إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

جدارية الموت - 10 - المستشار:حماد الحسن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جدارية الموت - 10 - المستشار:حماد الحسن


    حماد الحسن




    _المستشار:حماد الحسن - جدارية الموت -10

    أيها الميت فوق الخشبة
    ياصديقي يا يا يا ياصديقي
    رسمت وجهك أزهار في الطريق
    ومشت خلف خطاك
    العتبة
    "أغنية لفرقة وشم بعنوان مرثية أفتتح بها المشهد وليتني أعرف كيف يتم الصاقها بالنص الذي يفتح عيني على المجهول بدون أدنى شفقة أو رحمة بما تبقّى لدي من إحساس إنساني"
    ... ... ...
    بَأقلّ المشاعرِ وبأَشدّ العُجالةِ وَالإرْتباك حَمَلوني وَوَضعوني على طاولةٍ خَشبيّةٍ فقيرة الملامحِ، ملساءُ من كثرةِ الاستعمالِ، شََمَمتُ فيها رائحةَ الأَمواتِ الذينَ سبقوني بركوبِ هذه الحافلةِ، رائحتهم تصرُّ على البقاءَ بينكم،أَحدهم رمى رأْسي على الطاولةِ تنهدَ أحد الكائناتُ قربي:
    _ رفْقاً بهِ فهو رقيقُ الحواشي، ألا ترى أنّهُ لطيفٌ حتى في موتهِ.
    لَمْ اشعرْ بأَيّ أَلمٍ، فقط طنينُ صمتٍ ترافقهُ صادٌ ممطوطةٌ بدأَتْ تطلعُ من كلّ تجاويفي، تَحَلَّقَ حولي عددٌ كبيرٌ من أَهلي، وبعضُ الفضوليين، يشاهدون جثّتي العاريةِ بطريقة أخجلتني، أحدهم حاولَ أن يقْلبني ليشاهدَ بوابة خروج الطلقةِ من ظهري، وأزعجهُ أنّ الضّمادَ الطّبي قدْ أَخْفى حقيقةَ ماجرى صباح هذا اليوم، اقتربَ مني رجلٌ أرعبني أنّهُ بلا ملامحٍ، وأخرجَ من ياقتهِ ابرةٌ، وغزَّها في حلمة ثديي الأيسرْ، مممممممممم ، أعادَ الحركةَ بخبرةٍ مرعبةٍ أكثرَ من مرةٍ، حتى بات جسدي كلّهُ يمكن اختزالهُ في حلمة الثّدي الأيسر فقط، وهيهات أستطيع التحركَ أَو الاحتجاج أو مجرد التنهد، يالله كم هو جميلٌ التنهدُ، هو نعمةٌ كافيةٌ لأعيشَ عمري له وحده فقط، أُعيده وأُعيده دون مللٍ أَو كللٍ، منْ قالَ لكِ أَنّي أَحتاجُ الكثيرَ منكِ لأَكون سعيداً، كمْ مرةً همستُ لكِ:
    _ ماما فقط قولي صباحُ الخيرِ ، لِتُشْرِقَ شمسي ، لا تتأَخري كثيراً فأَنا رجلٌ لا تشرقُ شمسهُ إلا بإذنكِ أَنتِ ...
    فوضى تسقطُ عليّ دون استئذان، نحيبٌ وعويلٌ وتهليلٌ للشهيدِ ، وأقمشةٌ تمزقُ وتلفُّ حولَ أَطرافي وكل أنحاءِ جسدي، قرّروا أَخيراً أَنّه لابدّ من مغادرتي ، وخرجوا بي مبتلاً ، وملفوفاً بالقماشِ ، أَحدهم لم ينسَ أَن يسكب فوقي علبةُ عطر رائحتها واخزة ، أَصابتني بصداعٍ شديدٍ ، وأَضعتُ رائحةَ الموتِ لبعضِ الوقت ، يبدو أَنّهم يرفعوني للأَعلى،بدأتُ أَشعرُ بالدُّوار.
    صباحاً يومها التقينا، وقفتُ بينَ يديك متلعثماً، ضحكتِ كالأطفال، ومددت الي يدك تأخذين بكفيَّ تشمينها وتقبلينها، تقطفين روحي بشفتيكِ، أَدنو اليكِ قليلاً أشمّك، شهيقي لا ينتهي ، أُلملمُ الهواءَ حولك، أَشعرُ بدوارٍ يحتلُّ كياني، شهيقي مزمنٌ وعتيقٌ، وربما هو أكبرُ مني سناً، والدُّوارُ رفيق عمْري، عيونكِ أَيْقظتني من غفلتي، همستُ:
    _ لا تجزعي دوارٌ خفيفٌ ويزولُ
    _ تماسك أخشى عليكَ أَن تسقطَ بين يدي
    _ امنحيني بعضَ الوقْت
    _ عمري كلَّهُ لك
    _ ... ... ...
    _ أنا خلقتُ لأُسْعِدَك ماتبقى لنا من عمرٍ
    حلّقتُ في دواري لا أَرغبُ بأَن ينتهي، رميتِ رأْسَكِ على صدري، وتأَوّهتِ:
    _ ما أشدّ صبركَ على فتنتي !!!
    _ أخشى عليكِ من نفسي
    _ ترجّل عن صهوة الصّبرِ واهْبط الى أَرضي، كلّي فاكهةٌ تذوب انتظاراً لأَصابعك الرقيقة...
    ها أنذا ترجّلت أَخيراً ، ومثقوباً من اليسار الى اليمين، برصاصة عبرتني عرضياً كما تعبرُ نجمةُ الشّعرى العَبورُ السماءَ نحو حبيبها سهيلٍ اليماني في العشر الأوائل من تموز، ترجّلتُ أَخيراً يرافقني الدّوارُ، وأفتقدُ الشهيقَ ويدكِ تشدني الى حقولٍ أَشدّ رطوبةً من حقولِ اليانسون فجراً،أَيّتها الأُنثى العَبور لك قلبي وهذيان البَخّور.

يعمل...
X