إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الراحل رياض صالح الحسين:شاعر بسيط كالماء.. واضح كالشمس ..كتب للمرأة ولوطن جميل ولوجوه طيبة ولأجساد تتألم..خالد سميسم .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الراحل رياض صالح الحسين:شاعر بسيط كالماء.. واضح كالشمس ..كتب للمرأة ولوطن جميل ولوجوه طيبة ولأجساد تتألم..خالد سميسم .



    الشاعر الراحل

    رياض صالح الحسين

    بسيط؛ كالماء.. واضح كطلقة مسدس


    خالد سميسم




    على الأرصفة الباردة مشى وغنى لامرأة جميلة، ومن (غرفة صغيرة وضيقة) قال لها تعالي.. كتب لوطن جميل ولوجوه طيبة ولأجساد تتألم، تحت المطر رقص وصرخ وحلم ببلاد تتسع لحلمه، فسقط في «حضن حبيبته شمسا باردة، هواء مختنقاً، جسدا مسكونا بالجوع مُصفّدا بالحبر والأحذية..» لم تسعه الدنيا فكيف قبر صغير وبارد؟..
    كتب له قبل رحيله: ‏
    «بريشة من العظام ‏
    وحبر من الطمي ‏
    يكتب على جدران قبره ‏
    قصائد وروايات وقصصاً ‏
    قصائد عن الحب ‏
    وروايات عن القرى والمدن ‏
    وقصصاً عن الأرنب والعجول ‏
    إنه يكتب منذ أن مات ‏
    يكتب رغم أن أحداً لا يقرأ ما يكتبه ‏
    يكتب دونما توقف ‏
    يكتب برغبة، باندفاع ‏
    لا يفعل شيئاً سوى الكتابة ‏
    يكتبُ ‏
    ربما ‏
    لأن الكتابة فعل حياة». ‏
    ہہہ ‏
    عائلته من مدينة مارع شمال حلب، غير أنه ولد في مدينة درعا لأب موظف عام 1953 ثم انتقل مع عائلته إلى القنيطرة ثم إلى حلب التي عمل فيها لفترة قصيرة في معمل الشركة الأهلية للغزل وبسبب مرضه ترك الشركة، وعمل في مؤسسة الأمالي الجامعية في حلب، غادر بعد ذلك إلى دمشق وعمل في مكتب الدراسات الفلسطينية حتى وفاته. ‏
    في يوم 21/11/1982 طالعنا في صحيفة تشرين، ومن على صفحتها الأخيرة، خبراً يقول: «توفي في الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم أمس السبت الشاعر الشاب رياض صالح الحسين في مستشفى المواساة في دمشق عن عمر يناهز الثامنة والعشرين عاماً..»
    ‏ كيف بدت اهتماماته بالكتابة، وكيف عاش تلك السنين القصيرة في صراع ما بين الموت والحياة؟ أسئلة طرحت على عائلته وبعض أصدقائه، شهادات سمعناها وقرأناها في ما كتب عنه في ذلك اليوم 20/11 حين رحل عنّا. ‏
    استمد من الواقع مادته ومصطلحاته، فخيم الحزن حينا أو الأمل أحيانا وربما بعض من حياة جميلة عاشها أو حلم بها؟ فهو عاشق مرهف، حساس واضح وعميق، قصيدته مازالت تشبهنا أو تشبه واقعنا، ولا يمكن أن تكون إلا له. ‏
    يخبرنا «أكرم» الأخ الأصغر لرياض مستذكراً أيامه معه قائلاً: «عندما كان عمر رياض حوالي تسع سنوات أصيب بمرض لم يعرف أسبابه ولكن ثبت فيما بعد أنه مصاب بمرض في الكليتين، وعولج بداية في مشافي دمشق نحو عام 1963 وعلى أثر ذلك فقد نسبة عالية من سمعه، ورغم كل الاهتمام لم يستفد كثيراً من العلاج، وبدأ يعاني من الهزال وفقدان الحركة أي بمعنى التعب، وأذكر عندما كان عمره نحو 15 عاماً سافر الى تشيكوسلوفاكيا في ذلك الحين على حساب الجيش السوري باعتبار أن والدي كان متطوعاً في الجيش، وأجري له في هذا البلد أكثر من عملية لاستعادة عمل الكليتين وأعتقد أنه لم يتحسن وحينئذ ذكر الأطباء لوالدي أن العمر الافتراضي لكليتيه ينتهي بعد حوالي عشر سنوات». ‏
