إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فن العمارة الداخلية أو «الديكور» من فروع الفنون التشكيلية المتماهي - د.محمود شاهين..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فن العمارة الداخلية أو «الديكور» من فروع الفنون التشكيلية المتماهي - د.محمود شاهين..


    فن ترتيب الحياة وتجميلها


    د.محمود شاهين

    يُعتبر فن العمارة الداخلية أو «الديكور» كما شاع بين الناس، واحداً من فروع الفنون التشكيلية المتماهي مع فن العمارة والتصميم ومع الفنون التطبيقيَّة،

    ‏‏ ذلك لأن الجوانب العملية فيه بارزة ومسيطرة وترتبط ارتباطاً وثيقاً، بمواد وخامات أصبحت لصيقةً به، وضرورية لاكتمال عناصر ومقومات نجاحه.‏‏
    بدأت نزعة ترتيب وتزيين وتجميل المكان الذي يمضي فيه الإنسان جل وقته، في وقت مبكر من تاريخ الحضارة الإنسانية. وككل الحاجات الماديّة والجماليّة الأخرى، ولد هذا الفن بسيطاً مقتصراً على عناصر محددة من الخشب، والطين، والقماش، والنباتات، وبعض الرسوم والزخارف على جدران البيت الداخليّة والخارجيّة، ثم تطور فن العمارة الداخلية ليطول مواد وخامات جديدة و كثيرة منها: المعادن المختلفة، الزجاج، البلاستيك، الجبس،‏‏

    ‏‏ الاسمنت، الحجر والرخام، النسيج بأشكاله المختلفة... الخ. كما شمل هذا التطور، عناصر جديدة وهامة هي الإضاءة، ومناهل المياه، والأثاث، والأثر الفني التشكيلي والتطبيقي والحرفي. وهذه العناصر باتت هامة وضروريَة لنجاح عملية تنظيم وترتيب وتجميل المكان الذي يمارس فيه الإنسان حياته اليوميّة، والذي اقتصر في بداية انطلاق الإنسان في مدارج الحضارة، على مسكنه، ثم تطور ليطول مكان عمله وتسليته وعبادته، ووسائل نقله المختلفة، وصولاً إلى الشارع فالحي فالمدينة، إذ باتت عملية تنظيم المدن وتجميلها، من أبرز مؤشرات الرقي والتحضر للأمم والشعوب.‏‏
    عملية يقودها الفن‏‏
    --------------------------‏‏
    العمارة الداخلية أو «الديكور» إذاً: فن بصري تتماهى فيه جملة من الفنون، بينها العمارة، والفن التشكيلي والتطبيقي، والحرف والصناعات اليدوية والآليّة، والإضاءة، والزراعة، ومناهل الميـاه.. وغيرها، وهو فن نشأ وترعرع في حقول الفنون التشكيليّة التي كانت ولا تزال، أهم وسائل تطور الذائقة الجماليّة لدى الإنسان، وتالياً أهم وسائل تربيته جمالياً، عبر مراحل حياته المختلفة.‏‏
    هذه العملية المتكاملة لتربية الإنسان جمالياً، باتت اليوم، متشعبة ومتداخلة، تساهم فيها فنون بصريّة وسمعيّة عديدة، لكن بشكلٍ عام، يؤسس لها ويقودها، الفن التشكيلي بكافة ضروبه وأجناسه، إضافة إلى الفن التطبيقي وبعض الحرف والمشغولات الحاضنة لقيم فنيّة رفيعة، وجماليات بصريّة، تُطرب العين، وتُريح الإحساس، وتُطلق الروح في فضاءات الحرية التي وحدها تقدم أسباباً دائمة للإنسان، من أجل الحياة وحب الحياة!!‏‏

