إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رواية ( خاتم الرمل ) للعراقي الراحل فؤاد التكرلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رواية ( خاتم الرمل ) للعراقي الراحل فؤاد التكرلي

    تشظي اللغة كمعادل دلالي لتشظي شخصيات «خاتم الرمل»





    فؤاد التكرلي يكتب رواية الواقع ويكشف روح الحياة العراقية
    أزراج عمر
    يمكن اعتبار رواية “خاتم الرمل” للروائي العراقي الراحل فؤاد التكرلي تحفة أدبية إلى جانب كونها مشبعة بروح البيئة العراقية، كما أنها تتميز ببنيتها الداخلية النفسية فضلا عن كونها مترعة بالشاعرية المرهفة. تتأسس رواية “خاتم الرمل”على شخصية هاشم المحورية التي تشكل “الموضوعات” التي استدخلها إلى لاوعيه وأصبحت تمارس عليه الاضطهاد وتدمر علاقته بالعالم. تبدأ هذه الرواية بسرد حكاية خاتم الزواج الذي تحول إلى رمل هكذا: “إنها… ما أقساها، اضطربنا، أنا وآمال، وسط معمعة الأهل والأقارب وصراخ الأطفال وزغاريد النساء فلم يستطع من وضع أحد منا خاتمي الخطوبة في أصبع الآخر فانبرت لها هي، برزت من تحت الأرض وهتفت بابنة عمها أن تدفع أصبعها بقوة لإدخال الخاتم، وبسبب هذه النظرة التي تفسر نظام الأشياء الطبيعية من أجل أن تحشره في نظامها المصطنع يتحول خاتم الذهب الخالص إلى خاتم من رمل وتفسد العلاقات”(ص 93).
    بطل يصنع تاريخه الذاتي
    ظاهريا يفترض قارئ هذا المقطع أن سبب انهيار خطوبة هاشم وآمال يعود إلى صعوبة إدخال خاتم الخطوبة في أصبع خطيبته، ولكن تحليل تضاريس الرواية يفضي إلى استنتاج آخر مخالف تماما ويمكن القول بأن الموروث النفسي المتمثل في الرضة النفسية التي أصيب بها هاشم جراء فقدانه لأمه سناء وهو في سن الطفولة المبكرة هو الذي جعله يصبح شخصية قلقة ونكوصية ظلت حبيسة.
    الوضعية شبه الفصامية وهي التي حولت عرس الخطوبة إلى فراق وهجر. إن شخصية هاشم تنطبق عليها هذه الوضعية الانفصامية لأنه يحول أمه المتوفاة في لاوعيه إلى موضوع لحبه وفي الوقت نفسه نكر وفاتها كما نكر أيضا والده متهما إياه بأنه السبب المباشر في موتها ورفض بشكل قطعي المرأة التي خطبها، وفي ليلة الزفاف قام بالهروب منها من دون أي سبب عقلاني، وذهب إلى قبر أمه لابسا ثياب الحداد ناعيا إياها وبعد ذلك ألغى زواجه. إن مشكلة هاشم النفسية تتمثل في كونه لا يعترف بموت أمه ويتوهم بأنها لا تزال حية في لاوعيه، وجراء هذا فإن الدارس يستنتج بأن هذه الرواية مؤسسة على بعدين إثنين وهما: أولا بعد التاريخ الذاتي باعتباره تاريخا شكله التماهي المثبت والمغلق مع أمه الذي تحول عندما بلغ هاشم سن الرشد إلى سياج أصبح يحول دونه ودون إقامة أية علاقة طبيعية مع العالم الخارجي، أي مع والده، ومع خطيبته آمال، وابنة عمها الدكتورة سلمى، ومع والد آمال، وحتى مع عمله كمهندس معماري وكشريك في شركة البناء التي يظهر فيها كصاحب مواقف ثانوية وكأنه مجرد موظف عادي يخضع لأحكام وأوامر شريكه، وثانيا بعد الشخصية السلبية المرآوية.
    فالبعد التاريخي الذاتي لشخصية هاشم مشكل بواسطة المؤثرات الخارجية التي استدخلها إلى لاوعيه ومن ثم حولها إلى مثل أعلى له ويتمثل في والدته المتوفاة والتي تحولت عن طريق تماهيه معها إلى موضوع مثالي يتصف بالكمال أما صورة والده فقد أصبحت في لاوعيه سلطة قمعية، الأمر الذي جعل هاشم عبر رواية “خاتم الرمل” يتعامل معه بخشية وكراهية. إن السمة البارزة في بنية التاريخ الذاتي لشخصية هاشم تتمثل في تماهيه مع والدته سناء بعد موتها وتحويلها إلى مثال أعلى وإلى موضوع حب له ذي طابع جنسي يتحقق على مستوى الهوامات وهي العلاقة التي حلت محل علاقته بخطيبته آمال المتميزة بالنبذ والجفاء.
