إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بين جماليات التشكيل ودلالات التصوف - الدكتور : طه الليل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بين جماليات التشكيل ودلالات التصوف - الدكتور : طه الليل

    التجريد الهندسي في الزخرفة الإسلامية بين جماليات التشكيل ودلالات التصوف
    الدكتور : طه الليل


    تنشأ العلاقة بين الزخرفة في بنيتها النابعة من جملة من الأشكال المتداخلة والمتراكبة، في مدونة توحي بتلك الأسس المنهجية والمنطقية التي تقوم عليها، ولكنها في الآن ذاته تشرع لوجود حركة لا على مستوى البناء فحسب، وإنما تتعدى ذلك إلى العلاقة الجدلية القائمة بين المادة وأحوال النفس، فهي تستدعي الناظر إلى رؤية وجدانية روحية، نظرا لارتباطها بمفهوم المقدس الذي لطالما تعامل معه الفنان المسلم وترجمه في غالبية الأعمال الصناعية والفنية، فالزخرفة أسلوب وتعبير عن ما يختلج النفس أيضا، وهي تمثل لغة مثلها مثل النهج الصوفي في لغته، باعتبار الحالات الروحية للمتصوف التي تقوم على القرب والوجد والتجلي والكشف ، والتي تنشأ علاقة التماهي مع الذات القدسية
    تنشأ العلاقة بين الزخرفة في بنيتها النابعة من جملة من الأشكال المتداخلة والمتراكبة، في مدونة توحي بتلك الأسس المنهجية والمنطقية التي تقوم عليها، ولكنها في الآن ذاته تشرع لوجود حركة لا على مستوى البناء فحسب، وإنما تتعدى ذلك إلى العلاقة الجدلية القائمة بين المادة وأحوال النفس، فهي تستدعي الناظر إلى رؤية وجدانية روحية، نظرا لارتباطها بمفهوم المقدس الذي لطالما تعامل معه الفنان المسلم وترجمه في غالبية الأعمال الصناعية والفنية، فالزخرفة أسلوب وتعبير عن ما يختلج النفس أيضا، وهي تمثل لغة مثلها مثل النهج الصوفي في لغته، باعتبار الحالات الروحية للمتصوف التي تقوم على القرب والوجد والتجلي والكشف ، والتي تنشأ علاقة التماهي مع الذات القدسية، فالرمز هنا هو ذلك الشكل في بنيته القائمة على الظاهر والباطن في حركتها التي يمكن تشبيهها بالشطح الصوفي الذي يفيد فعل الحركة، ذلك أن التجربة الصوفية هي كتابة متجذرة في "ما قبل اللغة " أو " ما وراء اللغة " في ذلك الهباء الأول أو العماء الأول، حتى أن اسم الله في الشطح الصوفي قد يحتجب ليحل محله ضمير الغيبة "هو" أو مجرد إشارة آهة، لأن التسمية لا تفي بالصورة، فضلا عن أنها فعل استئثار وامتلاك وحبس للمسمى."
    وان كان ذلك من مبادئ النهج الصوفي فهو يماثلها في الزخرفة الاسلامية ، تجليا لذلك الغموض بين الظاهر والباطن، لان طبيعتها ملغزة، بحيث يكون القاسم المشترك بينهما في تواجدهما ضمن حيزالمجاز والاستعارة كما يعبر عن ذلك أدونيس.
    ويتأكد ذلك في قول التوحيدي:" تشترك العبارة والإشارة في تقريب الحقيقة الإلهية إلى الناس إذ أن:" الإشارة التي هي إليك ومنك.... ولم تختلف هذه إلا لحاجة الخلق إليها، فلا جرم ولا إشارة ولا عبارة إلا إلى وجه الاستعارة والإعارة ".
    ولئن كان النهج الصوفي يتطلب مشاركة الذات في بناء تعبيرها، فهي تعتمد على بنى لغوية قائمة على تجربة وجدانية حدسية حيث ينتقل الصوفي إلى باطن الشيء أو الموضوع ليحدث بذلك في رحلته وحركته ذلك التماهي والاتحاد بالذات الإلهية .
