إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المصرية درية الكرداني برواية "رمال ناعمة"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المصرية درية الكرداني برواية "رمال ناعمة"

    غلاف الرواية
    [COLOR=#000099"]"رمال ناعمة" مصرية تحوّل المشاعر إلى لوحات بصريّة
    [/COLOR]


    القاهرة-العرب أونلاين- "رمال ناعمة" هي الرواية الأولى للكاتبة المصرية درية الكرداني، صدرت منذ أيام عن دار الثقافة الجديدة، وقضّت صاحبتها في كتابتها عشر سنوات ما جعلها تستثمر فيها جميع خبرتها الحياتية والجمالية. وهي تمثل فضاء سرديّا دافئا وحميما حتى لكأنها بالفعل رمال ناعمة تبتلع قارئها فلا يخرج من لذاذة محكياتها حتى بعد إنهائها.

    في تقديمه لرواية "رمال ناعمة" قال صلاح فضل: "إنّ أشد ما يدهشنى فى هذه الرواية الفائقة أنها تغرق القارئ فى حمام ساخن تتسرب فيه إلى مسامه عناصر حميمة من ثقافة بصرية أصلية، فالرواية التى لا تكاد تبوح باسمها تتعشق فنانا لا تمنحه اسما شخصيا، بل يظل ماثلا بصفته "الفنان" فحسب، وتأخذ فى تحويل جميع المشاعر والأحداث إلى لوحات بصرية منقوشة بحرفية لونية ولغوية بالغة الدقة، وكأنها "اسفنجة" امتصت طيلة معايشتها للفنان عشرين عاما رحيقا هذا الوعى التشكيلى والعاطفى وفلسفته، ثم تفرغت لتقطيره وتأطيره، لتحويله إلى كتابة مشربة بجمال الخطوط وسحر الأشياء ونبض التفاصيل."

    تبدأ الرواية بسرد استرجاعيّ يُخبر عن حياة البطلة منذ الصغر وحتى لحظة معايشتها للحدث الأكبر في حياتها المتمثّل في لقائها بـ"الفنان" التشكيايّ وافتتانها به و بكل خلجة من شخصيته حتى وصل بها الأمر إلى ما اعترفت به فى آخر الرواية بأنه كان "حبا كالمرض". ولكنّحبها للفنان قوبل منه بجفاء ونكران لشخصيتها، لا بل حتى بتبدّل في سيرته الأولى التي عشثتها فيه.

    فالفنان التشكيلي بطل الرواية أو زوج البطلة كان رمزا للتمرد والتحرر في سنوات الغليان السياسيّ ولكنه في مرحلة لاحقة في ثمانينيات القرن العشرين بدا في كثير من المواقف زوجا تقليديا محافظا يتعمد طمس شخصية زوجته الشابة ويفتعل مواقف لإهانة كبريائها وأنوثتها ويعاملها كخادمة كما تقبل الفنان الذي كان متمردا فكرة تسليع أعماله وخضوعها لمنطق السوق.

    وبطلة الرواية التي بدت مطيعة ومستلبة وأقرب إلى الخادمة أو الممرضة رهنت حياتها لزوج لا يؤمن بها وعاشت في ظله أطول مما تحتمل زوجة وتأخر تمردها بشكل لا نجد له مبررا منطقيا في الرواية.

    وباتكاء الرواية على مفهوم تلقائية السرد، بفضل امتلاك كاتبتها قدرة عظيمة على الوصف وبراعتها استخدامه إما بالتصريح وإمّا عبر قناة الترميز، نجحت في جعل القارئ شريكا في الأحداث التي خلا أغلبها من عنصر المفاجأة التي لم تخفها بطلة الرواية في الصفحات الأولى وهي تسجل أنانية الزوج صاحب الذات المتضخمة وهو يقول لها: "حافظي علي كفنان فيصبح مجدي وما أحقق لنا نحن الاثنين معا". وسوف يمر نحو 20 عاما وأكثر من 220 صفحة في الرواية حتى تكتشف البطلة أنها كانت "مريضة بالارتباط به" وهو غير مبرر فنيا أيضا إذ لم تشعر طول هذه السنين بالتحقق الجنسي أو الشخصي.

