Announcement

Collapse
No announcement yet.

مسرح المقاومة و الروماني ماتيئي فيتشنياك

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • مسرح المقاومة و الروماني ماتيئي فيتشنياك

    الروماني ماتيئي فيتشنياك ومسرح المقاومة





    مشهد من مسرحية «لا مكان لريتشارد الثالث بيننا» للكاتب «فيتشنياك»
    أبو بكر العيادي
    بدأ «ماتيئي فيتشنياك» شاعرا ثم انتقل إلى التأليف المسرحي، وقد نشر أعمالا كثيرة تمّ عرضها على الخشبة في فرنسا وبولندا وبريطانيا وكندا وتركيا وحتى اليابان، منها «مدينة الساكن الوحيد» و«المرأة كساحة حرب» و«وقائع شروق مجهض»، و«تاريخ الشيوعية مرويا للمختلين عقليا» و «لا مكان لريتشارد الثالث بيننا» و«الإنسان القمامة» التي نفرد لها ورقتنا اليوم.
    يتألف العرض -الذي يطلق عليه صاحبه صفة المسرح المفكَّك – من أربعة وعشرين نصا، ترد متتابعة دونما صلة، في لوحات حوارية هزلية منفصل بعضها عن بعض، أشبه بقطعة مرآة مهشمة، لا يوحّدها سوى الإنسان، إنسان في المطلق لا اسم له ولا صفات، إنسان في كونيته وسرمدية وجوده، وخضوعه الأبدي للضغط، داخليا كان أم خارجيا، وقابليته لتصديق كل ما يقال له. كالقمامة، يودع فيها كل شيء.
    وهو إلى ذلك كالحرباء يتبدى في أوجه مختلفة، فهو تارة سجين حلقة مدى الحياة، وتارة خاضع لغاسل أدمغة، وطورا هارب يطارده حصان، وطورا آخر عدّاء لا يستطيع التوقف… مفرد بصيغة الجمع، يتجلى في حشد من الشخصيات القابعة خلف مرآة حلم ملتفتة إلى الخارج، عبر حوارات ومونولوجات تؤثث البنية النصية لمسرح مقياسي التناسب، يمكن تغيير وحداته في كل عرض. لوحات تأتي في شكل استعارات، أو في هيئة كلام عبثي يذكر بمسرح يونسكو وبيكيت، أو تمزج العجيب والغريب على نحو يفتح للسخرية المرة مجالات واسعة التأويل، برغم أن الأحداث تدور في ظرف أشبه بأجواء نهاية العالم، عقب حرب أهلية مدمرة في بلد شمولي ( لعله رومانيا زمن تشاوسيسكو التي هجرها الكاتب في خريف 1987 )، وتعالج التلاعب بالجماهير التي تقبل ذلك طائعة صاغرة، والانكفاء على الذات والعزلة والخوف من الآخر، ما يقود في النهاية إلى فردانية مفروضة. والمبدأ في كل مرة يقوم على منطق مضلل، حلقات لا يمكن الخروج منها، مثل صندوق باندورا Pandore في الأساطير القديمة.
    في هذه الخرافات الهزلية التي تدور في عوالم كافكاوية، تحيل على بلدان الكتلة الاشتراكية زمن الحرب الباردة دون ريب، وتحيل أيضا على بلدان أوروبا الغربية، يستكشف فيتشنياك انحراف المجتمعات هناك، ويستعرض أزمة القيم واندحار المُثل العليا وفقدان البشر إنسانيتهم، وهو إذ يصور الضيق الذي تعيشه الحضارة الغربية وتناقضات أهلها، يدين الجلاد والضحية، وتلك سمة من سمات مسرحه الذي يهتم بالإنسان وعصره، والتصدعات التي تعتريهما، وانخرام المعيش اليومي، بأسلوب ساخر يجمع بين العبثي والفنتازي.
    يقول المخرج غابريال غارّان: «تتميز كتابة فيتشنياك بالإيجاز والتركيز، تتمفصل حول فظاظة الوضعيات القصوى، في لعبة مرايا مدوّخة ومضحكة في آن، حيث لا سرد يتنامى، ولا عقدة، ولا لحظة انفراج، بل أفعال مقاومة واستسلام لمنظومة عامّة مركزها في كل مكان، ومحيطها مهووس فقدَ إنسانيته».
    هذا الالتزام بقضايا الإنسان في مواجهة السلطة بكل تجلياتها ليس جديدا على فيتشنياك، فهو شاعر مشاكس قبل أن يكون مسرحيا عنيدا. حتى أطروحته الجامعية التي ناقشها في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس كان موضوعها حول المقاومة الثقافية في بلدان أوروبا الشرقية في المرحلة الشيوعية. فقد نشأ تحت حكم شيوعي جائر ترك في نفسه آثارا لا تمّحي، ووجد في الأدب فضاء لممارسة حرية مسلوبة، فتغذى بأعمال كافكا ودستويفسكي وكامو ولوتريامون وخصوصا يونسكو وبيكيت.
    وبرغم إعجابه بالسرياليين والدادائيين وروايات الفنتازيا، فإنه كان أميل إلى مسرح العبث والسخرية المفرطة، في بلد يمجد الواقعية الاشتراكية، وهو ما دفعه، عند انتقاله مطلع الثمانينات إلى بوخارست لدراسة الفلسفة، إلى الانخراط في حركة أدبية كانت تؤمن بقدرة المقاومة الثقافية على تقويض التوتاليتارية، وبدور الشعر والمسرح في إدانة الاستبداد وفضح الدجل السياسي و تعرية تلاعب الطغاة بمصائر الشعوب عبر «إيديولوجيات رنانة» لا تطعم غير الجوع والفاقة. في تلك الفترة، ألف نصوصا مسرحية كان الوسط الفني يتداولها سرا، دون أن يُسمح لها بالعرض، بل إن مؤلفها ظل رهين تتبعات دفعته إلى اختيار فرنسا منفى يمارس فيه فنه بحرية، حيث سار على درب رومانيين شهيرين آخريْن هما سيوران ويونسكو في الكتابة بالفرنسية، فألف نصوصا مسرحية كثيرة، أغلبها منشور في بلجيكا وفرنسا، جعلت منه أكثر المسرحيين حضورا في الساحة الثقافية الرومانية.
Working...
X