إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تعيد أمبراطورية الصورة صياغة الذائقة البصرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تعيد أمبراطورية الصورة صياغة الذائقة البصرية

    أمبراطورية الصورة تعيد صياغة الذائقة البصرية




    مشهد من فيلم “غاتسبي” العظيم المقتبس من رواية الكاتب فيتزجيرالد
    عبد الدائم السلامي
    ثمة نزوع مقيمٌ لدى كثيرٍ من المهتمّين بالدرس السيميائي، أمثال دي سوسير وهيلمسلاف وأشياعهما، إلى منحِ العلامة اللغوية (منطوقة كانت أو مكتوبة) أهمية كبرى في التواصل البشريّ، لا بل واعتبارها المرجِع الذي تعود إليه كلّ العلامات الأخرى كالصورة والحركة وغيرهما.
    إلاّ أنّ النظر في تاريخ الفكر البشري يكشف عن أنّ الصورة كانت سبّاقة في التكفّل بنقل أحاسيس الإنسان إلى غيره والتعبير له عن حاجاته، ما جعل الكهوف تتحوّل إلى معارض للوحات الفنية قبل أن تظهر الكتابة وتتحرّر معاني الألسنة.
    وهو أمر خلق مواجهات بين التعبير اللغوي المكتوب والتعبير بالصورة ما تزال تفاعلاتها تعتمل في منجزات المبدعين وتوزّعهم إلى فريقيْن: واحدٍ يرى في النصّ اللغوي أسّ الفنون وثان يعتبر الصورة صانعةً لحضارة الإبداع بل هي إمبراطوريته.
    ولعلّ من أعتى المواجهات الفنية الراهنة هي تلك التي تقوم بين الرواية، باعتبارها نصا مكتوبا والسينما باعتبارها نصا مرئيا. ولئن هوّل البعض من هذه المواجهات وانزاح بها إلى مفهوم الإقصاء الأجناسي وخيانة “الفيلم” للرواية من جهة أنّ السينما تستهلك الرواية وتطغى عليها وتقصيها، فإنّ الذي ينعقد عليه الرأي هو أنّ ما يبدو من جِدّةِ “ثقافة الصورة” وطغيانها على باقي أنواع الإبداع البشريّ الأخرى ليس إلاّ غمزًا من قناة “الصورة”، لأنّ الميل إلى المرئيات قديم جدّا في التقبّل البشريّ، بل نحن واجدون مبدعين قد نزحوا من الرواية إلى مجال الصورة، وخاصة منه مجال السينما، على غرار هارولد بنتر وألان روب غرييه وكريستوفر هامبتون وتوم ستوبارد وغيرهم، حيث كتبوا سيناريوهات أفلام سينمائية تجاوزا فيها طبيعة السرد الروائي إلى نمط من السرد التشخيصيّ.
    يبدو أنّ رولان بارت، لمّا قال مدافعا عن أهمية الكتابة وأصالتها إنّ “كلّ صورة هي بمعنى مّا حكاية”، قد تناسى أن يختبر صدقية نقيض قولته “إنّ كلّ حكاية هي بمعنى مّا صورة”.
    ذلك أنّ الصورة ظلّت مطلب الكتابة الإبداعية وسبب نجاعتها، حيث هي من القصيدة والرواية والقصة مِحَكّ جمالياتها فلا تُقبل القطعة منها إذا كانت خالية من إيحاء بصورة سواء أكانت مادية أم متخيَّلة. فالعالَم بجميع أشيائه وكائناته ومتخيَّلاته إنّما هو مهرجان من الصور التي تأتلف حينا وتختلف حينا آخر لتشكّل لوحة الدنيا وفق إيقاعيات فكرية وثقافية واجتماعية وسياسية عديدة.
    وفي السياق ذاته، قد يكون غابريال غارسيا ماركيز محقّا في خوفه من تحويل روايته “مئة عام من العزلة” الفائزة بجائزة نوبل إلى فيلم سينمائي، وقد نجد لذلك تبريرا مّا، كأن نقول إنّ السيناريو يهشّم شكل الرواية، وأنّ المونتاج يفتّت بنيتها الحكائية، وأن الإخراج ينمذجها وينمّطها فلا يُبقي من عنصر التخييل فيها إلا صورة بصريّة ثابتة تتكرّر عند كلّ مشاهدة، ولكنّ هذا لا يجب أن يمنعنا من القول إنّه أمام تضاؤل الفعل القرائي من عادات الناس، وبالخاصة عندنا نحن العرب، تصير الرواية محتاجة إلى باقي الفنون الأخرى، ومنها السينما، لتمتح منها رواءها التخييليّ وهيكلتها الشكلية فتعزّز من حضورها في الزّمن وبين الناس وتتزيّا أزياء واقعها، وذلك من جهتيْن على الأقل:
    أولاهما استفادة الرواية من تقنيات السينما كالمفارقات السردية واستخدام مفهوم “الزوم” في عملية الوصف وتهشيم وحدة زمن الأحداث ووحدة مكانها، وثانيتهما تتجلّى في فعل مقروئية الرواية، حيث تمكّن السينما العمل الروائي من سرعة الانتشار وامتداده في المكان.
    وليس أدلّ على ذلك من أنّ بعض روايات نجيب محفوظ التي تحوّلت إلى أفلام سينمائية حقّقت لها شهرة أكبر من تلك التي لم تُمنح فرصة الظهور على الشاشة الكبيرة.
    عبير
    :p
يعمل...
X