    ‏‏ عملية متكاملة‏‏
    ---------------------‏‏
    مع النهوض الكبير والمتعاظم لحركة تطور الإنسان على كافة الصعد، توفرت أمام الفنان التشكيلي والتطبيقي، مواد وخامات ووسائل عديدة، أسعفته في التعبير، عن جماليات الحياة والإنسان التي اختزلها في لمسة فنيّة أصبحت تطل من كل مكانٍ طاله الفن، لتصافح العيون والأحاسيس، بدءاً من المنزل، وانتهاءً بالسوق والمطعم ودور السينما والمكتبات والمؤسسات والمنتوج الصناعي والفكري والإعلامي والإعلاني...إلخ.‏‏
    مع ذلك، ما زال للأثر الفني التشكيلي والتطبيقي المفرد، دوره الأساسي في عملية الترتيب والتنظيم والتجميل التي اختصرتها في حياتنا المعاصرة عبارة «ديكور». فما هو هذا الأثر؟ وكيف نستخدمه في «الديكور» الحديث، دون الإخلال بحالة التوافق والانسجام التي تعتبر من أبرز سمات ومقومات «الديكور» الناجح شكلاً ومضموناً؟‏‏

    الأثر الفني وأنواعه‏‏
    --------------------------------‏‏
    تتفرع الفنون التشكيلية التي هي فرع من فروع الفنون الجميلة، إلى جملة من النشاطات الإبداعية أبرزها: الرسم والتصوير، النحت، الحفر المطبوع، الملصقات.. وغيرها. أما الفنون التطبيقية فتشمل: التصوير الضوئي، الخزف، الخط العربي، الزجاج المعشق، الزخرفة بأنواعها.. وغيرها. وتشمل الحرف والصناعات اليدويّة والتحف، العديد من المشغولات التي تتعانق فيها القيمة الاستعمالية والقيمة الفنيّة الجمالية.‏‏
    هذه الأعمال الفنيّة الإبداعيّة والحرفيّة، باتت من مستلزمات «الديكور» الحديث، وعنصر أساس من عناصره، بغض النظر عما إذا كان هذا العمل أصلياً أم مُستنسخاً، فنياً أم تجارياً، إذ إن لهذا الأمر علاقة بالامكانات المادية للإنسان، حيث تصعب على ذوي الدخل المحدود، الفوز بعمل فني أصلي، لغلاء سعره، مما يدفعهم للبحث عن البديل في صورة مطبوعة، أو نسخة مكرورة.‏‏

    ‏‏ والأثر الفني هذا، مسطحاً كان «لوحة، محفورة، صورة، ملصق» أو مجسماً «منحوتة، قطعة خزف» أو مشغولة يدويّة وصناعيّة «مزهرية، سجادة جدارية، شمعدان، جرة، صندوق للحلي أو للثياب أو للعطور.. إلخ».‏‏
    هنا وهناك، يجب دراسة الموقع الذي سيوضع فيه الأثر الفني: مساحة وفراغاً وألواناً ووظيفةً، وبالتالي يجب إنزال هذا العمل في المكان المناسب، بحيث لا يُشّكل وجوده فوق الجدار أو في الفراغ، أيَ نوع من النشاز، أو الإقحام، أو الإعاقة في استخدام المرفق الموجود فيه. والإعاقة هنا قد تكون حجميّة، تربك الاستخدام اليومي للمرفق، وقد تكون بصريّة، لا تنسجم لا لوناً ولا حجماً ولا مضموناً مع محيطها الموجودة فيه، وطبيعة الوظيفة المناطة بالمكان الحاضن لهذا المحيط.‏‏
    فغرفة النوم، تتطلب أعمالاً فنية تختلف عن غرفة المعيشة أو الصالون أو المطبخ أو غرفة الزوار، أو المكتب، أو المؤسسة. وموجودات غرفة نوم الزوجين من الأعمال الفنيّة، تختلف عن موجودات غرفة الأطفال واليافعين، كذلك الأمر بالنسبة لأمكنة العمل والتسلية والخدمات المختلفة. إذ أن عيادة الطبيب، تستدعي وجود لوحات ومجسمات فنية مختلفة عما يستدعيه مكتب مقاول، أو محامٍ أو صاحب شركة، أو موظف، أو مدرس.‏‏
    وما يحتاجه المطعم من أعمال فنيّة، يختلف عما تحتاجه المكتبة، أو المؤسسة، أو قاعة الانتظار في المحطات والمطارات. وحتى المحال التجاريّة، يجب دراسة وظيفتها ونوعها، ورفدها بالمناسب من الأعمال الفنية، التي يجب أن تتكامل معها شكلاً ومضموناً وحجماً.‏‏

