إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدكتور محمد جلوب الفرحان - مدرسة فرانكفورت النقدية واتجاهاتها الفكرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدكتور محمد جلوب الفرحان - مدرسة فرانكفورت النقدية واتجاهاتها الفكرية


    مدرسة فرانكفورت النقدية واتجاهاتها الفكرية


    Frankfurt School : The Tendencies of Its Theorists

    Dr. Mohamad Farhan, Philosopher

    الفيلسوف / محب الحكمة

    الدكتور محمد جلوب الفرحان

    رئيس تحرير مجلة أوراق فلسفية جديدة

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
    هذا هو الفصل الثاني من كتابناالجديد : الفكر الالماني المعاصر ، وقد نشر الفصل الاول على صفحات الموقع في شهر اذار ، وكان بعنوان : الاشكال الفلسفي في فكر هابرمس .

    الفيلسوف

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ

    من الثابت القار في دوائر الفكر الالماني في القرن العشرين ، الحقيقة القائلة :

    “بعد الحرب العالمية الثانية ، شكل مجموعة من الماركسين الذين قطعوا صلتهم بالماركسية الارثوذوكسية ، تجمعا لهم عرف بأسم ” مدرسة فرانكفورت ” . واضافة الى الاثر الماركسي : كانت هناك اثارا عميقة في مشاريعهم الفكرية ، خصوصا لكل من عالم النفس سيجموند فرويد (1939 – 1856) ونظرياته في التحليل النفسي وعالم الاجتماع ماكس فايبر (1920 – 1864) .. “

    تقديم:

    يجمع الدارسون الاكاديميون في الغرب ، وبالطبع كاتب السطور واحد منهم ، على ان مدرسة فرانكفورت النقدية ، هي مدرسة ماركسية جديدة ، ونظرية اجتماعية متعددة الاختصاصات . وخصوصا عندما ارتبطت بالمعهد الاجتماعي التابع لجامعة فرانكفورت . وأخالف هنا مجمل الكتابات التي تسارعت وأطلقت عجالة على المدرسة أصطلاح ” مدرسة فلسفية ” ، وعلى منظري المدرسة أصطلاح ” فلاسفة ” . فمدرسة فرانكفورت ليست مدرسة فلسفية ، وأن منظريها ليسوا فلاسفة . ولعل المتعجلون من الكتاب يؤكدون على أنها ” مدرسة ماركسية جديدة ، ونظرية اجتماعية متعددة الاختصاصات “. وهذا حق ليس عليه خلاف . وان الاشكال في بعض الكتابات ، انها تستخدم بعض الحدود والالفاظ جزافا ، دون ضبط لمعانيها ودلالاتها . ولعل من الحدود التي تعرضت الى الانتهاك في هذا المجال ، أصطلاح ” الفلسفة ” و ” الفلاسفة ” . ولهذا نشعر ان مسؤلية التخصص الاكاديمي ، والغيرة الفلسفية يحفزانني على الدفاع عن الفلسفة مهنة واصطلاحا ..

    فبعد أكثر من أربعين عاما من دراسة الفلسفة أكاديميا ، وسبر أغوارها في رسالتي للماجستير ، وأطروحتي للدكتوراه ، وأنجاز العشرات من الكتب الفلسفية ، ونشر العديد من الابحاث الفلسفية التي غطت ساحة واسعة من مجالات الفكر الفلسفي . وبالتحديد في الانطولوجيات ، الابستمولوجيات ، وخصوصا المنطقيات ، والاكسيولوجيات ومن ثم في أبستمولوجيات العلوم . أتساءل :

    ما رصيد مدرسة فرانكفورت في مجال الانطولوجيات ؟ ومامقدار مساهمتها في تطوير البحث الابستمولوجي ؟ وهل أشتغلت في ميدان المنطقيات ؟ وما موقفها من المنطق ثنائي القيم ؟ وهل تدارست منطق ثلاثي القيم ؟ وما رأيها في المنطق متعدد القيم ؟ وهل عرفت منطق الموديلات ؟ وما مكانة مدرسة فرانكفورت في تاريخ الاكسيولوجيات ؟ وأخيرا : ما مشاريع مدرسة فرانكفورت في مضمار أبستمولوجيات العلوم ؟ هذه هي أسئلة الفلسفة . وعلى هذا الاساس نحدد الفلسفة بأنها :

    ” نظرية أنطولوجية ، أبستمولوجية ، أكسيولوجية في مفهومها العام “

    لم يخط احدا مقالا واحدا حول : الانطولوجيا في كتابات منظري مدرسة فرانكفورت النقدية . كما لم يظهر مقالا واحدا يتدارس : ألابستمولوجيات الفلسفية في نصوص مفكري مدرسة فرانكفورت النقدية . وكذلك لم ير النور بحثا واحدا عالج : الابستمولوجيات العلمية في أعمال اساتذة مدرسة فرانكفورت النقدية . ولم ينشر أحدا دراسة واحدة عن : مساهمات مفكري مدرسة فرانكفورت النقدية في مضمار ألاكسيولوجيات … بل على العكس ان واحدا من اشهر منظري مدرسة فرانكفورت ، وهو ثيودور أدورنو يخصص واحدا من اهم مؤلفاته لمخاصمة الابستمولوجيا ، وكان بعنوان ” ضد الابستمولوجيا : دراسات في هوسرل والظاهراتية ” والصادر عام 1983 .

    ولكن للانصاف نقول لقد ظهرت مئات الكتب تعالج النظرية الاجتماعية ، والنظرية السياسية ، والحداثة والتنوير والنقد للماركسية الارثوذوكسية والامبريالية وعلم النفس والاعلام ونظريات التخاطب والاقتصاد والاعمال … وأطنان من المقالات الثقافية العامة والاكاديمية التي تعالج مفصلا معينا او جزئية من المشاريع التي انجزها هؤلاء المنظرون المبدعون في النقد الماركسي ونظريات علم الاجتماع والنفس والاعلام .

    ألاصول التاريخية لمدرسة فرانكفورت النقدية:

    أرتبط اسم مدرسة فرانكفورت بمعهد البحث الاجتماعي ، وكان المؤسس الحقيقي لهذا المعهد ” فيلكس فيل ” ( 1975 – 1898) وهو ماركسي ومن عائلة ثرية ، وقد كتب اطروحته للدكتوراه حول ” المشكلات العملية التي تواجه تحقيق الاشتراكية ” والتي نشرها ” كارل كورش ” . وكان كورش يأمل من نشره هذه الاطروحة ، جمع شمل نزعات ماركسية مختلفة .

    وفي العام 1923 مول فيلكس فيل اول اسبوع عمل ثقافي ماركسي ، وقد حضر هذا الاسبوع شخصيات فكرية مرموقة من امثال ” جورج لوكاش ” ( 1971 – 1885) وهو الماركسي الهنغاري ومؤسس ما يسمى ” الماركسية الغربية ” والذي تعهد في هذا الاسبوع على أجراء مراجعة نقدية لكتابه المعنون ” التاريخ والوعي الطبقي ” والذي نشر في العام 1923 . وكان هذا العمل من الموضوعات التي ألهمت نشاط اعضاء مدرسة فرانكفورت .. والذي دلل على استقلالية المدرسة من الحزب الشيوعي . وهذه الاستقلالية كانت شرطا ضروريا ، جعل من العمل النظري للمدرسة عملا حقيقيا.

    كما وحضر الاسبوع ” كارل كورش ” (1961 – 1886) وهو ماركسي يساري والذي قدم في هذا الاسبوع دراسة بعنوان ” الماركسية والفلسفة ” ، و”كارل اوغست تفوكل ” (1988 – 1896) وهو الماركسي والعضو النشط في الحزب الشيوعي ، و” فردريك بولك ” ( 1970 – 1894) وهو عالم اجتماع وأخرون .

