تويت
مسالك الكلام : بقلم : حمري بحري
أدب الشباب بين النقد والابداع
حمـري بحـري
هذا هو عنوان الملتقى الثاني ، الذي جرت اشغاله على مدار أيام 28 و 29 و 30 مارس 2013 ببلدية الأخضرية ، ولاية البويرة ، والذي شارك فيه مجموعة من الشعراء والكتاب ، جاؤوا من مختلف انحاء الوطن ، وانا هنا لا اقوم بتغطية هذا الملتقي ، بقدر ما اود أن أقف بإيجاز ، عند مسألة ادب الشباب وأدب الشيوخ ، ومفهوم النقد وكذلك الابداع .
اولا : هل هناك ادب للشباب واخر للشيوخ ؟ انا في تصوري ، ان الكتابة الابداعية لا تتعلق بالسن ، بقدر ما تتعلق بالموهبة ، التي منح نفسها للقلائل من الكتاب ، على مر العصور ، وقد يكتب الشاب شعرا وهو في مقتبل العمر ويبدع فيه ، مثل ما حصل مع الشاعر الفرنسي آرثر رامبو ، اذ كتب وهو في سن المراهقة ، ومع ذلك استطاع ان يجعل من الشعراء في اوروبا ، ان يعيدوا النظر في طريقة كتابة القصيدة ، وقد كان له التأثير البالغ فيما بعد ، على الشعر العالمي ككل ، وكذلك الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي ، الذي كتب الشعر وهو في سن مبكرة ، وكانت أدواته الشعرية مكتملة ، وقد مات وهو في ريعان الشباب ، والعكس صحيح ، هناك بعض الكتاب لم يتسن لهم ان يكتبوا شيئا ذا قيمة ابداعية ، الا وهم في خريف العمر ، وهذا ما حصل مع الكاتب الاسباني سير فنتاس ، صاحب رواية دون كيشوت الرائعة ، التي سخر فيها من عصره وعصر النبلاء والاقطاعيين في اسبانيا وفي اوروبا بأسرها .
اذن يكتب الكاتب وهو في سن المراهقة ، كما يكتب وهو في خريف العمر وشتائه ، ومن هنا فإنني أرى لا وجود لأدب اسمه أدب الشباب ، واخر أدب الشيوخ ، انما تقاس الكتابة الابداعية ، بما تتضمنه من عناصر الفن التي تمنحها الديمومة ، والتي بفضلها تتجاوز مكانها وزمانها ، وهي تعانق المستقبل ، وهي ميزة كل كتابة عظيمة ، تحمل سر خلودها ، من قوة ابداعها .
ثانيا : ما هو النقد ؟ وحتى لا نتيه بين التعريفات الكثيرة ، نقول أن النقد هو مجموعة من الاليات لفهم النص من النصوص ، والناقد هو ذلك القارئ ، الذي تختلف قراءته للنص ، عن قراءة الناس العاديين ، الذين تتوقف قراءتهم عند حدود الاعجاب ، اما قراءة الناقد لا تتوقف عند هذا الحد ، لينطلق في البحث عن مصادر هذا الاعجاب ، بالتحليل والتعليل ، ليضع ما كتبه في النهاية امام القارئ ، من خلال النص الذي تولد لديه ، وهو نص جديد ، ولد من رحم نص قديم ، اي أن النقد كتابة عن كتابة ، الهدف منها اضاءة الجوانب المظلمة في النص السابق ، والتي لا يمكن للقارئ العادي ان يراها ، فيضيئ الناقد امامه الطريق ، وهذا يعني ان الناقد يأخذ بيد القارئ ، لفهم جوانب النص وتقريبها اليه .
