إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ابتسمت الأرض فكانت سوريا - فيلم "هبة يك"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ابتسمت الأرض فكانت سوريا - فيلم "هبة يك"

    الفيلم ينتقل من تصوير لعبة أحجار النرد إلى التعبيرعن البلد القتيل
    "هبة يك" فيلم يقول: "ذات يوم ابتسمت الأرض فكانت سوريا"


    العرب أونلاين - رضاب نهار

    هل يمكن أن تتحوّل طاولة النرد إلى أرض تُرمى فيها مصائر الناس رميات تبدو محسوبة بقسطاس الرّبح ولكنها سرعان ما تتركها لأحكام الصدفة تقلّبها كيفما شاءت؟ هل يمكن أن يتحوّل مقهى صغير في وسط الشام إلى وطن كبير يستقبل زبائنه ويُفسح لهم في مجال الإنباء بما سكتوا عنه من سياسات وثقافات؟

    منذ 7 سنوات انتهى نبيل ملحم من فيلمه الوثائقي "هبة يك"، الذي اتخذ من مقهى "الروضة" الشهير في قلب العاصمة دمشق، مكاناً للتصوير وموضوعاً للفكرة والحدث. لكن ولأسباب غير معلومة لم يعرض الفيلم منذ ذلك الحين، فقد تجاوز كل قاعات السينما في سوريا والعالم ليعرض اليوم على الصفحة الرسمية لتجمع فناني ومبدعي سوريا من أجل الحرية على موقع الفيسبوك.

    بداية الفيلم كانت مع أحجار النرد على طاولة الزهر، تلاها صوت يحكي عن رحلة مدتها 25 عاماً للشاعر سليمان عوّاد أمضاها على ذات الكرسي في ذات المكان الذي هو مقهى الروضة، قبل أن يموت. وبين سخرية الواقع ومرارته تتجوّل كاميرا الفيلم لترصد باحترافية عالية من حيث الشكل والمضمون، واقع المثقف السوري الذي أردته الحالة السياسية في بلده سوريا حتى أصبح في كل نتاجاته الفكرية والإبداعية، يبحث أولاً وأخيراً عن ذاته وعن الوطن وما بينهما من تفاصيل كثيرة.

    لا يحكي "هبة يك"عن الروضة على أنه مكانٌ مجرد، بل يطرحه باعتباره الوجه الآخر للبلد المقتول الذي جعل الذهاب إلى المقهى الخيار الوحيد أمام مثقفيه. وهو ـ أي الروضة ـ شريحة مصغرة عن جوانب كثيرة ومتنوعة من الحياة في سوريا. وفي داخله وكما ورد في الفيلم، تجد سياسيين في موقع المعارضة وسياسيين في موقع الموالاة، وقد تجد المخبرين والراغبين في كسر الملل عبر لعبة "طاولة الزهر" التي انبثق من جولاتها اسم الفيلم، فضلاً عن كثيرين تنوّعت مساراتهم وأفكارهم وأولوياتهم. حتى أنّ "هبة يك" تنبّه إلى المثقف العراقي الذي وفد إلى الشام وصار زائراً يومياً للمقهى الدمشقي له ذات الهموم والواجبات التي تثقل كاهل السوري.

    ومن هنا فإن نبيل ملحم كاتب السيناريو والمخرج، تعمّد من خلال تنقلاته بين مثقفٍ وآخر أن يقدّم جانباً من نمط فكر وثقافة كل واحدٍ على حدة، ولم يكتفِ بتقليص الموضوع للحديث عن المقهى كحاضن أساسي ولربما وحيد للسوريين المنغمسين في الهم الثقافي والسياسي مع اختلاف درجات ثقافتهم وتنوعها.

    وبعد الثورة السورية، نجد أنّ الفيلم قد جسّد حالة في غاية الصّدق رصدت الوضع السياسي والثقافي منذ سبع سنوات في سوريا. فعلى سبيل المثال البعض كان يجهل من هو الكاتب السوري ياسين الحاج صالح الذي رأيناه داخل المقهى في الفيلم، مع أنه اليوم من أبرز مثقفي ومفكري الثورة، ومقالاته وأفكاره تتداول بين شرائح مختلفة من المجتمع السوري. وما هذا إلا ترجمة للتهميش المتعمّد للعقول الفكرية والسياسية في البلد، خاصةً وأنّ ياسين الحاج صالح أمضى سنوات كثيرة في معتقلات النظام دافعاً ثمن آرائه لا أكثر ولا أقل.