    وعلى اساس نجاح هذا الاسبوع ، فقد ذهب ” فيلكس فيل ” مع صديقه ” فردريك بولك ” الى تأسيس معهد البحث الاجتماعي ، وكان ذلك في العام 1924 . فقد اختار فيلكس فيل بناية للمعهد واستعد بدفع رواتب للعاملين بصورة ثابتة . ومن ثم بدأ بمناقشة وضع المعهد مع وزارة التربية ، واقترح ان يكون مدير المعهد بدرجة استاذ وان يتم اختياره من مؤسسات الدولة . وكان فليكس فيل يتطلع الى منح المعهد هوية اكاديمية وان يكون خاضعا لكل الاعراف والتقاليد الاكاديمية .

    كان ” كارل كرونبرك ” ( 1940 – 1861) اول مديرا للمعهد ، وكذلك فأنه المؤسس والناشر لمجلة العمل وتاريخ الاشتراكي . وقد تقاعد في العام 1929 ليترك المعهد بيد “ماكس هوركهايمر” (1973 – 1895) ، وهو عالم اجتماع واشتهر بكتابه ” النظرية النقدية ” . والذي اصبح مديرا للمعهد في العام 1930 والذي عين العديد من منظري المدرسة الافذاذ من امثال” ثيودور ادرنو” (1969 – 1903) عالم الاجتماع والموسيقى و” أرك فروم ” (1980 – 1900) عالم التحليل النفسي ، و “هربرت ماركوز” (1979 – 1898) وهو عالم اجتماع ومنظر سياسي . ومن خارج دائرة المدرسة ، كان ” فالتر بنجامين ” (1940 – 1892) وهو كاتب مقالات وناقد ادبي . ومعهد البحث الاجتماعي يعد اول معهد ماركسي مرتبط بأكبر جامعة المانية .

    ونحسب من النافع ان نشير الى ان اوضاع المانيا السياسية الغير مستقرة قد اثرت تأثيرا ملحوظا على مدرسة فرانكفورت النقدية ، وبشكل خاص تنامي النازية وحزبها الاشتراكية الوطنية ، والذي اصبح اكثر تهديدا للمدرسة . فأن مؤسسي المدرسة ، وخصوصا بعد صعود هتلر الى السلطة في العام 1933 ، قرروا نقل معهد البحث الاجتماعي الى بلد اخر . وفعلا فان المعهد غادر الى جنيفا ، ومن ثم الهجرة الى نيويورك في العام 1935 ، ومن ثم التحاق المعهد بجامعة كولومبيا الامريكية . وتحول اسم مجلتها الدورية الى ” دراسات في الفلسفة والعلم الاجتماعي ” .

    وشهدت هذه المرحلة نشر اهم اعمال منظري مدرسة فرانكفورت النقدية ، والتي لاقت استقبالا حارا من قبل الاكاديميات الامريكية والانكليزية . وعاد كل من هوركهايمر و أدرنو وبلوك الى المانيا في بداية الخمسينات . في حين فضل هربرت ماركوز ولونثال وكرشهيمر واخرون البقاء في الولايات المتحدة الامريكية . وفي العام 1953 اعيد فتح معهد البحث الاجتماعي رسميا في مدينة فرانكفورت .

    ويحسب العديد من الدارسين الى ان اصطلاح ” المدرسة ” يمكن ان يكون مضللا للقارئ ، وذلك لان اعضاء المدرسة لا يشكلون دائما منظومة فكرية موحدة هذا من طرف . ومن طرف اخر فأن بعض الدارسين يحصرون اصطلاح ” مدرسة فرانكفورت ” على كل من هوركهايمر ، ادورنو ، ماركوز ، لونثال وبلوك .

    أجيال مدرسة فرانكفووت النقدية:

    كون اعضاء مدرسة فرانكفورت النقدية جيلين من المفكرين وعلماء الاجتماع ، وعدد من المنظرين السياسيين وعلماء النفس ونقاد الادب .. وهنا سنركز بحثنا في الحديث عن جيلين من اعضاء المدرسة :

    1 – الجيل الاول من مفكري مدرسة فرانكفورت :

    مثل الجيل الاول من مفكري مدرسة فرانكفورت النقدية ، مجموعة من الاساتذة الالمان الذين عملوا في معهد البحث الاجتماعي ، وهم كل من :

    ماكس هوركهايمر: ولد في العام 1895 في مدينة شتوتكارت الالمانية ، وكان سليل عائلة يهودية ثرية . وبتأثير العائلة ، ترك دراسته في المدرسة المتوسطة ، وكان عمره بحدود السادسة عشر ، ليعمل في مصنع والده . وفي العام 1916 أجبر على ترك العمل والالتحاق مقاتلا في الحرب العالمية الاولى .

    بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى التحق بجامعة ميونخ ، ودرس فيها الفلسفة وعلم النفس . انتقل بعد ذلك الى جامعة فرانكفورت ليدرس تحت اشراف هانس كورنيلوس (1947 – 1863) ، ولعب هذا الاستاذ دورا مهما في مستقبل هوركهايمر .فهانس هو فيلسوف الماني من اتباع الكانطية الجديدة هذا طرف . والطرف الاخر من تأثير هانس على هوركهايمر ، هو ان ثيودور أدورنو كان احد طلابه ، وفي حضرة هانس الاكاديمية قابل هوركهايمر أدورنو الذي سيكون الزميل الدائم له في معهد البحث الاجتماعي لمدرسة فرانكفورت والشريك له في بعض الكتب والنشاطات الثقافية .

    كتب هوركهايمر في العام 1925 اطروحته للدكتوراه ، وكان عنوانها ” نقد الحكم عند كانط : التوسط بين الفلسفة العملية والفلسفة النظرية ” ، وكانت تحت اشراف هانز كورنيلوس . وبعد سنة واحدة عين هوركهايمر استاذا مساعدا . وفي عام 1930 تم اختياره مديرا جديدا لمعهد البحث الاجتماعي . وفي السنة ذاتها اصبح رئيسا لقسم الفلسفة الاجتماعية في جامعة فرانكفورت ، ومن ثم اختير رئيس تحرير لمجلة معهد البحث الاجتماعي .

    وبعد غلق معهد البحث الاجتماعي ، أنتقل الى سويسرا ، ومن هناك هاجر الى الولايات المتحدة الامريكية . وبعد سنة ضيفت جامعة كولومبيا معهد البحث الاجتماعي. وفي عام 1940 حصل على الجنسية الامريكية . ومن ثم انتقل الى لوس أنجلس بولاية كليفورنيا ، وهناك تعاون مع ثيودور أدرنو على اصدار كتابهما ” جدل التنوير ” ، واستمر على تحرير مجلة معهد البحث الاجتماعي وتحت اسمها الانكليزي الجديد “دراسات في الفلسفة والعلم الاجتماعي” . في 1949 عاد الى فرانكفورت ، وفي عام 1950 اعاد فتح معهد البحث الاجتماعي .

    وشغل هوركهايمر للسنوات 1951 – 1953 رئيسا لجامعة فرانكفورت ، واستمر في الوقت ذاته في التعليم الجامعي حتى تقاعد في منتصف الستينات . ومن ثم زار امريكا مرتين : الاولى عام 1954 والثانية عام 1959 وذلك ليحاضر في جامعة شيكاغو. وظل رمزا ثقافيا متميزا حتى وفاته في نورمبرك في العام 1973 ، ومن ثم دفن في المقبرة اليهودية في برن في سويسرا.

