Announcement

Collapse
No announcement yet.

بقلم : بغداد سايح - هوس القوافي -الوفاء الفراهيدي عند الشاعر محمد نحال

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • بقلم : بغداد سايح - هوس القوافي -الوفاء الفراهيدي عند الشاعر محمد نحال

    هوس القوافي/ الوفاء الفراهيدي عند الشاعر محمد نحال
    بقلم : بغداد سايح






    هوس القوافي مجموعة شعرية ثالثة للشاعر محمد نحّال، جاءت بعد مجموعتين "همس القوافي" و "عود وظل"،و قد ضمّ الشاعر القادم من تبسّة 18 قصيدة إلى ديوانه ، محاولا إبراز وفائه للخليل بن أحمد الفراهيدي، مشتغلا على مستوى الشكل بطرق أبواب المماتنة الشعرية و تنويع القافية في النص الواحد و اللجوء إلى التشطير و التضمين ثم الانتقال إلى قصيدة البيتين مرورا إلى قصيدة التفعيلة.

    "هوس القوافي" الوفاء الفراهيدي عند الشاعر محمد نحال
    هوس القوافي مجموعة شعرية ثالثة للشاعر محمد نحّال، جاءت بعد مجموعتين "همس القوافي" و "عود وظل"،و قد ضمّ الشاعر القادم من تبسّة 18 قصيدة إلى ديوانه ، محاولا إبراز وفائه للخليل بن أحمد الفراهيدي، مشتغلا على مستوى الشكل بطرق أبواب المماتنة الشعرية و تنويع القافية في النص الواحد و اللجوء إلى التشطير و التضمين ثم الانتقال إلى قصيدة البيتين مرورا إلى قصيدة التفعيلة.
    الكلاسيكية في شعر محمد نحّال
    يستهلّ الشاعر محمّد نحّال ديوانه بمماتنة شعريّة عنونها "همس القوافي"، و فيها يجري حواره الشعريّ مع الشاعر ياسين عرعار، و تبدو محاولة جيّدة لاستنطاق الوطن العربي في زمن الخنوع حيث يقول محمّد نحّال"الله أكبرُ قدْ عادتْ مدويّة * ما أروع الجرحَ إذْ يجتاحُ أوطانا"، و إن كان ياسين شاركه المماتنة بروح التجديد و الإبداع فإن شاعرنا لم يخرج من الوعظية و التأريخية و لم يُقلع من الكلاسيكية إلى آفاق البوح الشاسعة بل استمرّ يعزف على البسيط نظمه لمرثيّة الأمّة العربيّة فيقول ملمّحا إلى رائعة المتنبي "وا حرّ قلباهُ ما عادت تُجمّعُنا * إلا أكاذيبنا تعلو مُحيّانا"، و أعتقد أن الشاعر باعتباره أستاذ لغة عربية تأثر بالأسلوب التعليمي فنقله إلى أشعاره.
    العقيدة و الانتماء في شعر محمّد نحّال
    في قصيدته "الافتراق" يحاول الشاعر أن يُجسّد فكرة الإنسان و الهدف من خلقه، فجاءت القصيدة فقهيّة تعليميّة على بحر البسيط الذي تعتبر تفعيلاته حماسيّة إلا أن استعمال محمّد نحال لتفعيلة "فاعلن" عوض "فعلن" في قوله "يجسر..يسطر..يشعر" جعل البحر مضطربا و الإيقاع مختلا، و الحقيقة أن الموضوع الشعريّ كان جميلا فهو يبرز الحكمة الإلهية من إخراج هذا الإنسان إلى الوجود، غير أن اللغة الشعريّة لم تكن بتلك الدهشة أو الإبهار فهما مطلوبان لفتح نوافذ القول، و يواصل الشاعر تأمّله في روائع الخالق ساكباً قيمه الإسلامية، مُبدياً وفاءه للبحر البسيط حيث يقول في قصيدته الغروب "الشمس تسبح في أحضان رونقها * كالبحر تسبحُ في أغواره الدرر" ثم يضيف و هو في حالة التجلّي منتشيا أمام الطبيعة "و السُّحْبُ في وهجٍ تنسابُ هائمة * ما أروع الأفْق و الحسناء تنحدرُ"، و هو إذ يُمشهِدُ الغروب يسحب بخيوط المشاعر قارئ قصيدته إلى الذات الإلهية عبر دروب اللغة السليمة النقيّة من الشوائب، و ينتقل بنا الشاعرإلى قصيدتين يظهر فيهما الانتماء العميق إلى عروبته و تمسّكه الوفيّ بعقيدته ففي "غادة الهضاب" نراه يُبحر في البسيط بحكمةٍ جميلة في حواريّة مع الصخر