    رغم المرض الذي أثر سلباً على مجمل تفاصيل حياته، لم يجد رياض إلا في القراءة والكتابة حياة تعطيه دفقة الأمل، ليشكل كلمات وقصائد رغم ا لحزن الذي غطاها، كانت تقول لنا إن رياض مازال حيا ويحب الحياة». ‏
    يقول أكرم: «بعد عودته من تشيكوسلوفاكيا وتحسن جسده بشكل تدريجي وطبعاً السفر والمرض أديا إلى انقطاعه عن الدراسة، بدأ يبحث عن شيء يقرؤه وبدت محبته للمطالعة وللكتابة تظهر في تلك الفترة وكأنه يريد أن يقول، إني سأعيش رغم كل شيء، وبدأ يراسل بعض الصحف والدوريات الثقافية وكانت البداية في مدينة حلب في حي الصاخور بعد أن انتقلنا إلى تلك المدينة من دمشق، في هذه الفترة توظف رياض في الجامعة كعامل على الآلة الكاتبة، وبعد فترة ترك العمل، وأذكر تماماً أن والدي كان يعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وكان رياض يشعر بالمسؤولية تجاه الأسرة، أذكر أن والدي كان يردد على رياض ماذا ستنفعك الكتابة أو شراء الكتب والجريدة (كلها حكي فاضي لا تطعم خبزاً) وكان رياض يرد بهدوء سيأتي يوماً «أطعمكم مما أكتب»، بعد سنوات عرف رياض بالوسط الثقافي وكان كثيراً ما يختلف مع والدي عندما يقرأ له من شعره ويقول له والدي إن الذي تكتبه ليس بشعر فنحن نعرف الشعر القديم والمحكي وكل الذي تكتبه مستورد مثل الشعر الأجنبي، ويحاول رياض أن يشرح لوالدي وجهة نظره ولكن لا فائدة. في هذه الفترة بدأت بعض الجرائد تنشر لرياض، واضطر رياض للانتقال إلى دمشق وأقام في منزل أخيه حسن في حي القابون، وبعد ذلك أقام في شارع بغداد في حي الأزبكية في شقة خاصة به، وأذكر أنه انتسب لاتحاد الكتاب العرب، وبعد هذه المرحلة انتقلت العائلة من حلب إلى دمشق، وراح رياض يتردد إلى منزل العائلة مرة كل أسبوع». ‏
    رغم المرض الذي لازمه لم يكن خمولاً، بل كان يشعر بالأشياء من حوله، ويشعر بنبض الحياة الجميل. ‏
    فيضيف أكرم «رياض كان يحب الضحك والمزاح وكان يرقص عندما يشعر أننا نسمع الموسيقا، وكان يردد الأغاني التي يعرفها قبل أن يفقد السمع، مثل أغنية لفهد بلان أو لفيروز، وأذكر أنه بعد أن طبع أول ديوان له جاء الى المنزل وفي يديه طعام ولباس لوالدي وربطة خبز وخاطب والده قائلاً: قلت لي مرة أن الشعر لا يطعم خبزاً، هذا الخبز من الشعر وأذكر أن والدي غيّر رأيه في شعر رياض. ورغم أنه أصبح لرياض دخل مادي لا بأس به ولكن كان يصرف كل ما يملكه على العائلة وأصدقائه وكانت النقود حين تكون معه لا تعني له شيئاً». ‏
    لم يكن رياض صالح الحسين بعيداً عن الهم العام، فكثير ما يبدي اهتمامه بالفقراء، وكذلك لم يبتعد عن الشأن السياسي، فكتب عنه، ويقال إنه عندما وقع الرئيس أنور السادات اتفاقيات كامب ديفيد مع «إسرائيل» وضع رياض السيجارة على سطح إبهامه اليسرى حتى أحرقها وبدا حزيناً وظلت هذه العلامة مرافقة له حتى وفاته، كان يتحدث كثيراً عن المواطن الفقير والمعدم. ‏

