Announcement

Collapse
No announcement yet.

الشاعر أنسي الحاج : الــنــثـــــــــــر العــربـــــــــي مظـــــــــلوم.. وفيــــروز أحــــد أركــــان عقلــي الباطــ

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الشاعر أنسي الحاج : الــنــثـــــــــــر العــربـــــــــي مظـــــــــلوم.. وفيــــروز أحــــد أركــــان عقلــي الباطــ


    أنســــي الحــــاج: الــنــثـــــــــــر العــربـــــــــي مظـــــــــلوم.. وفيــــروز أحــــد أركــــان عقلــي الباطـــن
    منذ أصدر ديوانه الأول “لن” وبعد “الرأس المقطوع “ في ستينيات القرن الماضي، وصولاً إلى آخر نتاجاته؛ مازال الشاعر أنسي الحاج يحمل البريق نفسه الذي حمله في بداياته،
    بل إن أدبه مازال ينبض بالتجدد والتوهج، وهذا ما تجلى واضحاً في حواره مع الكاتبة إيمان سعيد وهي ترفع بصماته عن تجربة امتدت لنصف قرن عبر برنامج " رفع بصمات" الذي تبثه قناة سورية دراما وتتجه المؤسسة العامة للانتاج الاذاعي والتلفزيوني، فهاهو يعبر عن قلقه وخوفه من وحشة هذا الزمن بكلمات تبدو في ظاهرها بسيطة وسهلة، لكنها تنطوي في مضمونها على بلاغة السهل الممتنع إذ يقول:
    “أنا إنسان جبان.. هارب.. أخاف من الضجيج.. من الناس.. أخاف من الخروج من البيت.. وإذا خرجت أخاف من العودة إليه.. وقد عبرت عن ذلك في ديوان “لن” فأول كلمة فيه أخاف:
    ضائع تحت الشوك والأخبار/ ضائع بين جزر التاريخ التي تعرقل السير/ وأطلب منك أن تجديني/ ابحثي عني/ أنا في مكان ما أغوص وأنتظر يديك/ أنا في مكان ما أنطفىء وأنتظر يديك.
    وقد تفرد أنسي الحاج بشعره وعلاقته مع الآخر؛ فلم يلجأ يوماً إلى ابتذال ذاته في علاقته مع الرؤساء، ولم يطمح لأي جائزة أو تكريم، ولم يكن شغوفاً بالأمسيات الشعرية، بل إنه اقترف الشعر لذاته وللناس الذين يشبهونه ويعبر عن ذلك: “أنا لاأستطيع أن أكون محترف إلقاء، صوتي منخفض، وشعري ليس شعراً منبرياً، يفتقد للوزن والقافية والحماسة المنبرية، حتى أني ميّال ألا أغني شعري، بمعنى أنه حتى الغنائي منه أقوله بتقشف”. وينظر للجوائز بشكل عام، العربية منها والعالمية، بكثير من التجاهل فلا يرى فيها سوى قيمتها المادية التي تعين الشاعر على متطلبات الحياة: “الجوائز العربية لاتعنيني، وبصراحة الحكومات تمنح الجوائز للحاشيات التابعة لها، كذلك الجوائز العربية المستقلة لاتعنيني، مع أنني أفرح عندما يحصل عليها أحد من أصحابي، لأنها تكافئهم مالياً، وهذا شيء جيد جداً، فالشاعر بحاجة إلى مال الجائزة أكثر من معنوياتها، أما الجوائز العالمية فإما أننا لانستحقها، وهذا رأي صديقي الراحل محمود درويش إذ قال لي مرة: لماذا يعطوننا جائزة نوبل، ماذا قدمنا للأدب الغربي أكثر من الأدباء الغربيين -وعلى هذه العبارة يعقّب- وأنا برأيي هذه وجهة نظر غير صحيحة، لأن محمود من شدة تواضعه قال هذا الكلام، وهذا تأكيد على أنه يستحقها”.
    كان الحاج في السادسة عشرة من عمره عندما بدأ الكتابة، ومن الطبيعي في هذا العمر ألا تكون ثقافته قد تبلورت، فعمل على صقلها بالقراءة التي تمثل زاده اليومي حتى الآن: “أنا لا أستطيع أن أكتب إذا لم أقرأ، أنا لست محمد الماغوط، مع أنني معجب به لأنه عبقرية مخنوقة، يشبه ألماسة وحشية لم تُشغل بعد، وهؤلاء نادرون، والماغوط لم يُقدَّر كما يجب، وبالنهاية سعادة الكاتب مثل سعادة أي ساعٍ في الحياة إلى أي شيء آخر؛ أن يكون محبوباً ويُحتضَن، هذا الشوق لاحدود له”.
