فراس حج محمد
ناقد وشاعر فلسطيني
الكاتبة اللبنانية مادونا عسكر:
الحوار مع الآخر أساسيّ في بناء الحياة الإنسانيّة
الحوار: فراس حج محمد
مادونا عسكر من الكاتبات العربيات اللواتي أثبتن حضورا مميزا في الفترة الأخيرة في الكتابة في موضوعات متعددة فكرية وسياسية ووجدانية، وتكتب بلغة خاصة، وقبل الولوج إلى عوالم الكاتبة نبدأ بالسؤال التقليدي:
كيف تعرّف مادونا عسكر عن نفسها؟
- أنا مدرّسة لغة عربيّة، كما أنّني درّست اللّغة الفرنسية لفترة لا بأس بها، وكان لي تجربة في تعليم اللّغة العربيّة لأشخاص من جنسيّات غربيّة مختلفة.
- حياة الإنسان الشّخصيّة تساهم في تكوين شخصيّته، إنْ على المستوى الفكريّ أو العاطفيّ، وتدخل في صميم كتاباته، إذ من خلالها يمكنه أن يمنح للقارئ بعضاً من خبرته. كما تتيح له الفرصة بالتّعبير عن نفسه او التّعبير عمّا يصبو إليه. وأحياناً بعض الكتابات تكون كمحاولة لمراجعة الذّات وتصويب بعض مراحلها. ولقد أثّرت تجربتي الشّخصيّة إلى حدّ بعيد في منحي القدرة على قراءة الحياة بطريقة معيّنة وترجمتها بأفكار وقناعات خلصتُ إليها.
دراساتك متعددة بين الأدب العربي وعلم اللاهوت، ما الأثر الفني الذي تركته هذه الدراسات وغيرها في ما تكتبينه؟
- الأدب العربي بحر لا ينضب، كلّما غرفنا منه كلّما منحنا أكثر. هو هذا الكنز الّذي نعود إليه كلّما أردنا أن نبرز الجمال في كتاباتنا، والتّراث القيّم الّذي نستمدّ منه ثقتنا بأنفسنا. أمّا علم اللّاهوت، ومن خلال القراءات المكثّفة والدّراسات المعمّقة، ساهم في منحي حرّيّة فكريّة مسؤولة. كما أنّه ساعدني في التّعمّق أكثر في النّفس الإنسانيّة وكيفيّة تخطّيها لذاتها لتصل إلى المطلق. ويظهر إلى حدّ بعيد في كتاباتي البعد الإنسانيّ والرّوحي. إذ إنّ محور علم اللّاهوت ليس الله وحسب وإنّما الإنسان أيضاً. ولم تقف قراءاتي عند الأدب العربي وعلم اللّاهوت وحسب وإنّما طالعت إلى حدّ كبير الثّقافة الإسلاميّة وتعمّقت في القرآن الكريم وعلم الحديث، ولا بدّ انّ هذه القراءات فتحت لي آفاقاً واسعة تعرّفت من خلالها على الآخر ونمّت في داخلي ثقافة أخرى جعلتني أسعى للبحث عمّا يجمعني به ويوطّد علاقتي به.
- كل شيء يخضع للعقل والتّحليل، وبالتّالي لا يجوز التّكلّم عن محظورات، أو تابوهات. لا بدّ من طرح جميع المواضيع الّتي تشكّل هاجساً للإنسان. فكبتها يؤدّي إلى سوء التّعامل معها، وسوء التّفكير فيها.
كثيرا ما بدا تأثرك بجبران خليل جبران والكتاب اللبنانيين عموما، ما الذي كان يميز كتابات جبران وجعل لها هذا الحظ من الذيوع والانتشار؟
- الكتّاب اللّبنانيون هم فطاحل اللّغة العربيّة وهم وجه لبنان الثّقافي والإبداعي، ولا بدّ أنّهم حفروا في نفوسنا سرّ الإبداع وأورثونا حضارة عظيمة نفتخر بها. وعندما نذكر الكتّاب اللّبنانيين لا بدّ أن نقف إجلالاً واحتراماً أمام ما خطّه جبران خليل جبران العظيم.
كتبت مجموعة من المقالات حول الكتاب المقدس، وبدا تناولك لموضوعات الكتاب المقدس عصريا وحداثيا، هل يمكن قراءة النص الديني التراثي بوعي العصر الحديث، وهل ثمة أشياء دافعة لإعادة قراءة الكتاب المقدس بعيدا عن الوعظ والإرشاد الديني المباشر؟
- الكتاب المقدّس، كتاب حياة، وكلمته حيّة أبداً لأنّها كلمة الله، وبالتّالي كلمة الله هي كلمة حيّة لا تموت، كما أنّها لا تبقى أسيرة المكان والزّمان. كلمة الله هي الأمس واليوم وغداً. هذه الكلمة الحيّة تحاكي الإنسان اليوم، وبالتّالي تتوجّه إليه بحسب نضجه الفكريّ والنّفسيّ والإيمانيّ. ولا بدّ أن تُقرأ هذه النّصوص بوعي العصر الحديث شرط ألّا تبتعد عن بعدها اللّاهوتي والإنسانيّ، فهدف الكتاب المقدّس هو الإنسان، وهذا ما حاولت تسليط الضّوء عليه في كتاباتي حول الكتاب المقدّس.
