Announcement

Collapse
No announcement yet.

قصيدة التفعيلة في سورية في الثمانينيّات ـــ د. خليل الموسى -1- إعداد : فريد ظفور

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • قصيدة التفعيلة في سورية في الثمانينيّات ـــ د. خليل الموسى -1- إعداد : فريد ظفور


    قصيدة التفعيلة
    في سورية في الثمانينيّات
    الدكتور: خليل الموسى
    إعداد : فريد ظفور

    -1-‏

    ازداد عدد شعراء التفعيلة من الشبّان في سورية بشكل لافت للنظر على اعتبار أنها تشكّل في نظر بعضهم مدخلاً إلى العصر والحداثة من جهة، وسبباً وجيهاً إلى أن يكون المرء أحد الشعراء من جهة ثانية، وبخاصة أن مفهوم الشاعر ما زال يرتدّ إلى أزمنة موغلة في القدم، ومع أنّ الحداثة في الغرب -وهي مصدر الحداثة عندنا- ألغت حداثة الشاعر واستبدلت بها حداثة النص، فإن مفهوم الشاعر ظلّ قديماً ورومانسيّاً، ففي دخيلة كلّ منا أنّ الشاعر أهمّ وأعظم عبقرية وخلوداً من الروائي المسرحي والناقد والفيلسوف والمفكّر والمؤرخ، وظلّت كلمة "شاعر" تشير من طرف خفي إلى مفهومها الأفلاطوني والرومانسي، وهي أنّ الشاعر يُوحي إليه، وهو مُلهم ومُختار ومُنتقى، وهذا ما يذكّرنا بما ذهب إليه العقاد من أنّ بيت شعر واحد أهم من أهمّ رواية.‏




    واستمرّت معظم الأصوات الشعرية التي عرفناها في الستينيات والسبعينيات في عطائها، وغدا بعض شعرائها من شيوخ القصيدة الحداثية في سورية، ومنهم محمد عمران وعلي الجندي وفايز خضور وشوقي بغدادي، واستمرّت الأصوات الشعرية الجديدة في التدفق والتجريب، ولكنّ الظاهرة اللاّفتة للنظر أن الساحة الشعرية في سورية قد شهدت تنافساً حادّاً في هذه الفترة بين شعراء التفعيلة، على اعتبار أنَّهم أقرب إلى التراث، وبين شعراء قصيدة النثر الجنس الشعري الوليد، وراح بعض شعراء التفعيلة يجرّب أيضاً في حقل قصيدة النثر، كما فعل الشاعر محمد عمران في أواخر السبعينيات، حين راح ينشر فصول كتابه "الملاجة" على صفحات "ملحق الثورة الثقافي" ثم تلاه ببعض أعماله الطويلة في قصيدة النثر، ولكن بعض شعراء التفعيلة كان لهم موقف آخر من قصيدة النثر، وكأنهم رأوا فيها خروجاً على الشعرية العربية، أو منافساً خطيراً لهم، فوقفوا ضدّها، وسخروا منها، مما جعل بعضهم يرتدّ عنها إلى قصيدة التفعيلة على الأقل، باعتبار أنها محمية تراثية.‏




    وينبغي أن نتوقف هنا أيضاً عند قضية هامة، وهي الحرب الأهلية في لبنان، فقلّت أهمية الدوريات اللبنانية في نشر النتاج السوري الجديد، صحيح أن مجلّة "الآداب" لم تتوقف، ولكنها كانت شبه غائبة، وكانت تصدر على خجل شديد، فتصدر مرّة فصلية، ومرّة نصف سنوية، أو ما شابه ذلك بأعداد فقيرة،‏




    وارتفعت أسعارها إلى حدّ بعيد، وغدت غير نفع، لأنّ القارئ في سورية التفت إلى سواها من الدوريات، التي تصدر في سورية أو خارجها. أما مجلة "شعر" فقد توقفت في النصف الأول من عقد السبعينيات عند عددها الرابع والأربعين، وكذا كان شأن مجلة "الأديب"، واقتصر منبر الشعر في سورية على الصفحات المخصّصة للثقافة في صحفنا اليومية الثلاث وعلي صفحات مجلتي "الموقف الأدبي" و "المعرفة"، وغاب "ملحق الثورة الثقافي" بحلّته القشيبة في أواخر السبعينيات، فخلّف فراغاً عظيماً في التجديد الحقيقي، فانحصر الشعر في سورية إلى حدّ ما في حدوده الرسمية، وتوجّه بعض الشعراء إلى صحف ودوريات خليجية، وكان هذا التوجه ذا طابع مادي في كثير من حالاته وأسبابه.‏




    وإذا تلمّسنا الحياة العامة في سورية والوطن العربي في الثمانينيات فلا نقع إلاَّ على ما هو سوداوي وانكساري، فقد استمرّ اتجاه كامب ديفيد بقوة، ودخلت دول عربية أخرى ضمن هذا الحلف سرّاً أو علناً، وتفكّك الصفّ العربي، وأصبحت جامعة الدول العربية اسماً لا مسمَّى أو فاعلية له، وغدت قراراتها حبراً على ورق، وغدا العرب تجمّعاتٍ، وهذا ما شجّع إسرائيل على أن تخترق الصف العربي، وتجتاح لبنان في الخامس من حزيران في عام 1982 من جهة، وتدخل إلى بيروت العاصمة اللبنانية، وعاصمة الثقافة العربية من جهة ثانية، وتستفرد المقاومة الفلسطينية تحت أنظار العرب واحتجاجاتهم الخجول من جهة ثالثة، فطُعن المثقف العربي في سورية في الصميم، لأن بيروت كانت وما زالت، بالنسبة إليه الرئة التي يتنفّس منها، وفرضت إسرائيل قبل خروجها من هذه العاصمة كثيراً من شروطها القاسية، وأهمّها خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، فتحطّم تمثال البطل الأسطوري الذي ظلَّ يغنّي له بعض الشعراء، وانكفأ الشاعر إلى ذاته ليتأملها، ويتأمل مصير أحلامه وطموحاته السالفة، فلجأ بعضهم إلى التيار الصوفي يناجي امرأة المثال برومانسية أليمة جارحة، وسخر بعضهم مما سلف من أحلامه بمرارة قاسية، وهو متيقّن من أنها غدت في علم الغيب، أو هي على الأقل من مخلّفات الماضي الذي غدا تاريخاً لأحلامه الشعرية المنكوبة.‏
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
    قصيدة التفعيلة في سورية في الثمانينيّات ـــ د. خليل الموسى -1- إعداد : فريد ظفور

Working...
X