    يحب الركض تحت المطر ‏
    الفنانة «غادة صالح الحسين» أخته الأصغر منه تتذكره كثيراً في الشتاء فتقول: «عندما أمشي في شوارع دمشق ويكون الفصل شتاء ينتابني إحساس بأني سأرى رياض يمشي، يرتدي معطفه ومعه بعض الكتب والجرائد والنبيذ وشعره مبلل بماء المطر، ليقول لي: تعالي نركض، كما عادته عندما كنت أخرج معه، وأتذكر أيضاً أنه عندما كان يزورنا في البيت أقصد بيت العائلة يضفي على البيت أجواء الفرح فالجميع بشوق له ولأحاديثه، ولاسيما عندما نشكو له من تصرف سلبي من أخوتي الكبار أو من أحد في الحي ويعطينا الحل ويبين الأسباب. رياض رغم كل معاناته من المرض كان يحب الحياة بكل ألوانها، وحقيقة كلما شاهدت موقفاً غير حضاري أذكر رياض عندما يقول: «تخلف.. ولكن المستقبل ليس لهؤلاء المتخلفين». ‏
    تتدخل في حديثنا «نوف» أخت رياض الأكبرمنه.. دعوني أشارك معكم فأنا عندي ما أحدثكم به عن صديق وأخ فقدناه تقول: «كان رياض مختلفاً بأفكاره عن كل المحيطين به وأقصد العائلة، فكان يتفهمنا إلى أبعد حدود وكنا نحكي له قصصنا ومشكلاتنا دون أن نتجرأ بطرحها على أحد غيره في المنزل، وأذكر أننا عندما كنا صغاراً كان أبي *رحمه الله* يعطينا تعليمات بعدم إشعال ضوء الكهرباء بعد الساعة التاسعة ليلاً، وكان رياض يضيء شمعة، وحتى لا يسمع أبي أصواتنا وأحاديثنا ولاسيما أن رياض كان أصمّ، كان يطلب منا إذا أردنا أن نقول له شيئاً أن نكتب على قدمه ليقرأ ثم يعطينا جوابه بصوت منخفض، وفي هذا الجو كان رياض يكتب أيضاً على ضوء الشمعة وكثيراً ما نصحو صباحاً لنجد حول فراشه الكثير من الأوراق المبعثرة والكتب، كان يعلمنا القراءة والكتابة، والقواعد رغم أنه لم يكمل تعليمه، وعندما كنا في مدينة حلب في حي بعيد نسبياً عن مركز المدينة كان هناك تقليد عند رياض وهو جلب الصحف من المدينة، وكثيراً ما كنت أشاهده في الصيف خالعاً قميصه من الحر والعرق يتصبب منه فتسأله أمي عن السبب فيخبرنا أنه لا يملك نقوداً ليدفع أجرة الطريق لأنه اشترى بكل مصروفه صحفاً ومجلات.. ‏

