إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فيلم ( مطر وشيك ) للمخرج حيدر رشيد الإيطالي العراقي - يصور آثار الهجرة ومعاناة العائلات العربية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيلم ( مطر وشيك ) للمخرج حيدر رشيد الإيطالي العراقي - يصور آثار الهجرة ومعاناة العائلات العربية

    تسيد اللغة البصرية على الخطاب الأدبي في «مطر وشيك»





    حيدر رشيد يصور آثار الهجرة ومعاناة العائلات العربية
    عدنان حسين أحمد
    لا يخلو فيلم «مطر وشيك» للمخرج الإيطالي- العراقي حيدر رشيد من بعض أوجه الشبه بين عائلته من أب مهاجر من العراق إلى إيطاليا ومن أم مهاجرة من الجنوب الإيطالي إلى روما، وبين ملابسات عيش العائلة التي لعبت دور البطولة الجماعية في الفيلم، فالأب مهران حميد هو مهاجر جزائري استقر هو وزوجته في روما وأنجب طفلين هما سعيد وأمير حيث يعمل الأول في أحد المخابز ويواصل دراسته، لكن ما إن يفقد والده مهران العمل في المصنع الذي يشتغل فيه منذ ثلاثين عاماً بسبب انتحار ربّ العمل حتى يعجز عن تجديد إقامته في إيطاليا الأمر الذي يضطره إلى العودة إلى الجزائر، البلد الغريب بالنسبة إليه وربما لم يزره حتى في أحلامه.
    يضعنا فيلم «مطر وشيك» أمام سؤال جوهري تقوم عليه القصة السينمائية برمتها: هل ينتمي سعيد مهران إلى إيطاليا أم الجزائر؟ هل هو من فلورنسا التي نشأ وترعرع فيها، أم من الجزائر التي لم يرَها طوال أعوامه الستة والعشرين؟
    يضعنا المخرج حيدر رشيد دفعة واحدة أمام سؤال الهُوية والمواطنة والتعلّق بالجذور، فهل إن البطل هو من فلورنسا حقاً، المدينة التي وُلد فيها، وتعلّم في مدارسها وكلياتها، واستقى من ثقافتها، أم هو من الجزائر، البلد الذي انحدرت منه جذور أبويه اللذين غادرا الجزائر بحثاً عن الأمان والعيش الكريم الذي قد لا يتوفر في البلدان المستبدة والطاردة لأبنائها «المشاكسين» الذين ينشدون حياة حرة كريمة؟ إذن، ما الذي يفعله سعيد مهران حينما يكون منقسماً إلى شخصيتين، وموزعاً بين بلدين، الأول قامع ومستبد ولا يكترث بحقوق الإنسان الشخصية والعامة، والثاني يراعي هذه الحقوق، لكنه لا يخلو من بعض القوانين الجائرة مثل قانون الهجرة والإقامة والحصول على الأوراق الرسمية وهي عقدة هذا البلد الأوروبي في تعاطيه القاسي واللا إنساني مع المهاجرين الوافدين إلى إيطاليا أو الفردوس المفقود بحسب توصيف الضحايا المخدوعين أو الساقطين في وهم الوصول إلى مشارف الجنة الأرضية التي تفتخر بها معظم البلدان الأوروبية الغربية المُرفّهة.
    تنبغي الإشارة إلى أن المخرج حيدر رشيد متمكن جداً في إدارة الممثلين، بل التعاطي معهم بطريقة حميمة جداً تجعلهم يقدِّمون أفضل ما لديهم من قدرات مخبأة قد لا يصل إليها الممثل نفسه من دون مساعدة المخرج القادر على سبر شخصياته وتثوير إمكانياتها الداخلية المحجوبة التي قد تحتاج في كثير من الأحيان إلى بعض التحفيز أو الوخز البسيط.
    لقد ربط المخرج شخصية بطله الأول سعيد مهران بمصائر متعددة، فهو متعلّق بأبيه مهران حميد من جهة، وبأخيه أمير من جهة ثانية، وبصديقته جويليا من جهة ثالثة. وعلى الرغم من ارتباطاته القوية إلاّ أنه في نهاية المطاف يقرر أن يعود إلى الجزائر ليصبح غريباً هناك على الرغم من نجاحه في إثارة قضيته إعلامياً وحصوله، هو وأخيه، على الإقامة، وحجته في ذلك أنه غير قادر على الاستمرار في العيش في بلد لا يستطيع أن يجد ذاته فيه، وهو ذات البلد الذي لفظ أباه بعد ثلاثين عاماً من العمل والإخلاص لهذا الوطن الذي أصبح يشكِّل جزءاً من ذاكرته الشخصية.
    لم يقتصر تركيز المخرج على الشخصيات الوافدة إلى إيطاليا أو المولودة فيها مثل الأب مهران حميد وولديه سعيد وأمير، وإنما امتدّ هذا الاهتمام إلى الشخصيات الإيطالية نفسها مثل جويليا التي أحبّت سعيداً وطلبت منه أن يتزوجها، لكنه رفض الارتباط بها لكي لا يكون هذا الحُب جسراً يردم الهوة الموجودة في القوانين الإيطالية الجائرة، فهناك العديد من الحملات والمظاهرات التي تخرج بين حين وآخر بهدف تغيير قانون الإقامة والهجرة الذي سبّب الكثير من المعاناة للمهاجرين الأجانب.
    فعندما يصبح عمر المولود في إيطاليا «18» سنة يحق له أن يقدِّم طلبا للحصول على الجنسية بعد أن يبرهن للسلطات أنه وُلِد في إيطاليا، ويثبت سكنه فيها منذ اليوم الأول الذي وُلد فيه، وسوف يظل هذا الحق نافذ المفعول لمدة سنة واحدة، لكن إذا مرّ يوم واحد على هذه السنة فإن حقه القانوني يسقط وعليه أن يواجه مصيراً مؤلماً لا يُحسَد عليه.
    لقد أدى غالبية الممثلين أدوارهم بشكل معبِّر وعلى رأسهم لورينتسو باليوني، أمير عاطي، جويليا روبي، محمد حنيفي ومايكل أليكسانيان مستفيدين من توجيهات المخرج حيدر رشيد الذي استنطق أعماقهم، ونجح في إدارتهم بالطريقة المُثلى التي دفعت الفيلم إلى التألق والحصول في خاتمة المطاف على الجائزة في المسابقة الرسمية للأفلام الخليجية الطويلة.
    سبق لحيدر أن عرض فيلمه الأول «المحنة» في الصالات البريطانية وفي أكثر من «15» مهرجاناً حول العالم، كما عرض فيلمه الثاني «صمتا: كل الدروب تؤدي إلى الموسيقى» في عدة مهرجانات عالمية من بينها مهرجان دبي وسياتل.
    بقي أن نقول إن فيلم «مطر وشيك» هو من الأفلام الناحجة على الصعيد الفني في معالجة الفكرة الرئيسة التي يتمحور حولها الفيلم، كما أنه يقدِّم خطاباً بصرياً جميلاً يتلاقح مع عمق الفكرة ويعبِّر عنها بطريقة احترافية تسيّد اللغة السينمائية البصرية على اللغة الأدبية التي تأتي في المحل الثاني في الفن السابع.
يعمل...
X