إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مثلُ بقيّةِ البشرِ في هذهِ البقْعةِ منَ الأَرضِ،- جدارية الموْت_20 - حماد الحسن‏

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مثلُ بقيّةِ البشرِ في هذهِ البقْعةِ منَ الأَرضِ،- جدارية الموْت_20 - حماد الحسن‏

    حماد الحسن


    _جدارية الموْت_20

    مثلُ بقيّةِ البشرِ في هذهِ البقْعةِ منَ الأَرضِ، كلَّ صباحٍ تموتُ في روحِهِ شتْلَةُ ورْدٍ، والعمرُ يُبشِّرُ بالتَّصَحّرِ، كأَنّهُ يَرْتَبطُ بمناخِ المنطقةِ، ينظرُ في المسافاتِ الصّفراءِ المُمْتَدّةِ ويَسْتغربُ كيفَ وردَ في التّاريخ أَنّ المسافرَ من دمشق الى بغداد كانَ يَظلّهُ الشجرُ طوالَ الرحْلةِ.

    روحهُ باديةٌ ولا يتذكرُ وجوداً لأَيّ ماءٍ، خوفَهُ منَ المستقبلِ دفعهُ لتقديمِ استقالتهِ ، وَجفّفَ حقولَ أَحلامهِ واحداً تِلْوَ الآخرِ، لمْ يعدْ هناكَ أيُّ فرقٍ بينهُ وبينَ أبوابِ الحديدِ المتينةِ في منزلهِ، منزلهُ الذي أَضْحى بعدَ كلِّ هذهِ التحصينات سَجْنٌ بلا نافذةٍ يَعبرُ منها صوتُ حسون، وانتَشرتْ في زوايا المنزلِ رائحةُ رطوبةٍ جعلتْ منهُ أشبهُ بقبرٍ حُفِرَ بِرَويّةٍ عميقاً في واقعٍ صخريّ الملامح، وباعتبارهِ بلا أحلام يمتلكُ وقتَ فراغٍ هائلٍ، فبدأ بتوزيعِ غرفِ قبرهِ حسبَ الحجمِ، وأَضْيقُ هذهِ الغرفُ جعلها لنومهِ، كونَ النّائم يشبهُ الميتَ، خمسون عاماً كان يتدرّبُ فيها على الموتِ فأَتْقنهُ، ولمْ يعدْ هناكَ أيُّ فرقٍ بينهُ وبينَ الموتى، حتى أَصابعهُ بدأتْ تتساقطُ بسببِ الجفافِ من الشّهوات.
    تتحركُ عيناهُ بقلقٍ في أرجاءِ الأُنثى ويتنهدُ بحسرةٍ، يدخلُ صباحاً قاعةِ عِطْرَها بصمتٍ جليلٍ، يَرْتجفُ بينَ فَخِذيها بقسوةٍ، فتغمضُ عيناها لتستمعَ لهديرِ البحرِ في أَعماقهِ، تضيعُ من بينِ يديهِ خطوطُ الضّوْءِ، كأنهُ أَعمى في لجّةِ الفِتْنةِ .
    أُبادِرُها والسيفُ تطابقَ معَ غِمْدِهِ حدَّ التّرَفْ:
    -افتحي عينيكِ لاتغمضي، أريدُ أَنْ أَتَجوّلَ في حقولِ الشّمْسِ...
    تعضُّ شَفتها السّفلى وَترْضخُ لِرغباتي كلّها، وتؤكدُ لي :
    -كأَنكَ الآن شخصٌ آخرٌ، مزدحمٌ بالحياةِ، وَشفتيكَ كنزُ الشّهوةِ...لاترحلْ ... مابكَ ؟!!!
    -لاشيءْ هيَ ناري تراوُدُني كأَفْعى تتراجعُ أمامَ عصاةِ وجعي ، وتحاوُلُ أنْ تَهربَ من بين أَصابعي ، لتنحشرَ في شقٍ صخريٍ، كما تراجعت أمام عصاة خالد بن سنان...
    تشدُّهُ الأُنثى بلهفةٍ وخوفٍ ونشيجٌ مكتومٌ يصدرُ عنها:
    - عميقاً أكثرْ ... بعنفٍ...بعنفْ...
    يغيبُ الاثنان عن واقعٍ ينزُّ قيْحاً ، لمْ يكنْ في هذا اليباب منْ حقيقةٍ يمكنُ احْتمالَها سوى هذا الالْتحام ، وبعضٌ منْ تنهداتٍ بلتمعُ في شروخِها صراخُ شهوةٍ مكتومْ، كانتْ تَتَمدّدُ كحقولِ القمحِ تحتَ ثِقَلِهِ الخجولِ، وراحَ يرْتادَها كما تفعلُ الرّيحُ ، وعلى طولِ المسافةِ بينَ دمشقَ وبغدادَ كان يعبرُ دربَ رحلتهِ تحتَ ظلالِ الأَشجارِ الرّطبةِِ، والشمسُ تلمعُ في عينيهِ كالدّنانيرِ الذهبيةِ، وجدولُ شهوةٍ لزجٍ وأَبْيضَ يتدفقُ في شقِّها يعيدُ لتربتِها حكاياتَ تاريخٍ مسرفٍ في الشغفِ والنّزقِ..

    هامش: خالد بن سنان النبي الذي ضيّعهُ قومه ويحكى أن ناراً اندلعت من الأرض في حرة، فقرر ابن سنان أن يطفئها، فأخذ عصاه وتبعها يضربها، حتى زحمها في بئر أو شق في صخرة، ودخل معها...الخ من كتاب عبادة إيزيس وأوزوريس في مكة الجاهلية (زكريا أحمد)


يعمل...
X