إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لامارتين الفرنسي في بيروت‏ - إعداد : المحامي بسام المعراوي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لامارتين الفرنسي في بيروت‏ - إعداد : المحامي بسام المعراوي

    لامارتين الفرنسي في بيروت‏
    إعداد : المحامي بسام المعراوي
    حين وصل لامارتين إلى بيروت، استأجر بيتاً محاطاً بالبساتين عند أبواب المدينة، وبعد أن استراح من عناء السفر خمسة عشر يوماً، ترك زوجته وابنته جوليا في بيروت، ومضى في قافلة من الجياد تحمل حاشية من اللبنانيين والمصريين، ليزور بلاد الجليل والسامرة وصور وصيدا.. ولدى عودته إلى داره كتب إلى صديقه فيريو يقول:‏
    "لقد طفت مدة خمسة وأربعين يوماً، فزرت الجليل وفلسطين ولبنان والأردن وبحيرة طبريا والبحر الميت وصور وصيدا، وكان الطاعون متفشياً في القدس، لكن هذا لم يمنع من دخولي إليها، وعدت سليماً معافى مع حاشيتي الكبيرة، بفضل الاحتياطات التي اتخذتها على يد إبراهيم باشا" وكانت جيوش إبراهيم باشا آنذاك تحتل سورية ولبنان.‏
    ثم يحدثه عن منزله الذي يبعد مسافة عشر دقائق عن بيروت فيقول: "مامن لذة تعدل اللذة التي استمتعنا بها ساعة استفقنا من الرقاد عقب الليلة الأولى التي صرفناها في دارنا. لقد تناولنا طعام الإفطار على سطح فسيح يشرف على جهات جميلة.. تقوم الدار على مسافة عشر دقائق من المدينة، ويوصل إليها من طريق مظللة بأشجار الصبار التي تتدلى ثمارها الشائكة، حتى لتكاد تلامس رؤوس العابرين، ويجتاز المار ببعض الجسور القديمة، والأبراج الكبيرة المربعة، التي شيدها أمير الدروز فخر الدين المعني..‏
    "ويقوم على مقربة منا بيتان أو ثلاثة تشبه بيوتنا في فرنسا، يوشحها إزار من أشجار البرتقال المزهرة والمثمرة، وهناك عرب جالسون على البسط، فوق سطوح بيوتهم يدخنون، ونساء تطل برؤوسها من النوافذ لتبصرنا، لكنها سرعان ما تحتجب حياء وخجلاً".‏
    "وهناك أسرتان عربيتان تتناولان طعام الغداء في ظلال شجرة تخيم على عتبة دارهما، وعلى مقربة منهما ـ تحت شجرة أخرى ـ فتاتان سوريتان لم يقع بصري على أجمل منهما، ترتديان ثيابهما في الهواء الطلق، وتملأان شعرهما أزهاراً بيضاء وحمراء، شعر إحداهما طويل وكثيف، يوشك أن يغطي جسدها كاملاً، كأنما هو أغصان شجرة صفصاف باكية، تتدلى على جذعها، فتحجبه من جميع أطرافه".‏
    "لقد ألقيت لها قبضة من الغازي، وهي قطع صغيرة من الذهب تعلقها السوريات بخيط من الحرير، لتصنع منها عقود أو سوارات، فجمعت كلتا يديها، ورفعتهما إلى رأسها لتشكرني، ثم دخلت إلى الغرفة السفلى لتراها أمها وأختها".‏
    ويصف مآذن الجوامع والقلاع في بيروت فيقول: "عندما انحدرت إلى الجهة المعاكسة للبحر شاهدت مآذن الجوامع العالية تنتصب في أديم الصباح الأزرق المتموج، والقلاع المغربية التي تخيم على المدينة، وتعشش في جدرانها المهجورة شجيرات التين والقرنفل وغيرها".‏
    ويختم كلامه بالحديث عن الهيكل المقدس في القدس فيقول: "لقد استولى الأتراك على الهيكل المقدس استيلاء مكنتهم منه الحرب، إلا أنهم لم يهدموه، ولم يشوهوا جهة من جهاته، بل يحرسونه بخشوع واحترام وتقوى تقتضيها العبادة المسيحية ولقد رأيت حراس هذا الهيكل فلم أقع في وجوههم وحركاتهم وأحاديثهم على شيء من ذلك الاحتقار الذي يتهمهم به البعض، ولولا هؤلاء الأتراك، لكان القبر الذي يتنازعه الأرثوذكس والكاثوليك من جهة، وسائر الطوائف المسيحية من جهة أخرى، قد استحال مئة مرة إلى موضوع خصام وجدال بين تلك الطوائف المتنازعة فأي ذنب اقترفه الأتراك إذن؟ الحقيقة أنه حيثما رأى المسلم فكرة الله في روح أخوته، احترمها وانحنى أمامها.‏