    تعاون هوركهايمر مع اعضاء مدرسة فرانكفورت وخصوصا مع هربرت ماركوز ، أريك فروم ، ثيودور أدورنو وفالتير بنجامين . وسنحاول هنا القاء الضوء على ثلاثة كتب ألفها هوركهايمر وسجلت مؤشرا فكريا في تاريخ مدرسة فرانكفورت النقدية :

    أولا – خسوف العقل :

    هذا الكتاب نشر في العام 1947 ، ويتألف من خمسة أقسام : الوسائل والغايات ، صراع الحلول ، ثورة الطبيعة ، صعود الفرد وسقوطه ، ومفهوم الفلسفة . وقد درس هوركهايمر في هذا الكتاب مفهوم العقل في تاريخ الفلسفة الغربية . ولعل المهم في هذا الكتاب انه حدد العقل بكونه ” ذهنية ” ولذلك رأى ضرورة ان ترعى هذه الذهنية وتربى في بيئة حرة ، يشيع فيها فكر نقدي . وعلى مستوى العقل ، ميز هوركهايمر بين ثلاثة انواع من العقل : العقل الموضوعي ، العقل الذاتي والعقل الأداتي .

    وبين هوركهايمر عام 1941 بأن النازية عملت بجد على سياستها ، وقدمتها بأسلوب معقول . ولذلك حذر من امكانية عودتها مرة اخرى . ويعتقد ان امراض المجتمع الحديث سببها سوء فهم العقل . ولذلك افترض : اذا استطاع الناس ان يستخدموا العقل الصادق وان ينتقدوا مجتمعاتهم ، فأنهم سيتمكنون من حل مشكلاتهم .

    ثانيا- بين الفلسفة والعلم الاجتماعي :

    ظهر هذا الكتاب في مجلد خلال الفترة ما بين 1938 – 1930 ، وبالتحديد خلال الفترة التي انتقل فيها معهد البحث الاجتماعي الى جنيفا ومن ثم التحاقه بجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الامريكية . وشمل مجموعة مقالات : المادية والاخلاقية ، الموقف الراهن للفلسفة الاخلاقية ومهمات معهد البحث الاجتماعي ، في مشكلة الصدق ، الانانية وحركة الحرية ، تاريخ علم النفس ، المفهوم الجديد للايديولوجيا ، ملاحظات حول الانثروبولوجيا الفلسفية ، ومناقشة العقلانية في الفلسفة المعاصرة .

    وشمل الموقف الراهن للفلسفة الاجتماعية ومهمات معهد البحث الاجتماعي ، كلام هوركهايمر عندما أختير مديرا لمدرسة فرانكفورت . ولعل المهم في هذا الجزء ، هو ربطه بين نضال الجماعات الاقتصادية وتحديات الحياة الحقيقية . وقد ضمن هوركهايمر كلامه صورا من الصراع الانساني ، وهي الصور التي كان ملما بها الماما جيدا .

    اما الانانية وحركة الحرية وبدايات تاريخ الفلسفة البرجوازية ، فكانا من أطول المقالات . وحمل الاول تقويما لكل من ميكيافيلي ، هوبز وفيكو . في حين ناقش في الثاني سيطرة البرجوازية ، وفي بدايات تاريخ الفلسفة البرجوازية شرح هوركهايمر “ما تعلمه من صعود البرجوازية الى السلطة ، وما بقي من استحقاق للبرجوازية ” .

    ان هذا المجلد ينظر الى الفرد على كونه ” المركز المزعج للفلسفة ” . ورأى انه ” لا توجد وصفة جاهزة تحدد العلاقة بين الافراد وبين المجتمع والطبيعة على طول خط التاريخ ” . ولفهم مشكلة الفرد بعمق ، هوركهايمر اشار الى حالتين : الاولى ركزت على ” مونتاني ” الفيلسوف الفرنسي في عصر النهضة . والثانية انتخب هوركهايمر نفسه موضوعا للدراسة .

    ثالثا- النظرية النقدية :

    ان اعمال منظري مدرسة فرانكفورت لا يمكن فهمها ، دون الوقوف على اهداف النظرية النقدية . وقد لخصها ماكس هوركهايمر في كتابه المعنون ” النظرية النقدية والنظرية التقليدية ” الصادر في العام 1947 . وجاء تحديده للنظرية النقدية بقوله : انها ” الوعي الذاتي ، والنقد الاجتماعي الساعي الى التغيير والتحرر من خلال التنوير” وهي غير مرتبطة بعقيدة او مشدودة الى افتراضات عقيدية .

    لقد حاول هوركهايمر من خلال النظرية النقدية ، ان ينشط النقد الثقافي الاجتماعي الجذري ، وناقش مسألة التسلط العسكري ، والمشكلة الاقتصادية التي تشل الحياة الاجتماعية ، والأزمة البيئية ، وفقر ثقافة القطيع …

    وحقيقة عارض هوركهايمر بالنظرية النقدية ، النظرية التقليدية التي تنسب الى الوضعية والعلمية والنظريات المبنية على الملاحظات الخالصة . وهي النظريات التي تقوم بأشتقاق تعميمات او ” قوانين ” تتعلق بالاوجه المختلفة للعالم . واعتمادا على عالم الاجتماع ماكس فايبر، يجادل هوركهايمر ويؤكد على ان العلوم الاجتماعية تختلف عن العلوم الطبيعية . فمثلا ان التعميمات او القوانين لا يمكن بنائها بسهولة على ما يسمى بالخبرات . وذلك لان الخبرة الاجتماعية بحد ذاتها تكون قد تشكلت بواسطة الافكار التي هي نتاج عقول الباحثين . كما وان الباحث غير معزول عن ظرفه التاريخي والايديولوجيات السائدة يومذاك . وهكذا فأن النظرية هي نسخة مطابقة للافكار الموجودة في عقل الباحث ، بدلا من ان تكون موجودة في ساحة الخبرة ذاتها .

    كما يجادل هوركهايمر من طرف اخر في طبيعة الحقائق التي نحصل عليها عن طريق حواسنا ، فيرى ان هذه الحقائق حاصلة عن طريقين : الاول من خلال الخاصية التاريخية للموضوع المدرك . والثاني من خلال الخاصية التاريخية لعضو الادراك . وفي كلا الحالتين فأن موضوع الادراك وعضو الادراك ليسا طبيعيين ، وانما تشكلا بواسطة النشاط الانساني . كما وان الفرد يلعب دور المستلم والرافض لفعل الادراك .

    ويحسب هوركهايمر ان طرق العلوم الاجتماعية لا يمكن ان تكون تقليدا للعلوم الطبيعية . كما ان هناك العديد من الطرق النظرية القادرة على تجاوز الحواجز الايديولوجية التي تقيد نشاط الباحثين من مثل الوضعية ، البراجماتية ، الكانطية الجديدة ، والظاهراتية . ويجادل هوركهايمر ، ويذهب مؤكدا بأن هذه الايديولوجيات فشلت وذلك لان جميعها خضعت الى المعايير الرياضية المنطقية ، التي فصلت الفعالية النظرية من الحياة الواقعية . وكانت الاستجابة لهذا المأزق بمنظار هوركهايمر هو النظرية النقدية . والمشكلة من طرفه هي مشكلة أبستمولوجية ، ولهذا فأن النظرية النقدية لا تنظر الى شخصية المتخصص في العلم فقط ، وانما الى شخصية الانسان العارف عامة . وهذا الرؤية جعلت النظرية النقدية في مكانة ابستمولوجية مخالفة للماركسية الارثوذوكسية .