    بعد وفاته جلب لنا الخياط «طقم» زواجه ‏
    أما (مها) أخته الكبرى فقد حدثتنا عن عناده وعن كبريائه وعن حبه للحرية في كل تفاصيل الحياة التي عاشها. ‏
    تستذكر قائلة: «بعد زواجي زارني رياض في منزلي، وعندما تجاذبنا أطراف الحديث طلب مني إعداد القهوة، ولم يكن رياض يطلب بصيغة الأمر بل كان يسألني إذا ما كنت أرغب في تناول القهوة معه، فأعرف أن لديه الرغبة في تناول فنجان القهوة، ومن خلال الحديث الذي دار بيني وبينه، قال لي: لماذا تعيشين؟ أخبرته من أجل زوجي وأولادي وبيتي؟ ردد قائلاً أعرف ذلك ولكن ماذا تريدين من هذه الحياة، هل الخلفة والأولاد؟ ‏
    لماذا تدفنين نفسك، فيجب أن تعملي وتلتقي بالناس، فالجلوس في البيت مثل الموت البطيء، سألته حينئذ ماذا عن كتاباته الجديدة، فأخبرني أنه كتب قصيدة بعنوان: «الوردة السوداء» فضحكت وقلت له لا يوجد وردة سوداء.. فأجاب متهكما: نعم يوجد لأنه يوجد أناس لا يعرفون معنى الوردة مثلك فهي عندهم سوداء.. ضحكنا وبالفعل قرأ تلك القصيدة ولكني لم أرها في مجموعاته التي طبعت وهذا الكلام قبل وفاته بحوالي أربعة أشهر». ‏
    وتضيف مها: «بعد فترة قصيرة كنت قد رزقت بطفلتي الأولى وسميتها أمل، فكتب لها قصيدة تحمل اسمها ونشرها في مجلة أسامة في ذلك الحين، وفي هذه الزيارة بعد أن قرأ قصيدة لطفلتي طلب مني أن نذهب إلى البحر طبعاً لأني كنت أسكن في مدينةاللاذقية، فأخبرته بأني كرهت البحر فقال: أريد أن أذهب إلى البحر لأغسل قلبي، لأن كل شيء من حولي مؤلم، لذلك أحتاج كل فترة إلى غسيل القلب هذا، وعندما سمعت رغبته رافقته إلى البحر وتناولنا القهوة في مساء ذلك اليوم». ‏
    وحسب مها أيضاً: «كان رياض يحب جلسات النساء، وكان إذا ما أعجبته واحدة من حيث شكلها وجمالها، فيفهم كلماتها من حركة الشفاه لأنه كان أصم، كما تعرفون، وإذا ما حدثته وعرف أنها غير مثقفة أو غبية، مهما كانت جميلة لا تعجبه، ورغم أن الجميع من حوله كانوا يحبونه، إلا أنه أحب أمرأة عراقية اسمها هيفاء أحمد، وخطبها وكانا سيتزوجان، وحدثني أنه وضع طقم عرسه عند الخياط ليكمله له، وهذا الكلام قبل ثلاثة أشهر من وفاته لكنه تعب فجأة ورحل عنا، وبعد أن دفناه بأيام جاء إلى بيتنا الخياط، ليعطينا طقم عرسه الذي لم يره جاهزاً». ‏
