إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بقلم : د. طه الليل - دلالات الرمز في الأثر التشكيلي سيميولوجيا الصورة وجماليات الايحاء من المدرسة السيريالية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بقلم : د. طه الليل - دلالات الرمز في الأثر التشكيلي سيميولوجيا الصورة وجماليات الايحاء من المدرسة السيريالية

    دلالات الرمز في الأثر التشكيلي سيميولوجيا الصورة وجماليات الايحاء من خلال نماذج من المدرسة السيريالية

    بقلم : د. طه الليل



    لكي نتمكن من قراءة العمل الفني وجب التعرف على آليات هذه القراءة المشحونة بالرموز والإيحاءات والدلالات التي تمثل مقومات الفعل التشكيلي.
    وهذا ما يجعلنا نطرح العديد من التساؤلات حول الظاهرة الفنية ،وما هي دلالاتها ورهاناتها ،والى أي مدى يمثل الرمز مقوما أساسيا في تشكيل الصورة المرئية في الأثر الفني؟وفيما تتمثل العلاقات التي ينشأها التفاعل بين المنظومة الرمزية والبناء التأليفي المتنوع للعمل التشكيلي من خلال المدرسة السريالية؟

    عنوان المقال:
    دلالات الرمز في الأثر التشكيلي :
    سيميولوجيا الصورة وجماليات الايحاء من خلال نماذج من المدرسة السيريالية
    طه الليل .مساعد تعليم عالي بالمعهد العالي للفنون والحرف بسليانة.جامعة جندوبة.تونس