    ثيودور أدورنو : ولد في فرانكفورت ، وكان هو الطفل الوحيد لوالده ” أوسكار الكسندر ويزنكراند ” ، تاجر المشروبات الثري ، وهو سليل عائلة يهودية ، تحولت الى البروتستانية . ولعبت شخصية عمته ” أكاتي ” الموهوبة في الموسيقى ، دورا مؤثرا في توجيه اهتمام الطفل ثيودور نحو الموسيقى وخصوصا العزف على البيانو .

    ألتحق ألفتى ثيودور بمدرسة ” كاسير ويهلم ” ومن ثم تخرج منها وعمره سبعة عشر عاما ، وكان من الطلبة الاوائل في دفعته . وكان في اوقات فراغه يأخذ دروسا خصوصية في التأليف الموسيقي على يد ” بيرنهارد سكلس ” ، ويقرأ في أمسيات السبت مع زميله ” سيكفيرد كروكر ” مؤلفات كانط خصوصا نقد العقل الخالص . وفيما بعد ادعى أدورنو بانه استفاد من هذه القراءات اكثر مما حصل عليه من الاساتذة الاكاديميين.

    وفي جامعة فرانكفورت ، درس الفلسفة ، علم الموسيقى ، علم النفس وعلم الاجتماع . وتخرج في العام 1924 ، وكانت أطروحته عن الفيلسوف الالماني ” ادموند هوسرل ” (1938 – 1859) . وقبل التخرج ، ألتقى بزميليين له ، وهما ماكس هوركهايمر وفالتر بنجامين واللذان سيتعاون معهما في اكثر من نشاط وخصوصا من خلال مدرسة فرانكفورت النقدية .

    وخلال سنوات التلمذة في فرانكفورت ، كتب العديد من المقالات في النقد الموسيقي ، وكان يتطلع ان يكون مؤلفا موسيقيا . ولهذا الغرض عمل اتصالا في العام 1925 باعضاء مدرسة فينا … الا ان خيبة امله في ان يكون مؤلفا موسيقيا ، حملته الى العودة الى مهنته كأستاذ جامعي وباحث أجتماعي . غير انه بقي رئيسا لتحرير مجلة ” أنبورك ” ، وقد لعبت كتاباته الموسيقية أثرا في توجهاته الفلسفية .

    وكان للعلاقات التي كونها في مدرسة فينا أثرها في حياته الفكرية فيما بعد . فمثلا كان لمحاضرات ” كارل كروس ” التي يحضرها بصحبة زميليه : ” ألبان بيرك ” و ” جورج لوكاش ” اثرها عليه من الزاوية الموسيقية . كما ان زمالته للوكاش كان لها طعمها الخاص ، فقد نشر لوكاش كتابه ” نظرية الرواية ” التي ألهبت حماس أدورنو ، اضافة الى كتاب لوكاش الاخر الذي نشره قبل عام ، وكان بعنوان ” التاريخ والوعي الطبقي ” والذي قام لوكاش بمراجعته نقديا فيما بعد .

    بعد العودة من فينا ، واجه أدورنو صعوبات في اطروحته المهنية ، فقد بين كل من مشرفه كورنيلوس وكذلك مساعده هوركهايمر تحفظاتهم على اطروحته المعنونة : “رسالة فلسفية نفسية شاملة” . مما اضطر الى سحبها ، ومن ثم طلب ثلاث سنوات اضافية وذلك لاكمال متطلبات التخرج . وفعلا سلم مخطوطة اطروحة دكتوراه جديدة ، وكانت بعنوان ” كيركيجارد : البنية الجمالية ” وتحت اشراف استاذ جديد ، وهو الاستاذ ” بول تيليك ” (1965 – 1886) وهو لاهوتي وفيلسلوف مسيحي . وكانت محاضرته الاولى بعنوان : الاهمية الراهنة للفلسفة ” وفيها ناقش مفهوم الكلية وسعى الى صياغة اطار فكري عام ضد هيجل .

    وفي العام 1933 سحبت شهادات ادورنو الاكاديمية من قبل النظام النازي حاله حال جميع الاساتذة من اصول غير أرية . وقد كتب مقالا بعنوان ” الموقف الاجتماعي للموسيقى ” والذي يعد أول مساهمة في المجلة التي يشرف عليها هوركهايمر ، وهي مجلة البحث الاجتماعي . وبقي خارج معهد البحث الاجتماعي حتى عام 1938 ، وهي السنة التي اصبح فيها عضوا في المعهد .

    ونحسب من المفيد الاشارة الى ان اثناء مكوثه في نهاية العشرينات في برلين ، كون صداقة حميمية مع فالتر بنجامين وارنست بلوك ، واصبح مطلعا عن قرب على اول عمل انجزه بلوك ، وهو ” اليوتبيا .. ” . ومن ثم تعرف في برلين على الكيمياوية ماركريت كربلوس (1993 – 1902) والتي تزوجها في العام 1937 في لندن . والحقيقة ان ادورنو في العام 1934 هرب من بطش النظام النازي ، وهاجر الى بريطانيا ، وكان يأمل في الحصول على عمل اكاديمي في جامعة أكسفورد . ولكنه لم ينجح في الحصول على ذلك . فقرر الكتابة بعمق عن فلسفة هوسرل وذلك للحصول على درجة دكتوراه اخرى (بوست دكتوراه) من كلية مرتون . وكان يقضي العطل الصيفية من كل سنة بصحبة خطيبته في المانيا .

    وظل ادورنو على اتصال بزميله هوركهايمر الذي استقر في امريكا ، وتم هذا التواصل عبر المراسلات . واخيرا اثمرت هذه المراسلات بحصول ادورنو على عرض في العمل في امريكا . وبعد زيارته الاولى لنيويورك ، وبالتحديد في العام 1947 قرر الاستقرار فيها ، ومن ثم عمل في معهد البحث الاجتماعي ، الذي ضيفته جامعة كولومبيا . ومن ثم عمل مخرجا موسيقيا في الاذاعة ، وظل حتى عام 1941 .

    تحول للعمل مع هوكهايمر ، فقررا الانتقال الى لوس انجلس ، ودرس لمدة سبع سنوات متتالية ، ومن ثم مديرا مشاركا لوحدة البحث في جامعة كليفورنيا . وان عمله التعاوني مع هوركهايمر وجد النور في كتابهما المعنون ” جدل التنوير ” والذي صدر في العام 1947 ، والذي ظهر مع الاعلان عن ضحايا المحرقة النازية .

    لقد بين أدورنو وهوركهايمر في جدل التنوير ، الى ان مفهوم العقل تحول عن طريق التنوير ، ليكون قوة لا عقلانية . ولعل الحاصل من ذلك ان فرض العقل سيطرته لا على الطبيعة وحسب ، بل وعلى الانسانية كذلك . وهذا الطريق تمثلته الحركة الفاشية والانظمة الشمولية . ولذلك رفض ادورنو الطريق العقلاني مسارا للتحرير ، ولاذ بدلا عنه الى شواطئ الفنون .

