Announcement

Collapse
No announcement yet.

الدكتور أحمد داوود‏ - إن تاريخ شعب من الشعوب هو سلسلة متواصلة و متصلة من القضايا

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الدكتور أحمد داوود‏ - إن تاريخ شعب من الشعوب هو سلسلة متواصلة و متصلة من القضايا

    حسن يونس‏ في ‏صورة‏ ‏سوريا و عودة الزمن العربي. الأستاذ الدكتور أحمد داوود‏.



    (المفاهيم) في الحرب المعاكسة :
    (الوسطية) , (الإعتدال) , (الحياد) , (الرأي و الرأي الآخر) , (الإتجاه المعاكس) :

    إن تاريخ شعب من الشعوب هو سلسلة متواصلة و متصل
    ة من القضايا التي ناضل و يناضل من أجل تحقيقها .
    و إن كل قضية لا بد و أن تمثّل العدل أو الظلم , الحق أو الباطل , الخير أو الشر ... و بالتالي فإنها لا تحتمل شيئاً اسمه موقف (الحياد) أو (الوسط) .
    إن أي (اعتدال) أو (وسطية) أو (حياد) في معركة الأمة ضد مغتصبي أرضها و ناهبي ثرواتها سواء على صعيد السياسة أو الإعلام أو الحرب , ليس في البدء و في النهاية , إلا جزءاً من المعركة , لكن في الخندق الآخر .
    و لقد أتقنت الصهيونية لعبة خلط الأوراق و المفاهيم في مثل هذه الأحوال لتجعل كل شيء متشابهاً , قابلاً للنقاش , مستغلةً الحقيقة العلمية القائلة (ما من حقيقة كاملة) , و مادام الكمال لله وحده فنحن يكفينا أن نلتقط جزءاً مما هو مشترك بين طرفين كالفساد مثلاً في هذه السلطة أو تلك , ثم يتم تسليط الضوء في النقاش على هذه النقطة تحديداً , لتجري و بخبث عملية طمس كل الخطوط الإيجابية في جانب و لتتساوى مع كل الخطوط السلبية في الجانب الآخر . و تكون النتيجة تمييع القضايا و تذويبها في وحلٍ اختلط فيه كل شيء , ثم لا يعود القارئ أو السامع أو المشاهد بأية محصلة .
    لقد انخرط في هذه اللعبة كثير من ( المثقفين ) العرب العديمي أي ثقافة استراتيجية في معظمهم , و بالتالي العاجزين عن أي فعل استراتيجي , فيوجهون انتقاداتهم للسلبي و الإيجابي معاً , ويجعلون الكل سواء , لا فضل لمن ناضل و صمد و حقق و أنجز إلا كفضل من ساوم و أذعن و تخلّى و خرج ...
    إن المفكر الروسي السوفييتي يوري إيفانوف كان قد انتبه إلى هذه الممارسات الصهيونية الخبيثة و نبّه إليها في كتابه ( احذروا الصهيونية ) حيث كتب يقول :
    ( فقد ظهرت في أمريكا و إنكلترا و فرنسا و إيطاليا و كثير من البلدان الأخرى مجموعة مركّبة من ((الأبحاث)) في هيئة كراسات و كتب و دراسات مستفيضة و تحليلات (( منبوشة من الأراشيف الخاصة )) و (( لم يسبق لها أن تعرّضت للنور )) تدعو إلى الحوار و الجدل و استخدام اللهجة الودية , و الحنكة في اختيار الألفاظ , ... و المنزلقات السافرة من كلا الجانبين ... و اللعب بالألفاظ و النبرات , و عرض مختلف الآراء , و اللجوء إلى الفكاهة الساخرة – هيومر – و التركيز , بالطبع على أنه ليس ثمة في الحياة محقون بصورة مطلقة و مذنبون بصورة مطلقة . و أخيراً إن في أفضل التقاليد الموضوعية التجريبية تلك الحجة القائلة : إن الحياة متعددة الجوانب , و كما تعرفون معقدة , و لذا لا داعي إلى العجلة في الأمر . أو ليس من الأجدر بنا لو نتريث قليلاً و نَزين كل شيء مرة أخرى , و مرة أخرى نقيس كل شيء , وأن نُكثر و نُكثر من الجدل , ففي الجدل وحده تكمن الحقيقة . )
    (منشورات وزارة الثقافة 1969 , ترجمة أحمد داوود , ص 266 – 267)

