Announcement

Collapse
No announcement yet.

على مسرح من طين أربع نساء مقهورات من صعيد مصر

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • على مسرح من طين أربع نساء مقهورات من صعيد مصر

    أربع نساء من صعيد مصر يؤثثن فضاء العرض
    نساء مقهورات على مسرح من طين



    القاهرة –
    لم يتساءل نقاد المسرح في مصر عن السبب الذي دفع المخرج المسرحي ناصر عبد المنعم إلى عرض "ليل الجنوب" الآن؟ فالنص الذي كتبه شاذلي فرح يطرح رؤية شديدة الخصوصية للعادات والتقاليد التي تحكم صعيد مصر، من خلال ما يمكن أن يسمى السيرة الذاتية.

    الكاتب المسرحي ناصر عبد المنعم يعرض مشاهداته وذكرياته في الصعيد في مرحلة الطفولة، ولفت انتباه نقاد مسرحيين عقب الانتهاء من العرض، إذ تساءلوا: هل هذا ضروري الآن؟ فصدمتهم المفاجأة التي ظهرت على ملامح الحضور وهي " نعم"، وهم يقصدون الأحداث الجارية والثورة خارج قاعة مسرح، وفي هذا الفضاء المسرحي نساء مقهورات وعشق وخيانة وثأر وأغان من الفولكلور ومواويل.

    تبدو الحكاية قديمة لمن يتابع المسرح المصري خاصة في العقدين الأخيرين، فقد تناولت عروض عديدة وضع المرأة في جنوب مصر سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن الكاتب شاذلي فرح قدم حكاية خاصة، بل تبدو نقلاً لطفولة المؤلف أو هكذا أوهم الجمهور، استخدم الكاتب تقنية استعارها من أسلوب تيار الوعي الذي عرفته الرواية العالمية في منتصف القرن الماضي، إذ تدور أحداث المسرحية خلال ساعة ونصف الساعة يجلس فيها المؤلف إلى جهاز الكمبيوتر يكتب ويتذكر وتخرج من مخيلته الشخصيات وتدور الأحداث ليروي خلال ساعة ونصف الساعة أحداث سنوات طويلة، وهو ما عرف بتيار الوعي.

    وصمم المخرج ناصر عبد المنعم فضاء مسرحياً راعى فيه الزمن المركب للأحداث، فخارج حيز اللعب يجلس الكاتب إلى مكتب صغير وجهاز كمبيوتر، ونفهم أنه يعيش في بلد آخر خارج مصر، وفي غربته هذه يتذكر ويكتب، ويضعه المخرج في فضاء خارج حيز اللعب فهو في زمان ومكان مختلفين عن العرض.

    ففي مقدمة المسرح مساحة فارغة تدور فيها الأحداث وتخرج إليها الشخصيات من رأس المؤلف الذي يجلس وحيداً في زمان ومكان مختلفين عن زمن ومكان اللعب، وخلف هذه المساحة ثمة غرف بدون أبواب تخرج النساء منها وتعود إليها لتختفي، وعلى اليمين واليسار درج يؤدي إلى فضاء آخر سوف تدور فيه أحداث إلى حد ما مجردة وربما أحلام، أو أحداث خارج نطاق القرية، وفي هذه المساحة صانع الحبال الذي سوف يكون له دور كبير في البنية العميقة للعرض، والذي يشبه كثيراً آلهة الأقدار في التراث الإغريقي، فالرجل يفتل حبالها في إشارة لصناعة المصائر التي تعيشها هذه الشخصيات، وبعد تقديم كل امرأة من الأربع وبعد أن تعرض مصيرها المحتوم تنتشر الحبال من أعلى إلى مقدمة المسرح ، كأنها تنهي حياة هذه الشخصية.

    وتبدأ أحداث ليل الجنوب، واختيار الليل له دلالة قوية في العنوان .. والمؤلف يجلس كما ذكرت خارج حيز اللعب، وليس فقط في زمان ومكان مختلفين، بل واللغة أيضاً، إذ يتحدث الفصحى التقليدية، ثم تخرج الشخصيات من حيز الفكر واللغة إلى حيز اللعب تتحدث اللهجة الصعيدية التقليدية؟ ولا أعرف لماذا لم يتحدث الكاتب بلهجته، لماذا هذا التناقض؟ وبينما يفكر الكاتب ويستحضر الشخصيات نشاهده طفلاً في حيز اللعب، يشارك الكاتب أفكاره.

    فثمة امتداد للزمن، ويشارك الكاتب الطفل الكاتب في شبابه في أداء دور الراوي، وكأن الكاتب لم يغادر هذا المكان، وتبدأ الشخصيات في الظهور، الشخصيات الأربع، أو العمات الأربع، لنتعرف عليهن من خلال مجموعة من اللوحات يشعر المشاهد معها بأنه في معرض استعادي على غرار معارض الفن التشكيلي التي تستعيد أعمال فنان ما، والعرض حاول استعادة أجواء هذه القرية من جنوب مصر.

    وجميع النهايات مأساوية، وصانع الحبال في المستوى الأعلى يلقي بحباله، بالمصائر لتغطي فضاء اللعب، فثمة توحد بين الأحداث ، وفي نهاية العرض يدخل الكاتب الذي يجلس وحيداً إلى حيز اللعب للمرة الأولى، فتقريباً هو لم يغادر النجع، رغم هجرته إلى خارج الوطن، خرج بجسده ولكن عقله وروحه هناك في هذا النجع .. ناصر عبد المنعم قدم هذه الأجواء من صعيد مصر وما هو مسكوت عنه في الثقافة المصرية من خلال عرضين مع الراحل حازم شحاتة "ناس النهر ونوبة دوت كوم" وقد أهدى ناصر هذا العمل إلى روح حازم شحاتة.

    وجاء الأداء التمثيلي خاصة لمجموعة النساء – وفاء الحكيم، شريهان شاهين، دعاء طعيمة، وسامية عاطف – مؤثرا في متعة المشاهد وهذا يدل على موهبة وتمكّن ورغبة في التميّز.
Working...
X