    وبعد الحرب عاد ادورنو الى فرانكفورت ، وبتأثير هوركهايمر استرجع لقبه العلمي ، استاذا في جامعة فرانكفورت . وفعلا درس في الفترة الواقعة بين 1950 – 1949 موضوعا مزدوجا في الفلسفة وعلم الاجتماع في معهد البحث الاجتماعي . ومن ثم اخذ نجم ادورنو يسطع من جديد . وفي العامين 1959 – 1958 نشرت بشكل واسع حكمه الموجزة ، وهذا العمل جعل منه رمزا فكريا اصيلا في جمهورية المانيا الغربية . وهذه قائمة بأهم منجزاته هذه الفترة :

    - اتجاهات حول الاشتراكية الوطنية 1952

    - درس علم الموسيقى ، صيف 1954

    - عدد من المناقشات في الراديو

    - عدد من المحاضرات في برلين وحول اوربا 1959

    - اصدر رسائل فالتر بنجامين وكتاباته

    - ناقش النزعة الوضعية في الجمعية الالمانية لعلم الاجتماع في تبنكن 1961

    - رئيس علم الاجتماع 1967 – 1963

    - ترأس في العام 1964 المؤتمر الاجتماعي الخامس عشر حول ماكس فايبر وعلم الاجتماع

    - ترأس في العام 1968 المؤتمر الاجتماعي السادس عشر حول الرأسمالية المتأخرة او المجتمع الصناعي

    ومن ثم عمت القلاقل الجامعات الالمانية ، فتعرض الى مضايقات ومن ثم مقاطعات لمحاضراته ، وبسب الوضع السياسي ، فقد نصح بالخروج من المانيا . وفعلا غادر مع زوجته الى سويسرا للزيارة ، رغم نصائح طبيبه بعدم السفر ، واثناء ذلك تعرض لذبحة قلبية ، وفي صباح السادس من ايلول 1969 مات ادورنو .

    ترك نقد ماكس فايبر وهيجلية جورج لوكاش للماركسية أثرهما على تفكير ادورنو ، وكذلك ترك هوسرل في ظاهريته مع كيركيجارد في جماليته اثارا واضحة . كما كان لفلسفة التاريخ عند فالتر بنجامين اثارا دالة في خطابه الثقافي . وعمل جنبا الى جنب مع هوركهايمر وهربرت ماركوز . وجادل بأن الرأسمالية المتقدمة تمكنت من احتواء القوى التي تسعى الى انهائها . وهكذا تخطت الراسمالية لحظة موتها ولم تحدث الثورة . وقد اودع افكاره في هذا الموضوع ، في كتابه المعنون ” الجدليات السلبية ” الصادر عام 1966 والذي أكد فيه على ان الفلسفة لازالت ضرورية .

    ومن مؤلفاته اضافة الى ما ذكر :

    الشخصية السلطوية ، نشرة نيويورك 1942

    النظرية الجمالية 1976

    واقعية الفلسفة 1977

    ضد الابستمولوجيا : دراسات في هوسرل والظاهراتية 1983

    كيركيجارد : البنية الجمالية 1984

    ملاحظات حول الادب ، المجلد الاول 1991

    ملاحظات حول الادب ، المجلد الثاني 1992

    النظرية النقدية منذ افلاطون 1992

    هيجل : ثلاث دراسات 1993

    بيتهوفن : فلسفة الموسيقى 1998

    الموديلات النقدية 1998

    الميتافيزيقا : مفهوم ومشكلات 2000

    نقد العقل الخالص عند كانط 2001

    هربرت ماركوز : هو عالم الاجتماع الالماني ، والمنظر السياسي ، وهو واحد من مفكري مدرسة فرانكفورت النقدية . كذلك يعرف بكونه ” الاب الروحي لليسار الجديد”

    ومن اشهر مؤلفاته : ” أيروس والمدنية ” و ” الانسان ذو البعد الواحد ” و ” البعد الجمالي ” …

    ولد ماركوز في برلين ، ونشأ في اجواء وتقاليد عائلة يهودية . في عام 1916 أجبر للالتحاق بالجيش الالماني . وقد عمل في حضائر الخيالة (الاهتمام بالخيول) في برلين خلال الحرب العالمية الاولى . ومن ثم أصبح عضوا في ” مجلس الجنود ” الذين أجهضوا انتفاضة ” المنفصلين الاشتراكين ” .

    أكمل أطروحته للدكتوراه في جامعة فروبرك في العام 1922 ، وكانت حول ” الرواية الالمانية ” ، وهي رواية ترصد حياة فنان ، يجسد صورة صراع الشباب ضد قيم المجتمع البرجوازي في عصره . ثم قفل عائدا الى برلين ، حيث عمل في الطباعة والنشر . وفي العام 1924 تزوج من ” صوفيا ورذم ” (1951 – 1901) ، وهي عالمة رياضيات .

    بعد ذلك عاد الى جامعة فروبرك ، وبالتحديد في العام 1928 للدراسة مع ” أدموند هوسرل ” ، ومن ثم كتب اطروحته المهنية مع ” مارتن هيدجر ” والتي طبعت في العام 1932 بعنوان ” انطولوجيا هيجل والنظرية التاريخية ” . وقد كتب ماركوز هذه الدراسة في ضوء النهضة الهيجلية التي عمت أوربا ، وكان التأكيد فيها على أنطولوجيا هيجل في الحياة والتاريخ ، وعلى النظرية المثالية في الروح والديالكتيك . وعلى الرغم من هذا التأهيل الاكاديمي العالي ، فأنه حرم من التعليم الاكاديمي بسبب صعود الرايغشتاغ الثالث . وفي العام 1933 ألتحق ماركوز بمعهد فرانكفورت للبحث الاجتماعي .

    وفي عام 1933 نشرمراجعته الكبيرة الاولى لمخطوطات ماركس الاقتصادية والفلسفية للعام 1844 . وقد صحح ماركوز تفسير الماركسية اعتمادا على المؤلفات التي كتبها ماركس في السنوات المبكرة من حياته . وبهذه المراجعة ساعد ماركوز العالم الى النظر اليه كواحد من افضل المفكرين الواعدين من جيله .

    وبينما كان عضوا فاعلا في معهد البحث الاجتماعي ، فأن ماركوز طور انموذجا للنظرية الاجتماعية النقدية . كما طور نظرية المرحلة الجديدة للدولة والرأسمالية الاحتكارية . ومن ثم قدم توصيفا للعلاقة بين الفلسفة والنظرية الاجتماعية والنقد الثقافي . وقدم تحليلا نقديا للفاشية الالمانية . وظل عضوا فاعلا مع اعضاء مدرسة فرانكفورت النقدية .

    غادر ماركوز المانيا في العام 1933 ، ومن ثم هاجر الى الولايات المتحدة الامريكية عام 1934 ، وحصل على الجنسية الامريكية عام 1940 ، ولم يعد الى المانيا ليعيش فيها . ولكنه ظل واحدا من اكبر منظري مدرسة فرانكفورت ، وعاملا نشطا مع ماكس هوركهايمر وثيودور ادورنو (والاخرين) . وفي العام 1940 نشر كتابه المعنون ” العقل والثورة ” ، وكان عملا جدليا درس فيه كل من هيجل وماركس .

    وخلال الحرب العالمية الثانية ، عمل ماركوز في الولايات المتحدة ، في مكتب اعلام الحرب ، وبالتحديد عمل في مشروعات الاعلام المضاد للنازية . وفي عام 1943 نقل الى مكتب الخدمات الستراتيجية . وفي عام 1945 حل مكتب الخدمات ، ووظف في وزارة الخارجية الامريكية ، كرئيس قسم اوربا . ومن ثم تقاعد بعد وفاة زوجته الاولى عام 1951 .

    وفي العام 1952 عاد الى مهنة التعليم ، وبدأ اولا في جامعة كولومبيا ، وجامعة هارفارد ، وجامعة برانديز للفترة من 1958 الى 1965 . وهناك درس الفلسفة والعلوم السياسية . وأخيرا في جامعة كليفورنيا . وكان زميلا متعاونا مع عالم الاجتماع برنكتون مور ، وزميلا للفيلسوف السياسي روبرت بول ولف . وكذلك كان صديقا لرايت ميلز استاذ علم الاجتماع في جامعة كولومبيا ، وهو واحد من مؤسسي حركة اليسار الجديد .

    وظل ماركوز العضو اليساري لمدرسة فرانكفورت ، وعندما يسأل يعرف نفسه ” ماركسي ، اشتراكي وهيجلي ” .