هكذا نستطيع ان نقول : ان الناقد قارئ من نوع خاص ، يرى في النص المكتوب ما لا يراه الآخرون ، وبالتالي قراءته للنص ، يتولد عنها نص آخر ، لا يقل متعة عن النص الأول ، وهو لا يتناول بالكتابة ، الا النصوص التي تثير حالات الاعجاب ، وهو ينتقل بين فقراتها ، وما ينبغي ان نلفت الانتباه اليه ، هو انه بعض الفترات يكون فيها حضور الناقد ولا يكون فيها حضور الانتاج ، الذي يستحق المتابعة من طرف الناقد ، والعكس صحيح ، قد يكون هناك انتاج ادبي جيد وليس هناك الناقد الذي يتابع هذا الانتاج . والكثير من الكتاب عندنا ، بمجرد ان يصدر للواحد منهم عملا من الأعمال حتى يسعى جاهدا ان يتناوله النقد ، وينسى أن الناقد اشبه ما يكون ببركة ، اذا ما مر بها كاتب ما ورمى فيها حصاة او حصاتين ، فإنها تحدث في البركة دوائر صغيرة على سطحها ، ما تكاد ان تصل الى جنباتها ، حتى تتلاشى ثم تختفي ويمر بها كاتب آخر ، فيرمي فيها صخرة كبيرة ، فتخوض ماء البركة ، وتخلق فيها دوائر تتحول الى امواج تصل شاطئها ، والناقد مثل البركة تماما ، لا تحركه الا الأعمال الكبيرة ذات القيمة الابداعية المطلقة .
ثالثا : المبدع هو من يستطيع خلق شيء من لا شيء ، اي من يكتب على غير منوال ، وقد هالني في هذا الملتقى ، ان كل من يصعد الى المنصة ، ينعتونه بالمبدع ، وكأن الابداع صفة ملازمة لكل من يمارس الكتابة ، كان ما كان مستواها . والحقيقة ان يكون الكاتب مبدعا ، كما اقول دائما ، هو ان يقطع بحارا لم يقطعها احد من قبله ، ويتسلق جبالا ما تسلقها احد من قبله ، ويمشي في طرقات ما وطأتها قدم من قبله ، ويعود الينا بأزهار ما رأتها عين ، وحكايات ما سمعتها أذن من قبل ، وهذا هو المبدع الذي نحن في حاجة اليه .
هكذا يبدو لي أنه ما من كلمة لحقها الابتذال ، في حياتنا الثقافية وحتى الاجتماعية ، مثل كلمة ابداع ، فحتى لاعب كرة القدم في الملعب فهو مبدع ، ومن يكتب في الرياضة أيضا مبدع ، وهكذا ، حتى صار الابداع عندنا مرادفا للابتذال .
أدب الشباب بين النقد والابداع
حمـري بحـري
هذا هو عنوان الملتقى الثاني ، الذي جرت اشغاله على مدار أيام 28 و 29 و 30 مارس 2013 ببلدية الأخضرية ، ولاية البويرة ، والذي شارك فيه مجموعة من الشعراء والكتاب ، جاؤوا من مختلف انحاء الوطن ، وانا هنا لا اقوم بتغطية هذا الملتقي ، بقدر ما اود أن أقف بإيجاز ، عند مسألة ادب الشباب وأدب الشيوخ ، ومفهوم النقد وكذلك الابداع .
اولا : هل هناك ادب للشباب واخر للشيوخ ؟ انا في تصوري ، ان الكتابة الابداعية لا تتعلق بالسن ، بقدر ما تتعلق بالموهبة ، التي منح نفسها للقلائل من الكتاب ، على مر العصور ، وقد يكتب الشاب شعرا وهو في مقتبل العمر ويبدع فيه ، مثل ما حصل مع الشاعر الفرنسي آرثر رامبو ، اذ كتب وهو في سن المراهقة ، ومع ذلك استطاع ان يجعل من الشعراء في اوروبا ، ان يعيدوا النظر في طريقة كتابة القصيدة ، وقد كان له التأثير البالغ فيما بعد ، على الشعر العالمي ككل ، وكذلك الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي ، الذي كتب الشعر وهو في سن مبكرة ، وكانت أدواته الشعرية مكتملة ، وقد مات وهو في ريعان الشباب ، والعكس صحيح ، هناك بعض الكتاب لم يتسن لهم ان يكتبوا شيئا ذا قيمة ابداعية ، الا وهم في خريف العمر ، وهذا ما حصل مع الكاتب الاسباني سير فنتاس ، صاحب رواية دون كيشوت الرائعة ، التي سخر فيها من عصره وعصر النبلاء والاقطاعيين في اسبانيا وفي اوروبا بأسرها .
