إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وليد عبد الرحيم ...تحولات جوهرية في الثقافة العربية..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وليد عبد الرحيم ...تحولات جوهرية في الثقافة العربية..

    تحولات جوهرية في الثقافة العربية

    وليد عبد الرحيم
    في تاريخ الشعوب سعيٌ دائم إلى التجديد والتطوير، يتخذ شكلا جذريا تارة وغالباً ما يبدو هادئأً" طبيعياً"
    ... ويشهد الوطن العربي اليوم فترة تحول جذري ثوري، تختلف ماهيته ومفرداته بين اقليم وآخر بحسب التجربة والبيئة الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، فقد ثبت بأن النمط الاقتصادي ينتج ثقافة متناسبة مع ايقاعه، كما تأكد بالتجربة اليومية أن المؤثرات والقيم الثقافية عامل مهم بدوره، وبالإمكان تحديد نقاط الاختلاف أو التمايز بين مجتمع عربي وآخر من خلال هذه المعطيات وببساطة مبدئية.
    لكن ثوابت عدة في الحياة العربية متفق عليها بغض النظر عن طبيعة وجوهر النظم السياسية والاقتصادية، أهمها وأبرزها التعاطي مع القضية القومية الكبرى التي اختصرت بفلسطين، ليس لحصر اهتمام مطلق بقدر ما هو إدراك لحجم وأهمية المسألة وشعاع تأثيراتها، التي أضحت معبراً عن عمق تراجيدي قل نظيره في التاريخ، كما إنها لم تعد مجرد قضية قومية أو سياسية، فقد اكتشف الإنسان العربي عمق تدخلها التأثيري في حياته اليومية وعلى كافة المستويات، بدءا من فحوى الاستقرار والكرامة وانتهاء برغيف الخبز إلى جانب سطوة الدكتاتوريات على رقبته باسمها، وهو في واقع الأمر إدراك لخطورة وسعة قضيته "الأولى" وانتباه متفاوت الأهمية بالنسبة لوجود دولة الكيان الصهيوني، لكنه ثابت من جهة المبدأ.
    لقد استيقظ الجيل الجديد على مفردات وعي تكرر طويلا على مسمعه، بشكل أدى إلى الوصول به نحو غابة ضياع حقيقي، تمثل في انتباهه إلى حجم كذب النظام العربي واستخدامه لقضيته، التي قالوا له مرارا بأنها قضية كبرى وأولى بالنسبة لهم فأودعوه السجن باسمها وسرقوا خيراته تحت عباءتها.
    رد فعل الجيل الجديد، كانت سخطاً على الشعار والخطاب وأهله، وإن تم التعبير عنه بمفردات هروبية بل وحتى شتائمية تعبر عن كراهية القضية ذاتها " شكلياً وانفعالياً" بل وأهلها الذين يقر الجميع بمظلوميتهم وإيجابيتهم وسعة ثقافتهم وطول نفسهم النضالي الثوري، لكنهم يسعون في الوقت ذاته إلى نبذ اكتراثهم به تجنباً للعقاب على أقل تقدير، مما شكل حالة نفور أفرزت تعبيرات غير محمودة، ليس تجاه القضية وحدها وإنما تجاه دولهم المتأقلمة القزمية ذاتها التي يحملون هويتها، حتى صار مفهوم الوطن المقزم ذاته وبفضل أنظمة الكرسي الواحد عرضة ً للتلاشي أو تبدل أولويات الحياة من العام إلى الفردي، ومن المهم إلى تفاصيل الحياة اليومية غير المكترثة بما يحيط به في الدائرة الأوسع، وهو الأمر الذي سعت إليه أجهزة الأنظمة، التي جهدت إلى حصر اهتمام المواطن بلقمة العيش و الجنس والنقدي المالي وبالتالي الرضوخ للاستعباد المطلق، مما أدى إلى نكوص بل وانهيار درجات السلم القيمي على حساب كل ما هو رفيع، بحيث كانت تجربة العراق -التي يدفع النظام العربي ثمن تواطئه عليه اليوم - تجربة فاصلة في كافة مناحي الحياة العربية سياسيا واقتصاديا، فقد انصاع الجميع بمن فيهم الصامت لرغبة العدو بتدمير طاقات بلد رفد العرب جميعهم بامكاناته منذ الاف السنين وحتى لحظة اسقاطه، فبدت القناعة عند المواطن العربي شديدة من ناحية أن العرب قرروا التخلف والخنوع للغربي وربما التلاشي كدول قزمية حتى ومجتمعات وتاريخ وثقافة
    القوى الدينية المعروفة، شاركت مع الأنظمة بالجريمة، لكنها تمتلك لغة التبرير الأقوى من ناحية بثها لخطاب ديني لا علاقة لها به في العمق، وإنما ورقة جوكر بديلة عن كارت فلسطين، فيما عمدت القوى اليسارية والقومية إلى التسويف والتبرير لحالها المزري واللا منطقي، فاستلهمت مبدئيا مفرداتها أسوة بمغتصبي الديني ومهدت لتلاشيها كأي نمط مكابر متكلس .