    وقدم ماركوز نقدا للمجتمع الرأسمالي ، خصوصا في عام 1955 في منهجه التركيبي الجامع بين ماركس وفرويد ، النقد الذي أودعه في كتابه ” أيروس والمدنية ” . و فعل ذلك في كتابه ” الانسان ذو البعد الواحد ” الصادر عام 1964 ، والذي عكس فيه اهتماماته بحركة الطلاب في الستينات ، ولذلك تحول الى متحدث عن الحركة الطلابية ، واصبح يعرف ” الاب الروحي لليسار الجديد في الولايات المتحدة ” ، ومن ثم اسس صداقة حميمية مع الفيلسوف الفرنسي أندري كورز .

    وبعد ان رفضت جامعة برانديز في العام 1965 من تجديد عقده في التعليم فيها ، فأنه تفرغ للتعليم ، والكتابة والقاء المحاضرات حول العالم . وكانت هذه الجهود قد دفعت اهتمام وسائل الاعلام به وبنشاطاته ، مما جعل افكاره تكون اكثر تأثيرا في الساحة الثقافية . كما استمر في تعزيز النظرية الماركسية والاشتراكية التقدمية . ومن ثم نشر أخر اعماله وهو ” البعد الجمالي ” في العام 1979 ، وركز دراسته فيه على دور الفن في عملية التحرر من المجتمع البرجوازي .

    وقبل عشرة ايام من عيد ميلاده الحادي والثمانين ، مات ماركوز ، وبالتحديد في 29 تموز 1979 ، أثر جلطة دماغية بسبب تعب السفر الى المانيا ، واثناء زيارته الى معهد ماكس بلانك ، وبدعوة من المنظر يورغن هابرمس .

    وسنحاول هنا تقديم عرضا لبعض مؤلفات ماركوز ، وبيان ما حملته من أتجاهات فكرية :

    أولا – العقل والثورة : هيجل وبزوغ النظرية الاشتراكية : طبع هذا الكتاب من قبل ماركوز نفسه ، وصدر في العام 1941 . وهو دراسة ديالكتيكية للنظريات الاشتراكية عند هيجل وماركس . والمؤلف قدم توصيفا لفلسفة هيجل واعاد تفسيرها . وكان يهدف الى اثبات ان مفاهيم هيجل الاساسية كانت معادية للنزعات التي قادت الى الفاشية ، نظرية وتطبيقا .

    وكان الجزء الاول دراسة مسحية لنظام هيجل الفلسفي ، والذي شيده على فلسفته السياسية وفلسفته التاريخية . اما الجزء الثاني فهو متابعة لاثار النظرية الاشتراكية من البدايات . والذي شمل اتجاهين : النظرية الديالكتكية للمجتمع من جهة ، والتي مرت من خلال كيركيجارد ، فيورباخ ومن ثم الى ماركس . والوضعية وبواكير علم الاجتماع من جهة اخرى ، والتي عمل على تطويرها كل من سانت سيمون ، كومت ، ستاهل ، ومن ثم فون ستين . والنتيجة انه بين اثر فلسفة هيجل الاجتماعية على النظريات الاشتراكية في الستينات .

    ثانيا – أيروس والمدنية : وهو واحد من اهم الاعمال التي كتبها ماركوز ، وهذا الكتاب صدر في العام 1955 . وهو بنية فكرية تركيبية جمعت بين اطروحات ماركس ورؤية فرويد . وعنوان الكتاب يوحي بنوع من المقاربة مع عنوان كتاب فرويد المعنون ” المدنية وعدم الرضا ” . ويرى ماركوز انه في الامكان اقامة مجتمع خال من القمع (الاضطهاد) وذلك بالاستناد الى ماركس وفرويد معا . ومثل هذا المجتمع يشمل قيم الحركات الاجتماعية الثقافية المعارضة فترة الستينات .

    وناقش ماركوز المعنى الاجتماعي للبايولوجي – التاريخي ، والذي لا يمكن النظر اليه على انه صراع طبقي ، وانما نضال ضد قمع الغرائز . ويجادل بان الرأسمالية منعتنا من الوصول الى ” المجتمع الغير مقموع (الا مضطهد) والمؤسس اصلا على اختلاف خبرة الوجود ، وعلى اختلاف العلاقة بين الانسان والطبيعة ، وعلى اختلاف العلاقات الوجودية ” .

    والكتاب ينهض على افتراض وهو ان القمع او الاضطهاد ظاهرة تاريخية ( وتاريخ الانسان هو تاريخ الاضطهاد ) وماركوز يشمل في حديثه عن الاضطهاد ، الاضطهاد البايولوجي ، ولكنه يعتقد بان الاضطهاد البايولوجي ليس مشكلة بحد ذاته . ولكن مشاكلنا تنبع من القمع الزائد ، والمتولد من نوع من الاعراف التاريخية السائدة في مرحلتنا الراهنة . والنتيجة هي ولادة فلسفة جامعة بين فرويد و ماركس .

    اريك فروم : وهو عالم سوسيو – سيكولوجي ، ومحلل نفساني ، واشتراكي ديمقراطي .

    ولد في 23 من اذار 1900 في مدينة فرانكفورت ، وهو الطفل الوحيد لعائلته اليهودية الارثوذوكسية .

    بدأ دراساته الاكاديمية في جامعة فرانكفورت، وبالتحديد في العام 1918 وأكمل فصلين دراسين في فلسفة القانون . وخلال الفصل الدراسي الصيفي في العام 1919 درس في جامعة هيدلبيرك ، تحول من فلسفة القانون الى دراسة علم الاجتماع . وقد اشرف عليه مجموعة من اساتذة هيدليبرك المشهورين من امثال الفريد فايبر (1958 – 1868) ، وهو اخ عالم الاجتماع المشهور ماكس فايبر . والفيلسوف الوجودي والطبيب النفساني كارل ياسبرز (1969 – 1883) ، وهنريك ريكرك (1936 – 1863) وهو من ألمع الكانطين الجدد يومذاك .

    وحصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من هيدليبرك في العام 1922 . وفي العشرينات حصل على تدريب ليكون محللا نفسانيا ومن خلال المصح النفسي في هيدليبرك والتابع للطبيبة النفسية فريدا رشمان (1957 – 1889) والتي تزوجها أريك فروم فيما بعد ، وهي تكبره اكثر من عقد من السنين . ومن ثم فتح عيادته النفسية الخاصة ، وكان ذلك في العام 1926 . وفي العام 1930 التحق بمعهد البحث الاجتماعي ، ومن ثم أكمل تدريبه في التحليل النفسي .

    وبعد ان استولت النازية على مقدرات الامور في المانيا ، وبدأت بملاحقة اليهود ، انتقل فروم الى جنيفا ، وفي العام 1934 تحول من هناك الى جامعة كولومبيا في نيويورك . وقد افتتنت به كرين هورني (1952 – 1885) لفترة طويلة ، وهورني هي عالمة التحليل النفسي الالمانية ، والطبيبة النفسية التي تخرجت من النرويج . وكان فروم موضوعا لكتابها المعنون ” تحليل الذات ” . والحقيقة ان فروم ترك اثارا على فكر هورني . كما ان اثر هورني كان حاضرا في فكر فروم .

    ساعد فروم بعد تركه جامعة كولومبيا ، في تأسيس فرع لمدرسة واشنطن للطب النفسي في مدينة نيويورك وبالتحديد في العام 1943 . ويعد فروم المؤسس المشارك لمعهد وليم النسون للطب النفسي ، والتحليل النفسي وعلم النفس . وكان عضوا في كلية بننكتون للفترة من 1941 الى 1950 .