اذن يكتب الكاتب وهو في سن المراهقة ، كما يكتب وهو في خريف العمر وشتائه ، ومن هنا فإنني أرى لا وجود لأدب اسمه أدب الشباب ، واخر أدب الشيوخ ، انما تقاس الكتابة الابداعية ، بما تتضمنه من عناصر الفن التي تمنحها الديمومة ، والتي بفضلها تتجاوز مكانها وزمانها ، وهي تعانق المستقبل ، وهي ميزة كل كتابة عظيمة ، تحمل سر خلودها ، من قوة ابداعها .
ثانيا : ما هو النقد ؟ وحتى لا نتيه بين التعريفات الكثيرة ، نقول أن النقد هو مجموعة من الاليات لفهم النص من النصوص ، والناقد هو ذلك القارئ ، الذي تختلف قراءته للنص ، عن قراءة الناس العاديين ، الذين تتوقف قراءتهم عند حدود الاعجاب ، اما قراءة الناقد لا تتوقف عند هذا الحد ، لينطلق في البحث عن مصادر هذا الاعجاب ، بالتحليل والتعليل ، ليضع ما كتبه في النهاية امام القارئ ، من خلال النص الذي تولد لديه ، وهو نص جديد ، ولد من رحم نص قديم ، اي أن النقد كتابة عن كتابة ، الهدف منها اضاءة الجوانب المظلمة في النص السابق ، والتي لا يمكن للقارئ العادي ان يراها ، فيضيئ الناقد امامه الطريق ، وهذا يعني ان الناقد يأخذ بيد القارئ ، لفهم جوانب النص وتقريبها اليه .
هكذا نستطيع ان نقول : ان الناقد قارئ من نوع خاص ، يرى في النص المكتوب ما لا يراه الآخرون ، وبالتالي قراءته للنص ، يتولد عنها نص آخر ، لا يقل متعة عن النص الأول ، وهو لا يتناول بالكتابة ، الا النصوص التي تثير حالات الاعجاب ، وهو ينتقل بين فقراتها ، وما ينبغي ان نلفت الانتباه اليه ، هو انه بعض الفترات يكون فيها حضور الناقد ولا يكون فيها حضور الانتاج ، الذي يستحق المتابعة من طرف الناقد ، والعكس صحيح ، قد يكون هناك انتاج ادبي جيد وليس هناك الناقد الذي يتابع هذا الانتاج . والكثير من الكتاب عندنا ، بمجرد ان يصدر للواحد منهم عملا من الأعمال حتى يسعى جاهدا ان يتناوله النقد ، وينسى أن الناقد اشبه ما يكون ببركة ، اذا ما مر بها كاتب ما ورمى فيها حصاة او حصاتين ، فإنها تحدث في البركة دوائر صغيرة على سطحها ، ما تكاد ان تصل الى جنباتها ، حتى تتلاشى ثم تختفي ويمر بها كاتب آخر ، فيرمي فيها صخرة كبيرة ، فتخوض ماء البركة ، وتخلق فيها دوائر تتحول الى امواج تصل شاطئها ، والناقد مثل البركة تماما ، لا تحركه الا الأعمال الكبيرة ذات القيمة الابداعية المطلقة .
ثالثا : المبدع هو من يستطيع خلق شيء من لا شيء ، اي من يكتب على غير منوال ، وقد هالني في هذا الملتقى ، ان كل من يصعد الى المنصة ، ينعتونه بالمبدع ، وكأن الابداع صفة ملازمة لكل من يمارس الكتابة ، كان ما كان مستواها . والحقيقة ان يكون الكاتب مبدعا ، كما اقول دائما ، هو ان يقطع بحارا لم يقطعها احد من قبله ، ويتسلق جبالا ما تسلقها احد من قبله ، ويمشي في طرقات ما وطأتها قدم من قبله ، ويعود الينا بأزهار ما رأتها عين ، وحكايات ما سمعتها أذن من قبل ، وهذا هو المبدع الذي نحن في حاجة اليه .
هكذا يبدو لي أنه ما من كلمة لحقها الابتذال ، في حياتنا الثقافية وحتى الاجتماعية ، مثل كلمة ابداع ، فحتى لاعب كرة القدم في الملعب فهو مبدع ، ومن يكتب في الرياضة أيضا مبدع ، وهكذا ، حتى صار الابداع عندنا مرادفا للابتذال .