض طارق عن المقعد الوثير وهو يتأفّف، ثم قال بصوت عال:
    - أبي لقد انتهت إجازة "الكريسمس". سأعود بعد غد إلى إنجلترا، يلزمني مبلغ من المال.
    قال الأب بسخرية:
    - وأنت يا آمال ألا تريدين مبلغاً آخر من المال.. حقاً هل أصبحت بالنسبة لكما بنكاً.. ما هو تعليقك يا طارق؟
    - أبي، كن واقعياً. ماذا تريد من أمّي بعد خمس وعشرين سنة من الزواج.. أن تجلس بجانبك كي تسلّي وحدتك، وتقوم على خدمتك؟
    - صه يا ولد، أنت تكلّم والدك.
    - أعلم ذلك، وصراحتي لا تعني أنّي لم أعد أحبّك أو أحترمك،.. أبي، لماذا لا تكتب لها كي تتحاورا على الورق. لقد أعربت لك عن رغبتها في ذلك.
    - كيف تعرف ذلك؟
    - ألم تؤثر قضيّتها على بيتها وزوجها وأبنائها؟
    - لا لم تؤثر على الإطلاق.
    - بل أثّرت علينا يا أبي، والدليل على ذلك هو غضبك وحيرتك، وتردّدك.
    - كفى فلسفة يا ولد.. ماذا تفهم عن قضيّة الوطن؟
    - إنّها قضيّة أمّي، هكذا بكل بساطة.. ألم تترك البيت من أجلها؟
    - صه، يا ولد، أمّك ليس لها قضيّة·. يتهيّأ لها ذلك.
    - أبي اكتب لها، علّك تستريح.
    - لن أكتب لها ما حييت، ولن أسامحها على فعلتها.
    - على كل، افعل ما يحلو لك.
    - سأفعل ما يمليه عليّ واجبي.
    - أبي ماذا ستفعل؟
    - سأحرقها...
    - من؟
    - الرسالة.
    - افعل ما يحلو لك إن كان ذلك يريحك.
    همست آمال بحزن: احرقها يا أبي، حفظنا كلّ حرف فيها·· لقد قرأتها علينا للمرّة العشرين.. أحرقها إن كان ذلك يريح أعصابك، لكن ليكن في علمك أنّ الحبر والأوراق والكلمات لن تقف حاجزاً بين حبّها لك ولنا وللوطن!!
يعمل...
X