إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفنانة لمياء الجنحاني التشكيلية التونسية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنانة لمياء الجنحاني التشكيلية التونسية

    التشكيلية لمياء الجنحاني تبعث الحياة في منسياتنا






    لوحة «أغنية الرحى»
    عبد الدائم السلامي
    بمفردات فنية بسيطة، وبتشكيل يلامس ألطف تفاصيل المنظورات، وبألوان لا تتكتّم على روائح كيميائها، وبمشهديّات يتواجه فيها الحنين إلى الماضي مع التوق إلى الآتي، تنهض ميزة تجربة لمياء الجنحاني التشكيلية. حيث تدعونا لوحاتها إلى تجاوز عتباتها الظاهرة والدخول في جدل مع متخيَّلاتها حدَّ الشعور بكونها تخاطبنا بما نتمنّى سماعَه، وتحكي لنا حكايات ما تزال ظلالها عالقة بأذهاننا.
    بل إنّ في لوحات هذه الفنانة نزوعًا إلى ابتناء علاقة وجدانية معنا فيها من الانفعال الإنسانيّ ما لا نستطيع معه أن نحافظ على حيادنا إزاء موجودات هذا العالَم، بل وحتى إزاء أرواحنا وذلك باعتبار أنّ كلّ لوحة هي محاولة لاختراق جدار الصمت الذي يملأ الكون، هي مشروع تتعاضد في بنائه حال الكائن وما يجب أن يكون من أحواله.
    ترى لمياء الجنحاني أنّ الفنان التشكيلي مُطالب في هذه الظروف المحلية والعالمية المكتظّة بالآلام ومعاداة كلّ ما هو أرضيّ جميل، إلى الدّفاع عن حقّ الآخرين في التنبّه إلى ما في أرواحهم من إمكانات فنيّة، وما في خزينهم الاجتماعيّ من مفردات يومية هي من أسلافنا خبرةُ تجاربهم في رؤية الكون وفق مذاهبهم الذوقية، ولكنها أصبحت اليوم تتعرّض إلى طمسٍ متعمَّدٍ بسبب تغوُّل الآلة وعنف دورانها.
    وعليه، عادت الفنانة تفتح خزانة التراث الشعبي لتبعث الحياة في بعض منسيّاتنا اليومية من عادات في الملبس والمأكل والتعاطي وشعور جمعي بالحياة في سكينتها وفي ضجيجها. وهي لا تني تصرّ على محاورة تلك المنسيّات وحفزها على البوح بشعرياتها عبر مجموعة من التقنيات الفنية لعلّ أبرزها تحفيز الاستجابة البصريّة للمتلقّي عبر الإيحاء له بالخصائص المظهريّة لعلاقة العناصر البانية لجسد اللوحة، وخلق علاقة تفاعليّة بين العمل الفني ومحيطه الاجتماعي والشعوري، إضافة إلى تحرير زوايا نظر المُشاهد بفضل نسيج اللوحة اللونيّ.
    لا يستطيع مُشاهد لوحات الجنحاني أن يقف عند المتجلّي منها، بل كثيرا ما يلوذ بها سبيلا إلى استحضار مأثوراته الشعبيّة سواء أكانت مرويّات شفويّة أم صورا لأبواب لوحيّة عتيقة أم مبانيَ كانت يوما مّا تفوح منها روائح البخور وتُطلّ من مشربياتها صبايا يرسمن أقواس محبّاتهنّ بأنهُج ومسارب هي الآن محاصرة بالخراب ولكنها ما تزال تحتفظ برائحة أسرارها. ذلك أنّ هذه التشكيلية لا تروم نقل الأشياء، بل هي توحي بها همسًا.
    حيث تذكر أنّ وظيفة اللوحة ليست إشباع حاجات بصر المتلقّي فقط، وإنّما هي أن تحفزه إلى التحرّر من ثقل الرؤية والترحّل صوب فضاء التخييل.
    والذي تؤكّده لوحات لمياء الجنحاني، هو أنّ تونس فضاء مكتنز بجمال ساكناته، وأنّ اللوحة، إذا اكتفت برسم تلك الجماليات، لا تجد هوى لدى متلقّيها، بل ربّما تقف دون التواصل معه، ومن ثمّة مالت حينا إلى التجريد، وحينا آخر إلى المزج بين الواقعي والتجريدي، ونوّعت أحيانا أخرى من محمولاتها، وهي في كلّ ذلك لا تُخفي تَوْقها إلى استحضار الذي مضى، وتأكيد حضور الذي ما يزال بيننا، وفي الحاليْن، تظلّ منفتحة بدلالاتها على جمِّ التأويل، حاضّة متلقّيها على أنواع من الإدهاش الذّوقي تظلّ تتنامى فيه كأنها الخدرُ.
يعمل...
X