إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محاولات للتوفيق بين الموروث والحداثة وتحديد صيغ نقدية منهجية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محاولات للتوفيق بين الموروث والحداثة وتحديد صيغ نقدية منهجية

    النقد الفني المعاصر.. محاولات للتوفيق بين الموروث والحداثة وتحديد صيغ نقدية منهجية تواكب الإبداعات الفنية الجديدة


    دمشق - سانا
    باهل قدار
    يكتسب النقد الفني أهميته من مساهمته في تطوير الحركة الفنية التشكيلية عبر تقويمه أعمال الفنانين ونتاجاتهم بالاستناد إلى أسس علمية موضوعية ومعايير فنية وجمالية مضافة إليها وجهة نظر الناقد ورؤيته للعمل الفني .
    وبوصفه همزة وصل حيادية بين العمل الفني والجمهور استفاد الناقد الفني العربي من مناهج النقد الغربية في تحليل عمل الفنان ودراسته دون تخليه عن القيم الجمالية المحلية وتحول إلى منظر من نوع جديد يسهم في خلق حالة من التفاعل الخلاق بين الموروث الجمالي المحلي وأفق الحداثة الغربية .
    وبما أن الحركة التشكيلية في الوطن العربي هي حركة مستحدثة قياساً بفنون الأدب والشعر فإن الحركة النقدية التشكيلية العربية تأخرت نسبياً عن نقد الشعر ونقد الأدب .
    ولم يكن الجو التشكيلي في سورية مختلفاً عما هو سائد في معظم الدول العربية إذ إن المفاهيم الفنية الجديدة لم تجد لها من يؤيدها في خمسينيات القرن الماضي فكانت الكتابات الأولى للنقد التشكيلي السوري عبارة عن مساجلات نقدية بين رموز الحداثة وبين أنصار المدارس المعروفة الذين رأوا أن هذه الفنون غريبة وبعيدة عن الذوق العربي مع متابعة ما يدور ضمن هذه الأوساط في مصر والعراق والمغرب .
    لكن الناقد والباحث التشكيلي الدكتور طلال معلا يرى أن المحترف التشكيلي السوري إلى فترة قريبة كان منغلقاً على نفسه ولهذا الأمر سلبياته وإيجابياته وأوضح في تصريح لوكالة سانا.. إن الفنان في سورية يؤدي دور الناقد وبالمثل يلعب الناقد دور الفنان في الصالات والمؤسسات الفنية والثقافية لذلك ظهر شبه غياب لما يمكن تسميته النقد الفني الحقيقي.
    وقد ساعدت مجلة الحياة التشكيلية التي مازالت وزارة الثقافة تصدرها منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي بشكل فصلي على تطوير الحركة النقدية في سورية والدول العربية بفضل الكتابات المتخصصة والدراسات الفنية والجمالية التي أبرزت أسماء عدد من الرواد وسلطت الضوء على تجاربهم واتجاهاتهم الفنية حتى غدت إلى جانب كتابات عدد قليل من الباحثين وفق ما يقوله معلا المرجع الوحيد للبدايات الفنية في سورية عبر تكريسها الذاكرة الفنية والنقدية لجيل الرواد .
    ولا تختلف حالة النقد التشكيلي العربي اليوم عما يصيب النقد التشكيلي العالمي المعاصر إذ تنقسم النصوص النقدية التي يتلقاها الجمهور إلى ثلاثة أنواع أولها الإخباري الصحفي الخفيف الذي يشبه الإعلان وثانيها النقد الانطباعي الذي يوجه إلى جمهور عام مثقف غير متخصص وميدانه وسائل الإعلام السريعة فضلاً عن نقد ثالث موجه إلى المتخصصين ومجاله المجلات المحكمة والدوريات وتأليف الكتب .
    وما من شك أن هذه الأصناف الثلاثة ضرورية للساحة التشكيلية من حيث مقدرتها على الوصول إلى كافة شرائح المجتمع وإشاعة لغة الفنون البصرية إلا أن الدكتور أسعد عرابي يرى في كتابه المصور في مرآة الناقد أن العديد من النقاد ممن يعملون في الصحافة اليومية ويكتبون في النقد الفني يرصدون معارض لفنانين يلتقون بإنتاجه لأول مرة فيطلقون من خلال أسلوبهم الإخباري تقويمات عامة ومصطلحات مزاجية غير مسؤولة .
    ويذهب عرابي في حكمه إلى أبعد من ذلك بقوله.. إن اختلاط الصحافة بالنقد قاد إلى اختلاط المصطلحات وعدم دقة حدودها فماعت الفروق بين مفاهيم التنزيه والتجريد وبين التشخيص والتشبيه وغيرها ناهيك عن أنه لا يوجد حتى اليوم قاموس عربي يحدد المصطلحات الفنية ذات الأصل الغربي وإشكالات الترجمة تبتدئ من اسم المهنة نفسها .
