إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يضاعف "ريلكه" أحزان الشعر ووقع الفجيعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يضاعف "ريلكه" أحزان الشعر ووقع الفجيعة



    كل جمال عذب ومر يشحن القلب بالأسى
    "ريلكه" يضاعف أحزان الشعر ووقع الفجيعة

    العرب أونلاين - شاكر لعيبي
    منذ ثلاثين عاما وأنا أكتب الشعر من دون أن أرى في الأفق مستقبلا لي سواه، أكتبه وكأنني أمارس، ظاهريا، عبثا وعدما خلاقا طلع الكون منه.
    للوهلة الأولى قد يبدو للقارئ العجول أننا قد وضعنا مشكلة عريضة مثل مشكلة مستقبل الشعر في إطار تجربة محض شخصية- ولا يستطيع شاعر إلا أن يفعل ذلك في يقيني مهما حاول التقرب من الحقل التحليلي-، لكن تأطيرا شخصيا مثل تأطيرنا لن يرى الأمر إلا بموضوعية عالية من الجهة الأخرى.
    ومهما بدا هذا الأمر متفارقا ومتناقضا فهو يفضح أن الشعراء، بفعل اتصالهم الحميم لكن السريّ "وهو حميم لأنه سري وبالعكس" بجمهور ما، جمهور افتراضي أو فعلي، يعرفون حدود مسألة مستقبل الشعر ويعرِّفونها بدقة أكثر قليلا من أقرانهم.
    فالمتلقون الكرام والنقاد الموضوعيون والذاتيون قد لا يحتفظون بالحرقة الكاوية ذاتها عن الشعر ومستقبله الغامض بإحكام، بفعل احتكامهم لشروط أخرى "أخرى!" مهما كانت درجات الأريحية التي ترجّ قلوبهم النبيلة.
    منذ ثلاثين عاما وأنا أخاطب مستقبلا للشعر مجهول الملامح، كتابة شعرية أو تحليلا جماليا، وحدي غالبا وفي ما خيِل لي أنه عزلة ميتافيزيقية شعرية لا براء منها. في كل مرة يطالبني فيها أحد بالحديث عن تجاربي في الكتابة، أجد كوة جديدة للاتصال بالعالم الكبير البعيد عن عالمي الصغير، وأجد بالنتيجة مستقبلا شعريا طفيفا حميما، موطئ قدم ثقافي – حتى لو كان بشأن سياسات الشعر واستراتيجياته وليس إزاء نص شعري من النصوص.
    أجد، بمعنى من المعاني، مستقبلا وأفقا جديدا للنص الشعري. إن قياس مستقبل الشعر لهذا السبب هو قياس للرقعة بالغة الصغر والهشاشة والحساسية للمصغين القلائل لنبضات ما نسميه شعرا.
    إن تكاثرهم يدلّ على أن ثمة عافية وأملا، وهذان الأخيران ينموان ببطء شديد مرير، لكنه يطلع واثقا بإيقاع هادئ مثل نمو النبتة. لقد كان الشعر يتيما على الدوام، يتيما مشحون القلب بكل أسى وكل فجيعة وحقيقة، بل بكل اغتراب مضاعف "هذا التضاعف الذي كان ريلكه يلح عليه"، وكل جمال عذب ومر، مشحون القلب بالأسى حتى لا أقول إنه مبلول العينين.
    سأقول دون مواربة إن ازدهار فعل القراءة وتثقيف الحواس وهما عمليتان سوسيولوجيتان شاملتان، يوسّعان من إمكانيات المستقبل الشعري. وهو ما يحدث في أوروبا وأميركا اللتين لا تعانيان، بالحدة ذاتها، من وطأة الإشكالية المقترحة عن مستقبل الشعر والكتابة مثلما نعاني نحن رغم كل مزاعمنا عن كون الشعر هو إرثنا الإبداعي التاريخي والوجداني الضارب فينا.
    ذلك الازدهار هناك، ليس سوى ازدهار ملتبس للكائن الآدمي الذي يقع الشعر في قلب مشاغله بطريقة من الطرق.
    لنر بأن ازدهار الإنسان هو ازدهار لمفهوم الاستعارة التي هي الآن، في يقيني، جوهر الشعرية. مثل هذا الازدهار سيحوّل بفعل الكلام الإنسان نفسه إلى أفق راق، إلى أفق مهذب، إلى مستوى عال من الاستخدام اليومي للعبارة المشذبة ومستوى ثان من المخاطبة للآخر، المخاطبة مداورة، وبرهافة، وبطريقة سيسميها ابن خلدون بالكيِّسة، أي أنه سيرفع العبارة العادية إلى مصاف الاستعارة: الشعر.
    لنتجوّل في العالم العربي ولنر أن ازدهارا، مهما كان طفيفا، لعملية القراءة في بلد معين مقابل تراجعها الدرامي في بلد آخر منه، وأن تشذيبا صغيرا للحواس في المدارس كأنه انتعاش روحي نسبي للبشر في رقعة منه مقارنة بتخلفها المهول في بلد مجاور، مؤثرات بوضوح في نسبة قراءة الشعر والحساسية إزاءه تأويلا وتقبلا.
    لكن تحول الفعل الشعري، إبداعا وتقبلا، إلى نشاط نخبويّ ضيق كما هو حادث في مجمل الثقافة العربية هو دليل اختلال واختلاط وتدهور، ليس في الحقل الأدبي وحده.
    أن يكون منـتج الشعر اليوم هو قارئه، يعني أن لا قرّاء للشعر اليوم ولا إقبال لهذا السبب على نشره.
    مستقبل الشعر، ومجمل التجربة الكتابية الفردية، رهين بالمحيط الثقافي، وأكاد أقول السياسي بمعناه اليوناني: فعل المواطن في المدينة، إنه رهين بالمستوى الثقافي العام للفرد العربي، وحساسية مساهمته في تشييد عمارة الجمال.
    لذا فليس الشعر قارة منعزلة رغم أنه الصوت الأجشّ، بل الأبحّ المنفرد في براريها، غير أن هامشيته المبحوحة تظل قادرة على الوصول، بسبب بحتها بالضبط، لأوساط كثيرة.
    إن الهامشي جوهري وجذري في حالات كثيرة، لعلّ الشعر دليل باهرعليها.
    مستقبل الشعر لصيق بمصير البشرية، ويمشي وحده ثابت الخطى بالتوازي مع المتغيرات التقنية ووسائل الاتصال السمعية والبصرية، لأنه يحورها لصالح رؤيته الخاصة به. إن دراسة الصورة أو الإشهارات الحديثة أو مجازات الوسائط السمعية والبصرية، ستدل عينا ثاقبة أن الشعر يتغلغل حرفيا فيها كلها، وحاضر لهذا السبب بقوة في العالم."للموضوع صلة".
يعمل...
X