تمر المنطقة العربية بأحداث سياسية وتقلبات فكرية وصعود تيارات مختلفة عما هو سائد، هل ترى الكاتبة مادونا عسكر أن الربيع العربي فعلا بدأ فصله وأزهاره اليانعة؟
- مع الإحترام والتّقدير لما يسمّى الرّبيع العربي، ومع كل الاحترام لكلّ أرواح الضّحايا والشّهداء الّذين سقطوا، إلّا أنّني لا أرى إلّا شتاء قارساً وعواصف هوجاء تعصف بالمنطقة العربيّة. فما نراه من صراعات ونزاعات طائفيّة واقتتال بين أبناء الوطن الواحد لا ينذر إلّا بخراب عظيم. فنحن بحاجة إلى ثورة فكريّة وثقافيّة أوّلاً، تصحّح مفاهيمنا حول الحرّيّة والقوميّة والمواطنيّة، وكيفيّة التّعامل ضمن الوطن الواحد.
- ما يحصل في لبنان هو امتداد لما حصل سابقاً، وتراكمات لم تعالج. ولا أدري إن كان بإمكاننا الحديث عن حل في ظلّ ذهنيّة طائفيّة ومذهبيّة والتفاف حول الطّائفة والزّعامة السّياسية. الحلّ يبدأ بالتّخلي عن الذّهنيّة القبليّة، والحرص على المصلحة العامّة قبل الخاصّة، وعدم الانجرار خلف الشّعارات الرّنّانة غير المسؤولة، وتحكيم العقل لا العاطفة. فالأوطان لا تبنى بالعواطف بل بالحكمة والقوانين.
تستقبل المواقع الثقافية موضوعاتك وسرعان ما تنشر، هل تعتقدين أن النشر الإلكتروني يوازي في أهميته النشر في الصحف والمجلات الورقية؟ وما هي الفائدة التي جنتها مادونا عسكر من هذا الإقبال على نشر كتاباتها إلكترونيا؟
- في عصر الإنترنت وشبكات التّواصل الاجتماعي، لا بدّ من أنّ النّشر الإلكتروني يوازي في أهمّيته النّشر في الصّحف والمجلّات الورقيّة وإلّا لما تداركت هذه الوسائل الإعلاميّة أهميّة النّشر الإلكتروني. أمّا الفائدة الّتي جنيتها من هذا الإقبال على نشر كتاباتي، هي التّعبير عمّا في داخلي من أفكار وهواجس، وعمّا يخالج نفس القارئ. ولهي سعادة كبرى أن نرى القرّاء يتفاعلون مع ما نكتبه ويسعدون بقراءته.
- الحضور القويّ من خلال المشاركات المنشورة هو احترام ومحبّة للقرّاء الّذين هم السّبب الأوّل في استمراريّتي وإلّا لكتبت لنفسي. فكلّ واحد منهم سواء اختلف معي أو وافقني، له أهمّيّة عندي، فالموافق على أفكاري وطروحاتي يحفّزني على الاستمرارية، والمختلف معي من خلال وجهات النّظر يطوّر من فكري ويفتح لي آفاقاً أخرى، وقد يصوّب لي أحياناً ما غفلتُ عنه.
هل باعتقادك لموقع الفيس بوك قدرة على إحداث تغيير جذري في طبيعة الأدب المقدم، لنقول إننا نتحدث عن ملامح أدب إلكتروني جديد؟ وما هي مميزات النص الإلكتروني عموما، إن جاز هذا التعبير؟
- إذا أجدنا كيفيّة استخدام الفيس بوك، فنحن قادرون من خلاله على إحداث تغيير عظيم على المستوى الأدبيّ والثّقافي. مميّزات النّص الإلكتروني عموماً هو أنّه سريع الوصول إلى القارئ، ويساعده على تثقيف نفسه وهو في مكانه. كما أنّه يمنحه القدرة على التّفاعل مع الكاتب ومحاورته فيشعر أنّه قريب منه أكثر.
- على الصّعيد الثّقافي، أطمح في أن تدخل الثّقافة في صميم واقعنا ولا تبقى على مستوى التّفكير النّظري، وأن تكون جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا اليوميّة. فالثّقافة ليست لأشخاص معيّنين بل هي للجميع بحيث يدرك كلّ فرد منّا أنّه قادر على طرح فكره ليساهم في بناء المجتمع.
ما تقييمك للحركة الثقافية العربية في لبنان أو في الوطن العربي، وهل المثقف العربي فعلا هو مثقف عضوي كما قال غرامشي يوما؟
- لست أدري إن كنت مخوّلة بتقييم الحركة الثّقافية في لبنان أو في الوطن العربي، ولكننّي أرى أنّ أيّ حركة ثقافيّة، في ظلّ الصّراعات والنّزاعات الّتي نعيشها هي حركة عظيمة جدّاً يحاول من خلالها المثقّف إثبات أنّ الإنسان نور يسطع بفكره النيّر.