المشرئبّ تمثالا وسط مدينة سطيف و هو إذ يحدّث حسناء عين الفوّارة يحارب أعداء الجمال و القيم الذين ما فهموا الدين على حقيقته "هل دمّروا الشركَ، لا بل شوّهوا ديننا * يا بئس ما فعلوا، أضحوا بلا قيم" و رغم بعض المآخذ العروضية من زحافات الخبن و اضطراب فعلن إلى فاعلن في آخر الصدر من كل بيت إلا أن القصيدة لم تفقد بريق فكرتها المتفرّدة من حيث الغاية و المضمون مع قلّة الصور و رتابتها، أما قصيدته "أغزّة عذرا" المنظومة على المتقارب فتبدو أقرب إلى الأنشودة منها إلى الشعر لما فيها من القوافي المسجوعة و المتغيرة عبر مقاطع فيها من الغنائية المحزنة ما يشي بتحسّر الشاعر على حال الأمة و هي التي باعوا قداستها ذات تشرذم، و نفس الشيء يتكرر مع "حذاء الكرامة" و كأنهما نص واحد.
    في قصيدته "إليك يا أمّي" يفتح الشاعر نافذة على آلام الفراق فيتجلّى لنا ذاك الطفل الذي لم يكبر و لم يشخ رغم السنين فهو يفضّل البقاء صغيرا أمام حنان أمّه و حبّها "فأنا الآن..و رغم كلّ سنيني أحلم أن تحتويني"، و ما يلفت الانتباه أن الصدمة كانت قوية على الشاعر إلا أن مرجعيته العقائديّة جعلته يتمسّك بآمال كبيرة في لقاء أخرويّ تشهده جنة الرحمن.
    النزعة إلى التجديد الشكلي
    الجديد في ديوان محمّد نحال أنه خص المجموعة الشعرية بعنوان أجمل قصيدة كتبها و هي "هوس القوافي" تلك الخريدة من البحر الكامل و التي لخّص فيها الكثير من آلامه و القليل من آماله، معاتباً الغامضين في أشعارهم المتحرّرين من الفراهيدية "و أتى الخليل بذي الربوع مُسائلاً * فإذا الدروب هوى يعجّ ضبابا / سأل القصائد عن خرير بحوره * فإذا الحدائق تستحيل خرابا" فالضباب تجسيد لواقع الغبثيين في النص الشعري حين يغرقون في الغرائبية أما إعطاء صفة الخرير للبحر فهذا من قبيل أنه عذب ينبت حدائق البوح و ليس مالحا ملوحة الشِّثريين (شِثر: لا هو شعر و لا هو نثر)، و قد جدد الشاعر في انتقاله من قصيدة الأبيات إلى قصيدة المقطع الواحد كما فعل في القصيدتين "حبك" و الجمال" حيث يعتمد على تشكيل الكثافة الشعرية مع قلّة الكلمات البيتية، و يبدو الشاعر شغوفا بفنّيات الشعر كالتشطير في قصيدته "إلى أبي" حيث استعمل بيت محمد العيد آل خليفة قائلا" إن الشباب إذا سما بطموحه * كسب الدنى و عظائمَ الأحلامِ/و إذا تركتَ سبيله متحرّرا * جعل النجوم مواطئ الأقدام"، و كذلك فعل حين قام بكتابة قصيدة "رجع العتاب" و هي محاولة لتشطير قصيدة "عتاب الرجوع" للشاعرة الإمارتية فواغي القاسمي و للقارئ أن يرى تلك اللعبة الشعرية في تقابل العنوانين أمام مرآة الفنّ العاكسة.و ينتقل الشاعر إلى قصيدة المقاطع المتعددة في قصيدته "سبع رسائل سمان إلى سبعة عجاف"، مخاطبا المنافق و النمّام و المرتشي و الغانية الغاوية و الزناة و السكّير و الخائن، فهو يوجّه رسائل أخلاقيّة تعبّر عن مدى اعتزاز الشاعر بقيم الدين الحنيف في قالب فنّي من سماته الإيجاز و الدقة و الوضوح فهي أشبه برسائل أس أم أس شعرية، و نجد أن الشاعر يتّجه إلى قصيدة البيتين "ظلّي" و التي يقول فيها "يا ظلّ أمسٍ مضى مالبرق من عُمُري * لا كنتُ ظلّك في الآتي من السفر/ فاغنمْ من الدهر أحلاماً و كن أبداً * للشعر تهفو كما الألحان للوتر" فالمتأمل لهذه النتفة الموجهة إلى شاعر صديق يدرك أن الاشتغال الشعري يكون أروع حين تتقزم القامة البيتية، و الجدير بالذكر أن الشاعر رغم تجاوزه مرحلة الشباب إلا أنه أبدع بالحب بروح