    ومنذ بداياته الأولى شغلت الصحافة حيزاً كبيراً في حياته وحتى الآن، فوالده الصحفي لويس الحاج، ووجوده معه حقق له حالة من الطمأنينة، لأنه لم يتقن في حياته عملاً سوى الكتابة، وعن هذه التجربة تحدث: “لو لم يكن أبي صحفياً لما كان يمكن لي أن أعمل في الصحافة؛ فأنا لم أكن أعرف شيئاً سوى الكتابة، وفيما بعد بدأت الاحتراف في جريدة الحياة ومن ثم في النهار التي قضيت فيها معظم العمر، وبعدها جاءت محطة مجلة “شعر” وهي مرحلة ما يسمى بالحداثة والتكريس للشعر، وأنا كنت متنوع الأنواع، كتبت القصة القصيرة، والدراسة.. والشعر، والفضل في الجو الأدبي الجامع لمجلة شعر يعود للشاعر يوسف الخال؛ الذي استطاع جمع كوكبة من الناس لديهم هموم مشتركة عريضة العنوان، وليست هموماً ضيقة على الطريقة العقائدية، الحداثة التجديد بشكل عام، هذه محطة مهمة:
    إذا كان اللقاء أعجوبة/ فالحزن أيضاً أعجوبة/ أليس عجيباً أن أحزن بعد يالبنان/ لم أكن أظن وقد اشتعل الله/ أني سأولع بغير الحقد/ وإذا بي لا أزال البحر الرهين بالقمر/ والقمر الرهين بالشمس، والشمس الرهينة بالليل/ والليل الرهين بملاذ عينيك.
    وأثناء الحرب توقف الحاج عن النشر كحالة احتجاج على العنف الذي يتولد عنها والتي تتنافى مع رسالة الشعر والأدب، فكانت مقالاته كلها تدعو إلى السلم والتنديد بالحرب، فوجد خلاصه بالفن: “عندما يخلق الإنسان أشياء أعظم منه تتجاوزه؛ كالشعر والموسيقا والمسرح والسينما، حينها يشعر أنه على الأقل غلب الزمن، قهره، تجاوزه.
    ولأنه كان مختلفاً في رؤيته للصحافة عن الآخرين الذين يرون في أي حدث سبقاً تاريخياً، كان الحاج إذا سمع خبراً سيئاً لم يكن يستطيع إخباره للناس، فكانت الصحافة الأدبية ملاذه؛ لأنه يراها الأقرب إلى الحقيقة والواقع، وقد كانت هذه الصحافة مصدراً للعيش.
    كذلك كانت السينما تشكل لأنسي الحاج حالة من تنشيط الذهن والخيال، وتشبع -حسب قوله- كل ما لايستطيع القيام به: “كانت السينما بالنسبة لي فشة خلق، حالة بديلة أو تعويضية، فهناك أشياء كثيرة نحب أن نكسرها ونزيلها من الوجود، طبعاً خيالياً، لذلك السينما هي مكافأة الضعفاء، ومن هنا شكلت لي حالة الفرار والهرب”.
    أما علاقته مع الآخر فكانت تشوبها حالة من سوء الفهم، فكان في حالة بحث عن شخص يغترب من خلاله، كان يريد الغريب الآخر المختلف عنه: “أنا لاصلة لي مع العالم الخارجي، ليس لدي أصدقاء أبداً، صداقاتي كلها باءت بالفشل، مع أنني أحب ان يكون لدي أصدقاء، وعندما كان لدي أصدقاء كانت حياتي مليئة أكثر، مع أن أصدقائي مازالوا في بالي، أحبهم وأكتب عنهم، لكن لاتوجد علاقة مباشرة معهم، هناك سوء تفاهم معهم.. حياتي عبارة عن سوء تفاهم، أحياناً خلاّق، لكن معظم سوء التفاهم يؤدي للالتباس والغلط.. الحياة كلها سوء تفاهم”.