    يمثل العمل الفني ذلك الأثر الذي يحدثه الفنان في الزمان والمكان،فهو تطلع وتحليل لرؤية مخصوصة،كمحاولة منه للإضافة والخلق والإبداع.لكن هذا العمل الفني لا يمكن أن يكون اعتباطيا أو فعلا بديهيا وعاديا،بل هو ممارسة تستند الى جملة من التأثيرات البصرية والحسية المادية ،أو جملة من التراكمات الذاتية التي تنتج من خلال علاقات نفسية بسيكولوجية أو نتاجات سوسيوثقافية ،والتي يمكن دراستها كظاهرة فينومينولوجية مسترسلة لا تقف عند حدود معينة.
    ومن ذلك تنبجس ملكة الابداع في الفعل الفني ،لا كفعل يدوي بسيط ،بل هو تآلف وتماهي وفق العلاقة الجدلية القائمة بين الفكر والمادة ،وبين العقل واليد وبين جسد الفنان ومخيلته.
    ولكي نتمكن من قراءة العمل الفني وجب التعرف على آليات هذه القراءة المشحونة بالرموز والإيحاءات والدلالات التي تمثل مقومات الفعل التشكيلي.
    وهذا ما يجعلنا نطرح العديد من التساؤلات حول الظاهرة الفنية ،وما هي دلالاتها ورهاناتها ،والى أي مدى يمثل الرمز مقوما أساسيا في تشكيل الصورة المرئية في الأثر الفني؟وفيما تتمثل العلاقات التي ينشأها التفاعل بين المنظومة الرمزية والبناء التأليفي المتنوع للعمل التشكيلي من خلال المدرسة السريالية؟
    تمثل السريالية مذهبا فنيا يهدف إلى التعبير عن العقل الباطن بصورة يعوزها النظام والمنطق وحسب )أندريه بريتون (André Breton في أول منشور سريالي سنة 1925،يعتبرها حركة آلية نفسية يستطيع من خلالها المبدع الفني أن يعبر مشافهة أو كتابة أو بأية وسيلة أخرى عن الفعل الحقيقي للتفكير الانساني،فالابداع السريالي اذن هو ما يمليه الفكر املاءا وليس له ضابط بالعقل أو المنطق.
    فهي آلية أو تلقائية نفسية خالصة، من خلالها يمكن التعبير عن واقع اشتغال الفكر إما شفويا أو كتابيا أو بأي طريقة أخرى. إذن فالأمر يتعلق حقيقة بقواعد إملائية للفكر، مركبة بعيدة كل البعد عن اي تحكم خارجي أو مراقبة تمارس من طرف العقل و خارجة عن نطاق اي انشغال جمالي أو أخلاقي، و قد اعتمد السرياليون في رسوماتهم على الأشياء الواقعية والتي تستخدم كرموز للتعبير عن أحلامهم و الارتقاء بالأشكال الطبيعية إلى ما فوق الواقع المرئي. و قد لقيت السريالية رواجا كبيرا بلغ ذروته بين عامي 1924-1929 و كان آخر معارضهم في باريس عام 1947. ومن أهم أقطابها الفنان الأسباني (سلفادور دالي) (1904-1989). وتميزت بالتركيز على كل ما هو غريب ومتناقض ولا شعوري.
    وتهدف السيريالية إلى البعد عن الحقيقة وإطلاق الأفكار المكبوتة والتصورات الخيالية وسيطرة الأحلام. واعتمد فنانوها على نظريات فرويد في التحليل النفسي.
    وهي تتميزبالتلقائية الفنية والنفسية، تعتمد على التعبير بالألوان عن الأفكار اللاشعورية والإيمان بالقدرة الهائلة للأحلام. وتخلصت السيرالية من مبادئ الرسم التقليدية،باعتماد التركيبات الغربية لأجسام غير مرتبطة ببعضها البعض لخلق إحساس بعدم الواقعية إذ أنها تعتمد على اللاشعور.
    واهتم هذا التيار بالمضمون وليس بالشكل، ولهذا تبدو لوحاته غامضة ومعقدة، وإن كانت منبعاً فنياً لاكتشافات تشكيلية رمزية لا نهاية لها، تحمل المضامين الفكرية والانفعالية التي تحتاج إلى ترجمة من المتذوق، كي يدرك مغزاها حسب فكره ورؤيته للعمل الفني.
    لكن الإشكال الذي يطرح نفسه هنا ،هو علاقة الرمز بالفن ،وأثر الرمز في البناء التشكيلي للوحة ،وماهي دلالاته السيميولوجية وأثرها في جمالية الفعل الفني؟
    يمثل الرمز في حقله المفاهيمي اللغوي والاصطلاحي جمع رُموز و مصدره رمَزَ .
    وهو علامة تَدل على معنًى له وجود قائم بذاته ، فتمثِّله وتحل محلَّه ، وقد يُستخدم الرَّمز بقصد الإيجاز ، كما في الرُّموز الكيماوية والحسابيّة والهندسيّة والفيزيائيّة " يقوم الرَّمز الكتابي مقامَ الصَّوت المنطوق ، الحمامة رمز السّلام ، - رَمْز السُّلطة / الجودة ، - رموز سرّيَّة . "
    والرمز في معناه الدلالي هو ما غرضه التواصل من خلال العلامة والخط والحركة ،وفي الحقل السيميولوجي يستند الرمز الى تعريف مخصوص له ،رابطا للعلاقة بين الدال والمدلول،ويتميز أيضا بعلاقات اللاحدود الممكاني والزماني Rapport de contiguïté spatio-temporelle) )
    ان مفهوم الرمز يتعدد ويتلون شكلا ومضمونا حسب المجال الفني أو الحقل المعرفي الذي توظف فيه. ،لأن الرمز مفهمة تتجاذبها عدة علوم مثل السيميولوجيا و الأنثروبولوجيا وفلسفة الفن.. فتعدد الدلالات حسب تعدد الفنون.
    ففي بعض الأحيان نجد الرمز يمثل ترجمة لما يوحي به وليس ماهو عليه, وأحيانا أخرى يعتمد الرمز عوضا عن شيء آخر لينوب عنه ويقوم مقامه. وهذا ما اعتمدته المدرسة السريالية التي حولت العمل الفني إلى إشارات دالة, فكانت الخطوط والألوان تعبر عن أفكار وأحاسيس يريد الفنان إيصالها إلى الآخرين. والواقع أن العلامات الفنية والأشكال والألوان كلها رموز, وذلك لسبب بسيط هو أن الفنان عندما يضع على لوحته شكلا ما أو لونا فإنه يصبح رمزيا وأن ذلك الشكل أو اللون يصبح رمزا تلقائيا. فالعمل الفني بطبيعته يوحي بأكثر مما هو عليه. نظرا لحمله جملا وعلاقات تشكيلية كثيفة الدلالة وغنية بالمعاني . وهنا نستحضر تعريف هيجل للرمز, حيث يرى انه شيئ مادي محسوس يرمز او يوحي بشئ مجرد
    ان الرمز في الفن التشكيلي يقوم على مبدأ التواصل الذي يشترط وجود طرفين اثنين أحدهما باث وثانيهما متقبل يكونان الرسالة التواصلية والتي هي بمثابة رموز وعلامات اتصال اصطلاحية حيث ينشأ معناها دائماً عن توافق بين الباث والمتقبل البصري. كما نجد هذه العلامات أو الرموز التشكيلية مرتبطة اصطلاحياً بالأشياء التي تحددها والتي تنتمي إلى نموذج اللغة التشكيلية المتكونة من الخط والنقطة والشكل واللون واللطخة ، ‏ وإذا كانت الدلالة التشكيلية تعد قضية نفسانية، لأن كل شيء يحدث في النفس، فهذا لأن العلامة هي مثير يربط بمثير آخر يوحي بصورته الذهنية، أي أن العلامة على حد تعبير (بيار غيرو) تمثل: "مادة محسوسة ترتبط صورتها المعنوية في إدراكنا بصورة مثير آخر تنحصر مهمته في الإيحاء تهيؤاً للاتصال." والعلامة من هذا المنظور هي الإشارة الدالة على إرادة إيصال معنى ما.
    ان الرمز التشكيلي يتسم بكونه متغيرا ومتطورا حسب رؤية الفنان وحسب المنظومة الاجتماعية والسوسيو-ثقافية التي يعيض فيها،فهو دائما موضع التساؤل بفضل ارادة الابداع والتجاوز.كما عبر عن ذلك (أوسكار ويلد):"كل فن هو بالأساس فضاء من الرموز"،فالعنصر التشكيلي المكون للتركيب البنائي للعمل الفني هو أولا رمز سواء كان نقطة أم خطا أم شكلا أم لونا،فلا يمكن أن نستهل القراءة التحليلية التشكيلية دون معرفة أبعاد هذه اللغة الرمزية القائمة في بعدها السيميولوجي على جدلية الدال والمدلول،فهذه المنظومة من الرموز المولدة للعلامات وجب فك شفراتها ليتسنى لنا معرفة ماهيتها الأساسية.
    يمثل الرمز ماهية الفعل الانشائي الحقيقي لدى الفنان السريالي الذي مكنه من التحرر من الواقع الى الغريب كما هي الأشكال والأحجام في أعمال (سالفادور دالي) التي نلاحظ أنها تقوم على :
    - الأشكال اللاواقعية: مثل الأحلام وعلاقة الخيال بالعناصر المكونة للموضوع كالوجه والساعة وغصن الشجر والسماء الزرقاء في لوحة: La persistence de la memoire .