    كل ذلك دفع الشباب العربي من محيطه إلى خليجه، سواء ما بدا حتى الساعة أو لم يبد بعد، إلى محاولة إعادة صياغة الذات الثقافية التي تستند إلى التجربة القائمة ذاتها بمعزل عن الافكار والمقولات المحنطة، مما أطاح بكل المومياءات الجاثمة على الصدور، وهو ما أنجز الفعل الثوري غير الناضج الذي تشهده الساحات اليوم، والذي سهل اختراقه من قبل القوى المتمترسة خلف طموحاته، وعينها على الكرسي لا أكثر، لتحاول تجديد نفسها بما يتناسب مع النسخة الجديدة من الخديعه، ما أدى إلى استفادة العادي من الناس قبل النخبة من التجربة بسرعة فائقة هذه المرة، لتسود حالة من نكران كل شيء قائم، في انتظار الوصول إلى بر استقرار فكري ثقافي جديد يحمل معطيات و آلية تفكير جديدة.
    أولى ملامح هذه الآلية نبذ الشعار الرنان، والعملية الواقعية في استقراء الظواهر والحالات والقضايا والانتباه إلى أهمية الاقتصادي، مما ينتج توقا إلى الحرية والعدالة المفقودين في الحياة العربية برمتها، والذي هو سند بقاء الأنظمة، وبالتالي ظهر الصراخ بالطريقة التي شهدناها والذي بدا جنونيا في أصله وصداه وردة الفعل عليه، وهو سر اندلاع العنف بشكل لم يكن متوقعا، كما هو سر ابتكار الأحلام والأفكار المتجددة التي تظهر جليا في منطق وتعبيرات الجيل الشاب الذي صار يرفض تداول القضايا ذاتها الا ان حملت آلية وعبارات الجدية لا الاعلانية الفارغة والخطابية المكررة.
    كل ذلك سوف ينتج على الأرجح في النهاية، وعلى الرغم من مأساويته وصخب ما يجري حالة ايجابية تطويرية، أو هي قابلة للتطوير في أقل الأحوال، وهو ما يعترف به الجميع من كافة التيارات ومشاربها بحيث يبقى طموح التطوير والخروج من حالة العدم والتخلف والسكون المستقر الزائف إلى فضاء التأسيس الحضاري الحقيقي الذي ينشء مجتمعا مدنيا ودول قانون، وبالتالي نمطاً حياتياً اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ودينيا مختلفا، لا سيما وأن العرب جميعهم باتوا يدركون مدى خطورة التوقف عن التطور في هذه الأيام والتي أودت بأمة تمتلك كل مقومات التطور إلى الحضيض، بدءا بسوء استثمار النفط والغاز وانتهاء بهدر الطاقات والامكانات العلمية والثقافية وتراجع الفنون والآداب، أي ان سمات الانحطاط الحضاري تبدو أكثر وضوحا عند العرب اليوم من أي مكان في العالم على الرغم من توفر كافة الامكانات كي لا نكون كذلك وهو ما يتم تحميل وزره للأنظمة، وهذا أمر مشروع، لكن النخبة العلمية والثقافية والدينية تتحمل جزءاً مهماً من المسؤولية ايضا، لكونها لم تراع حقيقة أهمية دورها فانخرطت أيضا في قافلة تعزيز الواقع المتخلف غير الديموقراطي، لا بل ساهم العديد من رموزها المهمة في تكريس مؤسسات التخلف والفساد والدكتاتورية بحجة لقمة العيش أو ما شابه.
    تبدو اليوم المجتمعات العربية بكافة تلاوينها، صاخبها وهادئها، في مرحلة ما قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة على صعيد الدولة والمجتمع والمفاهيم كافة لكن الفريد انه على الرغم من وجود الرغبة والقناعة لم تتم صياغة فكر أو على الاقل الية فكر جديد، فهي تبدو متخبطة حتى اللحظة، صحيح ان سمتها الرفض، لكنها لم تؤسس للمرحلة الجديدة" الدولة المدنية الديموقراطية" بل سمحت لقوى ظلامية- كما جرى في مصر- باستلام السلطة، وعادت وسمحت لقوى الدكتاتورية العسكرية بالتصرف كسلطة مطلقة، وهو أمر يعود إلى عدم رسم سمات واضحة للمرحلة المقبلة، مما يدفع للتخوف صراحة من استبدال أشكال الحياة ومفرداتها الثقافية لا جوهرها وهو أمر خطير يعيد كرة التاريخ إلى الانتقال من الاموي إلى العباسي، لا من الجاهلية إلى الاسلام الذي شكل مرحلة تغيير شاملة وحيدة في البنية الثقافية في تاريخ العرب، حيث خلق الاسلام حياة مختلفة بكل المعاني، وهو الأمر الذي يفترض حدوثه اليوم، فإن لم يكن التغيير ايجابياً حضاريا شاملا، سنعود إلى مستوى الجهل المتأصل تاريخياً، وهو الأمر الذي يبدو مخيفا في ظل التضحيات والدمار الذي كان ثمنا لمحاولة ادراك الخلل القائم، ويتطلب أولاً ماكينة ثقافية مختلفة ومفردات حياة متطورة، هل يبدو ذلك، في الواقع هو يبدو ويختفي، لكنه بالضرورة سيكون ايجابيا في النهاية من حيث تعميق التجربة والنزوح عن آلية العقل النفاقي أولاً، فقد اتضحت ساعات الحقيقة، شئنا أم أبينا وعلينا إدراك ذلك جميعا خصوصا النخبة الثقافية التي تبدو نائمة ومهددة بالتلاشي تحت ضربات ايقاع الحداثة !،
يعمل...
X