    إشكالية الوهم واجتياز العقبات
    نتيجة لذلك فإنه يمكن النظر إلى رواية “خاتم الرمل” على أنها رواية الرضة النفسية والهوامات الجنسية غير السوية التي تتحكم في علاقة هاشم بالموضوعات الخارجية، كما يمكن لنا أن نلاحظ أن تشظي شخصية هاشم قد أفرزت معادلا لغويا معماريا متشظياً يتحكم في الرواية من أولها إلى آخرها. أما البعد السلبي المرآوي فيبرز على طول صيرورة أحداث رواية “خاتم الرمل” في افتقاد هاشم لهوية مستقلة تقيم مسافة بينها وبين الموضوعات الخارجية التي ينبغي أن تعكسها لنا مرآته الخاصة به. إنه وجراء هذا فإن ذات هاشم ليست سوى شظايا هذا العالم الخارجي وأنها هي التي تقرر حركته واندفاعاته اللاواعية، وبمعنى آخر فإن هاشم يتميز بشخصية سلبية حيث أنه لا يتحكم في إدارة علاقاته بل إن علاقته العاطفية ذات الظلال الجنسية بوالدته التي لا يعترف بموتها بشكل غير واع هي التي تبني له عالمه وتحرك سلوكه وتحدد له صيغة تحقق موضوع رغبته المختزلة فيها هي بالذات.
    ولكي تتضح الصورة أكثر أقدم هذه الشواهد التي تبرز أن علاقة هاشم بأمه الميتة هي عاطفية ذات طابع هيامي أحيانا كثيرة وهي العلاقة التي ساهمت في تغييب علاقته العاطفية بخطيبته آمال التي لا يرد لها ذكر كموضوع إعجاب بها، وعشق في أنوثتها حيث أن كل ما يرد في الرواية بخصوصها هو أنها تتمتع بثقافة واسعة وأنها تنتمي إلى الطبقة الوسطى: “وكانت أمي سناء تبذل جهدها كي نبقى أنا وهي في زاوية أو ركن لا يشاركنا فيه أحد”(صفحتا 59 و60). و” فها هي وراء هذه الظلمات العاصفة والطين الأسود والمطر والبرد والارتعاد ، يتخفى ويتبدى في الوقت نفسه وجه أمي سناء المنور، وجه النقاء المطلق، وجه العطاء، وجه الحب المصفى وجه اللانهائي”(ص103). و” إني سألمس يدها النورانية الشفافة تمتد من وراء البحار”(ص103).
    و”ثم كان أن أحسست بعد هنيهات براحة إلهية لا تنال تسربل جسمي كله وتنتشر فيه استرخاء لذيذا، أعقبتها لمسات تلك الأصابع الرقيقة الناعمة الدافئة التي احتضنت يدي اليمنى بالحنان وصارت تضغط عليها، كنت سعيداً، مشوشا وفاقد القدرة على الحركة أو على فتح عيني لرؤية من كان بجانبي، ثم استنشقت رائحتها العطرة التي أعرفها منذ صغري… منذ الأزل كانت تضع الدورق المميز أمامها حين تجلس تتزين، وتمر لحظات وينتشر في الجو عبق تلك الرائحة….”لحن الزمان” نيناريجي. امتلأت روحي وفاضت سرورا ومحبة وعرفانا بالجميل. وهي ذي إذن قد اجتازت العقبات ووفت بعهدها. وها هي من وراء البحار والمطر والريح تمسك بيدي وتؤكد لي بأن حبها هو الحياة والخلق واللانهائي، وأني أنا الكون وما سيكون و ما لا ينتهي”
    إن هذه المقاطع النموذجية من رواية “خاتم الرمل ” تكشف لنا أن هاشم يتوهم غالبا جسد أمه وكأنه لا يزال حيا، كما تكشف أيضا أن استعادته لأصداء حنانها هو أقرب ما يكون إلى الهلوسة. إن هذه المقاطع تعكس إنكار هاشم لفقدان أمه سناء التي استدخلها إلى لاوعيه وأسكنها فيه ويجعلها من خلال التوهم تطل عليه فتكون هي حبه الذي يلغي علاقته بخطيبته، ولقد جعله يعيش في عالم الوهم يقطع علاقة التواصل مع العالم الخارجي ويخفق في بناء هويته وهو الأمر الذي منح لمعمار الرواية بنية لغوية مترعة بالشظايا كمعادل موضوعي لشخصيته المتشظية التي لا تفك الارتباط مع الوهم.
يعمل...
X