    La persistence de la mémoire,huile sur toile,24/33cm 1931 .

    - الكتابة التلقائية الصادرة عن اللاوعي، والبعيدة عن رقابة العقل، بدعوى أن الكلمات في اللاوعي لا تمارس دورالرقيب على الأفكار، ولهذا تنطلق هذه الأفكار في حيوية مستديمة.
    - وتمثل فلسفة الغموض في التعبير التشكيلي السريالي ، مقوما أساسيا للفعل الفني المعتمد على الشكل الواقعي ومختلف إيحاءاته الرمزية.

    le sommeil.Salvador Dali
    ان الرمز في الفن التشكيلي عموما وفي لوحات (سالفادور دالي) و(ماكس ارنست) و(راؤول هيسمان) جعلت على حد قول ليفي (شتراوس) "الإنسان يعقل ذاته والعالم من حوله" .وبالتالي يكون الرمز من هذا المنظور وسيلة وغاية للتمكن من المعرفة الكلية للعالم ، أما بود لير فيقرن الرمز بالمعرفة الجمالية أي سبل وآليات التذوق الفني من خلال علاقة الموضوع المحسوس والمتخيل ،ويتضح ذلك في قوله:" إن المعرفة الجمالية نقيض المعرفة العادية, إنها معرفة رمزية, فإن غاب الرمز غاب الفن.