    ومن ذلك تكون العملية الإبداعية في الزخرفة الإسلامية عموما والحفصية متجاورة مع اللغة الصوفية لما تكتسبها من مراوحة بين الغموض والتجلي، فان حاولنا فك رموز تلك الزخرفة بمختلف عناصرها ومفرداتها التعبيرية والتشكيلية، يستدعي ذلك قراءة في متن البنية وخصائصها الباطنة على أساس ما يسمى بالتأويل الباطني، مثلها مثل الصوفية التي تستدعي التحرر التام من قيود اللغة، فاللغة الصوفية ذات لسان مبهم، غير جلي تتماهى مع الزخرفة في عدم استقرارها وتواصلها المتدرج من شكل إلى آخر ومن خط إلى آخر وهذا ما يتجلى في الخط العربي على لسان الحبيب بيده :" إن الحديث عن الخط صعب ولذيذ، إذ نفكر فيه بواسطة اللغة التي يصورها، وانه لمن الجميل أن يعي الإنسان هذه العلاقة بين فكره واللغة التي كونت هذا الفكر والخط الذي يسجلها ويصورها" .
    وان هذا الحديث لا يمكن أن يكون إلا شاعريا جماليا، لأن نشأة الخط وتطوره قد جسما وعيا بتجاوز المحسوس والتحاما بالمعقول، إذ لم يكن من السهل أن تجرد من الأشياء كيفيات تشكيلية، وأن تنظم في علامات مركبة ومنظمة ومؤلفة لتؤدي المعاني الظاهرة والخفية لفكر اندمج واللغة أصبح من العسير فصلهما .
    لئن كان وضع الأسس المنطقية والذهنية الأولى بالاعتماد على مرجعيات فلسفية مختلفة، تنحى جانب التفكير المنطقي العقلاني وتستدعي القارئ إلى رؤية وجدانية روحانية، فان ربط المظاهر الأسلوبية الفنية المعتمدة من خلال الأشكال الزخرفية الإسلامية في علاقة الزخرفة الهندسية بالنهج الصوفي في لغته هو وصف لموصوف لا وصفا موصوفا، باعتبار الحالات الروحية للمتصوف هي درجات تعالي تأخذ جانب التغير في الاستقرار والسكون في الحركة النابعة من حركة روحية وبصرية رمزية من خلال الأشكال الهندسية، التي تتحول من السكون إلى الحركة وكل شكل حسب خاصياته فالهندسية المتحركة تمثلها النقاط أما الهندسية الساكنة تمثلها الخطوط.
    ويسعى الحبيب بيده إلى تدعيم الرؤية الصوفية المرتبطة بالمنحى التجريدي الهندسي بتبيان الاتحاد بين الذات الصوفية مع الذات الإلهية في بعدها الرمزي وبين القبض والبسط والجمع والتفريق والفناء والبقاء داخل بنية هندسية رياضية تحتوي شكلا سالبا مجتمعا مع شكل موجب مما يولد شكلا كاملا .
    وينشأ بذلك التوليد المتواصل بما يقابله عند الصوفي من انتقاله من مقام إلى مقام ومن مرتبة إلى أخرى والتي تكسبه المعرفة.
    ومن خلال هذه النظرة الرياضية الذهنية تتأكد هذه الرؤية التأويلية بين المتقابلات الهندسية والمفاهيم اللغوية في الأدب الصوفي، بين ذلك الغياب والحضور الذي ينعكس على المفردات الهندسية في نمطها المتجاوز المتناظر الإيقاعي باختلاف اللون واتحاد الشكل فتظهر بعض المفردات الزخرفية بينما تختفي الأخرى رغم تواجدها في نفس المستوى المادي ولكنها تختلف في الحركة البصرية.
