حماد الحسن
أَكثرُ الأَشْياء الّتي أَدْهشتْني طِوالَ عُمري الشّمسُ في نيسان,
وهي سرُّ عشقي للتَّجولِ في أَزِقَّةِ المدينةِ صباحاً, عادةٌ جعلتْني أَحفظُ الشوارعَ والنوافذَ وساعةَ سقوطِ أَشعّة الشمسِ عليها بدقةٍ, وأَضْحَت الظلالُ ميقاتيّتي, وكلّما قَصُرَ ظلّي أُدْركُ أَنّ موْعدَ عودتي للبيتِ باتَ وَشيكاً, والبيوتُ نساءٌ, بيوتٌ تُغادِرها ويبْقى عطرُها بين أَناملك, وبيوت ٌلا ترغبُ بالعودة ِإِليها حتى للضَّرورة, هذا الشّعور خلق لي مشكلة في العودة ليلاً, فاللّيلُ يسْلبُني ساعتي, وربّما محض صدْفة اكتشفتُ ذات مساء أَنّ اللّغةَ كانتْ ظلاً بديلاً, ولكنّهُ أَكْثرَ تعْقيداً, تتداخلُ فيه قضايا أكثرُ إشكاليةٍ منْ أنْ أتَنطّحَ لحلّها, وبَدأْتً أَتَلمّسُ ظلالَ الآخرين في العبارة, أسيرُ كالأَعْمى أَبْحثُ بين الكلمات, أُحاولُ أَنْ أَتبيّن الزّاويةْ الّتي تَسْطعُ منها شموسهم, كمْ هيَ شديدةُ الغورِ البئرُ التي كنتُ أَسْقطُ بها أَحْياناً, أَعودُ الى ظلّي مهرولاً أَحْتَضنهُ مَخافَةَ أَنْ يزربَ من بين أَصابعي, أُسْرعُ الى أَوْراقي أُدوّنُ, وأُراقبُ عقارب السّاعةِ بخوف وهي َ تعْدو كبطلةٍ مغربيّةٍ في المضمار,زوجتي تُراقبني خائفة وتستمرُّ في كبحِ جماحي:
_ ستكونُ نصوصك مصيبتي.
أَنظرُ إليها بعتبٍ وأَرْتمي في حضْنِ ابنتي الصّغرى تَشدّني من شعري, وتضربُ وجهي بكفها الصّغيرة, وفي سرّي تترددُّ عبارةٌ:
_ ومافائدةُ أَنْ أَحيا بدون ظلٍ؟!!