إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

في الفن التشكيلي المقدس من التوظيف إلى الانتهاك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في الفن التشكيلي المقدس من التوظيف إلى الانتهاك

    المقدس في الفن التشكيلي من التوظيف إلى الانتهاك





    الفنانة الأفغاية مالينا سليمان تتحدى طالبان برسوماتها
    عدنان حسين أحمد
    لندن- لا بدّ من الإقرار سلفاً بأن الفنون التشكيلية كالرسم والنحت والتصوير والغرافيك تميل كلها، ومن دون استثناء، إلى التغيّر أو التحوّل بمعناه الإيجابي، ولا تستكين جميعها إلى حالة الثبات أو الركود السلبي، ذلك لأن اشتراطات الحياة نفسها تقتضي مثل هذا الحراك الذي يحفِّز الإحساس، ويوقِظ العاطفة، ويطوِّر الذائقة الإنسانية التي يجب أن تستنفِر كل معطياتها الكامنة في النفس البشرية التوّاقة إلى الحركة والنابذة أصلاً للسكون أو التحجّر بمعناه الأعمق.
    إنّ الفنون التشكيلية برمتها تسعى إلى الإتيان بكل ما هو جديد ومُبتَكر وصادم للذائقة الفنية، فعنصر الصدمة أو الإبهار بمعناه الإبداعي الخالص يقتضي خلخلة آلية التلقي عند المُشاهِد أو قلبها رأساً على عقب في بعض الأحيان بغية ترويضها لقبول هذا الجديد الصادم واستساغته تدريجياً.
    لكن ما يحصل على مرّ العصور أن بعض الفنانين يبحث عن أقصر الطرق المُفضية إلى الشهرة والذيوع ولا يجد أمامه سوى التحرّش بالتابوهات الثلاثة، الدين والجنس والسياسة، ومحاولة انتهاك هالتها المقدَّسة التي ترسخت منذ آلاف السنين، وهذا الانتهاك لا يقتصر على الفنون التشكيلية فحسب، وإنما يمتد إلى الفنون القولية أيضاً كالقصة والقصيدة والرواية والمسرحية وما إلى ذلك وتاريخنا المعاصر على وجه التحديد مليء بالشواهد التي يعرفها القارئ الكريم عن كثب.
    ربما تكون خسارة البشرية جمعاء كبيرة جداً حينما دمّرت حركة طالبان السلفية المتشددة تماثيل بوذا لأنها تشكِّل انتهاكاً لعقيدتهم الإسلامية التي تُحرِّم كلياً، ليس الرسم والنحت فقط، وإنما غالبية الفنون القولية وغير القولية بحجة أنها تُلهي الإنسان الذي يتطلّع إلى هذه الأعمال الفنية عن ذِكر الله كما يعتقدون، وأكثر من ذلك فإن تشخيص الإنسان رسماً أو تجسيده نحتاً يعتبرونه نوعاً من المضاهاة لما تقوم به الذات الإلهية المُبجّلة.
    ثمة أمثلة متعددة على التحرّش بالمقدَّس في الوقت الراهن أو انتهاكه انتهاكاً صارخاً أثار حفيظة الملايين من المسلمين في مختلف أرجاء الكرة الأرضية مثل نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم محمد “ص” عام 2005 في صحيفة “يولاندس بوستن” الدنماركية وسببت في حينه جرحاً لمشاعر ملايين المسلمين على وجه البسيطة الأمر الذي أفضى إلى احتجاجات عارمة أخذت في بعض الأحيان طابعاً عنيفاً حينما أقدم بعض المحتجين على إضرام النار في سفارتي الدنمارك في دمشق وبيروت لأن هذه الرسوم الهزلية الساخرة تنتهك المقدّس الإسلامي.
    وفي المقابل يعتبرها الغربيون جزءاً من حرية الرأي والتعبير ولا يجدون ضيراً في أن يُنتقد الأنبياء والرسل وحجتهم في ذلك أنهم انتقدوا شخصية المسيح عليه السلام في أكثر من فلم أو عمل فني لعل أبرزه فلم “آخر وسوسة للمسيح” للكاتب نيكوس كازانتزاكيس الذي صوّر فيه السيد المسيح إنساناً عادياً، يعمل نجّاراً، ويقترف الذنوب والأخطاء، ويتزوج في خاتمة المطاف من مريم المجدلية.
    كما لا يخرج فلم “الإغواء الأخير للمسيح” لسكورسيزي عن هذا السياق الذي يجرّد المسيح من هالته المقدَّسة التي ترسخت في أذهان عبر مئات السنين الأمر الذي دفع ببعض المسيحيين المتشددين إلى إلقاء قنابل زجاجية حارقة على صالات العرض بباريس وأسفرت عن مقتل أحد المُشاهدين وإصابة البعض الآخر بجروح طفيفة. في مقابل الرسوم الكاركاتورية المسيئة لشخصية الرسول محمد “ص” لا بدّ من الوقوف عند لوحة “البول على المسيح” للفنان أندريس سيرانو التي عرضها عام 1989، لكن هذه اللوحة بالتحديد تعرضت للتدمير من قبل بعض المسيحيين المتشددين، غير أن الموقف الرسمي للحكومة الفرنسية قد وصف الحادث بأنه “هجوم على حرية الإبداع وتعصب غير مقبول”.
    وبغض النظر عن المواقف السياسية أو الإدعاء بالحقوق غير المشروطة لحرية الرأي والتعبير ينبري أمامنا السؤال الإشكالي الآتي: ما الذي يدفع الفنان التشكيلي خاصة والمبدع بشكل عام لأن ينتهك مقدسات الديانات الثلاثة أنبياءً ورسلاً وكتباً سماوية؟ هل هي الرغبة في انتهاك المقدسات بحد ذاتها، أم أن الفنان يسعى إلى إنجاز أعمال فنية رصينة لا تخلو من الصدمة وهزّ القناعات الراسخة في كل ما هو مقدّس ضمن الإطار الديني على وجه التحديد.
    لا شك في أن انتهاكات الفنون التشكيلية لما هو مقدَّس تزداد يوماً بعد يوم، لكننا يجب أن نعترف بأن العالم الغربي قد قطع شوطاً طويلاً في هذا المضمار، بينما لا يزال العالم العربي والإسلامي يحبو في هذا المضمار ويعتبره جزءاً أساسياً وهاما من القضايا التي يجب أن تظل بعيدة عن كل أشكال الخرق والانتهاك الفنيين.
يعمل...
X