إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لن تصنع ميليشيات الإلحاد ثقافة ولا فنا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لن تصنع ميليشيات الإلحاد ثقافة ولا فنا

    ميليشيات الإلحاد لن تصنع ثقافة ولا فنا






    لم ينجز الملحدون سوى الاستهزاء والعبث بأيقونات فنون الإيمان
    حسين صالح
    فكر الإلحاد الجديد انفجر بعد خزين مركب بدأ توليفه منذ السبعينات، وتشكل المزيج المسموم ببطء لينفجر مع انفجارات نيو يورك وواشنطن التي كانت عاملا محفزا كما يقال في التفاعلات الكيمياوية. المكونات التي يقوم عليها، علاوة على الإلحاد التقليدي أو الكلاسيكي، تضم الداروينية الانتصارية التي لا تنظر إلى «أصل الأنواع» على أنه كتاب علمي فقط بل لحظة انتصار ضد الدين وتضيف إلى هذا النصر التطور الهائل في مشروع الجينوم البشري الذي وسموه بـ«تمكن العلم من حل لغز الحياة». وتضم المكونات أيضا قدرا من العلمانية وآخر من مخلفات الحركة الإنسية Humanism التي سادت بين مثقفي وفناني أواخر القرن الثامن عشر. بالمناسبة ما يعرف في أوروبا بالإلحاد التقليدي يقوم أيضا على فكرة أن العلم والإيمان كيانان منفصلان ليسا متناقضين بل مكملين لبعضهما البعض، وهذا موقف سالب ومهادن لا يقبله فرسان الإلحاد بل ويشتمون كل مهادنة مع الأديان ويدعون إلى تحطيمها فعلا ولو بالتدخل العسكري كما روج كريستوفر هيتشينس الذي صار مقربا لمجموعة جورج بوش. فمثلا عندما قال ألان دي بوتون، وهو ملحد، «إن الدين موضوع خطير بحيث لا يمكن أن نتركه في أيدي المؤمنين»، اتهمه الملحدون الجدد بخيانة الإلحاد وتوعدوه بالتهديد المباشر، عبر الئيميل، بانتزاع أحشائه. هذا لأنه وصف الدين بالأهمية والخطورة فقط.
    الملحدون الجدد أشبه بالميليشيات المسلحة في تعصبها واعتيادها قتل خصومها حتى بين الملحدين الذي حافظوا على الإلحاد بشكله التقليدي أي باعتباره مجرد عدم الأيمان. اللاإيمان يجعل من الإلحاد موقفا سالبا فهو موقف اللاموقف. الإيمان فعل إيجابي بمعنى أنه يجعل الإنسان قاصدا وفاعلا. وهنا تبدأ مسألة علاقة الإيمان بالفنون. الملاحظ أن جل الأعمال الفنية تنبع من الإيمان من مايكل انجلو حتى باخ وموتسارت. الرسوم التي لا تمجد الإيمان لا يبدو عليها إلحاد فهو شيء لايمكن التعبير عنه لأنه، ببساطة، لافعل.
    هناك، مثلا، مفكر وفيلسوف أميركي ملحد اسمه جيري فودور يخطّئ داروين وهو مقتنع بأن نظريته ستظل مهلهلة وغير متماسكة مهما فعلنا. وهو يهزأ من كل هذه الأهمية التي يوليها دوكنز لنظرية داروين باعتبارها لحظة انتصار العقل على الخرافة وأنها الجواب النهائي لكل تساؤلات الإنسان وأنها تنهي الإيمان، هكذا. وواضح سبب انزعاج الملحدين الجدد من فودور فهو يرمي داروين نفسه بالتهافت دون أن يكون مؤمنا. نضرب بفودور مثلا لأن دوكنز وميليشياته حولوا حياته إلى جحيم. بإيجاز صار دعاة العقل المجرد غير عقلانيين. الطريف أن دوكنز أرسل ردا صارخا إلى فودور لكن الأخير لم يقرأه بل اكتفى بالقول «لم أقرأ رد دوكنز لأني واثق من أنه سخيف».
    الذي يهمنا في كل هذا ملاحظة ذات علاقة بالفن. تيار الإلحاد الجديد الذي يريد أن يقبض على الفكر الغربي، بشطريه الأميركي والأوروبي، لفت الأنظار إلى وجوده الفني عبر الكاريكاتيرات المسيئة للرسول. هذه نقطة مهمة، لماذا الكاريكاتير؟ هنا تبرز علامة الإخفاق في تحقيق الإنجاز الفني، هنا يتلخص عجز الإلحاد في أن يكون محركا للفن. الإلحاد لا يملك سوى السخرية والتهكم وانتقاص الآخر دون أن يصدر عنه فعل إيجابي. هو موقف سلبي كما قلنا عرفه الأقدمون ولا جديد فيه ويسمى تحطيم الأيقونات Iconoclasm كما حصل في بيزنطة ومن قبلها ما فعله كهنة آمون بتماثيل وقصور ومعابد الفرعون «المارق» أخناتون. وقد لاحظ بيتر هيتشينس أن الرسام الدنماركي يهزأ برسول المسلمين فعلق بسخرية: «هل تريد أن تكفر؟ إذن اكفر بدينك لا بدين الآخرين». وبيتر هذا شقيق الملحد المتعصب كريستوفر ويختلف مع شقيقه في كل شيء. وخصوصا في مسألة الإيمان والإلحاد فبيتر متدين ولا يزال حيا وشقيقه ملحد مشهور وقد مات منذ بضعة أشهر. والملحد الرئيس كريستوفر أوصى قبل موته بالسرطان قائلا في حديث تلفزيوني: «إذا قاربت الموت وصرت على أعتابه قد أنطق بعبارات فيها إيمان، لا تلقوا بالا إليها واعتبروها هذيان مريض».
    المهم، لنمضي في الحديث ونذكر أن مايكل انجلو فنان عصر النهضة العظيم، مثلا، مؤمن يهيء له إيمانه أن يرسم قبة السيستين بالفاتيكان وهو مستلق على ظهره. هذا الوضع غير المريح لايهمه، هناك ما يحركه ويدفعه لقضاء شهور كاملة يرسم في وضع لا يتيح للفنان السيطرة التامة على عدته وأدواته فضلا عن تدفق الدم في يديه وتصلب أكتافه وهو قابع على ظهره معلق بالسقالات بين قمة السقف والأرض. لكنه أنجز رغم كل ذلك عملا هائلا لا تزال الإنسانية تنظر إليه بانبهار. الملحدون الجدد لم يجدوا طريقة للتعبير فنيا عن إلحادهم سوى إهانة عمل مايكل انجيلو والضحك عليه كما في الصورة المرافقة لهذا الحديث.
    انظر إلى مجموع المنتج الفني للملحدين تجده لا يتجاوز بضعة رسوم هازئة من الرموز والأشخاص تصلح لأن تكون إعلانات توضع لإثارة ابتسامات المارة. الفن لا يمكن أن يقوم على الاستهزاء والشتائم لذلك مكتوب على هذه الحركة أن تبقى مجرد صرعة مناكفة لا تيارا يشكل فنا ولا ثقافة.
يعمل...
X