    ومع أنه لايحب الليل ويخاف منه كان يحوله إلى حالة نهار دائم، ولما كانت القراءة غذاءه اليومي، فقد حوّل الليل إلى قراءة، وحياته كلها يعيشها في الليل: “أنا أخاف من العتمة ولاأحب الليل خلافاً للشائع، وأنا لاأعيش في الليل لأنني أحبه، بل لأفرغه من الليل، أترك الكهرباء مضاءة في البيت حتى أشعر أنني في النهار، لاأستطيع الاطمئنان والنوم في العتمة، أشعر أنني أغوص في بحر من الظلمات”:
    أقوم ولا أنادي/ أنزل بين النور والظلام/ وقد تعانقت في صدري الحياة وأشباحها/ ومن رأسي إلى رأسي أرتمي/ ولا تعرفني بعد اليوم عيناي.
    ويتابع الحاج “لا أحب ان أقرأ ماليس فيه إحساس، لا يعنيني أبداً حتى لو كانت كتب نظريات، أنا صنيعة شيئين: “الغريزة والشعور والثقافة” ثقافتي عصامية، لأنني لم أكمل دراستي الجامعية”.
    وعن سؤال إذا كان يتمه المبكر وغياب الأم بحياته كان سبب هاجسه الدائم للتعويض عن هذه العاطفة سواء بالكتابة، أو عبر علاقته مع المرأة يجيب: “اليتيم يبقى يتيماً حتى لو ملك الدنيا كلها، والشراهة للحنان لا علاقة لها بالطموح، اليتم فراغ لايُملأ، أتعس شيء أنه يوجد عدم في الروح لايملؤه شيء على الإطلاق”:
    وأمزج بينك وبين لبنان/ لأنك حليبه وعسله/ بينك وبينه علاقة الزعتر بالهواء/ بينك وبينه سريري/ وكلام سريري وأغاني الجمال الأخير.
    ويعيش الحاج حالة من العزلة بعيداً عن العالم الخارجي، لكن عزلته حالة مختلفة عن أي عزلة أخرى، هو يراها حالة من الترف يعيشها مع عالمه الداخلي: “عزلتي حالة من الترف للنفس، فأنا أعيش حالة تدليل لذاتي وإشفاق عليها في ركن دافىء هو العزلة، يمكن التحكم به دون التعاطي مع أحد”:
    الحب زهرة الشفقة/ السماء سقف السجن/ ولكن لاشيء يخيفني/ لأن غرفتي بلا جدران/ معلقة بين السماء والأرض/ الجمال يفقدني جمالي/ والشعر التام نسيان الشعر/ ولكن لاشيء يوقفني.
    ويتابع الحاج حديثه عن عزلته التي يعيشها: “يأتي وقت لايعود الإنسان يختار العزلة، فعزلتي لم أخترها، ولا هي اختارتني، هي مفروضة عليّ بحكم العمر والوضع الاجتماعي وقد ازدادت وحدتي الاجتماعية بعد فقداني لزوجتي، فمن قال إن الحب لايحمل في وجهه الآخر الوحشة والوحدة، وربما على قدر ما يحب الإنسان يعاقب بالوحدة أو يكافأ، لاأعرف أيهما أشر من الآخر، الوحدة أم الاختلاط، الوحدة لها إرهاقها، والاختلاط له إرهاقه.. لا أعرف.. يمكن لا أستحق أي منهما، فاشل بينهما معاً”.
    واعتبرت مقدمته لديوان “لن” أول بيان رسمي لقصيدة النثر الحديثة، فهو من رواد شعراء الحداثة الشعرية أدباً وتنظيراً، ومع ذلك فقد اتّهم أنسي الحاج كشاعر ثائر على القصيدة التقليدية من الوزن والتفعيلة، من قبل كثير من النقاد أنه كتب القصيدة بعيون فرانكفونية.. لكنه يرد على هذا الكلام: “هذا الكلام غير صحيح؛ لأنني في مقدمة كتاب “لن” استعنت بكتاب فرنسي شهير لـ “سوزان برنار” الذي ينظّر لقصيدة النثر، وقد استعرت منها مصطلحات ونسبتها لها، وقد سبقني إلى ذلك الشاعر أدونيس في دراسته بمجلة “شعر” عن قصيدة النثر، حيث استند إلى المصدر نفسه لأنه لم يكن حينها يوجد غيره، وهو أول مرجع أكاديمي بهذا الموضوع في العالم، وما أؤكده أنني ثائر وعاجز عن كتابة الوزن، وهذا سبب نزوحي إلى قصيدة النثر، وليس السبب أنني أكتب شعراً موزوناً وفجأة خطر ببالي أن أنوّع، أنا لم أجد تعبيري إلا بقصيدة النثر، والنثر العربي مظلوم ومقصر قليلاً، وقصيدة النثر هي اختيار من لا خيار له، لذلك ليس عندي خيار آخر:
    يا حبيبتي أقسم أن أكون لعبتك ومغلوبك/ أقسم أن أحاول استحقاق نجمتك على كتفي/ أقسم أن أكون المسافة بين كلمتي أحبك.. أحبك/ أقسم ان أرمي جسدي إلى الأبد لأسود ضجرك/ أقسم أن أكون باب سجنك المفتوح على الوفاء بوعود الليل.