    إن هذا الذي كشفه يوري إيفانوف منذ نصف قرن و حذّر منه هو ما مورس و ما يزال يمارسه (المثقفون العرب) يومياً على شاشات الفضائيات المتكاثرة كالبعوض على مستنقع الواقع العربي الراكد , والتي لم يكن لها وجود زمن كشف إيفانوف .
    إنها البرامج الحوارية أو الجدلية التي تقدمها تلك الفضائيات إنما هي التطبيق العملي للأسلوب الصهيوني في خلط الصالح بالطالح , و تسفيه الحقيقي , و وضعه في مكانة واحدة مع السخيف و السافل , ثمّ .... لا شيء , لا نتيجة في النهاية غير (التعادل) و (المصالحة) !
    إنها الخطة الصهيونية في خلط الأوراق و تغييب الحقائق و تسفيه النضال ذي النظرة الإستراتيجية و جعله ينحدر إلى مكانة الآخر الخانع بل و المتعامل مع العدو في نقطة ما مشتركة , كالاشتراك بهذا القدر أو ذاك بظاهرة الفساد مثلاً , علماً أنه حتى ظاهرة الفساد أو أية ظاهرة سلبية أخرى ينبغي ألّا ينظر إليها في الجانبين بمعزل عمّا يحيط بها ككل في هذا الجانب المتناقض مع ذاك .
    في الأمثال الشامية المملوءة حكمة (( كل بيت فيه بالوعة , لكن ما كل البيوت سواء )) .
    فهذا بيت لعائلة محترمة , و ذاك بيت تمارس فيه الدعارة سراً أو في العلن , و في كل منهما (بالوعة) لا شك .
    و على المستوى الإنساني : لقد كان الفساد موجوداً في تلاميذ السيد المسيح فيهم و بينهم , و هو حاضنهم و قائدهم و على رأسهم , لكن فساداً كهذا ينبغي ألّا يوضع على درجة واحدة مع فساد الجانب الآخر المتمثّل في جماعة اليهود , وبمعزل عن مجمل البنية و مضمون و أهداف كل من الجانبين .
    إن أية محاولة للتعامل على قدم المساواة مع كلا الجانبين انطلاقاً من هذا (التفصيل) المشترك أو ذاك يقود الانتباه شعاعياً و مباشرة إلى السيد (الصهيوني) الذي يجلس في مكتبه خلف ستار من زجاج (الفيميه) فيقود هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك .
    لم لا و هو الممول ! و بالتالي هو السيد ! فهو لا يطلب من الجهابذة الإعلاميين أكثر من أن يبقى كل منهم (وسطياً) , (معتدلاً) , (على الحياد) , يتحدث كثيراً عن (الحرية) و (الديمقراطية) و (حقوق الإنسان) في هذا البلد العربي أو ذاك شرط ألا يقترب مما يعانيه شعب فلسطين يومياً من وحشية الكيان الغاصب !
    (السيد خلف زجاج الفيميه) يعرف رجال هذه الفضائيات جيداً , كما يعرف المثقفين العرب الذين يتنقلون بأجنحتهم الصغيرة من شاشة إلى أخرى .
    إن (السيد) يدرك تمام الإدراك أن أولئك أجهل الناس بم يتحدثون عنه , لكنهم يظنون أنهم يحققون فتحاً في الحياة العامة للمجتمع .
    لم لا , أليس هذا هو (الرأي و الرأي الآخر) , أليس هذا هو (الاتجاه المعاكس) ؟
    أليس هذا هو التجسيد العملي لما يؤمنون به حول (حرية التعبير) و (ديمقراطية التفكير) ؟
    فتختلط المفاهيم في مد من السيل موحل , و تصبح مفاهيم مثل الخيانة الوطنية و العمالة للعدو مجرد (وجهات نظر) قابلة للجدل ؟ و ضرباً من (حرية) الاختيار و (ديمقراطية) الرأي !
    و صار التعبير مثل (معتقل الرأي) و (معتقل سياسي) يطلق ببساطة على الجاسوس أو العميل الذي ثبت تعامله مع العدو !

    المصدر :
    موسوعة نينورتا التاريخية , الجزء الأول , قصة الخلق , الدكتور #أحمد_داوود
    دار نينورتا : http://www.ahmad-daoud.com/book1.html
    دار قرطبة (نسخة إلكترونية) : http://bit.ly/WQsmtM
Working...
X