    إلا أن الدكتور معلا يرى أن الكتابة الفنية النقدية في الصحافة على بساطتها ضرورية لأن مهمة وسيلة الإعلام تكمن في تقديم معلومات عن هذا النشاط الفني اليومي ونقل تصورات الفنانين وتكون منبراً لتبادل الآراء لكنه أكد على أهمية أن تعتمد وسائل الإعلام التي تتطرق لهذا الشأن اختصاصياً فنياً واحداً على الأقل تكون لديه روءية فنية جيدة يستطيع من خلالها المساهمة إلى حد ما بإشاعة المصطلحات الفنية الصحيحة وتقييم التجارب التشكيلية على حقيقتها بما ينعكس إيجاباً على ذهنية الجيل .
    وعادة ما يرتبط مصطلح الناقد بإنسان ذواق للفنون يمتلك صوراً مجازية متعددة حين يقف أمام عمل الفنان ويتمتع بإحساس مرهف ونفاذ بصيرة نقدية إلى جانب المقدرة على الكتابة لكن معلا ينفي أن يكون هناك قالب محدد للناقد التشكيلي حيث يقول.. لا يمكن تقييد الناقد بقالب أو فرض أساسيات محددة عليه لأن السمة الأساسية في الناقد أن يكون محللاً ومنظراً وباحثاً في الاتجاهات الفنية والمصادر البصرية وملماً بالتجارب التي يكتب عنها .
    ويحكم معلا على النقاد الفنيين في الوطن العربي بقالبين اثنين لا يحيدون عنهما أحدهما توصيفي انطباعي وآخر تحليلي فكري فلسفي ويضيف.. لكن الناقد التشكيلي في مشرق الوطن العربي يختلف عن نظيره في المغرب العربي فالناقد المشرقي مازال تالياً للعملية الفنية في الغرب أما في المغرب فهناك تساوق في هذه العملية حتى نستطيع القول إنهما يعيشان معاً مؤكداً أن الحالة الثانية هي الأكثر صحية من ناحية المعاصرة ومتابعة الحركات الفنية وما يستجد عليها .
    ولا يفرق الناقد التشكيلي أديب مخزوم بين عمق الفن والنقد ويرى أن أي معرض يكتسب أهميته من آفاق الرؤى النقدية التي ترافقه لكنه يقر بأنها معادلة صعبة لأن اللوحة أو المنحوتة أو المحفورة هي لغة بصرية يصعب التعبير عنها بلغة ليست تشكيلية ويقول إن معظم الكتابات النقدية السائدة تبدو كمحاولة للهروب لا للتعبير عن النواحي الجمالية والتقنية والتشكيلية في العمل الفني فهذا أسهم في تراجع أو اضمحلال اللغة التشكيلية والنقدية.
    فيما يرى عرابي أن الناقد العربي اعتاد ألا يتجه مباشرة إلى تحليل العناصر البصرية في الأثر الفني عند تصديه لدراسة أي ظاهرة جمالية بل يسلك الطريق الملتوي الحافل بكل ما كتب وأرخ عن سيرة الفنان فيعطي بذلك صفة القطع والجزم للوثيقة التاريخية والكتابية وهو يكرر أو يختزل مقولات النقاد الآخرين فيقع في دائرة مغلقة من الأخطاء الموروثة والمنقولة من سند إلى آخر دون ضبط أو تمحيص مستشهداً بما كتبه النقاد عن أعمال فاتح المدرس والذين ركزوا جميعهم على مشكلته العائلية ومحاولاتهم إثبات العلاقة بين قصر الأشخاص الذين يرسمهم وطفلته المعوقة الكسيحة الراقدة في المنزل.
    ورغم أن المحترف التشكيلي العربي المعاصر يحمل في كل حين موجات من النقاد المهمين تشكيلياً إلا أنها لم تبلغ حد الإبداع التشكيلي فبقيت النصوص النقدية متخلفة عن الحركة الفنية التشكيلية حيث يشير معلا إلى عدم وجود جسم نقدي تشكيلي عربي في ظل غياب المؤسسات والهيئات الداعمة للنصوص الفنية النقدية والناشرة له إضافة إلى ندرة المطبوعات التي تحتمل وجود الطروحات النقدية وتستوعب الإبداعات التشكيلية الجديدة وتبحث في القديم منها.
    ويمكن ملاحظة ظاهرة عدم وجود وعاء مناسب للنقد التشكيلي سواء على مستوى الصحف والدوريات والمجلات المتخصصة بالفنون أو على مستوى المطبوعات والكتب التي تخص الفنون التشكيلية وهي إن وجدت فإنما يكون ذلك مكلفاً للناقد وهذا يؤثر على انتشار الثقافة التشكيلية وإشاعتها.
    ويطالب معلا بمؤسسات فنية مختصة بالنقد التشكيلي للتقريب بين وجهات نظر كل المشتغلين بالفن التشكيلي من فنانين ونقاد وصحفيين ومتذوقين ويكون بإمكانها تحديد مسار الحركة التشكيلية وأرشفة الفن العربي إضافة إلى جعلها مرجعية تشكيلية وفنية حقيقية.
    ويشير معلا إلى أن مجموعة من النقاد الفنيين العرب استطاعوا في فترة سابقة إطلاق جمعية للنقاد التشكيليين في القاهرة لكنه نبه على أن تكوين هذه الجمعية ليست نهاية المطاف لافتاً إلى أهمية البحث والدراسة والاستقصاء الفني الصحيح لخدمة العملية التشكيلية الإبداعية ومواكبة تطورها.

يعمل...
X