    الجميع كان يعرف تفاصيل حياته وذلك الألم الذي يبوح به ما بين فترة وأخرى، حتى أن أشعاره تنبئنا أنه عاش أيامه تحت وطأة التهديد بالموت في أية لحظة، حسب الشاعر صقر عليشي، الذي شرح لنا: «تحت هذه الوطأة كتب الأشعار مستعجلاً.. متدفقاً، ليس لديه الوقت ليلتفت إلى الوراء، كان كل همه أن يفرغ ما أمكنه من ألوان مخيلته على هذا الفضاء قبل أن يلمّ جناحيه ويتوسد حجراً وينام: ‏
    «كان وقتاً جميلاً جميلاً ‏
    وضفة ورمال، ومشنقة تتدلى ‏
    وشاخصة: (سيدي، لن تعيش) ‏
    كانت الأرض عرساً بسيطاً ‏
    وها جثتي في يدي كحبة توت ‏
    وبحارة ينشدون: ‏
    لقد كنت قنبلة يا حبيبي ‏
    تفجرني، وتموت» ‏
    (خراب الدورة الدموية) ‏
    أحببت أن أورد له هذا المقطع من شعر التفعيلة لأن الأغلبية إن لم أقل الأكثرية يعرفون أن رياض كتب قصيدة النثر فقط، وهو حقيقة كان يزاوج بين الشكلين، وظهر هذا في ديوانه الأول (خراب الدورة الدموية) وديوانه الأخير (وعل في الغابة). ‏
    ولم يكن مثل غيره ممن يتمتعون بجهل وحساسية ميتة تجاه الموسيقا والأوزان ويباهون بذلك». ‏
    ويشرح عليشي: «كتب رياض شعراً يمثل خير تمثيل تلك الفترة من بداية الثمانينيات، بأحلامها وتوقها الى مستقبل، أكثر عدالة وإنسانية، كتب شعراً مدافعاً عن المسحوقين والمعذبين، كتب هذا وغادرنا قبل أن تتكسر أحلامه ويشاهد الفجيعة والمأساة، وقبل أن يتسرب الملل والضجر إلى النفوس وتسيطر الخيبة على أغلبية جيله، نعم خسرنا مبكراً وبرحيله خسرنا شعراً جميلاً كان سيخطه يراعه المحلق، وخسرنا إنساناً نبيلاً.. نادراً». ‏
    ہہہ ‏
    فارق رياض الحياة في مشفى المواساة في دمشق، ولم يكن الرحيل بالنسبة لأصدقائه الكتّاب والشعراء والناس البسطاء إلا وداع هذا الشاعر إلى موطنه الصغير، فكان الغصن في التابوت حسب صديقه الشاعر فؤاد كحل الذي قال في ذلك الحين: ‏
    «وسدوا الشاعر في التابوت غصنا ذهبيا ‏
    وسدوه ‏
    غيمة زرقاء فرحاً في مقلتيا ‏
    قلبه ينبض في الشام ‏
    وعيناه إلى الشرق ‏
    وأحلامه فوق الموج ‏
    للعصف رجاء ‏
    وعلى جبهته يرقص عصفور ‏
    وتخضر سماء.. ‏