مرحة تجيد التغزّل و الأجمل أن أبياته تمتلك السلاسة المطلوبة للنفاذ إلى العشّاق خصوصا و هو يقف في قصيدته "أحبك" مستذكرا قصيدة كتبها في شبابه "إلى بلبل" ، فمن أروع ما قال في الأولى "أحبّك جمراً يذوب بصدري * و يهفو فؤادي فيُدنيكِ منّي"، و من أجمل ما قال في الأخرى "بنيتُ لها في السويداء بيتاً * و بالورد غطّيتُ آفاق حبي"، و الملاحظ أن الشاعر شُغف بالمعارضة أيضا في "رد" رفعه إلى الشاعر البحريني علي الفردان و فيها إعادة اعتبار للمعلم الذي كانه يوما و هو المتقاعد المكتوي بنار تلك التجارب.
    تأريخ القصائد
    تؤرِخُ (بكسر الراء) قصائد شاعرنا أحداثا معينة فحين يختم محمد نحّال ديوانه بـ"حمامة الجرف" يستذكر أعنف المعارك التي شهدتها جبال تبسة القادمة منها تلك القصيدة حمامة تهدى إلى الأمير عبد القادر، كما أن هناك استحضار لمحطات التاريخ كشجرة الدردراة التي بويع تحتها الأمير و غيرها من المواقف المنتشرة بين ثنايا ديوانه. و تؤرَّخُ (بفتح الراء) قصائده بحيث نجد أسفل كل قصيدة تاريخا معيّنا عدا قصيدة "الغروب" ربما لأن الموضوع فيها لا يكتسي قيمة الحدث الاستثنائي، والملاحظ أن الشاعر لم يرتّب أشعاره على حسب التاريخ المرفق لها كما أنه أغفل ذكر مكان كتابة البعض منها مثل "الغروب" و "أغزة عذرا" و "حذاء الكرامة" و "هوس القوافي" و "أحبك" و الجمال" نظرا لأنها قصائد تتجاوز المكانية و تحمل قيم الإنسانية التي تقفز على الحدود الجغرافية و تخترق حيّز القطريّة كما أنها مكتوبة في مكان مألوف عند الشاعر، و يبدو أن تخصيص الديوان للقديم و الجديد من طرف شاعرنا هو محاولة لحصر الزمن في بعض مدنه المعشوقة مثل سطيف و عنابة و معسكر و الونزة و تبسة، و هذا يثبت أن الشاعر يجنح كثيرا إلى المناسباتية المخلّدة لمرورٍ عبر الزمكانية الشاعرية، فانطلاقا من سنة 1978 وصولا إلى سنة 2009 تتّقد ثلاثينية البوح و تضطرم في جهات القصيد كلاماً يترنّح بين تجاعيد الماضي و أسارير الحاضر.
    عناوين القصائد
    ما نختم به قراءتنا التأمّلية لديوان "هوس القوافي" هو استنطاق لعناوين قصائد شاعرنا و تحليلها بحيث نجد ضمن العناوين اهتماما بالثنائية اللفظية فـ"همس القوافي" دعوة إلى إنصات عميق لذات شعرية ، و "غادة الهضاب" جذب رقيق في دروب القيم المثالية، و "حذاء الكرامة" استحضار جميل لحادثة منتظر الزيدي بالعراق، و رجع العتاب عودة قلب إلى نبضات العاطفة السليمة، و "هوس القوافي" جنون جميل تستمد منه الكلمة فنونها، و "إلى بلبل" رسالة مضمخة بالحب مرفوعة منه و إليه، و "إلى أبي" وفاء وارف التحنان يبهج الوجدان، و "حمامة الجرف "محاولة لإيقاظ المجد من سبات عميق، أما العناوين المتّسمة بأحادية اللفظة فـ"الافتراق" فلسفة احتراق، و "الغروب" تجلّيات في عالم الخالق، و "ردّ" مواجهة شاعر لماضيه ، و "حبك" اعتراف نادر لشاعر آثر الصمت طويلا، و "أحبك "انسكاب و انسياب لمشاعر متدافعة ، و "ظلّي" رمز لعملقة الظل أمام أنوار المحبة، و "الجمال" مشهد رهباني في محراب التأمل، أما بقية العناوين المركّبة ففي "أ غزة عذرا" نداء شاسع الجرح ، و "إليك يا أمّي" صيحة تمتلئ بفجيعة الفقدان، و "سبع رسائل سمان إلى سبعة عجاف" تحليق للقصيد الزاجل بغية نشر رسالة النبيّ الشاعر. فهذه العناوين و إن افتقدت في الغالب إلى لمسة شعرية عبقرية و تورّطت في المباشرة الساذجة لم تهمل التناص و الاستعارة و الرمز و الاستلهام الفكري.
Working...
X