إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

جدارية الموت -15 - المستشار:حماد الحسن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جدارية الموت -15 - المستشار:حماد الحسن



    حماد الحسن





    _المستشار:حماد الحسن - جدارية الموت -15

    وضعوا النّعْشَ أَخيراً على الأرض، واستقرّ بي المقامُ، وأحضر الهواءُ لي بقايا الغبار الذي أثارته أقدامُ المشيّعين، المبخرةُ وُضِعتْ جانب رأسي، دارتْ سحبُ البخورِ المتوهّجِ حولَ جثمانيَ الملْقى على أُمّنا الأَرض، التحَفْتُ بغطاءٍ كثيفٍ ولزجٍ من رائحة البخور، رائحةُ البخور هي ثعلب العطور بأَسْرها، يمارسُ رقصتهُ البهلوانيةَ حولي يودّعني كما يليقُ بالملوك، يأْخذني بعيداً عن الحضور، يروي لي حكايا المعابد القديمة، ويهمسُ لي بأَسرارِ المؤمنين المختبئين في الكهوف بعيداً عن أعْينُ الفضوليين ورجال البلاط الملكي، يهتكُ سرّ الكهنة الذين يتآمرون على فرعون، ويَسْعى بي بين مطعمِ الطّير ومجاوز الرّيح، ما أجملهما إلهين قبل أن يغادرا الصّفا ومَرْوَة، نشوَةُ البخورِ تثيرُ حفيظةَ النساءِ الأَكْبر سناً والأكْثر خبرةً، فيهدرُ شلالُ عويلهنَّ من السماء هابطاً بقسوةٍ تتحطّمُ أَمواجهُ على جثماني، بكاء الصّبايا ترتفعُ وتيرته الخجولة شيئاً فشيئاً، المشهدُ الصوتيّ كأَنه أوبرا، يالله كم أَنا سعيدٌ بالموت، أَحدهم شعرَ بسعادتي فنهقَ كالحمارِ:
    _ لم يكن هناك حاجةٌ لخروج النساء الى المقبرة.
    ويحكَ من قال لك أني أحتاج في هذه اللحظات للواعظينَ أمثالك، من شدّة غضبي تململتُ في الكفن، ظنوا أن الأرضَ غير مستويةٍ، فتمّ نقلي قليلاً بحثاً عن أَرضٍ مستويةٍ، وتابعوا ماورثوه من اجراءات مقيته، وعادَ لي صهيلُ البخور ممتزجاً بأغاني النادباتِ فهدأت روحي فوقَ الجميع تتأَمّلُ اللوحة، وَردتْني إشارةٌ على صفحتي أَنّ راما جاموخة شاركتني بصورة، بأصابع تختلط باللهفة قمت بتحديث صفحتي ورحت أَنتظر الشّابكة، فسطعت صورةٌ لشجرة تتلون بالأَحمر البرتقالي في أَوّلَ الخريف، فتنهدتُ في موتي وكتبت لها:
    _ شكراً صديقتي، يبدو أَنه أَوان الخريف ...
    فأجابتني:
    _ من قال لك هذا؟! إنّهُ المهرجان ...
    هلْ تفهّمتْ أَنّ موتي كان مهرجاناً؟!!
    كان البخور لا يزالُ يرقص، يغتصبُ جثّتي التي تخشّبت أحْياناً ويتمنّع كالعذراى اذا هبّ النسيم، سلامٌ داخلي سيطر على موتي بشكلٍ مطلق، وأيقنت أنه لا مجال للعودة ، وعقدت العزم على دخول قبري دون أدنى احتجاج، لن أقوم بأي شيء يزعجكم بعد الآن لكن انزلوني بروية وهدوء، حذاري القبر ضيق جداً لماذا لم تكلفوا أنفسكم مغبة توسيعه قليلاً؟ أم انكم تتركون في الارض فسحة لموتكم، في هذه اللحظة أذكر أني حضرت من رحم أنثى، وهذا انا راحل الى رحم أنثى، وقبري رغم ضيقه أشعر أنه مهبل ترابي رطب ولذيذ، يأخذني بحنو وامتنان، ويرحل بي الى الموت.


  • #2
    رد: جدارية الموت -15 - المستشار:حماد الحسن

    المستشار الأديب المبدع الأستاذ حماد الحسن ...
    نبضك يطربنا في الأسماع ، وبوحك يرسم لنا الإبداع ، والتوأمة مع نصوصك دوما تصنع الدهشة والإمتاع ، بلظى الجوى والالتياع ، والسفر مع الهمّ الإنساني يبسط ليراعك ولخيالك الشراع ، فتجدنا في الزمكان نبحر معك في لجى بحر الأوجاع ... مبهورا بعبق المكان وحزنه الملتاع ، إنّ فجرك سيدي قد أهلّ ودنا موعد الإقلاع ، وشمسك لن تغيب ما دام فيك الإشراق والشعاع. متّعك الله بالسعادة والإمتاع ، وأسبل عليك غطاء الصفاء والهناء وأبعد عنك كل هم وغم .وأنعِم بك من أديب مبدع شامخاً كالقلاع.
    إن همّ المستشار هو نفس همّنا ،ماتغير الأمس عن اليوم إلا ببشاعة وتنويع الأسلحة والقتل.سمفونية ومعلقة وجدارياته بالموت وهو يحلم بالشمس وبقدمين يركض بهما..حلما لم يتحقق كأحلامنا المجهضة.أشكرك بعمق البحار ورحابة الفضاء... فالكلمات عاجزة عن تقديم مايليق بك من عبارات التقدير ..
    هل هو شعر أم نثر أم مزيج بين اللونين فكأنه لونا جديدا جميلا يبهر القارئ ويسلب الألباب .لقد هزنا وأعجبنا نصك فمزيدا من الإبداع ياسيدنا المستشار الغالي ...
    فقد كنت تهيم بنا في فضاءات النص وتدعه يرسمك ويرسمنا كيفما يشاء.تقبل شكرنا وتقديرنا لنبض إبداعاتك المتألقة دوماً...

    تعليق

    يعمل...
    X