    كان ثمة حزن عميق ينظر لامارتين عند عودته إلى بيروت، ففي السابع من شهر كانون الأول 1832 م ماتت ابنته جوليا، وهي في العاشرة من عمرها، وكانت قد أصيبت بداء الصدر في فرنسا، فظن أن هواء لبنان العليل قد يشفيها من علتها، لكن آماله ذهبت أدراج الرياح ولفظت أنفاسها الأخيرة بين ذراعي والديها، من غير أن تقاسي كثيراً من الآلام، فحنط جثتها ودفنها دفناً مؤقتاً عند أصل شجرة خرنوب مزروعة قرب داره، وكان عليه أن ينظر قدوم الربيع ليتمكن من العودة إلى فرنسا، فانتظر ثلاثة أشهر على أحر من الجمر، وفي أحد الأيام شعر بالحزن يملك عليه جميع مشاعره، فكتب إلى صديقه فيريو يقول:‏
    "أكتب إليك لأطلعك على النكبة التي نزلت بي فهدمت مستقبلي، وجهمت في عيني جميع ألوان الحياة، وها أنا اليوم مسمر في مكاني، ريثما يسمح لي الربيع القادم بالعودة إلى فرنسا... أما حياتي في هذا العالم فقد انتهت، وأصبحت أعيش كما تعيش البهيمة".‏
    وشاء لامارتين أن يروح عن نفسه بعد هذه النكبة القاصمة، فترك بيروت في الثامن عشر من شهر آذار (مارس) وراح يطوف في آثار بعلبك ودمشق، في حين كانت زوجته الحزينة تزور الأماكن المقدسة.‏
    وفي الثلاثين من شهر نيسان(إبريل) سافر الشاعر وزوجته وحاشيته إلى يافا، ومنها إلى القسطنطينية، حيث صرفوا شهرين كاملين، بعد أن أرسلوا نعش جوليا إلى مرسيليا، وفي منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 1833 م ذهب إلى مرسيليا وتسلم النعش، فحمله تواً إلى قصر سان بوان، ودفنه في كنيسته الصغيرة التي حوت رفات والدته، ويقال إنه ظل طوال تلك الليلة يتحدث إلى روح وحيدته.‏
    في عام 1834 م، وبعد مرور أربعة عشر شهراً على موت جوليا، كتب لامارتين قصيدته "الجثمانية" أو موت جوليا، ونشرها في كتابه "رحلة إلى الشرق"، قبل أن تنشر في أي صحيفة أو ديوان، فنالت من الشهرة ما نالته قصيدة فيكتور هيجو في ابنته "ليوبولدين"، التي ماتت غرقاً، وإليكم هذه المقاطع منها:‏
    كانت الثمرة الوحيدة من تلك الأزهار التي قطفتها،‏
    وكانت دمعة في رحيلي، وقبلة في عودتي،‏
    وعيداً دائماً في بيتي.‏
    كانت شعاعاً من الشمس على نافذتي،‏
    وعصفوراً غرداً يشرب من فمي‏
    ولحناً موسيقياً يتصاعد في الليل قرب مرقدي.‏
    وكانت أكثر من ذلك كله،‏
    كانت ـ واحسرتاه!! ـ صورة أمي‏
    يخيل لي أن نظرات أمي تعود في عينيها،‏
    وكان صوتها صدى عشر سنوات من الغبطة،‏
    وكانت قدمها في البيت تملأ الهواء سحراً وعذوبة‏
    وبصرها ينفر الدموع في عيني.‏
    وابتسامتها تضيء قلبي.‏
    لم تكن نظراتي وقلبي،‏
    وهي تسكرني غبطة وصلاة،‏
    لتنتبه إلى أن جبينها يثقل ذراعي من يوم إلى يوم،‏
    وإن قدميها تثلجان يدي كالحجر.‏
    جوليا! جوليا! لماذا تشحبين؟‏
    تكلمي! ابتسمي! وافتحي عينيك لأقرأ فيهما.‏ ‏
    ألا أن زرقة الموت، كانت تزنر شفتها الوردية،‏
    وكانت الابتسامة تموت عليها حالما تولد،‏
    وأنفاسها القصيرة تزداد سرعة كخفقان جناح،‏
    وعندما حملت روحها في آخر نفس،‏
    مات قلبي في صدري‏
    كالثمرة التي تحملها المرأة في أحشائها‏
    ميتة باردة!..‏
