إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مذكرات لامارتين عن زيارته لسوريا - إعداد : المحامي بسام المعراوي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مذكرات لامارتين عن زيارته لسوريا - إعداد : المحامي بسام المعراوي

    لامارتين الفرنسي
    وأضواء على
    رحلته إلى سورية‏
    إعداد : المحامي بسام المعراوي

    وقد كانت في ( 1 نيسان 1833 م ) حيث قال في مذكراته :
    في الساعة السادسة صباحاً امتطينا الخيل وشرعنا في رحلتنا (من بعلبك إلى دمشق) دون توقف فيما بين جبال جرداء شاهقة المنحدر ولا يفصلها عن بعضها سوى شعاب ضيقة حيث تجري سيول من ذوبان الثلج، لا شجر ولا نميص. أشكال تلك الجبال المفتتة غريبة تمثل آثاراً بشرية، منها أثر عال ضخم شا قولي المرتقى من جميع الجهات مثل هرم. قد يبلغ محيطه فرسخاً ولا يستطيع أحد أن يكتشف كيف تمكن الناس من تسلقه. فما من أثر ظاهر لدرب أو درجات مع أن أيادي بشرية حفرت مغائر من جميع القياسات في جميع منحدراته...‏
    تركنا هذا الجبل إلى شمالنا وما لبث أن صار خلفنا وهبطنا بسرعة من خلال منخفضات عسير سلوكها إلى واد أعرض وأكثر انفتاحاً يجري فيه نهر. وبدأت تظهر لأعيننا على جانبيه من خلال شقوق الصخور التي تحف بالنهر أشجار الصفصاف والحور وأشجار مختلفة كثيرة أخرى أغصانها متشابكة بصورة غريبة، أوراقها سوداء. سرنا وتلك الضفاف ساعات مفتونين ونحن ننحدر دون أن نلاحظ ذلك. النهر يرافقنا وهو يخر ويزبد تحت أرجل خيلنا. الجبال العالية التي تشكل الشعب حيث يسيل النهر تبتعد وتتكور فتتحول إلى تلال عريضة مشجرة تلقي عليها الشمس الغاربة أشعتها، إنها أول منفذ إلى مابين النهرين: صرنا نرى أودية فسيحة تنفتح شيئاً فشيئاً على سهل الصحراء الكبير مابين دمشق وبغداد. الوادي حيث كنا أخذ يتسع والماء يجري فيه ببطء. وبدأنا نلمح على يمين النهر وشماله بقايا زرع ونسمع أصوات قطعان بعيدة. بساتين من أشجار المشمش الكبيرة وأشجار الجوز تحف بالطريق. وما عتمنا أن فوجئنا برؤية سياجات، كما في أوروبا، تفصل بين البساتين والحدائق المزروعة بقولاً وأشجاراً مثمرة مزهرة. حواجز أو أبواب خشبية تنفتح هنا وهناك على تلك الحدائق الجميلة. الطريق عريضة سوية معتنى بها جيداً كالطرق التي حول إحدى مدن فرنسا.‏