    وبذلك تتحقق النظرة التأويلية بين مسألة الغياب والحضور البصري للمادة الهندسية، وتتدعم بنظرية التوليد التي تحدث بموجب العلاقات التشكيلية بين المفردات الزخرفية المولدة لبعضها البعض وفق مبدأ التوافق والتكرار التتابعي المتواتر للأشكال الهندسية .
    ومن ذلك تظهر العلاقة بين الباطن والظاهر من خلال الغياب والحضور المرئي واللا مرئي، من ذلك تلتحم ذات الفنان العربي المسلم بالعالم من حيث هو المبدع في سلوك وإنجاز عملي داخل الزخرفة الإسلامية القائمة على المنهج الرياضي مما يجعلنا نربطه بالنهج الصوفي وفق هذا الجدول للمتوافقات العددية انطلاقا من المذاهب الكونية لإخوان الصفاء.
    ومن ذلك تتحدد هذه العلاقات بين البنية اللغوية الصوفية والبنية الزخرفية الهندسية القائمة على الرياضيات وعلم العدد لدى اخوان الصفا ووسيلة ربطهم للهندسة وخواصها الرياضية للنقطة والخط والشكل المربع والمثلث والدائرة وكيفية تدرجها من العالم الكبير الذي يمثله الله الخالق المبدع الذي يترجم في العالم الصغير ،عالم ينقسم بين النفس والعقل والمادة الهيولانية المتمثلة في الانسان القائم على التناسق في تركيبه وفي فعله المتمثل في هذا الحيز من المبحث الجمالي على الزخرفة، في إطار علاقة التوحد داخل كيفيات الفعل المتجلى في صياغة وتشكيل المادة، وهذا ما يتضح في قول محي الدين بن عربي في كتابه "انشاء الدوائر قائلا :" إذ أن المعنى إذا أدخل في قالب الصورة والشكل تعشق به الحس وصار له فرجة يتفرج عليها ويتنزه فيها فيؤديه ذلك إلى تحقيق ما نصب له ذلك الشكل وجسدت له تلك الصورة، فلهذا ما أدخلناه في التصوير والتشكيل .
    ومن خلال هذا التحليل نرى في هذا البحث النظري الذي يمثل النواة الأولى في تشييد ملامح الفعل الزخرفي التشكيلي القائم على رؤية فلسفية تاريخية وأسلوب تأويلي تحليلي لمراكز الاهتمام الأساسية عند الفنان العربي المسلم الذي ساهم مفكرو ذلك العصر في جعله يسعى إلى الإبداع وفق رؤى منهجية وفلسفية، ولئن كانت تحمل بعدا روحانيا دينيا فإنها تفرز إبداعا تشكيليا نسعى إلى تفسيره وفق طريقة استقرائية من خلال المعالجة التشكيلية والتحليلية لعلاقة الزخرفة بالهندسة، فكما جعلت الصانع والزخرفي والمفكر يسعى إلى ترجمتها من واقعها المادي المحسوس إلى الذهني الملموس كذلك سعى الفنان المسلم في عمله لإثارة هذه الإشكالية وتدوينها بنظرة مادية إنشائية وروحية جمالية وفق أطر رياضية هندسية متجلية في زخرفة العمارة الإسلامية والحفصية.

    المغرب.قصر الباهية،زخارف هندسية مغربية

    زخرفة هندسية على بمنبر بجامع الأندلسيين بفاس ،المغرب

    زخارف هندسية بمحراب جامع عقبة بن نافع ،القيروان،تونس

    المصادر والمراجع:
    - أدونيس : الصوفية والسريالية، دار السافي، بيروت 1995، ص 116
    - أبو حيان التوحيدي: الإشارات الإلهية، دار الثقافة بيروت 1973 ص 203
    - الحبيب بيده : صورة الانسان الكامل في الخط العربي : الحياة الثقافية عدد 93 تونس 1998، ص 92
    - اخوان الصفا : رسائل اخوان الصفا، الحركة والسكون،تصحيح خير الدين الزركلي، المطبعة المصرية، القاهرة، 1928.ص145
    - محي الدين ابن عربي : كتاب إنشاء الدوائر، دار سراس للنشر 1999، ص 5
يعمل...
X