    Max Ernest,design dans la nature, huile sur toile 50/66,7.1947

    Raoul Hausmann, L'esprit de notre temps (Tête mécanique), vers 1920
    assemblage, 32,5 x 21 x 20 cm
    ان الأعمال الفنية والتراكيب التأليفية الغريبة المعتمدة في الفن السريالي تحيلنا الى علاقة الشكل بالمضمون الدلالي والرمزي ،والذي يطرح اشكالية العلاقة بين الرمز والعلامة في الصورة الفنية.
    فمن خلال سيميولوجيا الصورة نفرق بين الرمز والعلامة لأن هذه الأخيرة لاتتعدى نطاق الإشارة, وتكون مفهومة من قبل الجميع لأنها تتجه الى البصر مباشرة, بينما الرمز أكثر تعقيدا وتجردا ولا يدرك إلا بفهم الفكرة التي يرمي إليها. وهناك عدة تفريعات وتشعبات وتصانيف وخواص للرموز مثل تقسيمها إلى خاصة وعامة, حيث يهتم الفن بالرموز الخاصة ،لأن هدف هذه الرموز الخاصة هو التعبير عن الانفعالات الفردية والمواقف الشخصية, بينما تهدف الرموز العامة إلى التواصل بين أفراد المجتمع.
    أما )سوزان لانجر 1895 ـ 1975) Susanne k. Elanger) )فتحدد الرموز في نوعين:
    - رموز استدلالية وتستعمل في العلوم ورموز تمثيلية وتستعمل في الفن, الأولى اتفاقية أما الثانية فليس لها دلالة ثابتة أو قواعد, ولا يمكن استبدالها برموز أخرى كما هو الشأن بالنسبة للرموز الاتفاقية. لأن الرموز التمثيلية متصلة بالذات.
    أما الرموز التمثيلية فمعناها في ذاتها التي نتأملها وننفعل بها. لأن الصلة بين الشكل والمضمون في الفن صلة طبيعية وليست اتفاقية.
    ومن ذلك يمثل الفن حسب المدلول الرمزي فعلا ونشاطا من النشاطات الرمزية ، وأن العمل الفني بوصفه صورة رمزية للوجدان البشري ، فالفن هو الذي يقوم على إبداع أشكال قابلة للإدراك الحسي بحيث تكون هذه الأشكال معبرة عن الوجدان البشري، وان ما يدركه الإنسان في الفن بصورة معبرة إنما يدرك كشكل.
    وبالتالي يلعب مفهومي الشكل والصورة أهمية كبرى في تعريف الفن، فالعمل الفني إذا استحال إلى شكل أو صورة ، أو إذا كانت الصورة نتاج الخيال كصورة العمل الأدبي، عندها يصبح للعمل الفني مظهرا حسيا يقبل الإدراك.
    ان المحاولات المتعددة الباحثة في سيميولوجيا الصورة الفنية، القائمة على دراسة الرموز الفنية ومقوماتها ،تتسم دوما بالمحدودية نظرا لارتباط الرموز التشكيلية بالذات المبدعة
    وبهذا فان الفن لغة من الرموز, وبين الجهاز المتلقي عند الإنسان والجهاز المنفذ جهاز ثالث هوالجهاز الرامز.
    ومن هنا نلاحظ أن الرمز في الفن التشكيلي استحال مع السريالية حاملا لطاقة ذاتية تمثل الأشكال الجمالية في بعدها الدلالي المتعدد، التي لا تفتأ أن تتغير وتتحول ،فالرمز التشكيلي من ذلك يمثل بنية تحليلية تحيلنا الى مفهوم متواري يطرح قضية المرئي و اللا مرئي في آن واحد وفق العلاقة الجدلية بين الظاهر والباطن في تركيب وبنائية وتأليف العمل الفني .

    Man RAY. Le Cadeau,1919
    ومن خلال العديد من التيارات الفنية التشكيلية الحديثة كالدادائية والسريالية والرمزية والتعبيرية والفن التجريدي المعاصر يمثل الرمز ذلك الحيز التعبيري الذي ينتج الفن من خلاله خصوصيته وقوة تشكيله ،فنجد الرمز كل ما يحل محل شيئ آخر في الدلالة عليه لا بطريق المطابقة التامة وانما يطرح علاقة جدلية مع مفهوم الايحاء في تعبيرية الفن.
    ومن هنا تبقى القراءة السيميولوجية للأثر الفني منفتحة وغير مقيدة بناموس أو بحدود ،وانما يكتسب الفعل الانشائي في الفن التشكيلي حرية من خلال الرمز وما يحمله من معاني متعددة ومتنوعة داخل العمل الفني ذاته.





    المصادر والمراجع:

    - أحمد مختار عمرمعجم اللغة العربية المعاصر ، عالم الكتب – القاهرة،2008.
    - بيار غيرو: السيمياء،ترجمة، تحقيق: أنطوان أبي زيد، عويدات للنشر والطباعة،سوريا 1984.
    - جعفر الشربكجي : الفن والأخلاق في فلسفة الجمال، دار حوران للطباعة والنشر، دمشق 2002
    - حكيم ، راضي : فلسفة الفن عند سوزان لانجر ، دار الشئون الثقافية العامة ، بغداد ، الطبعة ألاولى ، 1986.
    - عبد السلام الشيخ : الشخصية والتذوق الجمالي للمرئيات، مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة 1986
    - فيليب سيرنج :الرموز في الفن والأديان والحياة ،ترجمة عبدالهادي عباس الناشر: دار دمشق للنشر 2000.
    - موريس نادو:تاريخ السيريالية،ترجمة نتيجة الحلاق،منشورات وزارة الثقافة،سوريا 1992.
    - هيقل: المدخل إلى علم الجمال: فكرة الجمال، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة - بيروت، 1978.،ص 78
يعمل...
X