    وعندما انتقل الى مدينة مكسيكو في العام 1950 ، اصبح استاذا في جامعة مكسيكو ، ومن ثم اسس قسم التحليل النفسي في المدرسة الطبية هناك . وظل يدرس هناك حتى وصوله سن التقاعد في العام 1965 . وخلال هذه الفترة درس كأستاذ لعلم النفس في جامعة ميشجان من 1957 الى 1961 ، وكذلك استاذا محاضرا في علم النفس في قسم الدراسات العليا للفنون والعلوم في جامعة نيويورك في العام 1962 . وفي العام 1974 انتقل الى مارلوتو – سويسرا ، ومات في بيته سنة 1980 قبل خمسة ايام من عيد ميلاده الثمانين .

    وسنحاول التركيز على اتجاهات تفكير فروم ومن خلال كتاباته :

    أولا – النظرية النفسية : نشر فروم اول عمل رائد له في العام 1941 ، وكان بعنوان ” الهروب من الحرية ” في نشرته الامريكية . و ” الخوف من الحرية ” في نشرته البريطانية . وحقا ان ” الهروب من الحرية ” ينظر اليه كواحد من الاعمال البالغة الاهمية ، وذلك لان فروم اسس فيه ما يسمى بعلم النفس السياسي . وكان عمله الثاني المهم بعنوان ” الانسان من اجل ذاته ” وهو بحث في علم النفس الاخلاقي ، والذي طبع لاول مرة في العام 1947 ، وهو استمرار واثراء لافكاره التي حملها كتابه ” الهروب من الحرية ” .

    والواقع ان هذين الكتابين شكلا معا خلاصة لنظرية فروم في نظرية الشخصية الانسانية ، والتي هي نمو طبيعي لنظريته في الطبيعة البشرية . كما ان من اشهر مؤلفات فروم ، كتابه المعنون ” فن الحب ” والذي يعد من اكثر المبيعات والتي ظهرت طبعته الاولى سنة 1956 . وفيه اكمل صياغة المبادئ النظرية للطبيعة البشرية والتي كانت اصولها منبوتة في كتابيه ” الهروب من الحرية ” و” الانسان من اجل ذاته ” . وهذه المبادئ سيكون لها حضورا في معظم كتبه .

    ثانيا – تفسير التلمود : كتب فروم عددا من المؤلفات عالج فيها موضوعة الدين . مثل كتابه المعنون ” التحليل النفسي والدين ” الصادر عام 1950 و كتابه الموسوم ” اللغة المنسية : مدخل لفهم الاحلام … ” الذي نشره سنة 1951 ، و مؤلفه المعنون ” التحليلية النفسية والبوذية ” والذي طبع في العام 1960 .

    حقيقة ان من اهم اعماله هو محاولته تفسير التلمود . فروم بدأ هذا العمل منذ كان شابا وقد درس هذا الموضوع تحت مجموعة من رجال الدين اليهودي من امثال الحاخام ج . هوردتز ، ومن ثم عمق دراسته تحت اشراف الحاخام سلمان بروخ رابنكو ، وكان ذلك اثناء عمله في اطروحته للدكتوراه في جامعة هيدليبرك .

    وكذلك درس التلمود تحت اشراف نهمي نوبل ولودفيك كروسو وخلال دراسته في فرانكفورت . وهذا الاهتمام كان متوارثا في العائلة ، فمثلا كان جده وجد والده حاخامان ، وكذلك عم والدته من المشهورين في دراسة التلمود . الا ان فروم تخلى عن يهوديته الارثوذوكسية في العام 1926 واصبح علمانيا يسعى وفق منهج علماني الى تفسير المثل الدينية .

    ثالثا – فلسفة فروم الانسانية : كتب فروم اضافة الى معرفته بالتلمود ، كتابين : الاول ” عقيدة المسيح ومقالات اخرى في الدين … ” والصادر في العام 1963 . والثاني ” قلب الانسان وعبقريته في الخير والشر ” والذي نشره سنة 1964 .

    ولعل من الاعمال الاساسية لفلسفته الانسانية ، هو تفسيره للقصة الانجيلية ” ادم وحواء ونفيهم من جنة عدن ” . رأى ان الانسان قادر على التمييز بين الخير و الشر ، وهو يعتبر الشر فضيلة ، في حين ان دارسي الانجيل ينظرون الى ادم وحواء على انهما خاطئين لانهما عصيا الله واكلا من شجرة المعرفة .

    تخلى فروم من التفسير الديني التقليدي ، وأعلى من الفضائل الانسانية التي تقود الى فعل مستقل ، وتكأ على العقل في انشاء القيم الاخلاقية ، بدلا من الاعتقاد بالقيم الاخلاقية التسلطية . كما ان فروم اعتقد ان الحرية هي مظهر من مظاهر الطبيعة الانسانية ، وليس امام المرء الا اختيارين : اما ان يعتنقها او يهرب منها . ولاحظ ان اعتناق حرية الارادة هو مظهر من مظاهر الصحة النفسية . بينما الهروب من الحرية يكون من خلال اليات الهروب وهي الاساس المولد للصراعات النفسية .

    وتحدث فروم عن ثلاثة انواع من اليات الهروب . وقد لخصها بالكلمات الاتية : التطابق ، التسلطية ، والتدمير . والتطابق يحدث عندما يغير شخص ما ذاته المثالية ويحولها الى شكل من اشكال الشخصية الاجتماعية . وهنا تحدث خسارة الذات الحقيقية . وفي التطابق يتم احلال الواجب مكان الاختيار ، واحلال المجتمع محل الذات .

    اما التسلطية فهي ان يسمح شخص ما لنفسه بالسيطرة على شخص اخر . وبهذا الفعل يتم تعطيل حرية الشخص الاخر تماما واخضاعه لارادة انسان اخر. واخيرا الية التدمير وهي اي محاولة تسعى الى تجريد الاخرين او العالم من الحرية تماما . ويعلق فروم على الية التدمير قائلا : ” التدمير للعالم هو اخر محاولة يائسة لانقاذ الذات من العالم الذي دمرته الذات ” .

    رابعا – نقد فرويد : كتب فروم اربعة كتاب ركز فيها على فرويد ومدرسته في التحليل النفسي . وهما ” مهمة سيغموند فرويد : تحليل شخصيته واثاره ” والذي صدر في العام 1959 . و ” ما وراء الوهم : معارضة لفرويد وماركس ” الذي طبع سنة 1962 . و” ازمة التحليل النفسي ” والذي نشر في العام 1970 . ومن ثم كتابه المعنون ” عظمة فكر فرويد وحدوده ” الذي نشر في العام 1979 .

    لقد دقق فروم في حياة واعمال فرويد ، ووجد ان هناك تناقضا بين النظرية الفرويدية الاولى والنظرية الفرويدية المتأخرة . وبالتحديد في كتابات ماقبل الحرب العالمية الاولى. ففرويد اسس الدوافع الانسانية كنوع من الشد بين الرغبة والكابح ، ولكن بعد الحرب ونتيجة لها ، فأنه وضع الدوافع في اطار الصراع بين الحياة البايولوجية وغريزة الموت .

    ولهذا وجه فروم نقدا لفرويد واتباعه الذين لم يعترفوا بالتناقض بين النظريتين . وانتقد كذلك الثنائية في الفكر الفرويدي ، والتي تتمثل في الاوصاف التي وصف فيها الوعي الانساني على كونه صراع بين قطبين . ويرى فروم ان هذا الوصف ضيق ومحدود . كما شجب فروم الثقافة الماسوجينية ، وهي الثقافة المعادية للمرأة ، والتي تتخفى خلف التحليل النفسي الفرويدي . ورغم هذا النقد ، فأن فروم يحترم بتقديرعال فرويد ويعلي من انجازاته .