    ومؤلفة الرواية درية الكرداني -التي تعمل مدرسة للغة العربية في جامعة نورث كارولاينا بأمريكا- عنيت بتفاصيل كثيرة وصغيرة تتناول سيكولوجية بعض المثقفين وطبيعة عمل الفنان التشكيلي واستغراق الزوجة في أعمال منزلية عادية ولكن السرد منحها جمالا كأن القارئ يراها للمرة الأولى.

    ففي مشهد طويل جدا كانت الزوجة مشغولة بغسل الأواني في المطبخ وطلب منها أن تعد له عصير برتقال وتأخر إعداد العصير قليلا فلاحقها "الفنان" باتهام يليق برجل تقليدي "أنت لم تخلقي لتكوني زوجة" وهي تحاول الانتهاء وتغني ففوجئت به ينقض عليها ويمنعها أن تغني وامتدت يداه لتشل حركتها وتخنقها ولم تستطع الفكاك من يديه إلا بضحك هستيري ورشه بفقاعات الصابون وهو يلومها "بللتني. وبماء وسخ؟" وهو الموقف الحاسم الذي قررت بعده ألا تقبل الذل.

    وسوف تكتشف الزوجة الشابة جانبا مما تراه ازدواجية المثقف العربي حين يقول لها زوجها الفنان "طاعة الزوج من طاعة الرب. الشرع يقول إن حق المرأة على زوجها مرة واحدة بعد الزواج" بل يستكثر عليها أنها أطول منه قامة وهي ترد مندهشة "لو كنت فكرت أنك ستقول يوما "الشرع" ما تزوجتك. ألم تقل إنك يساري يدافع عن مبادئ كذا وكذا؟".

    وكأن الراوية تريد أن تثبت للقارئ نسبية الأشياء والمواقف فما يراه البعض امتهانا يراه آخرون تضحية.. فالبطلة وهي طالبة جامعية معتزة بنفسها تماهت مع شخصية الفنان التشكيلي الذي تراه أحد مثقفي مصر العظام وتقول عنه أحيانا "معبودي" و"إله لا يرضى" ولكنها تنازلت عن حماسها لأفكار "المساواة وحقوق المرأة". وعلى الرغم من امتهانه لها وتسفيه أفكارها وعدم إيمانه بأنها تصلح لأي شيء فإنها لم تكن تشعر "بوجود الرجال الآخرين كرجال" وظلت تنتظر أن يمنحها الزوج بعض الحب والاهتمام وبعض الثقة.

    ومن ثمة يتأكد لها أنها كانت مبالغة في تصورها "عن احترام وتقديس الفنانين والشعراء والكتاب" من خلال مواقف كثيرة منها ظهور امرأة في حياة زوجها ورأى أنها "يمكن أن توصله لطبقة الأغنياء الجدد" ولكن الزوجة الشابة تنصحه بالابتعاد عن هذه المرأة لأن مهمتها "ربط الفن في مصر برجال الأعمال… حتى ينتهي بعد قليل التمرد عند الفنانين ويخضعون لمنطق العرض والطلب والفلوس… ضايقني أن يتحول هو لسلعة".

    وجاءت فكرة الكتابة عزاء للزوجة وعلاجا تسترد به وعيها وثقتها بالذات وليس انتقاما من الماضي إذ تتساءل.. "لماذا إذن لا أخرج الحكاية فأتطهر وأرتاح" وربما كانت كلمة "أتطهر" أكبر من السياق لأن الزوجة كانت تريد أن تتصالح مع الماضي الذي لم يكن خطيئة إلا في حق شخصيتها وتأجيل أحلامها.

    ولكن بطلة الرواية بعد انفصالها عن زوجها وتصالحها مع الماضي انخرطت في علاقات مع أجانب في مصر وخارجها وهو انقلاب مفاجئ لا تمهد له شخصيتها ولا تربيتها المحافظة بصورة مقنعة فنيا ولكنه جاء في الفصول الأخيرة كمحاولة للتحقق الإنساني والجسدي.
يعمل...
X