إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مبتدع النور الهارب ... أوجين بودان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مبتدع النور الهارب ... أوجين بودان

    أوجين بودان، مبتدع النور الهارب





    السابق للانطباعية أوجين يودان أمسك بالألوان والظلال وحياة الناس في ما عده معاصروه مبتذلا
    أبو بكر العيادي
    باريس – الفرنسي أوجين بودان (1824 – 1898) من الفنانين الأوائل الذين اهتموا برسم المناظر الطبيعية خارج مرسم، وقد سبق بذلك الانطباعيين بعشرين سنة، بل إن كلود مونيه أحد أعلام الحركة الانطباعية تتلمذ علي يديه. ورغم أنه لا يقل قيمة عن أعلام عصره فقد ظل دونهم شهرة، مثلما ظلت أعماله التي تفوق الأربعة آلاف ( ما بين لوحات زيتية وبستيلات ورسوم مائية ) خبيئة المتاحف في فرنسا وسواها. هذا الغبن تداركه اليوم متحف جاكار أندري بباريس، من خلال معرض استعادي يقام له حاليا (من 22 مارس إلى 22 يوليو )، هو الأول في عاصمة الأنوار منذ العام 1899.
    نشأ بودان في فترة كان الفنان خلالها إما رومانسيا أو أكاديميا، أما هو فقد ظل يستعصي على التسلسل التاريخي للمدارس والحركات، إذ كان لا يهتم بقصور القوطية الجديدة أو الغابات السحرية، ولا بالمشاهد الميثولوجية أو البورتريهات، وكلها كانت رائجة في عصره بشكل أو بآخر، بل كان يفضل عليها ضفاف البحر، حيث الفضاء شاسع والطبيعة طوع اليد والأفق عند مرمى البصر، فاجتذبه البحر وسفنه ومرتادوه وأحوال الجوّ الذي يقتنصهم فيه، حتى عرف لدى الناس بـ”رسام الشواطئ”.
    ولو أن لوحاته البحرية كانت ذريعة يتوسل بها للإمساك بالزمن الهارب والغيوم المتلاحقة والرطوبة المنتشرة ولحظات الصحو النادرة على سواحل نورمنديا التي ينحدر منها.
    كتب يقول في إحدى رسائله عام 1882 : “كنت أريد أن آتي إلى ساحة المعركة، لألاحق السفن، وأتبع الغيوم وفرشاتي بيدي، وأنشق هواءَ الشاطئِ النقيَّ العبقَ بملوحة البحر، وأرى المدّ يعلو.”
    جاب بودان أوروبا في بحثه الدائب عن النور. من مسقط رأسه إلى البندقية مرورا بأنفيرس ودانكيرك وبيرك ومقاطعة بريطانيا وبوردو والساحل اللازوردي على ضفاف المتوسط، حيث أبدع في اقتناص المناخ الخاص لكل مكان زاره، مثل “ساحل بورتريو” و”مرفأ تروفيل” و “البحارة في مرسى بريست” حتى أنه يمكن الاستدلال إلى كل واحد منها في لوحاته دون الرجوع إلى عنوان اللوحة، فله طريقة خاصة في اقتناص جمال الطبيعة على اختلاف مصادره، وهي أن يذوب فيه، وذلك يتطلب منه – أكثر من الملاحظة والعمل التشكيلي نفسه – أن يحسّ به بشكل يكوّن لديه انطباعا.
    وقد أثارت أعماله اهتمام هواة الفن الأمريكان، فكان من بين الرسامين المساهمين في المعرض الضخم الذي أقيم عام 1886 في نيو يورك للفن الانطباعي.
    وهو ما يفسر امتلاكَ بعض المتاحف الأمريكية الكبرى مثل ناشينوال غاليري بواشنطن أو ميوزم أوف فين آرت ببوسطن جانبا من لوحاته التي تعرض لأول مرة في فرنسا.
    وكان بودان قبل ذلك قد هجر عالم السفن ليحتفي بموضة جديدة ظهر ت منذ العام 1860، وتتمثل في ارتياد العائلات البورجوازية شاطئ دوفيل للاستجمام، والسباحة في مياه بحر المانش، فكانت مناسبة لأعمال كثيرة تصور حياة اللهو التي يحياها الموسرون ومتعهم الصيفية، وتعكس قدرته الفائقة على نقل أكثر العناصر الطبيعية تقلبا كالضوء والأمواج والسحب، وقدرته على الإمساك بألوان السماء المتغيرة بتغير ساعات النهار وتقلب الأجواء.
    ولكن بدل أن تقابل تلك الفئة أعماله بالعرفان لكونه ثبّتها في صور خالدة، حصل العكس، فقد عدّها كثير منهم سوقية مبتذلة، خالية من الطرافة والميلودراما وحتى غير ذات موضوع، وعومل صاحبها كما يُعامل اليوم مصورو الخبطة الصحفية paparazzi. والحقيقة أن بودان كان قليل التأمل، يتطلع إلى المناظر ويرسمها بسرعة فائقة، وكأنه يريد اكتنازها دون سواه.
    وإذا كان بودلير يمتدح فيه تلك الخصلة ويثني على “الآنية” التي تميز أعماله، فإن المعترضين على فنه نعتوه بالتلصص والوقاحة، مثلما نعتوا فنه بالإسفاف، رغم حرصه على واقعية التفاصيل وعنايته بتدرج الألوان وانصهارها في أفق يتآلف فيه البحر بالسماء في أطوارهما المختلفة. وبذلك خبا حضوره ولم تعد لوحاته تجد من يقتنيها، بل إن أكثرها وجد ملفوفا في بيته.
    ورغم المعرض الذي أقيم له بعد وفاته بعام، لم يرد ذكره إلا عام 1929، حين أشادت مصممة الأزياء جانّ لانفان بلوحاته الشاطئية واعتبرته رساما طلائعيا، مهّد فنه لظهور الحركة الانطباعية.
    قديما كان كميل كورو يلقبه بـ”ملك السماوات”، أما لوران مانوفر الذي ألف عنه كتبا كثيرة من بينها “بودان ونورمنديا” (1991)، و”بودان – السماء والبحر” (1994) فيصفه بـ “مبتدع النور الهارب”.
يعمل...
X