تويت
حماد الحسن 
_المستشار:حماد الحسن - جدارية الموت -12
رَشّوا بعضاً من عطرٍ ثقيلٍ فوقَ الكفنِ، الكفنُ محكم الإغلاق، هلْ يخافونَ من هروبي؟!!! وسارعوا الى حملِ النّعشِ، أَرْغبُ أَحِبّتي ببعضِ الوقتِ بيْنَكم، لمَ كلّ هذه السرعةِ في الطقوسِ، بإمْكانِكم التريّثَ بعضَ الوقت، ثمّ لماذا كلّ هذه الحَركات المرْتبكةِ والخائفةِ، أَخْشى أَنّكمْ نسيتم أَنّ الميّتَ أَنا والوحيدُ الهادىءُ بينَ الجموع، رَغمَ كلّ ما يَعْتَصرُ قلبي من شوقٍ للبقاء أَكْثر بينكم ، الى درجةِ أَنّي أَسْتَغربُ كيفَ هبطَتْ عليّ كلّ هذه الحكمةِ، هيَ المرّةُ الأُولى التي أَسْتسلمُ فيها لرغباتكمْ دونَ اعتراض، وأَكثَرُ الأُمور غرابةً أَنّ كلّ ما يتمّ من طقوسٍ في جنازتي لمْ يكن كما خطّطتُ لهُ، ومَعَ هذا يسْتَمرُّ صمتي بينكم، وتسْتمرُّ دهشتي من هذا الصّمت، يَبْدو لي أَنّ الموتى أَكْثَرُنا حكْمةً وتعقلاً، لكن ..!!! من الذي يرغبُ بتلكَ الحكْمةِ بعْدَ أَن عاش الجنون؟!!!
الموْتُ موقفٌ سياسيٌ معْلَن، ولن يتمَكّنَ أَحدٌ على معاقبتكَ عليهِ، تِلْكَ حرّيةٌ لمْ يَتَذَوّقها إلاّ الموْتى، سُحْقاً لكلّ النظريّاتِ القديمةِ والمعاصرةِ، وعلى مايبْدو كلّما ازددتُ تَعقّلاً وفهْماً تتسارَعُ خطواتُ السائرينَ بجنازتي، كَأَنّهم يدْركونَ خطورةَ اكتشافاتي، يَتَأَرجحُ نعشي فوق الأَيْدي حتّى أَخَذَتني رَعْشَةُ الخَوْفِ من السّقوط، كَخَوْفي يومَها، يَوْمَ جَثَوْتُ أَمامكِ في العبارةِ، شعرتُ بخوفٍ كهذا الخوْفِ، ورُحْتُ أَرْقبُ وصولَ عبارتكِ الى شاشتي، وكمْ كانت مدهشةٍ :
_ أُحِبّكَ يا مجْنوووووووووووووووون....
دمْعةٌ ساخنةٌ سالَتْ على وجْنتي امتصَّها قماش الكفنِ الجافِّ، ورحْتُ في غيابٍ أَزْرَقْ.........، همستُ لك :
_ كلّ شيءٍ أَضحى أَزْرَقْ..........، ضاقتِ الأَرْضُ علي.