    ..... ‏
    وسدوه ‏
    غيمة خضراء ‏
    تهمي فرحا ‏
    كالأصدقاء ‏
    شعره ينبض في الروح سنى ‏
    كالورد ‏
    والغيم ‏
    وأسرار الدماء..» ‏
    رياض صالح الحسين، الاسم الثلاثي، لأنه كان متفرداً ولا يحب الازدواج إلا في الحب، بكلماته تلك عبر وليد إخلاصي في زاوية آفاق في صحيفة «تشرين» عام 1982 عن رحيل رياض، وتابع: «رياض صالح حسين الذي اليوم ضيف الموت رغما عن أنفه وشعره وتفاؤله وعشقه ووعوده لحبيبته أن يبقى لها حلما وشوقاً، رياض أكثر الفقراء نبضاً للشعر وبالشعر، وأكثر الشعراء قدرة على صنع الشعر من الفقر والحلم بقتل الفقر.. رياض الجدير بلقب صانع الشعر دون دراية، لم يكن يدري بأن المفردات العادية تجدل ضفائر الشاعرية كما المطر يستخلف من الأرض الموات زرعاً..» ‏
    ومن على المنبر ذاته «تشرين» وفي زاوية آفاق أيضاً كتب عام 1982 حسن م. يوسف عن صديقه رياض: «.. ليس هناك ما هو أمرّ من أن يدرك المرء متأخراً، وهو يواجه البقع المتصحرة التي يخلفها غياب الأصدقاء في حياته، أن نقطة واحدة من الوقت الذي أهدره، ربما كانت كافية لإنقاذ صداقة تظلل القلب وتخفف عنه وقع سياط ذلك «الأسف الدفين» لقد حاولت جهدي أن أتجنب ما أنا فيه الآن فقد تركت هويتي الشخصية مرهونة عند المدير المالي في مشفى المواساة منذ وفاة الصديق الشاعر رياض صالح الحسين، ولم أذهب لاستلامها إلا يوم الأربعاء الماضي.. كنت أعرف أنني سأجد رياض واقفاً على باب المستشفى، لم يكن يحمل كتباً ولم يعانقني كعادته. كان يعترض طريقي أنى توجهت فمررت عبره، وذهبت إلى مكتب المدير المالي حيث استلمت هويتي.. سرت قشعريرة في جسدي فسمعت رياض يهمس في أذني: «لا تشعر بالخجل لأنك رهنت هويتك الشخصية كتأمين على تابوتي. أنا فخور لأن جميع أصدقائي الذين رافقوني إلى قريتي لم يكن مع أي منهم مايكفي من النقود للتأمين على التابوت».. ‏
    شكل غيابه صدمة للكثير من أصدقائه ولاسيما بعد حضور قصيدته في الدوريات السورية في ذلك الحين، وبعد صدور مجموعته الأولى »خراب الدورة الدموية» قال في لقاء أجري معه عن بعض قصائده: «كل قصيدة عبارة عن مجموعة حالات لإنسان خاب أمله في المدن العربية والريف العربي؛ ولكن هذه الحالات يشدها خيط ما، عنصر فني ما، وحدة عضوية ما، وإلا أصبحت القصيدة مجرد كلام، بعضهم اعتبر القصائد نوعامن الفنتازيا كسعدي يوسف مثلا، ولكني لا أعتقد أن الفنتازيا تهمة، هناك فنتازيا واقعية، تذهب بعيداً في الحلم والخيال والمتناقضات لكنها لاتقطع صلتها بأرض الواقع، وهناك فنتازيا تجعل من الحلم والخيال والتناقض غاية بحد ذاتها فتفقد صلتها بما هو واقعي».. ‏
    بعد «خراب الدورة الدموية» أصدر رياض مجموعة جديدة بعنوان «أساطير يومية» ثم «بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس» وبعد وفاته طبعت وزارة الثقافة مجموعة له بعنوان «وعل في الغابة». ‏
    لقد تناول النقاد وحتى الشعراء شعره وكتاباته وآراءه في القصيدة الحديثة، ففي عام 1984 بعد وفاته بعامين كتب الباحث محمد جمال باروت تحت عنوان رياض صالح الحسين.. شعرية العلاقات.. الكتابة فعل حياة، في صحيفة البعث قال: «يندرج شعر رياض صالح الحسين في صميم البحث عن حساسية شعرية جديدة، تبحث عن دلالاتها خارج لغة الحلم والخطابة معاً. لقد دافع رياض عن تحرير التعبير الشعري من وثنية هذه اللغة، وإنتاج كتابة شعرية تجمع ما بين الرؤيا الشاملة للتاريخ والاهتمام باليومي، ما بين الكلي والتفاصيل، إذ إن الخطاب الشعري لدى رياض هو دوماً خطاب ينطلق من منظومة التفاصيل، والوقائع، والرغبات، والمشاعر، ليقول عبره مفاهيم، ومن هنا فإن تحسيس المفاهيم في شعر رياض يعتمد أساساً على الواقع والحياة فيها، حضور مباشر ومفاجئ في آن....» ‏





    Ajaj Salim‎‏ بمشاركة ‏صورة‏ ‏الشاعر الراحل "رياض صالح الحسين"‏.


    س ؟


    (1)

    كان اسمها: س
    تحب الماء

    و الرحيل في زورق إلى المدن الجميلة
    شعرها يتطاير مع الريح كالعصافير الخائفة
    و يداها زهرتان حول عنقي
    و كانت تحب غرفة صغيرة في قطار
    و كتابًا لرامبو تخبئه بين ملابسها الداخلية
    في حقيبة سوداء تحت السرير
    و كانت، أيضًا، تحب الأعياد و الأطفال
    و تكره الجواسيس و القتلة القانونيين
    كان اسمها: س
    ضفيرتان من أوراق البرتقال و الملمس الناعم
    تحب الرمل و القبلة
    و تحبني أيضًا:

    "حينما كنت صغيرًا كغرسة الحمص و أليفًا كالهرة
    سألتني سيارة هرمة
    بعد أن لطخت وجهي بالطين:
    بماذا ستغتسل في المستقبل؟
    آنئذٍ، فتحت الباب و دخلتْ "س"


    الشاعر الراحل "رياض صالح الحسين"
يعمل...
X