    وقد تنوعت تجربة الحاج الأدبية فإضافة للشعر كتب القصة والمسرحية، وترجم العديد من المسرحيات التي مثلتها فرق المسرح الحديث التي كانت طليعية في تأسيس المسرح في لبنان، ثم تعرف إلى الأخوين رحباني، وكان أحد مستشاريهم، وقد كتب الكثير عن المطربة فيروز فيقول: “كتبت عن فيروز في مقالاتي وكتبي، وبنظري هي تستحق أكثر، فصوت فيروز هو أحد أركان عقلي الباطن، أنا رفعت عناوين عديدة بمحاولة عفوية لخلق أساطير عربية ولبنانية، فكانت فيروز، بصوتها الخرافي، هي رأس الحربة في هذه المحاولة”.
    وقد لُقب الحاج بألقاب كثيرة كالشاعر المتمرد، الشاعر الوحشي، الثائر، لكنه في المرحلة الأخيرة من كتاباته وشعره أصبح ثائراً على هذه الألقاب، وذهب في اتجاه آخر غلّب فيه أخلاق المسامحة والغفران على أخلاقية العدالة ، وهذا ما يؤكده بقوله: بداياتي وحتى أواسط تجربتي كانت متسمة بالعدوانية، وبنرجسية بلا حياء، غير مقنّعة على الإطلاق، مستمتعة بتعريها، ويمكن هذا الشيء ساعدني على التخلص منها، أفرغتها بلا حدود، وهناك حالات عندما أقرؤها أستغرب كيف مرت دون أن يقرّعني أحد عليها، ربما السبب أنها لم تكن مكتوبة بإطار المد والجزر، يعني حب الذات بشكل يثير الشفقة أكثر منه حباً استفزازياً، بمعنى أنه لم تكن عندي قوة طغيان الأنا بحيث أني أصدقها، بل طغيان أنا خائفة، وليس أنا واثقة، ممزقة ومدمرة منذ البداية:
    ياشفير هاويتي/ كرهوا أمة لأنها تبتسم فراحت تضحك/ وقتلوها لأنها تضحك فأخذت ترقص/ ومزقوها لأنها ترقص فراحت عيناها تغصان بالوعود/ وشعشعت نوافذها/ قطعوا يمناها عن يسراها لأن يديها قلب العالم.
    وخوفاً من أن تعود الحرب إلى لبنان دعا الحاج الشباب اللبناني في كثير من مقالاته إلى الهجرة وعن ذلك يقول: “في حال حدوث مشاكل في لبنان سيكون وقودها الشباب كالعادة، وبحكم الواقع الملعون الذي نرثه سيرى هؤلاء أنفسهم في الشارع يقتلون بعضهم بعضاً بسبب الطائفية، حينها الهجرة تكون أفضل، فاللبناني لديه ثقافة هجرة عريقة، يبدو أنه يلمع في المهجر، لأنه لا يعود هناك من يعيّره بطائفته، أو باسمه، بل يعيّرونه بقيمته الحقيقية، فالمجتمع هنا يحرق مواهبهم ويرميهم ولايسأل عنهم، لذلك أفضّل أن يهاجروا”.
    وحدك يا حرية/ أيتها المطلة عليّ من أعماق عينيها/ ياامرأة السنابل/ يا شفير هاويتي/ تخترعين لي الحياة كلما انتهيت/ قارة لانتصار الحياة/ حدودها انتظارنا/ وقلبها وحدك يا حرية.
    البعث ميديا - البعث
Working...
X