    2– الجيل الثاني من مفكري مدرسة فرانكفورت :

    اما الجيل الثاني من مفكري مدرسة فرانكفورت النقدية ، فكان معظمهم من تلامذة الجيل الاول . ولعل من اشهرهم يورغن هابرمس . وقد كتبنا مقالا سابقا عن يورغن هابرمس . وسنشير الى اثنين من الجيل الثاني ، وهما ألبرشت فالمر و ألفرد سشمدت .

    يورغن هابرمس : منذ الستينات من القرن العشرين ، قاد ” يورغن هابرمس ” النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت ، وخصوصا في عمله المتميز في مضمار ” العقل التواصلي ” و”المجال اللغوي” ، وهو المضمار الذي يطلق عليه هابرمس ” الخطاب الفلسفي للحداثة ” (محمد جلوب الفرحان : الاشكال الفلسفي في فكر هابرمس ، منشور على صفحات الموقع في اذار) . ونلحظ اليوم ان بعض من المنظرين النقدين من امثال ” نيكولاس كوميريدز” يعارضون هابرمس ، ويرون ان هابرمس قد قوض التطلعات الناشدة الى انجاز التغيير الاجتماعي . وان هذ التغيير هو الاساس الذي سبب بروز مشروعات متنوعة للنظرية النقدية مثل ما المقصود بالعقل ، وتحليل وتوسيع ” شروط الامكانية ” للتحرر الاجتماعي ، ونقد الرأسمالية الحديثة .

    ألبرشت فالمر: ولد في 9 تموز 1933 ، ولا زال حيا . وتتداول الكتابات اسمه على انه مفكر الماني ، واستاذ في جامعة فريه . درس الرياضيات والفيزياء في جامعتي برلين وكيل ، ومن ثم درس الفلسفة وعلم الاجتماع في جامعة هيدليبرك وفرانكفورت . وعمل مساعدا ليورغن هابرمس في جامعة فرانكفورت من 1966 الى 1970 .

    حصل على الاستاذية من جامعة كونستانز ، وهي مدرسة جديدة للبحث الاجتماعي ، ومن ثم استاذا في جامعة فريه في برلين . وكان استاذا زائرا في جامعة هارفارد ، والمدرسة الجديدة للبحث الاجتماعي ، وفي جامعة أمستردام .

    وفي العام 2006 حصل على جائزة ثيودور ادورنو ، وهي جائزة عالية التقدير تمنح للانجازات في حقول الفلسفة ، والمسرح ، والموسيقى والسينما . ضمت اعماله كتبا وابحاثا غطت مجالات مثل علم الجمال ، النظرية النقدية ، الاخلاق ، الحداثة ، وما بعد الحداثة . كما وكتب عن مجموعة من المفكرين من امثال أدورنو ، هابرمس وفيتجنشتاين .

    واهم كتب ألبرشت فالمر :

    النظرية النقدية للمجتمع 1971

    الاخلاق والحوار 1986

    مثابرة الحداثة 1991

    الثورة والتفسير 1998

    ألفرد سشمدت : ولد في 19 مايس 1931 في برلين ، درس أولا التاريخ واللغة الانكليزية . ومن ثم فقه اللغة الكلاسيكية في جامعة غوته في فرانكفورت . بعد ذلك درس الفلسفة وعلم الاجتماع . وكان احد طلاب ثيودور ادورنو وماكس هوركهايمر ، وترقى علميا بعمله عن مفهوم الطبيعة في كتابات كارل ماركس . وشغل درجة استاذ الفلسفة وعلم الاجتماع في جامعة فرانكفورت للفترة من 1972 وحتى تقاعده في العام 1999 .

    ومن الموضوعات الاساسية التي اشتغل عليها في ابحاثه : النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت ، فلسفة الدين ، وفلسفة شوبنهاور .. وقد حصل على جوائز تقدير من جمعية شوبنهاور .

    تعقيب ختامي :

    ضمت مدرسة فرانكفورت النقدية ، عددا من الماركسين الساخطين على الاعتقاد الماركسي الشائع يومذاك . ولذلك كانوا يحسبون ان بعضا من اتباع ماركس تحولوا الى ابواق دعائية ، تردد منظومة محددة من افكار ماركس ( نشيدا مدرسيا ) يدافع عن الاحزاب الشيوعية الارثوذوكسية .

    كما ان نشر مخطوطات ماركس في الثلاثينات من القرن العشرين ، وبالتحديد المخطوطات الاقتصادية والفلسفية ، والايديولوجيا الالمانية (مخطوطات 1844) قد كشفت بصورة واضحة عن استمرارية فكر ماركس مع الهيجلية . مما عمق الخلاف بين منظري مدرسة فرانكفورت النقدية والفكر الماركسي الرسمي المدعوم من قبل ماكنة اعلام الاحزاب الشيوعية .

    ولعل ما يميز منظري مدرسة فرانكفورت ، هو انهم كتبوا نصوصهم الفكرية الداعية الى التجديد في الاطروحة والمنهج الماركسيين ، بعد اختبار النظرية الماركسية التقليدية والتطورات الجديدة في المجتمعات الرأسمالية وتجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي. مما كان الحاصل هو اكتشافهم ان النظرية الماركسية التقليدية ، نظرية غير كافية لتفسير هذه التطورات الحاصلة في المجتمعات الرأسمالية في القرن العشرين . ولهذا تميز خطابهم بكونه خطاب نقدي لكل من الرأسمالية والاشتراكية السوفتية . كما وان القارئ يشعر وهو يقرأ كتاباتهم ، بأنهم يدعون الى طريق بديل في التطور الاشتراكي .

    ان الثغرات التي اكتشفت في الماركسية التقليدية ، حملت منظري مدرسة فرانكفورت الى التفتيش عن امكانية فكرية تعين في ملأ هذه الثغرات . وفعلا بدأوا التفكير خارج دائرة التقكير الماركسي التقليدي . فوجدوا ان هذه الامكانية الفكرية متوافرة في ساحات مدارس فكرية أخرى . ولهذا يلاحظ القارئ بيسر الى ان منظري مدرسة فرانكفورت قد اخذوا اشياء من علم الاجتماع الا وضعي (المعارض للوضعية) ، وتبنوا اشياء من مدرسة التحليل النفسي ، وشاركوا الفلسفة الوجودية في اشياء اخرى .. وظل باب الافادة من مدارس فكرية اخرى مفتوحا امام مفكري مدرسة فرانكفورت .

    ولعل السمة التي تجمعهم ، هي انهم يتحدثون عن اطار عقلي مشترك ، كما انهم يتداولون مجموعة واحدة من الافتراضات ، وانهم مشغولون بالبحث عن اجابات على اسئلة متشابهة .

    لقد تعلم المنظرون الرئسيون لمدرسة فرانكفورت من امكانية صياغة منظومات فكرية خاصة لهم ، وهي في حقيقة الامر تجميع فكري مستبطن لفلسفة كانط ، هيجل ، ماركس ،ونهج فرويد ، ماكس فايبر وجورج لوكاش .. ونحسب انه من المفيد ان نذكر في هذا المضمار الى ان تأكيد منظري المدرسة على حد ” النقدي ” في نظريتهم ، لهو دليل على انهم تغلبوا على الحدود الضيقة لكل من الوضعية ، المادية والجبرية . وقد ساعدهم في ذلك ، هو العودة الى فلسفة كانط ، كما وفي العودة الى خلفاء كانط ، خصوصا فلاسفة المدرسة المثالية الالمانية ، وبشكل محدد فلسفة هيجل ، مع التأكيد على ان الديالكتيك والتناقض هما السمتان الملازمتان للحقيقة .
يعمل...
X