    إذا كانت إيطاليا قد فتحت عيني لامارتين على الجمال الفتان، فالشرق هو الذي كشف له الآفاق اللا محدودة، وجمال الصحراء القاحل.. فأمام آثار بعلبك وتدمر، وأمام عظمة أرز لبنان، رحبت مخيلة لامارتين. وفي لجج الآلام، وصمت الوحدة الروحية، وتجاه مشاهد الطبيعة الفاتنة، والماضي العريق، اكتسبت مخيلته أيضاً ذلك النشاط الوثاب، وتلك الرحابة اللذين بقي محافظاً عليهما طوال حياته.‏
    إن في روح لامارتين وفي مخيلته جمالاً شرقياً طغى على الجمال الغربي الذي انحسرت آياته لدى انعكاس المشاهد الشرقية عليها.‏
    جاء لامارتين إلى الشرق ليبحث عن ذلك الجمال المحتجب وراء أكماته، وبين آثاره الخالدة، فتراءت له بقايا الأديان والتقاليد والفن والجمال.. فاتسع خياله، واغتنت نفسه بهذه الآثار التي حمل أسرارها إلى بلاده.‏
    إن من يطالع روايته "سقوط ملاك" يرى روح الأنبياء متقمصة في شذرات من العهد القديم، ومن يطالع روايته "جوسلين" يرى في وصف مغارة النسور، أو في وصف الشتاء والصيف والربيع والخريف ـ ذلك الوصف الذي أعاره لجبال "الدوفينة" صورة واضحة عن صنين وجبل الكرمل، ومن يتمعن في هيئة الفلاح الذي هدى جوسلين إلى مغارته يتمثل له الفلاح السوري في عباءته ومهمازه.‏
    لم يكن لامارتين كأولئك الكتاب الأوروبيين الذين مروا في هذه البلاد مرور الطيف، واكتفوا بأسبوع أو أسبوعين ليكتبوا عنها المجلدات، ويصفوها من أطرافها إلى أطرافها، بل كان من أولئك الذين يحترمون أنفسهم، ولا يبخسون الآخرين حقوقهم في تقاليدهم وعاداتهم، ولا يشوهون أشياءهم الجميلة بفلتات من ألسنتهم تدل على تحاملهم وجهلهم.‏
    كان أول من عرف الأوروبيين إلى سورية ولبنان، وكشف لهم تلك الكنوز الشعرية الدفينة فيهما، ونظر إلى آثارنا نظرة احترام وإعجاب وتقدير، وهو يعلم حق العلم، أنها ليست بقايا مدافن طواها الزمن، بل شواهد ناطقة لمدينة عظيمة، لا تزال الحياة تنبض في رسومها وآثارها.‏
    فلنسمعه يصف روعة المناظر الخلابة، ويتأمل عظمة البحر والصحراء وجمال الثلوج، ويشيد بكرم الفلاح العربي:‏
    "صعدنا نتسلق الجبال، فأبصرنا وراءنا البحر يحتجب رويداً رويداً عن الأنظار، وقد انبثق الفجر، وأطلت شعفات القمم تذوب على رؤوسها أكوام الثلج، فتراءت لنا الصحراء الفسيحة، تلمع تحت بخارها الناري كقطعة من الحديد أعارتها النيران لونها الأحمر، أو كمحيط عظيم لا شواطئ له تسبح فيه الشمس والجبال والغيوم!".‏
    "بقينا ثلاثة أيام نسير في طريق وعرة، فنجتاز المجاري المنحدرة من أعالي الجبال، ونمر على خيام العرب المنتشرة هنا وهناك، كأنها صخور بيضاء تلمع خلال الأغصان، وعندما يهبط الليل، نحل ضيوفاً مكرمين على قبائل الفلاحين، فالشرق يكرم الضيف أياً كان".‏

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    لامارتين الفرنسي في بيروت‏ - إعداد : المحامي بسام المعراوي

  • #2
    رد: لامارتين الفرنسي في بيروت‏ - إعداد : المحامي بسام المعراوي

    موضوع رائع 000أقسم بالله عندما قرأت القصيدة إنهمرت دموعي للتأثر
    لا مارتين شاعر مذهل عاش سحر الشرق في روحه وخياله فانعكس على أدبه كحبات اللؤلؤ تزين جيد العروس الأوربية
    وللأخ الكريم المعد والكاتب أتمنى عليكما أشد التمني أن تكتبا عن لا مارتين وشعره
    لأنه بداية شعر مهم ومفيد وتاليا" قد بحثت كثيرا" عن أثاره فلم أجد ما يروي ظمأي
    قيمة المرء ما يحسنه

    تعليق

    يعمل...
    X