    ‏‏ انسجام وتوافق‏‏
    ----------------------‏‏
    حالة الانسجام والتوافق، بين الأثر الفني المجسم والمسطح ومحيطه، لا تقتصر على الشكل والمضمون والحجم فقط، بل يجب أن تطول المادة والخامة واللون، سواء تلك الموجودة في الأعمال الفنية، أم في المكان أو المحيط المقترح لاحتضانها. فاللوحة المنفذة من الألوان المائيـة‏‏
    الشفيفة، تحتاج لمكان بسيط وهادئ، يُبرز ألوانها الرقيقة ويؤكدها، خلاف الألوان الزيتية القوية، أو ألوان الاكريليك. ولوحة انطباعيّة، غنية بالتمتمات اللونية الواهية، تختلف عن لوحة وحشية، حادة وصريحة الألوان، قوية الخطوط. كذلك الأمر بالنسبة للمحفورة المطبوعة، والملصق، والصورة الضوئية.‏‏
    الأمر نفسه ينسحب على المنحوتة والمشغولة اليدويّة، فالتمثال المنفذ من البرونز غير التمثال المصنوع من الرخام أو الحجر أو الإسمنت أو الخشب أو البوليستر. فلكل خامة ومادة، متطلباتها وشروطها، ولكل منحوتة مستلزمات عرض مناسبة. فتمثال البرونز يتوافق وينسجم مع الرخام أكثر من انسجامه مع الخشب، وتمثال الخشب أكثر توافقاً مع الأشياء المنفذة من الخشب أو الحديد. والفراغ الذي تحتاجه منحوتة مصمطة وثقيلة، يختلف عما تحتاجه المنحوتة الرشيقة المليئة بالفراغات. فالمنحوتة تتقزم قيمتها الفنية والتعبيرية، إن لم تحصل على حاجتها من الفراغ المحيط، وتوضع فوق القاعدة القادرة على إبرازها والانسجام معها. كذلك الأمر مع اللوحة والمحفورة والصورة الضوئية والملصق والسجادة الجداريّة، وغير ذلك من العناصر والأشكال والرموز واللمسات الفنيّة التزيينيّة التي تأخذ طريقها إلى جدار، أو زاوية، أو باب، أو ركن في مكتبة، أو طاولة، أو درج، أو حاجز تزيني.‏‏

    ‏‏ بمعنى أخر، يجب دراسة الأثر الفني كمضمون وحجم وشكل ولون وتعبير، ومن ثم البحث له عن المكان المناسب، بين عناصر ومقومات الديكور، بحيث يتحول إلى جزء مكمل ومنسجم معه، ومع الوظيفة المناطة بالمكان الحاضن له، استعماليّة خدميّة كانت، أم تعبيريّة وجماليّة وتزيينيّة، تماماً كما هو الحال في «السمفونيات» التي تؤديها مجموعة متباينة من الآلات الموسيقيّة التي تصدر أصواتاً مختلفة: النوع والإيقاع، الشدة والخفوت، الرقة والقسوة، الهدوء، والصخب، الحنو والنفور، غير أن «المايسترو» يقودها ببراعة بين منعرجات هذه التباينات، خالقاً حالة جميلة ومعبرة، من التآلف والتوافق والانسجام، وهو الدور الذي يجب أن يلعبه الفنان التشكيلي مصمم «الديكور» إذا كان حقاً يطمح إلى ترتيب الحياة وتجميلها، وتالياً، خلق أسباب دائمة لحبها والتعلق بها!!‏‏
يعمل...
X