    الزبداني


    ليس فينا أحد كان يعلم بوجود هذه الواحة الخلابة في وسط جبال لبنان الشرقية الوعرة. كنا نقترب طبعاً من مدينة أو قرية نجهل اسمها. وصادفنا فارساً عربياً قال إننا على مقربة من قرية كبيرة تدعى الزبداني. وبدأنا نرى الدخان المرتفع منها فوق أعالي الأشجار الكبيرة النابتة في الوادي، حتى دخلنا شوارع القرية. إنها عريضة ومستقيمة ذات أرصفة من حجارة. والبيوت التي على جانبيها كبيرة وحولها باحات ملأى بالحيوانات، وبساتين مروية ومزروعة تماماً. النساء والأولاد يهرعون إلى الأبواب ليرونا ونحن نمر، ويستقبلوننا بوجوه باشة باسمة. سألنا إذا كان يوجد فندق نستطيع أن ننزل فيه لنبيت ليلة؟ فأجابونا بالنفي لأن الزبداني ليست على أي طريق ولا تمر بها أي قافلة. وبعد أن سرنا طويلاً في شوارع القرية وصلنا إلى ساحة كبيرة عند حافة النهر فوجدنا هناك بيتاً أكبر من البيوت الأخرى وفي مقدمته مصطبة محاطة بالأشجار فعلمنا أنه منزل الشيخ. فتقدمت مع ترجماني وطلبت منزلاً للمبيت فهرع الخدم إلى إخبار الشيخ فأسرع هو نفسه إلينا: إنه شيخ جليل أبيض اللحية جميل المظهر، وقدم لي بيته كله باهتمام وترحيب واستقبال للضيافة ما رأيت مثله من قبل في أي مكان آخر، وفي الحال استلم الخدم العديدون وأهم رجال القرية خيولنا وقادوها إلى حظيرة واسعة فأنزلوا الأحمال وجاؤوا بأكداس من شعير وتبن. وأخلى الشيخ نساءه من غرفهن بعد أن أدخلنا إلى ديوانه (المضيف) حيث قدمت إلينا القهوة والشراب، ثم ترك لنا جميع غرف المنزل. وسألني إذا كنت أريد أن يهيء لنا خدامه الطعام. فرجوت منه أن يسمح للطاهيّ أن يعفيهم من هذا العناء وأن يأتيني فقط بعجل وبعض الخراف لنجدد مؤونتنا التي نفدت في بعلبك. وبعد بضع دقائق جيء بالعجل والخراف بعد أن ذبحها جزار القرية. وفيما كان رجالنا يهيؤون لنا العشاء عرفنا الشيخ بوجهاء سكان البلد وبأهله وأصدقائه. وطلب مني أن آذن لنسائه بأن يدخلن على السيدة لامارتين زوجتي وقال: "إنهن يرغبن جداً في رؤية امرأة أوروبية ومشاهدة ثيابها وحلاها". وبالفعل مرت نساء الشيخ وهن محجبات بالديوان حيث كنا ودخلن غرفة زوجتي. كن ثلاثة: الواحدة متقدمة في السن كأنها أم الاثنتين الأخريين، والصغيرتان كانتا رائعتي الجمال وبدتا كثيرتي الاحترام والاعتبار والحب نحو كبيرتهن في السن. وقدمت زوجتي لهن بعض الهدايا وهن من جهتهن فعلن مثل ذلك. خلال هذا اللقاء جاء بنا شيخ الزبداني الجليل إلى مصطبة كان بناها قرب منزله عند حافة النهر تحملها ركائز مغروزة في مجرى النهر نفسه. وكانت تلك المصطبة مغطاة بالبسط وعلى جوانبها ديوان، تظللها هي والنهر شجرة ضخمة كالتي كنت رأيتها عند حافة الطريق. وهنا في ظل الشجرة التي يأوي إليها ويغرد على أغصانها ألف طائر يقضي الشيخ أوقات فراغه كما يفعل جميع الأتراك في الإصغاء إلى خرير الماء والتمتع بمرأى مياه النهر الباردة المزبدة الجارية تحت ناظريه. جسر من الألواح يصل البيت بهذه المصطبة المعلقة. إن هذا المكان هو أحد أجمل الأمكنة التي شاهدتها في رحلتي. البصر ينزلق على آخر تلال جبال لبنان الشرقية المكورة التي تشرف على ِأهرام صخر أسود أو قمم من الثلج وينحدر مع النهر وأمواجه المزبدة فيما بين قمم أشجار غابات مختلفة غير متساوية ترسم مجراه حتى تضيع وإياه في سهول مابين النهرين المنحدرين التي تمتد مثل خليج من خضرة في منعرجات الجبال.‏
