إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

جاسم الصحيح - القصيدة شراب .. الشعر نشوة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جاسم الصحيح - القصيدة شراب .. الشعر نشوة



    جاسم الصحيح
    القصيدة شراب .. الشعر نشوة

    أخفضوا صوت العالم قليلاً .. أريد أن أسمعَ موسيقى الأشياء، إيقاعَ خطوات الأرض وهي تسير إلى الهاوية، تهامسَ الجذور في باطن التراب.. أخفضوا صوت العالم قليلاً كي أتلمَّس الأسرار. أنا أحدُ أبناء النار، إخوتي أعوادُ الثقاب، والكبريتُ أبي.. قادمٌ من فوَّهة الجحيم أبحث عن امرأة تربِّي معي جهنَّماتي الصغيرةَ حتى يعشوشب اللهب، والذي خَـلَـقَـني بالشعرِ غَـوِيًّـا! إنَّ دنياكُمْ هذهِ لا تساوي عندي خفقةَ قلبِ القصيدةِ حينما يتجلَّى لها الجمالُ. في الطريق إلى الحياةِ، أوقفني الشكُّ، وقال : لا تُعَلِّقْ ذاتك على حبل الطمأنينة، سوف يسلخُها اليقينُ سَلْخَ الشَّاةِ ويرمي بـلَحْمِها للغياب، وقال لي الشعر: حينما تطفو الذاكرةُ على شغاف القلب تبتدئُ القصيدة.
    أنتمْ أيُّها الأطفالُ الذين يُحرِقون الوقتَ بالموسيقى ويُـضِيئُون الحياة.. لا تصدِّقوا (العَروض).. لا تصدّقوا هذه الموازين الكاذبة، إنّما يوزن الشعرُ على إيقاع العُمر.
    أنتمْ أيُّها الشعراءُ.. أنتمْ أيُّها الأطفالُ الذين يُحرِقون الوقتَ بالموسيقى ويُـضِيئُون الحياة.. لا تصدِّقوا (العَروض).. لا تصدّقوا هذه الموازين الكاذبة، إنّما يوزن الشعرُ على إيقاع العُمر وهو يترقرق من أيدينا لحظةً لحظةً في نهر الفناء العظيم. أنتمْ أيها الشعراء الذين يحملون الأرضَ على أكتافهم إلى إقليم المستقبل، وعندما يشعرون بالتعب يستريحون في القصائد.. الأرضُ حِمْلُكم الجميل، والقصائد ليست أكثر من محطَّات. أنتم أيُّها الشعراء .. أيُّها الإرهابـيُّون الجميلون الذين يَرْتَدُونَ أحزمةَ المعرفة، ويُفَجِّرُونَ ذَوَاتِهِمْ في اللغة، وينتظرون حُوريَّات (الضاد) في فراديس الأبديَّة.. الشعرُ هو تلك اللحظةُ التي تدخلُ بنا في لذَّة الأشياء .. الشعرُ هو اللحظةُ المُجَنَّحَةُ التي ترفعُنا إلى أعالي شجرةِ الوقت حتَّى نقطفَ نجمةَ الخلود. الشَّعْرُ جَرَّاحٌ مُزْمِنٌ ما انفكَّ يستأصلُ الوَرَمَ الذي يكبرُ في رأسِ الأرضِ بـمِشْرَطِ الكلمات. ولا أظنُّهُ إلا الشِّعر ذلك الذي أدخلَ فكرةَ الأشجارِ إلى ذهنِ الحديقة، حيث إنَّ الشعر يختبئ في الكلام اختباءَ (المَغنَطَة) في المغناطيس، فالحقل الشعري حقلٌ مغناطيسيٌّ بامتياز، فقط اقذفوا بأحاسيسكم في مساحته واكتشفوا حجم الجاذبية. أمَّا االلغةُ فهي أرضٌ وحشيِّةٌ يُصنِّفها الحذرُ حقلَ ألغام، وكلُّ ما يصنعه الشاعر هو نزع الألغام من الكلمات واستئصال الوحش كي يتجوَّل الناسُ في هذه الأرض بأمان، والقصيدةُ .. ما القصيدة؟ القصيدةُ تشبهُ - إلى حدًّ كبيرٍ - قِطَّةَ البيت الأليفة، نبعثها عبر المسالك الوعرة والطُرق التائهة في البعيد كي تفتِّش عن الأسرار، وتعود إلينا دون أن تضلَّ الطريق. أخيراً، من سيُصَدِّقُني حينما أقول : يبدأ الشِّعرُ بعد أن تنتهي القصيدة، فالقصيدةُ شرابٌ، بينما الشعرُ هو نشوةُ هذا الشراب؟!
يعمل...
X