    وضمن المجتمع والفرد والثقافة والسياسة، ركّز نبيل ملحم على وجهة نظر ياسين الحاج صالح في تحليله للواقع الذي يعيشه السوريون، حيث رأى ياسين أن المشكلة الأساسية تتجلى في عدم تطوير نظام سياسي يستطيع أن يترجم التعدد، فالمجتمع السوري من أكثر المجتمعات تعددية وثراءً والنظام السياسي من أكثر الأنظمة أحادية الجانب ومحافظةً. وهذا عائق حقيقي يمنع المجتمع السوري من أن يصبح أكثر تفاهماً مع ذاته.

    من جهةٍ أخرى تمّ التأكيد بين مشهدٍ وآخر على أنّ مقهى الروضة يعكس روح الشارع السوري بتقسيماته، عبر الكلمة والصورة، حيث اعتبر المعارض والمفكر ميشيل كيلو أنّ المقهى هو مكان يجمع نخب البلد من المثقفين، على الأقل يجمع لقاءاتهم بشكلٍ شخصيّ. ووجد مصطفى المقداد، محرر في واحدة من الصحف الحكومية أنّ الروضة مناخ مؤات للكتابة وهو ليس مجرد مقهى لكنه منتدى ثقافي وسياسي واجتماعي.

    كما شرحت لنا تلك الصور التي مرّت على وجوه الجالسين، أنّ الروضة اختصر ولا زال يختصر أجيالاً كاملة مرت وتركت بصمتها، ولربما منها من لم يترك شيئاً ومنها من ترك لغزا أو ألماً في مكانٍ ما. لذا ذهب الفيلم إلى الوقوف عند موت الزعيم الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو ، الذي بقي لغزا… لغزا ألقى بظلاله على سامي جمعة رجل الاستخبارات الشهير الذي رسم الفكر الاستخباراتي السوري المصري زمن الوحدة وهو يأخذ بعضاً من وقته في المقهى. ويا ترى.. هل هو القاتل الفعلي لفرج الله الحلو؟

    كلّ الشّخصيات التي تحدّثت إلى الكاميرا في "هبّة يك" كانت في الحقيقة تبوح لنا بمعاناة عمرها أعوام وأجيال. وجوهٌ شاخت وأخرى على الطريق تعتصر ألماً لما حلّ بالحياة الثقافية والاجتماعية في الوطن السّوريّ، ومع ذلك تحاول أن تحكّم عقلها وسط ظروفٍ لا تليق بأهميتها. فما الروضة إلا الوجه الحقيقي لكل سوري مهما بلغ من الثقافة ومهما بلغت منه بساطة العيش.

    ومن بين زوار المقهى ومن شباكه، ننطلق مع الكاميرا التي ترصد أحد زوار الروضة، باتجاه "حضرة دينية" لنسمع صوت معلّق الفيلم ، يخبرنا بكل ما يجري داخل وخارج الروضة: "ثمة من يعلن احتضار الأحزاب، احتضار النقابات، احتضار الحياة السياسية في سوريا، الإسلاميون يعثرون على صيغة تلتصق بمستقبلهم. ثمة وعد ينتظر، وعد إلهي والكل يرقص حول وعده". والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن بعد 7 سنوات: هل جاء الوعد الإلهي اليوم؟

    ترتبط بداية الفيلم من عند البنت التي تركت كرسي الشاعر وحيداً، بنهايته التي تأخذنا إلى مطار دمشق الدولي وكأنّ المنفى هو مصير المثقفين وكثير من أبناء الشعب السوري. وفي الحقيقة ما المنفى إلا الوجه الآخر للسجن كما يرى الشاعر فرج بيرقدار. خاصةً وأنه من قال: "ذات يومٍ ابتسمت الأرض فكانت سوريا".

    كثيرة هي التفاصيل التي انتشرت بين مقطعٍ وآخر أو بين مشهدٍ وآخر، استحضرت جميعها من روح المجتمع وتفاصيله اليومية المعاشة مثل: حبوب الفياغرا، المشي، البرلمان مقابل الروضة، القهوة، الأركيلة، الجاسوس وأخيراً طاولة الزهر وأحجارها التي ارتمت على أرض المطار معلنةً النهاية.
يعمل...
X