    وعندما أصبح العشاء جاهزاً رجوت من الشيخ أن يتكرم بمشاركتنا فيه. فقبل راضياً وبدا عليه السرور لرؤية طريقة الأوروبيين في الأكل. ماكان رأى قبل اليوم أي أداة من أدوات موائدنا وما شرب خمراً قط ونحن ما حاولنا حمله على ذلك.
    تكلمنا كثيراً على أوروبا على عاداتنا التي يبدو أنه كان كثير الإعجاب بها. وحدثنا عن طريقة إدارته قريته. لقد حكمت أسرته مدة قرون هذه الناحية الممتازة من جبال لبنان الشرقية، وإن الفضل في التحسينات الجارية في الأملاك والزراعة والشرطة والنظافة التي أعجبنا بها ونحن نجتاز أرض الزبداني يعود لأسرة الشيخ الممتازة. الأمر كذلك في الشرق كله. كل شيء شاذ وخارج على القياس. الخير مثل الشر يستمر هنا بلا نهاية. لقد استطعنا بالاعتماد على هذه القرية الفاتنة أن نحكم على ما يمكن أن تكون هذه الأقاليم التي أعيدت إلى خصبها الطبيعي.‏
    أعجب الشيخ كثيراً بسلاحي ولاسيما بمسدسي. ولم يستطع أن يخفي جيداً السرور الذي يسببه له امتلاك هذا السلاح. ولكنني لم أكن قادراً على تقديمه له: فهما مسدساي للمعركة وكنت أريد الاحتفاظ بهما حتى عودتي إلى أوروبا. فقدمت له هدية ساعة ذهبية إلى زوجته. فأخذ الهدية مع كل الممانعة المهذبة التي تصدر عنا في أوروبا لقبول مثلها. يظهر أنه راض تماماً مع أني ما شككت قط في تفضيله المسدسين. وجيء لنا بكمية من المخدات والبسط من أجل النوم، ففردنا في هذا الديوان الذي كان هو ينام فيه، ونمنا على صوت خرير النهر الذي كان يجري تحت أسرتنا.‏
    وفي اليوم التالي عند طلوع النهار اجتزنا النصف الثاني من قرية الزبداني وهو أجمل مما رأيناه في اليوم السابق. وأمر الشيخ بعض رجال عشيرته بأن يرافقونا حتى دمشق. عندها سمحنا لفرسان بعلبك بالعودة لأنهم قد لا يكونون في مأمن في أرض دمشق. فسرنا ساعة في طريق يحدها سياج حي واسع ومعتنى به كثيراً، كما في فرنسا. الطريق تظلله قبة من أشجار المشمش والأجاص. وتمتد على جانبيه يميناً وشمالاً حدائق لانهاية لها ثم حقول مزروعة فيها أناس كثيرون وحيوانات. جميع هذه الحدائق ترويها سواق تنحدر من الجبال التي إلى الشمال، المكسوة قممها بالثلج. والسهل فسيح ولا شيء يحده في نظرنا سوى غابات الأشجار المزهرة، وبعد ثلاث ساعات من السير كما لو كان وسط أجمل المناظر في إنكلترا أو لومبارديا دون أن يذكرنا شيء بالصحراء والبربرية وصلنا إلى أرض قاحلة وعرة لا يُرى فيها كلياً تقريباً نبت ولا زرع. التلال الصخرية التي لا يكاد الطحلب الأصفر يغشيها تمتد أمامنا تحدها الجبال الجرداء الرمادية اللون. نزلنا في خيامنا عند سفح تلك الجبال بعيداً عن كل مكان مأهول. ونمنا ليلتنا هناك على ضفة سيل ضيق وعميق يسمع له دوي كدوي رعد لا ينتهي في شعب من الصخور يجري فيه ماء عكر ورضاب ثلج.‏
    وامتطينا الخيول في الساعة السادسة، إنه اليوم الأخير، فأكملنا في ضواحي دمشق لبس ثيابنا التركية حتى لا نعرف بأننا من الفرنجة وارتدت زوجتي ثوباً كثوب النساء العربيات وإزاراً من نسيج أبيض لفها من رأسها حتى قدميها. وحسن مرافقونا من العرب هندامهم وأشاروا إلينا بأصابعهم إلى الجبال التي بقي علينا أن نجتازها وهم يصرخون: الشام! الشام! هذا اسم دمشق.‏
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    مذكرات لامارتين عن زيارته لسوريا - إعداد : المحامي بسام المعراوي

  • #2
    رد: مذكرات لامارتين عن زيارته لسوريا - إعداد : المحامي بسام المعراوي

    أكرم بكم من عرب أباة 0000أحفاد حاتم
    قيمة المرء ما يحسنه

    تعليق

    يعمل...
    X