إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بقلم حميد خزعل - سوزان بشناق- همس أنثوي ....

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بقلم حميد خزعل - سوزان بشناق- همس أنثوي ....




    سوزان بشناق-

    همس أنثوي ....

    بقلم الفنان والناقد التشكيلي

    حميد خزعل


    منذ أن تعرّفت إلى أعمال الكويتية سوزان بشناق، وأنا لا أرى في مساحاتها سوى "المرأة" تطلّ بصورتها المتألّقة وسط محيط المشهد اللونيّ، وأسمع همس حديثها الصامِت الذي يبدّد قلق الحوار اليومي، ويحتلّ على استحياءٍ مسامِعنا المُثقلة بأصوات صراخنا المبحوح، ويشكّل رؤيتنا البصرية التي تبدأ يومها متردّدة بين لذّة دفء الفراش والاستسلام لحالة "اللاشيء"، وإلحاح صوت الواجبات اليومية برتابتها المملّة التي نبدأها بالتثاؤب ثم تصفّح الجريدة التي تئنّ أوراقها تحت وطأة أطنانٍ من الحروف والكلمات تبزّ الغبار في حجمها ولزوجتها، فتبعث في نفسك الإحساس بطقس يومٍ شديد الرطوبة يعاكس مزاجك المتقلب! بين مسافة السمع والبصر نتقابل كلّ يومٍ مع نصفنا الآخر في مساومةٍ عقيمةٍ ومقزّزة حول حقوقها وحريّاتها؛ إنّه نوعٌ من الأزيز يحرّك طبلة الأذن ولا يخرقها! كان لا بدّ لي بأن أبدأ هذا "النصّ" اللوني بهذه المقدمة. ففضاءات "إناث" سوزان بشناق تخلو من هذا الأزيز، إنّه عالمٌ بذاته، مشحونٌ بخصوصيّة مُفرِطة في حساسيتها، لا تليق سوى بكائنات هذه الفنّانة المتخصّصة بفنّ "الهمس الأنثوي"! في كل المحاولات التي تشكّل مجمل مساحاتها اللونيّة تنأى بـ"هوانمها" المُترفات عن حلبة الصراع المتوارث بينها وبين "الآخر". وكلّما حضرت لها مشاركة جماعية أو عرض، أجِدني أتعامل مع مجموعةٍ من الكائنات الأرستقراطية وهنّ يتواصلنَ معك بكثيرٍ من الحذر المغلّف بذكاءٍ متفوّق. قانون التواصل في هذا المجتمع المخملي يفرِض عليهن أسلوب التعامل مع "الآخر"، وبالتالي عليك أن تعرف كيفية التعامل "بصرياً" مع هذه الكتلة من الرقّة المتّشحة بالترف اللونيّ في عالمٍ تُتداول فيه النظرات همساً!. مترفةٌ ورقيقةٌ مساحات "بشناق" اللونية، وتتوسّط مشهدها التعبيري رؤيةٌ متفرّدة لخصوصية التكوين ورقّة الإحساس وسلاسة الصياغة اللونية. أهمّ ما يميز أسلوبها هو تبسيطها للغة الطرح البصري في محيط لوح الرسم، وهذا ما جنّبها الدخول في متاهة الحوار اللغوي لموضوع العمل (النمطيّ) الذي غالباً ما يرتكِز على مشاهداتٍ ومواضيعٍ وحواراتٍ يوميّة، تؤلّف بالتالي ما نسمّيه قضايا الساعة، وغالباً ما نزجّ بأنفسنا كفنّانين في خضمّ هذا الآتون اليومي المستعِر لنُثبت للعالم بأنّ مُنجَزَنا ما هو إلاّ وليد محيطنا، وربيب قضايا الساعة؛ وفي نهاية الأمر نصِل إلى طريقٍ مسدودٍ نعرض فيه سلوكاً لونيّ وبصريّ منقوص في أغلب الأحيان لا يتعدّى حدود المُلصق الإعلاني، وحتى هذا الاندفاع في احتواء الحدث لا يغفر لك ردّة الفعل العاطفية والفكريّة لدى الآخرين، ففي أغلب الأحيان يأتيك أحدهم ليسألك ببلاهةٍ تعجز عن استيعاب هذه الأشكال بصياغتها اللونية: "إلى ماذا ترمي إليه في هذه اللوحة؟". في مجموعتها الأخيرة هي لا ترسم الأشكال، ولا تشكل خطوط هذه الكائنات التي تشعّ رقةً وبهاءً، بل تترُك العنان لكتلها اللونية لتتحرّك بحرية مُطلقة في فضاء المشهد، تنسِج صورته التعبيرية. فيحتار البصر في قراءة هذه الصورة، بين سديمٍ كوني تتلألأ نجومه وتختلِط ألوانه بإعجاز، وبين مادةٍ مصدرها "حُلَمٌ" تنبض بالحياة، تتشكل في محيطٍ من الغرابة اللونية أجساداً بضة، وتتخلّق في صورة أنثى تستحوذ على مشاعرك .
    تشدّك هذه المكونات "الأنثوية" بحرارة صياغتها التي تنساب من بين جنباتها رائحة بخورٍ شرقي يرسم دخّانه صورةً ضبابيةً ملوّنة من خيال ألف ليلة وليلة. كلّما تمعّنت أكثر ذابت أفكارك في حفيف هذا اللون الحريريّ الذي تلبّس كائنات "بشناق"، وتوسّلت أحلام اليقظة في داخلك لتنصهِر روحك بهدوء في هذا السديم اللوني، لتسكُنَ إلى ما لا نهاية وسط همسةٍ أنثوية.
يعمل...
X